كان عام 2021 عاماً سيئاً بالنسبة لصورة فيسبوك، عملاق منصات التواصل الاجتماعي، وسط تزايد ملاحقته قضائياً والمطالبات بتفكيك الإمبراطورية التي أسسها مارك زوكربيرغ، فهل تكون 2022 عام السيطرة عليه؟
كانت تطبيقات فيسبوك المتعددة، واتساب وإنستغرام ومسنجر، التي يستخدمها نحو 3 مليارات شخص، قد أصيبت بعطل عالمي مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2021، تم التعامل معه خلال ساعات، لكنها كانت كافية لإحداث ضجة ضخمة وضعت العملاق الأزرق تحت دائرة الضوء بصورة سلبية.
وتزامَنَ ذلك العطل مع تسريبات واتهامات وجّهتها مديرة سابقة في عملاق منصات التواصل الاجتماعي للشركة، بأنها تسعى للربح على حساب سلامة المستخدمين، مما أعطى زخماً لحملات السعي لتفكيك إمبراطورية زوكربيرغ، الذي قام بتغيير اسم الشركة من فيسبوك إلى "ميتا".
مساوئ فيسبوك في دائرة الضوء
تناولت صحيفة The Guardian البريطانية ما قد ينتظر الشركة العملاقة العام المقبل في تقرير بعنوان "في ظل التسريبات المتزايدة هذا العام عن مساوئ موقع فيسبوك، كيف نكبح جماحه في عام 2022؟".
شهد الجمهور هذا العام جانباً مثيراً للقلق من موقع "فيسبوك"، بعد تسريبات ضخمة لوثائق داخلية تكشف عن تحول الموقع إلى بؤرة للمحتوى المضاد للقاحات، وانتشار التحريض على التطرف، وانتهاج الموقع نظاماً ذا وجهين يفرِّق في التعامل مع المستخدمين المخالفين للقواعد، علاوة على الآثار السلبية لموقع إنستغرام التابع لفيسبوك على الشباب والفتيات في سن المراهقة.
ولطالما حذَّر نشطاء الحقوق الرقمية في جميع أنحاء العالم من هذه القضايا لسنوات، لكن الضغوط المتزايدة على الشركة في الفترة الأخيرة قد توفر فرصة غير مسبوقة للعمل على الحدِّ من أضرار فيسبوك خلال العام المقبل.
وتحدثت صحيفة The Guardian البريطانية إلى نشطاء وخبراء تقنيين حول كيفية كبح جماح "فيسبوك" في سنة 2022 وما بعدها، والحلول المبتكرة التي يمكن أن تُحدث هذا التغيير.
وكانت 48 ولاية أمريكية والحكومة الفيدرالية قد رفعت رسمياً دعاوى قضائية لمكافحة الاحتكار ضد شركة فيسبوك لإجبارها على التخلي عن إنستغرام وواتساب، بعد تحقيقات استمرت أكثر من 14 شهراً بقيادة مكتب المدعية العامة في ولاية نيويورك، ليتيتيا جيمس.
وفي مؤتمر صحفي، الأربعاء أواخر 2020، قالت جيمس: "منذ ما يقرب من عقد من الزمان، استخدم فيسبوك هيمنته وقوته الاحتكارية لسحق المنافسين الأصغر والقضاء على المنافسة.. باستخدام مجموعاتها الضخمة من البيانات والأموال، سحق فيسبوك أو أعاق ما اعتبرته الشركة تهديدات محتملة". وما تقصده جيمس هو استحواذ فيسبوك على تطبيق إنستغرام عام 2012 مقابل مليار دولار، ثم الاستحواذ على تطبيق واتساب عام 2014 مقابل 19 مليار دولار.
هل تفرض أمريكا قواعد تنظيمية على فيسبوك؟
في الولايات المتحدة، عادة ما يكون الطريق إلى فرض قواعد تنظيمية طريقاً طويلاً، لكن هذا العام شهد دعوات نادرة من الحزبين الأمريكيين، الديمقراطي والجمهوري، لتشديد القواعد المفروضة على عملاق التكنولوجيا فيسبوك.
وفي هذا السياق، فإن المادة 230 من قانون آداب الاتصالات الأمريكي Communications Decency Act، التي تحمي موقع فيسبوك من الدعاوى القضائية والمسؤولية القانونية عن استخدامه لنشر أي شيء غير قانوني، بدأت تخضع للتدقيق مرة أخرى. يقول رشاد روبنسون، رئيس مجموعة Color of Change للحقوق المدنية والذي قاد مقاطعة الشركات لفيسبوك في يوليو/تموز 2020، إن تعديل هذه المادة لهو خطوة أولى حاسمة.
وقال روبنسون للصحيفة البريطانية: "أعتقد أنه يجب إزالة الحصانة التي تمنحها المادة 230 عن الإعلانات المدفوعة، وعن الأشياء المرتبطة بتصميم المنتَج نفسه".
