قالت ممثلة هندية إن الهند نالت استقلالها عام 2014، في إشارة لتولي ناريندرا مودي رئاسة الوزراء، بينما يتعرض شاروخان وغيره من نجوم بوليوود المسلمين للاضطهاد، بحسب مراقبين، فماذا يحدث في الهند؟
نشرت مجلة Foreign Policy الأمريكية تقريراً عنوانه "حملة هجوم متزايدة يشنّها ناريندرا مودي ضد بوليوود"، رصد إلقاء القبض على نجل النجم الهندي الشهير شاه روخ خان (شاروخان) بتهمة تعاطي المخدرات في إحدى الحفلات، وما تعرضت له نجمة أخرى في إطار ما تقوم به الحكومة الهندوسية المتطرفة بحق الأقلية المسلمة.
ففي معظم أنحاء العالم، تمثل أخبار المشاهير قدراً من الإلهاء المؤقت للجمهور، لكن اعتقال نجل شاروخان سلَّط الضوء على النسيج الاجتماعي المهترئ في الهند، حيث تعمّق الانقسام بين الهندوس والمسلمين منذ أن أصبح ناريندرا مودي رئيساً للوزراء، بحسب المجلة الأمريكية.
يدافع أنصار حكومة مودي القومية الهندوسية عن هذا الاعتقال باعتباره إجراء قانونياً، زاعمين أنَّه يكشف مدى الفساد والانحلال في عالم صناعة السينما الهندية "بوليوود". في المقابل، يؤكد ليبراليون في الهند أنَّها خطوة متعمّدة تهدف إلى تشويه صورة النجم المحبوب المسلم لإرضاء اليمين الهندوسي.
"ملك بوليوود" يرفض سياسة الإقصاء
يعتبر شاروخان نجم السينما الهندية الأشهر في العالم ويُطلق عليه اسم "ملك بوليوود". ألهمت حكايات كفاحه ونجاحه ملايين الهنود، وتدل مكانته المرموقة على وفاء الهند بوعدها بأن تكون دولة علمانية شاملة للجميع يستطيع أي شخص فيها تحقيق النجاح- بغض النظر عن الانتماء الديني أو المذهبي أو الطبقة الاجتماعية.
لكن اليمين الهندوسي لديه تاريخ استياء عميق من صعود مكانة المسلمين في الهند، لا سيما أولئك الذين يتحدون سياساتهم الإقصائية- ومن ضمنهم شاروخان. ففي عام 2015، أدان شاروخان علناً عمليات الإعدام دون محاكمة التي تنفذها عصابات هندوسية بحق مسلمين بزعم تهريب الأبقار بغرض ذبحها وأكل لحمها. تحظى الأبقار بمكانة مقدسة لدى العديد من الهندوس.
كان شاروخان قد صرَّح لقناة "NDTV" الإخبارية المحلية: "كيف تُمثّل العادات الغذائية لمجموعة من الناس مشكلة بالنسبة لأناس آخرين؟"، مضيفاً أنَّ "التعصب الديني والقضاء على العلمانية في هذه الدولة هو أسوأ أنواع الجرائم التي يمكن لأي وطني ارتكابها".
ثمة نمط من استياء جماعات اليمين الهندوسي المتطرف يركز على نجوم بوليوود. اتُّهمت الممثلة الهندية الشهيرة، ديبيكا بادوكون، قبل عام بالتورط في شبكة تجارة مخدرات وخضعت للاستجواب من جانب مكتب مكافحة المخدرات الوطني الهندي. كانت ديبيكا انضمت في عام 2019 إلى احتجاج طلابي ضد قانون الجنسية المثير للجدل المناهض للمسلمين الذي أقرّته حكومة مودي.
القانون الذي سمته حكومة مودي "قانون المواطنة"، وصفته منظمات حقوقية دوليه بأنه يمثل خطراً على الأقلية المسلمة في البلاد، حيث حذرت شبكة حقوق الإنسان في جنوب آسيا أن التضييق على المجتمع المدني والمعارضة في الهند قد جعل البلاد مكاناً خطيراً على الأقلية المسلمة.
ورصد تقرير الشبكة أن الملايين من المسلمين أصبحوا مهددين بتجريدهم من جنسيتهم، مضيفاً أن سياسات الأغلبية القومية الهندوسية التي ينتهجها حزب بهاراتيا جاناتا بقيادة مودي قد زادت من الضغوط على المسلمين في الهند.
"قانون المواطنة الذي تم سنُّه مؤخراً في البلاد مهّد الطريق لحصول المهاجرين غير الشرعيين من أفغانستان وباكستان وبنغلاديش على الجنسية، ما أدى إلى استبعاد المسلمين، بشكل عنصري"، بحسب التقرير الذي لفت إلى أن "المدافعين عن حقوق الإنسان في البلاد، والجماعات الأيديولوجية التي تدعمها الدولة يتعرضون للتهديد المستمر".
