حقوق الإنسان أم المصالح.. هل توقف ألمانيا صفقة أسلحة عملاقة لمصر مررتها ميركل في يومها الأخير؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2022/01/02 الساعة 16:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/01/03 الساعة 05:02 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل/رويترز

قبل يوم واحد من مغادرتها، وافقت حكومة المستشارة الألماناية أنجيلا ميركل على صفقة أسلحة ألمانية إلى مصر، وهو قرار لم يعجب الحكومة الحالية التي حاولت النأي عن الموضوع، رغم أن المستشار الجديد لألمانيا أولاف شولتز كان نائباً لميركل في حكومتها.

في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية Deutsche Presse-Agentur DPA في 16 ديسمبر/كانون الأول الماضي، تحدَّثت كاتيا كيول، وزيرة الدولة في وزارة الخارجية الألمانية، عن موافقة المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل على صفقةٍ لتصدير الأسلحة إلى مصر قبل يوم واحد من مغادرتها المنصب، وعلَّقت بالقول: "لا أتصوَّر أن الحكومة الجديدة ستمرِّر هذه الصفقة".

وقالت كيول إن الاتفاق الذي يقوم عليه الائتلاف الحاكم الجديد يتضمن بنداً واضحاً حول مسألة تصدير الأسلحة، و"ما حدث يُبيِّن أنه يتعين علينا تنفيذ هذا البند على الفور، مع تمهيد الطريق لوضعِ قانون يحكم قضية تصدير السلاح".

وأردفت قائلة إن الحكومة الائتلافية الجديدة ستدخل قانوناً يشدد القيود على صادرات الأسلحة.

وتعهدت الحكومة الائتلافية الجديدة، المكونة من حزب الديمقراطيين الاشتراكيين من يسار الوسط (SPD)، وحزب الخضر وحزب FDP النيوليبرالي – في اتفاق تحالفهم بتشديد صادرات الأسلحة إلى ما يسمى بالدول الثالثة خارج الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.

وسيشمل ذلك مصر، التي كانت إحدى الوجهات الرئيسية لتصدير الأسلحة لألمانيا.

صفقة أسلحة ألمانية إلى مصر في يوم ميركل الأخير

وصلت صادرات الأسلحة الألمانية إلى مستوى قياسي هذا العام ، بفضل الموافقة في اللحظة الأخيرة على صفقتي الأسلحة لمصر وسنغافورة من قبل إدارة المستشارة أنجيلا ميركل بقية 5.6 مليار دولار.

وأصدر مجلس الأمن الاتحادي الألماني في نهاية عهد ميركل تصاريح لإجمالي ثلاث عمليات تصدير.

وبناء على هذه التصاريح سيتم السماح لشركة "تيسن كروب" للأنظمة البحرية بتوريد ثلاث فرقاطات من طراز "ميكو إيه200- إي إن" إلى مصر، كما تمت الموافقة أيضاً لشركة "ديل ديفينس" الألمانية على توريد 16 نظام دفاع جوي من طراز "إيريس-تي إس إل إس/إس إل إكس" إلى مصر أيضاً. 

أما التصريح الثالث، فيسمح لشركة "تيسن كروب" للأنظمة البحرية بتصدير غواصة من طراز "218 إس جي" إلى سنغافورة، بحسب خطاب ألتماير.

ولكن هناك كثير من الانتقاد منذ العام الماضي، لتصاريح بيع الأسلحة إلى مصر بسبب الانتقاد الموجه للقاهرة بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان والتورط في نزاعات في اليمن وليبيا، حسبما ورد في تقرير لموقع "دويتش فيليه" الألماني".

ونأت وزارة الاقتصاد الألمانية الجديدة التي يقودها روبرت هابك، نائب المستشار أولاف شولتس، وهي الوزارة المسؤولة عن الرقابة على صادرات الأسلحة، بنفسها أيضاً عن هذه التصاريح.

وقالت بيآته بارون، متحدثة باسم الوزارة: "يتعلق الأمر بقرارات للحكومة السابقة التي تتحمل الحكومة السابقة أيضاً المسؤولية الكاملة عنها"، مؤكدة أن الحكومة الاتحادية الجديدة تعتزم التعامل بشكل تقييدي أكثر مع صادرات الأسلحة.

انتقادات حادة لأوضاع حقوق الإنسان في مصر

كانت وزارة الخارجية الألمانية وجَّهت في 18 ديسمبر/كانون الأول انتقادات حادة لأوضاع حقوق الإنسان المتردية في مصر. وأصدرت بياناً قالت فيه إن الأحكام التي كان من المقرر أن تصدر في 20 ديسمبر/كانون الأول بحق الناشط السياسي علاء عبد الفتاح ومحاميه محمد الباقر والمدوِّن محمد إبراهيم، تراها الحكومة الفيدرالية الألمانية مؤشراً على الاتجاه الذي تسير إليه أوضاع حقوق الإنسان في مصر. 

وطالبت الخارجية الألمانية مصر بالإفراج عنهم جميعاً، وقالت إن المحامين لا يجوز أن يُعاقبوا على مزاولة أنشطتهم المهنية، حسبما ورد في تقرير لموقع Al-Monitor الأمريكي.