وفي الوقت نفسه، قدَّم المشرِّعون مشروعات قوانين- منها قانون تعزيز الأبحاث المتعلقة بأثر وسائل الإعلام الإلكترونية في الأطفال Children and Media Research Advancement Act ، وقانون العدالة الخوارزمية وشفافية المنصات عبر الإنترنت لعام 2021 Algorithmic Justice and Online Platform Transparency Act of 2021- والتي من شأنها تمويل الدراسات حول تأثيرات المنصات الإلكترونية على الشباب، ومعالجة المشكلات الخاصة بخوارزميات فيسبوك التي غالباً ما تكون غامضة.يقول روبنسون إن هذه القوانين ستفحص "الوسائل التي يجني بها فيسبوك الأموال ويرفض أن يُحاسب عليها".
وفي أوروبا، يُتوقع أن يشهد عام 2022 قراراً نهائياً من محكمة العدل الأوروبية (ECJ) في قضية إلزام الألعاب الإلكترونية عبر الحدود الوفاءَ بمتطلبات القانون الأوروبي، وهو ما يمكن أن يمهِّد الطريق أمام إلزام موقع فيسبوك مواجهةَ التداعيات القانونية لانتهاكات الخصوصية.
وكان فيسبوك قد قرر مؤخراً توظيف 10 آلاف شخص من الاتحاد الأوروبي لتطوير تقنية الواقع الافتراضي أو "الميتافيرس" التي يصفها البعض بأنها مستقبل الإنترنت، كما أعلن زوكربيرغ عن تغيير اسم الشركة إلى "ميتا"، مع احتفاظ تطبيق فيسبوك باسمه.
لكن الشركة تواجه حالياً دعاوى قضائية وتحقيقات نحو تعديلات تشريعية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أيضاً، تهدف إلى وضع العملاق الأزرق تحت طائلة قوانين الاحتكار، لإجباره على التخلي عن تطبيقي واتساب وإنستغرام كخطوة أولى.
يقول خافيير باليرو، مدير السياسات في منظمة Access Now المعنية بالحقوق المدنية الرقمية، إن أي قواعد تنظيمية يجب أن تراعي حقوق الإنسان، لا سيما فيما يتعلق بمراجعة المحتوى المقدَّم في جنوب الكرة الأرضية (الدول غير المتقدمة).
وأشار باليرو، بحسب الغارديان، إلى أن نموذج مراجعة المحتوى الحالي في فيسبوك معيب، فهم "إما يتجاوزون في السماح أو يفرطون في الإزالة أو ينتهي بهم الأمر إلى مراقبة الكيانات والنشطاء ونحو ذلك في جميع أنحاء العالم. لذلك يتعين عليهم الاستعانة بمزيد من المراجعين البشريين، ويجب أن تضخ الشركة مزيداً من الاستثمارات، وتوظِّف مزيداً من الأشخاص لتولي ذلك".
هل يمكن فعلاً تنظيم فيسبوك؟
لكن الامتيازات التي يتمتع بها فيسبوك من حجم هائل وهيمنة على السوق لا تزال تقف عائقاً رئيسياً أمام التغيير، ولذا دعا عدد متزايد من المشرعين وغيرهم إلى الحل الأوضح لذلك، ألا وهو كسر هذه الهيمنة.
يقول مات ستولر، مدير الأبحاث في مشروع الحريات الاقتصادية الأمريكية، إن القوة الهائلة التي يتمتع بها فيسبوك هي أكبر تهديد للديمقراطية، وأشار إلى أن مارك زوكربيرغ، رئيس شركة فيسبوك، يتصرف "كما لو أنه صاحب سيادة خاصة به. وهذا نموذج لوضع الاحتكار، وحيازة شخص ما للسيطرة على السوق والتحكم فيه".
لهذه الأسباب، فإن ستولر يحث أولاً على كسر احتكار فيسبوك لسوق وسائل التواصل الاجتماعي، ويقول إنه ما إن استولت شركة فيسبوك على جميع منافسيها، حتى "بدأت مباشرة في فرض هيمنتها على الجميع وفعل أي شيء تريده، ولم يعد هناك حقاً أي طريقة للتغلب عليها".
ثانياً، يقترح ستولر توجيه تهم جنائية إلى زوكربيرغ وفريق مستشاريه استناداً إلى مزاعم الاحتيال والتداول من الداخل. (أنكرت شركة فيسبوك هذه الادعاءات).
وكانت هوغن قد شنَّت هجوماً لاذعاً على زوكربيرغ، متهمة قراره بالاستثمار في تقنية "الميتافيرس"، بدلاً من التركيز على إصلاح المشاكل الحالية في الشركة بأنه "غير معقول"، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
وفي ردٍّ على سؤال مباشر من أحد الصحفيين بشأن إذا ما كانت تعتقد أن زوكربيرغ عليه أن يستقيل من منصبه، قالت هوغن: "أعتقد أن فيسبوك ستكون شركة أقوى إذا ما تولى إدارتها شخص يرغب في التركيز على سلامة المستخدمين، لذلك ردي على السؤال هو نعم".