ويسمح قانون المواطنة الذي أقرته حكومة مودي بمنح الجنسية الهندية للمهاجرين غير النظاميين الحاملين لجنسيات بنغلاديش وباكستان وأفغانستان، شرط ألا يكونوا مسلمين وأن يكونوا يواجهون اضطهاداً بسبب دينهم، في تناقض مع القيم الديمقراطية والعلمانية التي تقوم عليها الهند، كما يرى سياسيون معارضون داخل البرلمان ومتظاهرون في عدة مدن هندية أن "مشروع القانون يعد تمييزاً ضد المسلمين، وينتهك الدستور العلماني الهندي".
وفي أغسطس/آب 2019، ألغت حكومة مودي المادة 370 من الدستور، والتي كانت تكفل الحكم الذاتي في جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة الوحيدة في البلاد ومن ثم تقسيمها إلى منطقتين تديرهما الحكومة الفيدرالية.
وكان إقليم جامو وكشمير منذ عام 1954، يتمتع بوضع خاص بموجب الدستور الهندي، الذي سمح للولاية بسن قوانينها الخاصة، إلى جانب حماية قانون الجنسية، الذي منع الغرباء من الاستقرار في الأراضي وامتلاكها. وأصدرت حكومة مودي تشريعات تمنح مواطنيها الهندوس، الذين عاشوا في جامو وكشمير لمدة تزيد على 15 عاماً، صفة مواطن محلي لتمكينهم من امتلاك الأراضي والإقامة والعمل، إضافة إلى تقلد المناصب العامة.
وتروّج العديد من الشبكات الإخبارية الموالية لناريندرا مودي أنَّ القضايا، بحق نجل شاروخان وديبيكا، ربما تكشف عن وجود صلة شائنة بين حيازة المخدرات ونجوم بوليوود. في المقابل، يشتبه الليبراليون في أنَّ شاروخان وديبيكا يُعاقبان لانتقادهما ظاهرة "الإسلاموفوبيا" المتنامية في البلاد منذ وصول مودي إلى السلطة، مشيرين إلى القضايا المرفوعة ضدهما على أنها جزء من حملة خبيثة لتخويف المسلمين والليبراليين المرتبطين ببوليوود.
يتضح أن هذه الحملة المتزايدة ضد نجوم بوليوود جزء من نهج أوسع نطاقاً، إذ ألمحت أقليات وأفراد ليبراليون في جميع القطاعات المؤثرة في المجتمع إلى أنَّهم يتعرضون لضغوط لقبول الأفكار التمييزية لليمين الهندوسي بشأن ما يجب أن تكون عليه الهند.
السينما في الهند تواجه المجهول
في البداية، اشتكى الصحفيون من الشعور بالإكراه مع تزايد الرقابة الذاتية، حيث اضطرت معظم الشبكات الإخبارية إلى الاستسلام لضغوط النظام أو السير على حبلٍ مشدود، في حين تحوَّل آخرون إلى أبواق سافرة للسياسات الحكومية.
تعرضت بعد ذلك الجامعات ذات الميول اليسارية وتلك التي تهيمن عليها الأقليات للاستهداف، ثم أصبحت مؤخراً صناعة السينما والدراما الهندية، التي توظف أكثر من مليون شخص وتحظى بإعجاب الملايين في جميع أنحاء العالم، أحدث ضحايا هذه الحملة الهجومية.
باتت الآن السينما ونجومها في قلب ثورة ثقافية مُصمّمة لسحق أي معارضة ضد حكومة مودي وتغيير مسار الهند من مجتمع متنوع إلى مجتمع متماثل ثقافياً. وعلى الرغم من أنَّه كان لزاماً عليها التحلّى بالحذر لتجنب إغضاب القوى السياسية، مثَّلت صناعة السينما الهندية دائماً مساحة علمانية ساهمت في تعزيز التماسك بين الطوائف والطبقات الاجتماعية المختلفة وأدت دوراً فعّالاً في بناء مجتمع متسامح.
لكن يشعر المُمثّلون خلال السنوات القليلة الماضية بالخوف من التعبير عن آرائهم بشأن القرارات السياسية المثيرة للجدل، وفقدت الصناعة مصداقيتها بوصمها بأنَّها مرتع لمدمني المخدرات وتشهد لغة السينما الهندية تغييراً تدريجياً- بطيئاً لكن مؤكداً.
كانت الأغاني على مدار فترة طويلة تنشر أفكار التعايش السلمي ونجحت صناعة الموسيقى والسينما الهندية في ترسيخ قيمة التوفيق بين المعتقدات الدينية المختلفة في أذهان أجيال من الهنود. لكن الآن، تتخلل الشوفينية الدينية الأغاني والقصص الدرامية دون وازع أو تأنيب ضمير، ويبدو أن هناك هوساً جديداً بصناعة أفلام عن الملوك الهندوس المحاربين الذين تحدّوا الحكّام المسلمين- الذين غالباً ما يُصوّرون على أنّهم أشرار.
