جاءت المناورات الإيرانية الأخيرة، لتحمل رسالة تهديد لإسرائيل بإمكانية قصف مفاعل ديمونة النووي، إذا ضربت الأخيرة برنامج طهران، فهل تستطيع إيران فعلاً قصف مفاعل ديمونة الإسرائيلي أم أن هذه مجرد تهديدات جوفاء؟
فمع تزايد التوترات بين طهران وتل أبيب جراء تصاعد الدعوات في تل أبيب لتوجيه ضربة إلى المنشآت النووية الإيرانية، وتلويح تل أبيب بإمكانية انفرادها بضرب طهران، ردت إيران بالتلويح بإمكانية قيامها بقصف مفاعل ديمونة الإسرائيلي.
إذ أجرت إيران مؤخراً مناورة حربية في الخليج العربي، بدت تستعرض فيها قدراتها المفترضة على الرد في حالة تعرض منشآتها النووية للهجوم.
إيران تتدرب على قصف مفاعل ديمونة النووي
ففي نهاية خمسة أيام من التدريبات العسكرية، أطلق الحرس الثوري الإيراني 16 صاروخاً باليستياً أرض-أرض، والتي قال مسؤولون عسكريون إنها كانت بمثابة تحذير لإسرائيل، بإمكانية قصف مفاعل ديمونة النووي.
وفي ختام التدريبات، أظهر التلفزيون الحكومي صواريخ تدمر هدفاً يشبه مفاعل ديمونة النووي الإسرائيلي.
ونقلت صحيفة "هآرتس" عن وكالة أنباء تسنيم قولها إن "الحرس الثوري نجح في محاكاة قصف مفاعل ديمونة النووي في تدريباته الصاروخية من خلال نسخة طبق الأصل لمنشأة ديمونة".
في وقت سابق من هذا الأسبوع، ورد أن الحرس الثوري أطلق صواريخ كروز لمدى غير محدد وأن طائرات بدون طيار الهجومية قد أصابت أهدافها بنجاح في جميع أنحاء جنوب البلاد.
كما بث التلفزيون الحكومي في وقت لاحق لقطات لإطلاق صواريخ وطائرات بدون طيار وسفينة انفجرت بعد أن وضع رجال الضفادع ألغاماً على متنها.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس قد هدد بضرب منشآت إيران النووية بعبارات لا لبس فيها.
هل تستطيع طهران قصف مفاعل ديمونة؟
اعتبرت صحيفة Jerusalem Post الإسرائيلية قرار إيران باختبار صواريخ باليستية بعيدة المدى والكشف عن قاذفة جديدة بدون طيار مع ربط ذلك بنموذج رقمي من ديمونة هو مستوى جديد من التهديدات الإيرانية.
وقالت إن هذا تصعيد خطير في الخطاب الإيراني، كما أن التهديد يأتي في وقت كشفت فيه طهران عن جوانب من برنامج الطائرات بدون طيار والتكنولوجيا الجديدة.
الفيديو نشرته وكالتا فارس وتسنيم الجديدة، وهما من أهم وسائل الإعلام الإيرانية المرتبطة بالحكومة والحرس الثوري الإيراني.
أطلقت طهران مقاطع الفيديو عالية الجودة لوسائل الإعلام الخاصة بها. وقال التقرير إن مقاطع الفيديو "تظهر قوة ودقة الصواريخ والطائرات بدون طيار".
وذكرت وكالة تسنيم أن الطائرات المسيرة استُخدمت "لضرب برج التبريد في ديمونة".
وقالت إيران إن طائرة مسيرة مماثلة استخدمها المتمردون الحوثيون في اليمن والتي يطلق عليها اسم "عيد" استُخدمت ضد منشآت أرامكو في السعودية. في يناير/كانون الثاني 2019.
وقال تقرير لمجلة نيوزويك الأمريكية إن الطائرة شاهد -136 التي قد تكون استخدمت في الهجوم وقيل في ذلك الوقت إن مدى هذه الطائرة يبلغ حوالي 2000 كيلومتر. (1.240 ميلاً). هذا يعني أنه يمكن أن يصل إلى جنوب إسرائيل من اليمن. يبدو الآن أن إيران أكدت نشر هذا النوع من الطائرات بدون طيار أو نسخة قريبة منها في اليمن.
بشكل عام، يشير هذا إلى الطريقة التي تدمج بها إيران الطائرات بدون طيار مع الصواريخ في خططها الهجومية.
هجوم أرامكو السعودية أقلق إسرائيل
في عام 2019، استخدمت إيران 25 طائرة بدون طيار وصواريخ كروز لمهاجمة منشأة بقيق للطاقة التابعة لشركة أرامكو السعودية في شرق البلاد وهو ما رفع الستار عن قدرات إيران التي توسعت منذ ذلك الحين.