ثالثاً، يوصي ستولر بفرض قواعد على سوق وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث لا يمكن للشركات مثل فيسبوك أن تحصل على التمويل من إعلانات قائمة على المراقبة المفرطة للأشخاص والمشاركة فيها.
هل تتزايد الضغوط على زوكربيرغ؟
وجاءت بعض أقوى الخطوات الدافعة إلى إصلاح فيسبوك من عاملين حاليين أو سابقين فيه، ومن أبرزهم مؤخراً هوغن، مديرة الإنتاج السابقة في قسم النزاهة المدنية في فيسبوك. كما تشمل قائمة موظفي فيسبوك السابقين الذين يشاركون حالياً في الدعوات لإصلاحه: جيف ألين، وهو عالم بيانات سابق في فيسبوك، وسهر مساشي، وهو مهندس بيانات سابق بالشركة، كان قد شاركا في بناء فريق الشركة المعني بالنزاهة المدنية، ويديران الآن منظمة غير ربحية تُسمى "مؤسسة النزاهة"، وهما يعتقدان أن الحل هو تمكين متخصصي النزاهة المحترفين ودعمهم للتعامل مع قضايا الثقة والأمن واكتشاف النشاط المزيف.
يقول مساشي إن ثقافة فيسبوك تحفِّز حالياً على نقيض ذلك: إذ يتولى فريق الإبلاغ عن المحتوى الضار والتوصية بتقليل المشاركة لهذا المحتوى، لكن فريقاً آخر يعمل في الوقت نفسه على الوصول إلى الحيل التي تزيد التفاعل مع هذا المحتوى الضار ذاته.
لإصلاح ذلك، يقترح مساشي إقرار مقياس شهري يصنِّف الشركات على أساس النزاهة، ويمكن للجهات التنظيمية مراقبة الشركات بناءً على هذا المقياس، ويحق لها اتخاذ إجراءات ملموسة إذا لم تلتزم الشركات بالمعايير اللازمة.
وفي السياق ذاته، تقول كاثي هارباث، مؤسِّسة شركة Anchor Change للسياسات التقنية، إن غياب التمكين لفرق النزاهة مشكلةٌ هيكلية في فيسبوك، وإن "الواقع القائم بأن يقدم فريق النزاهة تقاريره إلى فريق النمو هو مشكلة في حد ذاته لأنه يعني إعطاء الأولوية للنمو. ومن ثم فإن إحدى طرق الحل هنا هو وضع فريقي النزاهة والنمو على المستوى نفسه داخل الشركة".
عندما وعد موقع فيسبوك بالتعاون في مبادرة بحثية مع أكاديميين بعد فضيحة "كامبريدج أناليتيكا"، التي كشفت عن حيازة الأخيرة لبيانات شخصية حول ملايين الأشخاص على موقع فيسبوك دون موافقتهم، كانت هناك آمال في أن يؤدي هذا التعاون إلى تسليط الضوء على تأثيرات موقع فيسبوك في المجتمع. لكن ما حدث بعد ذلك، أن الباحثين من شركة فيسبوك ركزوا على بيانات معيبة وناقصة، ولم يُسمح إلا لعدد محدود من الباحثين بالوصول إلى البيانات اللازمة.
عمل نيت بيرسلي، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة ستانفورد ومدير مركز ستانفورد للسياسة الإلكترونية، مع فيسبوك بصفة أكاديمية، لكن إحباطاً متزايداً أصابه بسبب قلة البيانات التي سمحت الشركة للباحثين بالاطلاع عليها. وعلى إثر ذلك، صاغ بيرسلي مسودة قانون شفافية المنصات والمساءلة، والذي من شأنه في حالة إقراره أن يمنح للباحثين إمكانية الوصول إلى المعلومات التي تحتفظ بها الشركة، مع حماية خصوصية المستخدم.
ويقول بيرسلي للغارديان: "لقد ازدهرت هذه الشركات في أوضاع من السرية، ونحن نرى الآن أسباب ذلك من خلال ما كشفت عنه فرانسيس هوغن". وأضاف بيرسلي أن إتاحة البيانات تنقسم فوائدها إلى قسمين: أولاً، تثقيف الأكاديميين والجمهور حول ما يحدث حقاً في الموقع، ويشمل ذلك دور الخوارزميات والتطبيقات التي تستهدف الأطفال وحجم المحتوى المضلل. وثانياً، سيفرض ذلك على موقع فيسبوك اتَّباع نهجٍ مختلف إذا عُلم أنه يخضع للرصد والمتابعة.