معركة جديدة تدور رحاها في الشرق الأوسط، وهي تلك التي تتعلق بصناعة وترويج المخدرات بعد كشف تفاصيل هامة وخطيرة عن ضلوع النظام السوري في صناعة وترويج مخدر مادة الأمفيتامين (كبتاغون) وبعلم السلطة من أجل تعزيز الاقتصاد المتهاوي بعد الحرب الأهلية التي استمرت 10 سنوات.
ويعتبر الكبتاغون اسماً تجارياً لعقار خطير ومسبب للإدمان من نوع الأمفيتامين يتضمن هيدروكلوريد الفينيثيلين. والكبتاغون ليس جديداً على الشرق الأوسط؛ فقد كان موجوداً منذ أوائل الستينيات وهو عقار شائع للحفلات بالنسبة للبعض. ومع ذلك، فإنَّ حجم إنتاج الكبتاغون والاتجار به في سوريا وحولها جديد ومثير للقلق.
في مطلع ديسمبر/كانون الأول 2021 كشف تحقيق أجرته صحيفة "The New York Times" الأمريكية أن شركاء متنفذين ومقربين من بشار الأسد متورطون في صناعة وترويج مخدر الكبتاغون؛ مما يؤشر على قيام "دولة مخدرات" جديدة في حوض البحر الأبيض المتوسط.
الصحيفة ذكرت في التحقيق أن تجارة مخدرات غير قانونية تقدر قيمتها بمليارات الدولارات يديرها شركاء أقوياء وأقارب للرئيس بشار الأسد، بُنيت على أنقاض 10 سنوات من الحرب في سوريا.
تورط عائلة بشار الأسد
أكدت الصحيفة الأمريكية أن هذه الصناعة- المرتكزة على عقار الكبتاغون المسبب للإدمان وشائع الاستخدام في عدة دول عربية- تمتد عملياتها في عموم سوريا، من خلال ورشات للتصنيع ومصانع للتعبئة يتم فيها إخفاء المخدرات وتجهيزها للتصدير وشبكات للتهريب تتكفل بنقلها إلى الأسواق الخارجية.
من بين اللاعبين الرئيسيين أيضاً- بحسب الصحيفة- رجال أعمال تربطهم صلات وثيقة بالحكومة، وجماعة حزب الله اللبنانية المسلحة، وأعضاء آخرون من عائلة بشار الأسد الممتدة الذين يضمن لهم لقبهم (اسمهم الأخير) الحماية من الأنشطة غير القانونية.
لكن الخطير هذه المرة هو محاولة استغلال هذه المواد المخدرة في الصراع السياسي المحتدم في الشرق الأوسط من خلال تهريب هذا النوع من المخدرات إلى الدول التي بينها وبين النظام السوري خصومة مثل بعض دول الخليج.
فمثلاً في أبريل/نيسان، حظرت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول الخليج الأخرى مؤقتاً استيراد المنتجات الزراعية من لبنان. ولم يكن هذا رداً على أحداث سياسية أو على استفزاز عسكري أو سياسي علني من قبل حزب الله، بل جاء الحظر رداً على اكتشاف شحنة ضخمة من مادة الأمفيتامين (كبتاغون) مخبأة في منتجات لبنانية وصلت إلى ميناء سعودي.
وبحسب مقال رأي للكاتب ماثيو زويج بمجلة Newsweek الأمريكية يرى أن إنتاج الكبتاغون والاتجار به على نطاق صناعي سريعاً لا غنى عنه من الناحية المالية لكل من حزب الله ونظام بشار الأسد المدعوم من إيران. من المحتمل أيضاً أن يوفر التفرع في سوق الأمفيتامين مصادر جديدة للدخل لمجموعات وكلاء إيرانيين أخرى نشطة في تجارة المخدرات العالمية.
العقوبات على لبنان وتأثيرها على نظام الأسد
أدت الأزمة المالية في لبنان المجاور، إلى جانب الآثار طويلة المدى للعقوبات الأمريكية والأوروبية، إلى قطع مصادر إيرادات مهمة عن نظام الأسد. ونبعاً من الحاجة إلى المال، لجأ النظام السوري إلى الكبتاغون، الذي يشحنه من الموانئ السورية واللبنانية؛ مما أدى إلى تأجيج المجهود الحربي الذي قتل أكثر من 500 ألف سوري وشرد ملايين آخرين. ويشير هذا التحول إلى تجارة المخدرات إلى مرحلة جديدة في الصراع السوري: بروز سوريا بصفتها دولة مخدرات.