وأثار هجوم أرامكو الذي عطل 5 % من إمدادات النفط العالمية قلقاً شديداً في إسرائيل على مفاعل ديمونة، بحسب تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.
وأوضح الدمار الذي سببته الطائرات من دون طيار في السعودية أنَّ الإيرانيين يصنعون طائرات من دون طيار ويشغلونها (بقدرات تسلل ومحركات طائرات مميزة) متطورة، لدرجة أنها ليست متأخرة كثيراً عن القدرات الإسرائيلية في هذا المجال.
قدر الإسرائيليون معدل نجاح القصف بـ85%، وهي نسبة أعلى من بعض المعدلات الأمريكية، وهو ما يشير إلى القدرة المتطورة للتكنولوجيا المستخدمة وارتفاع إمكانية الاعتماد عليها.
العنصر الفارق الذي أظهرته الطائرات المسيرة في هجوم أرامكو أكثر حتى من الطائرات المسيرة التركية، أن السعودية تمتلك أنظمة دفاع جوي تعد من الأفضل في المنطقة.
وعادة ما يتم التركيز على أن نجاحات الطائرات المسيرة التركية قد جرت في حروب منخفضة الكثافة وضد جيوش متأخرة لا تمتلك دفاعات صاروخية حديثة، وبصرف النظر عن أن هذا غير دقيق، لأن في إدلب وليبيا وناغورنو قره باغ كانت بها أنظمة دفاع جوى روسية متطورة نسبياً، ولكن في الحالة السعودية كان الأمر أكثر فجاجة.
إذ يمتلك الجيش السعودي رادارات طيران كان ينبغي لها رصد الهجوم الوشيك. كما أن السعودية تمتلك صواريخ باتريوت الأمريكية المضادة للصواريخ والطائرات، والأخطر أن الولايات المتحدة عبر وجودها العسكري بالمنطقة عجزت عن رصد أية علامات كانت ستمكنها من اكتشاف الهجوم المحتمل (ومصدره، الذي قد يكون إيران أو اليمن).
هجمات على القوات الأمريكية في العراق واختراق لأجواء إسرائيل
إضافة إلى هجوم أرامكو أرسلت إيران تكنولوجيا الطائرات المسيرة إلى حزب الله والحوثيين وحماس والميليشيات الشيعية في العراق.
في مايو/أيار 2021، استخدمت عناصر موالية لإيران في العراق طائرة بدون طيار للتحليق فوق سوريا في محاولة لمهاجمة إسرائيل.
في فبراير/شباط 2018، استخدمت إيران طائرة بدون طيار من قاعدة T-4 في سوريا للتحليق في المجال الجوي الإسرائيلي. كما استخدمت طائرات بدون طيار لمهاجمة القوات الأمريكية في العراق وقاعدة التنف في سوريا.
في يوليو/تموز الماضي، استخدمت إيران طائرات بدون طيار لاستهداف سفينة تجارية في خليج عُمان، مما أدى إلى مقتل بحار روماني وآخر بريطاني.
سبق أن تعرض المفاعل الإسرائيلي لهجوم صاروخي يقال إنه طائش
في 22 أبريل/نيسان، سقط صاروخ سوري بالقرب من ديمونة وردت إسرائيل بهجوم في سوريا.
وبينما تقول الرواية الرسمية الإسرائيلية إن الهجوم سببه صاروخ جو جو سوري طائش، كان يطارد طائرة إسرائيلية، فإن وسائل إعلام إيرانية ألمحت إلى أن الهجوم ما هو إلا انتقام إيراني من الهجوم الإسرائيلي على منشأة نظنز النووية في 11 إبريل/نيسان 2021.
ويبدو أن الصحافة الإسرائيلية لم تسلم كثيراً بالرواية الرسمية، وأنها قلقة من احتمالات لو كان هذا الصاروخ قد سقط على مفاعل ديمونة، ومتخوفة من أن تكون الرسالة الإيرانية المحتملة تتبعها رسائل أكثر حدة.
وفي المناورات الإيرانية التي تضمنت محاكاة لسيناريو قصف مفاعل ديمونة، فإن الاستخدام الجديد لطائرات الكاميكاز "الانتحارية" الصغيرة وطائرات بدون طيار بعيدة المدى مقترنة بالصواريخ الباليستية،، يمثل مزيجاً جديداً من الذخائر، وهو مزيج قد يكون فعالاً، ويذكر بنجاح مزيج صواريخ كروز والطائرات المسيرة في هجوم أرامكو.