بات يظهر الكثير من سلوكيات استعراض القوة والعظمة أثناء تمجيد الآلهة الهندوسية كما لو كانت محاولة لاستدعاء ليس فقط الفخر بالتراث الهندوسي، لكن شيء ما أكبر- ربما الشعور بالتفوق.
وداعاً لقيم "الحب والأخوة" في بوليوود
قالت شوبرا غوبتا، الناقدة السينمائية وكاتبة العمود البارزة لدى صحيفة "Indian Express"، لمجلة "Foreign Policy" الأمريكية إنَّ السينما الهندية اعتادت الترويج لقيم "الحب والأخوة" على مدار السنوات الأولى لبناء الدولة بعد الاستقلال. لكن هذا يتغير بسرعة"، مضيفة أنَّ "التعصب ونظام السلطة الأبوية والوضع الراهن لا يعرفان حدوداً سياسية. هذا هو نوع السينما الذي يدفع نحوه بلا هوادة التيار العام السائد في الهند".
وتابعت: "استخدمت جميع الحكومات على مر العقود صناعة السينما لنشر أفكارها ورسائلها، نظراً لما تتمتع به من شعبية كبيرة. لكن بوليوود تتعرض الآن لضغوط أكثر من أي وقت مضى من أجل الانصياع للخط التابع للدولة القائم على الزعامة والسيطرة، إذ إنَّ النظام الحالي يدرك جيداً قوة الصورة ومدى تأثيرها على نحو لم يسبق لأي نظام آخر إدراكه".
بدأ الأمر بوفاة الممثل الهندي، سوشانت سينغ راجبوت، في أوائل عام 2020، حيث زعم والداه أنَّ الوفاة كانت مدبرة، على الرغم من تأكيد تشريح الجثة أنَّه حادث انتحار. اُتّهمت صديقة راجبوت، الممثلة الهندية ريا تشاكرابورتي، بالتورط في حادثة انتحار راجبوت من خلال شرائها المخدرات له.
كانت ريا أول مَن أُلقي القبض عليه في قضية تربط بين المخدرات وعالم بوليوود، لذا مهَّدت قضيتها الطريق للتدقيق في أخلاقيات نجوم السينما على الرغم من كونها وجهاً فنياً جديداً.
أدّت وفاة سوشانت سينغ راجبوت أيضاً إلى إثارة نقاش جيد حول المحسوبية المنتشرة في بوليوود، حيث تدار صناعة الأفلام في البلاد مثل الشركات العائلية. يصطف أبناء الممثلين والمخرجين في المقدمة ليصبحوا نجوم الجيل القادم. لكن هناك العديد من الغرباء الذين نجحوا في تجاوز هذه الحدود- كان شاروخان واحداً منهم.
ومع ذلك، يبدو أن تركيز السلطات والقوى الرئيسية الهندوسية المتطرفة وغضب وسائل الإعلام يقتصر على أولئك الذين لم يعربوا عن تأييد علني للسلطة المركزية في نيودلهي.
قالت الناقدة السينمائية شوبرا غوبتا: "يحظى الاتجاه القائل بأنَّ بوليوود مليئة بالمحسوبية ومدمني المخدرات بترويج قوي، حيث يتعرّض أي عمل فني تنتجه هذه الصناعة للتشويه ما لم يرغب صنّاع العمل في البقاء في الجانب الآمن مع أفلام تتحدث عن الغزاة المسلمين السيئين والملوك الهندوس الشجعان المدافعين عن الإيمان".
يشهد عالم صناعة الأفلام الهندية حالة انقسام. هناك ممثّلون يصطفون إلى جانب حكومة مودي؛ لدرجة أنَّ إحداهن قالت في الأسبوع الماضي إنَّ الهند نالت حريتها في عام 2014- وهو العام الذي أصبح فيه مودي رئيساً للوزراء.
في المقابل، يخشى آخرون من تقلّص المساحة الإبداعية التي تسمح لهم بأن يكونوا فنانين حقيقيين ويتحدوا النزعة القومية المتطرفة المتزايدة في البلاد، بالإضافة إلى أنَّهم يشعرون بالقلق من احتمالية حظر أفلامهم أو توجيه اتهامات إليهم في قضايا مثل تلك التي يواجهها نجل شاروخان وديبيكا بادكون، اللذين باتا يتوخيان الحذر منذ تلك القضايا. يعاني عالم أفلام بوليوود من مشكلات عديدة، من بينها مفردات تتسم بدرجة عالية من التحيز الجنسي. لكن إذا كُمِّمت أفواه الفنانين، فلن يبقى أحد ليكون مرآة تعكس حالة المجتمع وتساهم في الارتقاء به.