وتشير موجة من عمليات ضبط الكبتاغون في جميع أنحاء العالم، ومصدرها سوريا ومناطق حولها، إلى وجود تجارة عالمية بمليارات الدولارات. في يوليو/تموز 2020، صادرت السلطات الإيطالية 84 مليون قرص كبتاغون بقيمة إجمالية قدرها 1 مليار يورو (مليار و131 مليون دولار أمريكي)، يُعتقَد أنها من ميناء اللاذقية الذي يسيطر عليه نظام الأسد. وكانت أكبر عملية ضبط للأمفيتامينات في العالم حتى الآن، وفقاً للحكومة الإيطالية.
وصادرت السلطات في رومانيا، وماليزيا، واليونان، ومصر، والأردن، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة وأماكن أخرى شحنات إضافية، يُعتقَد أنها مرتبطة بنظام الأسد.
لماذا يعد هذا الأمر خطيراً؟
ولا يسهل الاتجار في مخدر الكبتاغون فظائع الأسد ضد الشعب السوري فحسب، بل يؤدي أيضاً إلى مزيد من عدم الاستقرار من خلال الانتشار الواسع لاستخدام الأمفيتامين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وخارجها.
يُعَد النزاع والتدمير والانقسام الإقليمي من العوامل الرئيسية التي تسمح للجماعات المسلحة ورجال الأعمال في مجال المخدرات بالاستفادة من تجارة المخدرات. وغالباً ما يؤدي إنتاج المخدرات والاتجار بها على نطاق واسع من قبل الأنظمة المارقة أو في الأماكن غير الخاضعة للحكم أو سوء الإدارة إلى مزيد من عدم الاستقرار الإقليمي؛ مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الإجرام ومشكلات الصحة العامة في البلدان المستهلكة والمنتجة. ويترسخ هذا النمط الآن في ليبيا، حيث توجد تجارة مزدهرة للكبتاغون التي أُبلِغ عن صلتها بسوريا.
علاوة على ذلك، فإنَّ أسواق المخدرات ليست ثابتة؛ إذ يمكن لأسواق الكبتاغون اليوم أن تتحول بسهولة إلى أسواق أقوى بكثير للميثامفيتامين، مثلما حدث في أفغانستان.
وتخاطر الحروب السياسية في الشرق الأوسط اليوم بأن تصبح حروب المخدرات الفتاكة في الغد.
ما هو الحل؟
وبحسب المقال "يتطلب وقف مد إنتاج الكبتاغون والاتجار به داخل سوريا تنسيقاً وإنفاذاً مكثفاً للقانون لتشديد حظر المخدرات في بلدان العبور والأسواق الخارجية. ولمواجهة هذه التهديدات قبل أن تنتشر وتصبح غير قابلة للإدارة، يجب على الولايات المتحدة تطوير جهد دولي لتعطيل وتفكيك شبكات إنتاج المخدرات وتهريبها المرتبطة بنظام الأسد".
يجب أن يبدأ أي جهد من هذا القبيل بعملية منسقة مشتركة بين الوكالات لدمج الجهود الدبلوماسية والاستخباراتية وإنفاذ القانون لتحديد ومقاضاة أو معاقبة الأفراد والشركات المتورطة في شبكات إنتاج الكبتاغون والاتجار المرتبطة بنظام الأسد. ويجب على الولايات المتحدة أيضاً دعم إنفاذ القانون والتحقيقات المتعلقة بالعقوبات في البلدان الشريكة التي تتلقى أو تنقل كميات كبيرة من الكبتاغون أو المادة الأم المكونة له.
وإدراكاً للمشكلة، أصدر الكونغرس دعوات متعددة لتطوير استراتيجية مشتركة بين الوكالات لاستهداف شبكات التهريب لنظام الأسد والعمل عن كثب مع الحلفاء والحكومات المتضررة.
ومن غير المرجح أن تتقلص تجارة المخدرات المتنامية في سوريا، ناهيك عن اختفائها، حتى ينتهي النزاع الأهلي نفسه. ووحده الضغط الدولي والجهود الدولية المنسقة بين الوكالات لاستهداف تهريب المخدرات وإيجاد حل سياسي للصراع في سوريا سيعيق شبكات تهريب المخدرات الرئيسة، ولن يجعلها مصدراً لإيرادات تشتد الحاجة إليها.