جاء الإعلان عن التوصل إلى اتفاق إطلاق نار في شرق أوكرانيا، ليلقي قليلاً من الماء البارد على الأزمة الأوكرانية المشتعلة، ويثير تساؤلات حول إمكانية أن يؤدي الاتفاق بين أوكرانيا وإقليم الدونباس المتمرد إلى تجنب احتمالات غزو روسي لأوكرانيا.
وأعلنت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أمس عن التوصل لاتفاق لتثبيت وقف إطلاق النار الكامل بين القوات الأوكرانية وقوات دونيتسك ولوغانسك في شرق أوكرانيا اللتين تشكلان معاً ما يعرف باسم إقليم الدونباس.
وقال السفير ميكو كينونين، الممثل الخاص للرئيس الحالي للمنظمة لدى أوكرانيا وفريق الاتصال الخاص بالتسوية: "من دواعي سروري أن المشاركين عبَّروا عن تصميمهم القوي على الالتزام الكامل باتفاق تدابير تعزيز وقف إطلاق النار المؤرخ في 22 يوليو/تموز 2020".
وأضاف أنه وفقاً لتقارير بعثة المراقبة الخاصة، فإن الوضع الأمني على طول خط التماس لا يزال متقلباً، حيث جرى تسجيل زيادة في انتهاكات وقف إطلاق النار بنحو 5 أضعاف في المتوسط يومياً في ديسمبر/كانون الأول الجاري مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.
الحرب المنسية
واندلع صراع مميت بين المتمردين المتحدثين الروس وقوات الحكومة الأوكرانية في منطقة الدونباس بأوكرانيا في عام 2014، أدى إلى وفاة 14 ألف شخص حتى الآن، فيما يعرف بحرب أوروبا المنسية.
وتجددت الأزمة مؤخراً عندما قالت كييف والغرب إن روسيا نشرت مركبات مدرعة ثقيلة وأنظمة حربية إلكترونية وما يقرب من 100 ألف جندي على حدودها، متهمةً إياها بالاستعداد لشن حرب على أوكرانيا.
وتقول روسيا بدورها إن أوكرانيا نشرت نصف جيشها، أو 125000 جندي، في الدونباس، واصفة إياها بأنها "مغامرة خطيرة للغاية" من قِبَل كييف.
وتنفي روسيا الاستعداد لشن حرب على أوكرانيا وتقول إنها تريد ضمانات قانونية بشأن أمنها من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وتطالب الحلف بوقف المزيد من التوسع شرقاً.
ما نعرفه عن الاتفاق بين أوكرانيا وإقليم الدونباس المتمرد
يهدف الاتفاق بين أوكرانيا وإقليم الدونباس إلى إحياء اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرم في يوليو/تموز 2020، وساعد هذا الاتفاق بشكل كبير في تقليل عدد الضحايا العام الماضي.
لكن في الأشهر الأخيرة، ألقى الجانبان باللوم على بعضهما البعض في انتهاك هذه الهدنة.
ولدى منظمة الأمن والتعاون الأوروبي بعثة للمراقبة في شرق أوكرانيا تقوم بمراقبة وقف إطلاق النار ورصد الانتهاكات، إلا أنه تم تعليق عملها بعد احتجاجات بالقرب من مقرها في مدينة دونيتسك التي يسيطر عليها الانفصاليون الموالون لروسيا، ومن المتوقع أن يؤدي الاتفاق بين أوكرانيا وإقليم الدونباس إلى إنهاء تعليق أعمالها.
أوكرانيا متفائلة بالاتفاق
وعلق كبير موظفي الرئاسة الأوكرانية أندريه يرماك على الاتفاق قائلاً إن العطلات المقبلة "يجب أن تكون سلمية".
وقال يرماك على فيسبوك: "هذه خطوة نحو وقف التصعيد". "نأمل أن يكون وقف إطلاق النار دائماً هذه المرة، وأن يساعد في إنقاذ أرواح المدافعين والمدنيين الأوكرانيين".
وقال السفير ميكو كينونين، الممثل الخاص للرئيس الحالي لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي لدى أوكرانيا وفريق الاتصال الخاص بالتسوية، إن الاتفاق الجديد له "أهمية قصوى لمن يعيشون على جانبي خط التماس".
وكثيراً ما تسمع نيران الأسلحة الصغيرة وطلقات دوي المدفعية الخفيفة وقذائف الهاون في المناطق الواقعة، بالقرب من خط التماس بين الانفصاليين المدعومين من روسيا والقوات الأوكرانية.
وقالت قيادة القوات المشتركة الأوكرانية، اليوم الخميس، إنه لم يتم الإبلاغ عن أي انتهاكات خلال الـ24 ساعة الماضية.
ومن غير المتوقع أن يؤدي الاتفاق إلى فرض هدوء تام على الإقليم، ولكن قد يؤدي إلى تهدئة تحتاجها أوكرانيا، وخصوصاً سكان إقليم الدونباس.
وتسبب الصراع المستمر منذ 7 سنوات في شرق أوكرانيا في إفراغ العديد من هذه المناطق من السكان وتضرر المتبقين من التصعيد الحالي ويخشون بالأكثر اندلاع نزاع عسكري واسع النطاق.
وتعد منطقة دونباس التي نشب فيها النزاع منطقة صناعية في شرق أوكرانيا تتاخم روسيا وتضم نسبة كبيرة من المتحدثين بالروسية الذين هم إما أوكرانيون متحدثون بالروسية أو روس يحملون الجنسية الأوكرانية بعد أن جاء آباؤهم وأجدادهم لهذه المنطقة منذ عقود أو حتى قرون.
واندلع الصراع في هذه المنطقة عام 2014، بعد أسابيع من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم بعد الإطاحة بالرئيس الأوكراني السابق الصديق لموسكو.