إسرائيل لديها أفضل دفاع جوي في المنطقة
يميل الإيرانيون دوماً للمبالغة في تصوير قدراتهم العسكرية، ويميل العسكريون الإسرائيليون للمبالغة في تقييم قدرات إيران لتحريض الغرب ضدها.
إذ تظل إسرائيل بأسراب طائراتها من طرازات إف 15، وإف 16 وإف 35 المدعومة بطائرات التزود بالوقود أكثر قدرة على ضرب برنامج إيران النووي، من قدرة طهران بصواريخها الباليستية، وطائراتها المسيرة على ضرب مفاعل ديمونة وإسرائيل بصفة عامة.
وتمتلك إسرائيل نظاماً للدفاع الجوي رباعي الطبقات ويعد أفضل الدفاعات الجوية في المنطقة. فإلى جانب تشغيل أنواع متطورة من صواريخ باتريوت، طوَّرت إسرائيل أيضاً صواريخ دفاع جوي متعددة الطبقات ومتطورة للغاية بمساعدة وتمويل الولايات المتحدة. ويمكن لمنظومة القبة الحديدية اعتراض الصواريخ قصيرة المدى، مثل تلك التي تُطلَق من حركة حماس في غزة على إسرائيل بصفة متكررة.
وصُمِّمت منظومة "مقلاع داوود" لاعتراض الصواريخ التكتيكية على علو منخفض، وصُمِّمَت صواريخ "Arrow 3" لاعتراض الصواريخ الباليستية العابرة للقارات أثناء تحليقها في الفضاء، وهو الأمر الذي سيُحيِّد أي صواريخ تحمل رؤوساً حربية غير تقليدية، من الناحية النظرية على الأقل.
نجح المزيج الإسرائيلي في التصدي لصواريخ حماس وطائراتها المسيرة وقبلها حزب الله بمعدل أفضل من أداء الدفاع الجوي السعودي أمام هجوم أرامكو.
ولكن ما زال لدى الإيرانيين فرصة لاستهداف مفاعل ديمونة، وكونه مفاعلاً نووياً، فاحتمال استهدافه لو بنسبة قليلة أمر خطير، وحتى لو أن الضرر الذي سيلحقه الإيرانيون به سيكون محدوداً.
في المقابل أن قدرات الإيرانيين على الدفاع عن أجوائهم قد تحسنت.
فلقد قطعت الدفاعات الجوية الإيرانية شوطاً طويلاً منذ منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة. فآنذاك كانت تلك الدفاعات، على سبيل المثال، عديمة الجدوى في رصد أو تعقُّب، ناهيك عن اعتراض، الطائرات التي تنتهك مجالها الجوي. بل كانت طائرات التزود بالوقود التابعة لسلاح الجو الأمريكي تقضي أحياناً ما يصل إلى ساعتين داخل المجال الجوي الإيراني دون رصدها. وكانت صواريخ الدفاع الجوي الإيراني تتألف إلى حدٍّ كبير من صواريخ MIM-23 القديمة أمريكية الصنع والتي اشترتها طهران في السبعينيات خلال عهد الشاه.
واشترت إيران منذ ذلك الحين صواريخ الدفاع الجوي S-300PMU-2 من روسيا وطوَّرت أيضاً صواريخ شبيهة بنفسها.
كما كشفت إيران في عام 2019 النقاب عن منظومة "باور-373″، والتي تمثل الرد الإيراني على منظومة S-300 الروسية وصواريخ باتريوت الأمريكية. وتزعم إيران أنَّ المنظومة بمقدورها رصد ما يصل إلى 300 هدف في نفس الوقت من على بُعد يزيد على 180 ميلاً (290 كيلومتراً تقريباً) والاشتباك بصواريخ "صياد 4" مع 6 أهداف، وهي الصواريخ التي يُزعَم أنَّ مداها يصل إلى 120 ميلاً (193 كيلومتراً تقريباً).
ولكن قد يكون أكبر عائق أمام إسرائيل لقصف برنامج إيران النووي، ليس صواريخ إيران الدفاعية، أو طائراتها المتهاكلة، ولكن تحصين أجزاء هذا البرنامج إضافة إلى انتشاره الواسع في مناطق إيران، إضافة لبعد المسافة بين إسرائيل وإيران.
في المقابل، فإن احتمال قصف مفاعل ديمونة من قبل إيران حتى لو كان ضعيفاً، قد يكون عاملاً مثبطاً لخطط تل أبيب لضرب طهران وقد يجعلها تعيد التفكير في قراره بضرب برنامج إيران النووي، ولكن ليس بالمقدار الذي يتوقعه الإيرانيون، لأن الإسرائيليين قد يجدون أن تدمير برنامج النووي أمر يستحق المخاطرة.