كيف ردت القاهرة؟

رداً على ذلك، أصدرت وزارة الخارجية المصرية بياناً في 18 ديسمبر/كانون الأول، قالت فيه "إنها تعتبر هذا الأسلوب تدخلاً سافراً وغير مبرَّر في شؤونها الداخلية، ويُصادر على مسار قضائي دون دليل أو سند موضوعي"، ودعَتْ الحكومةَ الألمانية إلى "الالتفات إلى تحدياتها الداخلية بدلاً من فرض وصايتها على الآخرين".

وفي حكم نهائي غير قابل للاستئناف، حكمت محكمة جنح أمن الدولة طوارئ في 20 ديسمبر/كانون الأول على علاء عبد الفتاح بالسجن 5 سنوات، وعلى محمد الباقر ومحمد إبراهيم بالسجن 4 سنوات لكل منهما، بتهم نشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ومشاركة جماعة إرهابية (جماعة الإخوان المسلمين) بغرض تعطيل أحكام الدستور والقانون المصري.

لم يكتف النظام المصري بخطوةِ إصدار بيان رسمي ينتقد ألمانيا ويهاجمها، بل ذهب إلى أبعد من ذلك بشنِّ حملة عليها باستخدام الإعلاميين المقربين من السلطة والمجلس القومي المصري لحقوق الإنسان. وهكذا، قال أحمد موسى، الصحفي الموالي للنظام، في حلقة برنامجه "على مسؤوليتي" التي بثَّتها قناة صدى البلد يوم 18 ديسمبر/كانون الأول: "من أعطى ألمانيا حق التدخل في الشأن المصري وعمل القضاء المصري؟ ما علاقة ألمانيا بأشخاص متهمين في قضية إرهاب؟ الخارجية الألمانية تحاول أن تعطينا دروساً، لكننا دولة لا تأخذ دروساً من أحد".

وفي اليوم نفسه، قال المذيع المصري نشأت الديهي، خلال حلقة برنامجه "بالورقة والقلم" الذي تبثُّه قناة TeN TV: "نحن نواجه حلقة جديدة من حلقات الحماقة في التعاطي مع قضايا لا تخص ألمانيا، فهو تدخل سافر وتعدٍّ صفيق، وهذا تدخل غير مقبول وانتقاص للسيادة المصرية".

وقال الإعلامي المصري عمرو أديب يوم 18 ديسمبر/كانون الأول، خلال حلقة برنامجه "الحكاية" المذاعة على قناة MBC  مصر، إن "أسلوب وزارة الخارجية الألمانية  أقل ما يقال عنه إنه ساذج"، وتساءل: "لماذا طالبت ألمانيا بالإفراج عن هذه الأسماء الثلاثة المحددة دون غيرها؟".

في غضون ذلك، شنَّ المجلس القومي لحقوق الإنسان، التابع للحكومة المصرية، هجوماً حاداً على ألمانيا يوم 18 ديسمبر/كانون الأول، وقال إن تعليقات وزارة الخارجية الألمانية على قضايا منظورة أمام القضاء المصري تدخلٌ سافر وغير مقبول في الشأن القضائي المصري.

أثار هذا التصعيد المتبادل موجةً واسعة النطاق من ردود الفعل وطرحَ تساؤلات عديدة حول مستقبل العلاقة بين البلدين في وقتٍ تتولى فيه حكومة جديدة شؤون ألمانيا. كما أعقبته تساؤلات حول ما إذا كانت برلين ستمضي قدماً في صفقة الأسلحة التي وافقت عليها ميركل قبل رحيلها أم لا.

البعض يرى أنها مجرد رسالة ألمانية داخلية لن تترجم

في هذا السياق، قال حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، لموقع Al-Monitor: "إن التحركات الألمانية الأخيرة ضد النظام المصري أقصى ما تهدف إليه هو إيصال رسالة للجمهور الألماني مفادها أن الحكومة الجديدة تهتم بأوضاع حقوق الإنسان، ولن تتجاهلها، على عكس سياسات الحكومة الألمانية السابقة".

وتطرق نافعة إلى مسألة تمرير الحكومة الألمانية لصفقة السلاح التي وافقت عليها ميركل قبل مغادرتها، وقال إن"ألمانيا لن تُبطل هذه الصفقة العسكرية مع مصر، وسوف تكتفي بتجميدها في الوقت الحالي"، وقد تمرِّرها في مرحلة لاحقة.

وأشار نافعة إلى أن صفقةَ السلاح هذه شديدة الأهمية لمصر، لما تشمله من أنظمة دفاع جوي تُمكِّن مصر من حماية أجوائها ومواجهة الطائرات التركية المسيَّرة، التي تمكنت أنقرة من تسويقها في عدة دول.

في 17 أكتوبر/تشرين الأول، قال مصدر تركي رسمي لوكالة Reuters إن المغرب وإثيوبيا قدَّما طلبات رسمية لتركيا لشراء طائرات مسيَّرة تركية من طراز بيرقدار.