واتهمت أوكرانيا والغرب روسيا بدعم المتمردين بالقوات والأسلحة، لكن موسكو تقول إن الروس الذين انضموا إلى القتال كانوا متطوعين يعملون بمفردهم.
وأنهى اتفاق السلام المبرم عام 2015 المعروف باتفاق مينسك بوساطة فرنسا وألمانيا معارك واسعة النطاق، لكن المناوشات المتكررة استمرت. أبلغت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي تراقب وقف إطلاق النار المهتز، عن عدد متزايد من هذه الحوادث مؤخراً، حيث تبادل الجانبان اللوم في انتهاكات الهدنة.
ولم يعترف اتفاق مينسك ولا أي من الموقّعين عليه بما في ذلك روسيا بجمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوهانسك الشعبية اللتين أعلنتا الانفصال من جانب واحد.
هل يؤدي الاتفاق إلى تبريد الأزمة الأوكرانية على المستوى الأكبر؟
على الصعيد الأكبر، رغم التصعيد المتبادل بين روسيا والولايات المتحدة في التصريحات، فإن هناك مؤشرات على احتمال التفاوض بين الجانبين، وقد يكون الاتفاق بين أوكرانيا وإقليم الدونباس تمهيداً لتهدئة الأزمة في صورتها الكبرى.
ولكن تظل الفجوة كبيرة بين الطرفين، وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مؤخراً إن بلاده منخرطة في الدبلوماسية مع روسيا في الملف الأوكراني مع حفاظها على أدوات الردع، في إشارة إلى التهديدات الأمريكية بفرض عقوبات صارمة إذا غزت روسيا أوكرانيا.
كما دعت الدول الواقعة على الجانب الشرقي لحلف شمال الأطلسي، من دول البلطيق إلى البحر الأسود، إلى عمليات تناوب إضافية للقوات وقدرات لردع الغزو الروسي، بينما دعت أوكرانيا على وجه التحديد إلى منحها أنظمة دفاع جوي جديدة.
قال السكرتير الصحفي للبنتاغون جون إف كيربي في 20 ديسمبر/كانون الأول إن فريق دفاع جوي أمريكي عاد مؤخراً من أوكرانيا، لكن إدارة بايدن لم تتخذ أي قرار بمنح مساعدة دفاعية جديدة لأوكرانيا.
في المقابل، فإن الكرملين بالتزامن مع حشوده العسكرية ولغته التصعيدية، فإنه قدم الأسبوع الماضي إلى الغرب مطالب أمنية شاملة في مسودتين وثيقتين، إحداهما أرسلت إلى الناتو، والأخرى إلى واشنطن.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، أمس الأربعاء، إنه يتوقع أن تبدأ المفاوضات مع واشنطن بشأن مطالب موسكو الأمنية في يناير/كانون الثاني.
وقال وزير الروسي سيرجي لافروف: "إنه تم الاتفاق على أنه في بداية العام المقبل، يجب أن تكون الجولة الأولى (من المحادثات) عبارة عن اتصال ثنائي بين مفاوضينا والمفاوضين الأمريكيين".
وفي الوقت ذاته، هدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا الأسبوع بما وصفه بـ"رد عسكري تقني مناسب" إذا استمر ما سمّاه الخط الغربي العدواني.
وطالبت روسيا بضمانات بأن الناتو سيتخلى عن النشاط العسكري في أوروبا الشرقية ولن يسمح لأوكرانيا بالانضمام إلى التحالف الدفاعي الغربي. وأرسلت الآن إلى الولايات المتحدة المواعيد المقترحة للمحادثات الشهر المقبل، وفقاً لتقارير واردة من موسكو.
وترفض أوكرانيا والناتو تقديم أي ضمانات لروسيا بعدم انضمام كييف للحلف، باعتبار أن هذا مساس للسيادة الأوكرانية، كما عززت أوكرانيا علاقتها العسكرية مع الناتو مؤخراً، وهو ما قد يكون سبب غضب موسكو الأخير.
ولكن رغم وعود الناتو لأوكرانيا، فإنه فعلياً هناك تحفظ من قِبَل الكثير من أعضائه، على فكرة ضم أوكرانيا، وكانت كييف قد نالت وعوداً بذلك تحديداً عام 2008، ولكن تم تأجيل القرار جراء ضغوط يعتقد أنها ألمانية وفرنسية.
وبينما أكدت إدارة الرئيس بايدن على دعمها لأوكرانيا في مواجهة أي اعتداء روسي، ملوِّحة لموسكو بعقوبات صارمة، فإنه رفض تقديم أي التزام بالدفاع العسكري عن أوكرانيا مؤكدة أنها ملزمة فقط بالدفاع عن الدول الأعضاء في الناتو.
وقال يرماك على فيسبوك: "هذه خطوة نحو وقف التصعيد". "نأمل أن يكون وقف إطلاق النار دائماً هذه المرة، وأن يساعد في إنقاذ أرواح المدافعين والمدنيين الأوكرانيين".
وقالت قيادة القوات المشتركة الأوكرانية، الخميس، إن الانفصاليين لم يبلغوا عن أي انتهاكات خلال الـ24 ساعة الماضية.
ورغم تزايد المخاوف الغربية من قيام روسيا بغزو لأوكرانيا أو اقتطاع جزء منها أو حتى إسقاط نظامها الموالي للغرب، فإن الاتفاق بين أوكرانيا وإقليم الدونباس، يحمل مؤشرات إلى تهدئة روسية، وهي تهدئة قد تؤشر إلى أن موسكو تتوقع بعض المكاسب من المفاوضات المرتقبة مع الغرب حول أوكرانيا.