بالإضافة إلى ذلك، قال نافعة إن "العلاقات بين ألمانيا ومصر علاقات استراتيجية، إذ إن مصر سوق كبيرة للأسلحة الألمانية، فهي من أكبر الدول المستوردة للأسلحة الألمانية في العالم، لذلك سيكون من الصعب إلغاء هذه الصفقة".

مصر ثاني أكبر مستورد للأسلحة الألمانية

وتقليدياً تعد المجر وهي دولة عضو بالاتحاد الأوروبي متهمة بالانجراف نحو الاستبداد، هي أكبر مستود للأسلحة الألمانية.

وقالت الحكومة الألمانية في 7 يناير/كانون الثاني 2021، إن مصر احتلت المرتبة الثانية بين الدول التي أصدرت لها ألمانيا تصاريح بتصدير الأسلحة إليها في عام 2020، بمبيعات أسلحة تصل قيمتها إلى 800 مليون يورو (909.9 مليون دولار). وجاءت إسرائيل في المرتبة الثالثة بمبيعات بلغت 582.4 مليون يورو (662.4 مليون دولار) تلتها الولايات المتحدة بمبيعات قيمتها 509.2 مليون يورو (579.1 مليون دولار).

بناء على ذلك، قال نافعة إن التحركات الألمانية من هذا النوع لن تدفع بالحكومة المصرية إلى تغيير سياستها ومنهجها في التعامل في قضية حقوق الإنسان، وهو ما يتضح من صدور حكم نهائي على علاء عبد الفتاح وآخرين، رغم ضغوط الولايات المتحدة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في مصر.

صفقة أسلحة ألمانية إلى مصر
دبابة ليوبارد الألمانية/رويترز

كان متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أعلن في 15 سبتمبر/أيلول 2020 أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ستوقف تسليم 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر، إلى أن تتخذ مصر خطوات محددة تتعلق بتحسين أوضاع حقوق الإنسان في البلاد.

في المقابل، قال مصطفى بكري، عضو مجلس النواب المصري، لموقع Al-Monitor: "إن التصريحات الأخيرة لألمانيا شابتها غطرسة وإملاءات غير مقبولة"، مضيفاً أن العلاقة بين البلدين تقوم على أساس المصالح المشتركة، وليس التبعية. وأكَّد أنه إذا اتبعت الحكومة الألمانية الجديدة هذا النهج، فإن مصر ستبحث عن بدائل للحصول على الأسلحة دون الاستجابة لأي ضغوط.

وأضاف بكري أن الدولة المصرية تبذل جهوداً حثيثة لتحسين أوضاعها الحقوقية، مشيراً إلى استحالة التساهل مع الجرائم الإرهابية التي تستهدف أمن الوطن وسلامته.

وفي 11 سبتمبر/أيلول 2021، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، بهدف تعزيز احترام الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

مكافحة الإرهاب والهجرة أهم من حقوق الإنسان

من جانبه، دافع خبير السياسة الخارجية للكتلة المحافظة في البرلمان الألماني، رودريش كيسويتر، عن صفقات حكومة ميركل المنتهية ولايتها، قائلاً إنها تمت "ضمن الإطار القانوني الصحيح".

وقال لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن انتقادات الأحزاب اليسارية "ليست أكثر من دموع التماسيح".

ورأى أنه من الضروري حماية المصالح الأمنية لألمانيا في الإصلاح القادم لضوابط تصدير الأسلحة.

وحذر من أن "من مصلحة ألمانيا أن تستمر دول الشرق الأوسط في الحصول على دعم دول الاتحاد الأوروبي في سياستها المتعلقة بالتسلح. ولا يمكن أن يكون في مصلحتنا إذا حصلت هذه الدول في المستقبل على إمداداتها من الصين أو روسيا".

وبعد الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي عام 2013، فرضت الولايات المتحدة التي كانت أكبر مزود للأسلحة للجيش المصري، حظراً مؤقتاً على تصدير السلاح الأمريكي للقاهرة باعتبار ما جرى انقلاباً، لكن ألمانيا عززت صادراتها من الأسلحة لمصر، رغم إعرابها عن القلق من التطورات في مصر آنذاك.

واستغل الرئيس السيسي ورقة مكافحة الإرهاب لتعزيز علاقاته مع الغرب، وبالنسبة لألمانيا، ازدادت أهمية العلاقات مع مصر في عهد السيسي بسبب دوره المفترض في منع الهجرة غير الشرعية لأوروبا الذي وصل إلى حد الحديث عن استعداد مصر لإقامة معسكرات لاستقبال اللاجئين على أرضها، كما أن القاهرة في عهد السيسي مضت قدماً في مجال التطبيع بشكل غير مسبوق، إضافة إلى عامل لا يتم ذكره هو رغبة ألمانيا وفرنسا في تعزيز دور القاهرة في شرق المتوسط في مواجهة صعود الدور التركي خاصة في ظل الخلافات الأوروبية التركية حول ترسيم الحدود البحرية بين تركيا واليونان والقضية القبرصية، وملف الهجرة، وملف انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.

تحميل المزيد