انطلاقاً من منظمة التعاون الإسلامي، وبمساعدة باكستانية، يبدو أن السعودية تعود لإيجاد دور لها في أفغانستان بعد سيطرة حركة طالبان على السلطة وانسحاب الأمريكيين من البلاد، في أغسطس/آب الماضي، وذلك في ظل ما تعانيه أفغانستان من خطر انهيار اقتصادي كامل، بسبب الحرب الطويلة وتبعاتها الكارثية، وانقطاع المساعدات الدولية.
واجتمع مجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، في 19 ديسمبر/كانون الأول، في باكستان، لأجل دعم أفغانستان، حيث كانت السعودية على رأس الدول الحاضرة. وضم المؤتمر، فضلاً عن وزراء خارجية ومبعوثين آخرين من الدول الأعضاء، ممثلين عن الأمم المتحدة والدول الأعضاء في مجلس الأمن التابع لها والاتحاد الأوروبي والعديد من الدول الأخرى غير الأعضاء، مثل اليابان وألمانيا وكذلك مؤسسات مالية عالمية وهيئات دولية وإقليمية.
فتح القنوات المالية أمام تدفق المساعدات لأفغانستان
في كلمته أمام المؤتمر، أعرب وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، عن تضامن منظمة التعاون الإسلامي مع أفغانستان، التي "عانى شعبها طويلاً". وأكد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، حسين إبراهيم طه، عزم بعثة المنظمة في كابول على تقديم مساعدات إغاثية في أفغانستان، وقال للحاضرين إن المنظمة "مستعدة لأداء دورها في دعم العمل الإنساني بالتنسيق مع بعثات منظمة التعاون الإسلامي ومنظمات الإغاثة في العالم الإسلامي".
فيما أعرب الممثل الأمريكي الخاص لأفغانستان، توم ويست، عن نيته العمل مع المنظمات الإنسانية هناك، وأعرب أيضاً عن رغبته في التوصل لآليات لإيصال المساعدات. فمع حلول فصل الشتاء القاسي، يواجه 60% من سكان أفغانستان البالغ عددهم 38 مليون نسمة "أزمة جوع"، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة. ونبّه برنامج الغذاء العالمي إلى أن 3.2 مليون طفل هناك قد يصابون بسوء تغذية حاد.
من جانبه، لفت وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي في المؤتمر إلى ضرورة عدم "تجاهل خطر الانهيار الاقتصادي الكامل"، وطلب من منظمة التعاون الإسلامي دراسة خطة من ست نقاط لتنسيق المساعدات وإعادة بناء المؤسسات الأفغانية وزيادة الاستثمار وتوفير الخبرة الفنية لتحسين اقتصاد كابول.
يقول موقع Al Monitor الأمريكي إن هذه الجهود ستشارك فيها حكومة طالبان. إذ قال وزير الخارجية الأفغاني، الملا أمير خان متقي، أمام المؤتمر، إن "العزلة السياسية لأفغانستان لن تفيد أحداً". وفي ختام المؤتمر حذر رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان من أن أفغانستان قد تصبح "أكبر أزمة من صنع الإنسان في العالم".
واتفق وزراء الخارجية في قرار مشترك على تعيين مبعوث خاص لتقديم المساعدات، وتنسيق آلية مؤسسية لصرف الموارد، وإنشاء صندوق استئماني، وبرنامج للأمن الغذائي، تتعاون فيه منظمة التعاون الإسلامي مع الأمم المتحدة لتقديم المساعدات. واتفقت الوفود المشاركة في المؤتمر على "فتح القنوات المالية والمصرفية لاستئناف السيولة وتدفق المساعدات المالية والإنسانية"، لكن قرارهم المكون من 31 نقطة خلا من التفاصيل.
هل تلعب السعودية دوراً في إنقاذ الاقتصاد الأفغاني؟
كانت السعودية، بصفتها رئيسة منظمة التعاون الإسلامي، قد دعت إلى عقد اجتماع بخصوص تدهور الوضع الإنساني في أفغانستان، وعرضت باكستان استضافته.
قبل هذا الاجتماع مباشرة، قال محمد السلمي، رئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية في الرياض، لموقع Al Monitor: "يتضح جلياً من أجندة الاجتماع أن التركيز سيكون على الوضع في أفغانستان. والمنظور السعودي معروف جيداً، وتوجد حاجة ماسة لتزويد الشعب الأفغاني بالمساعدات الإنسانية".
وقال السلمي: "السعودية تراقب عن كثب الوضع الإنساني وارتفاع مستويات الفقر داخل أفغانستان. والرياض أرسلت بالفعل أربع طائرات محمّلة بالمساعدات إلى أفغانستان. ومركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية أرسل أكثر من 65 طناً من المساعدات، تشمل 1647 سلة غذائية".
واستدرك قائلاً: "ورغم تقديم المملكة لهذه المساعدات فلا أظن أنها مهتمة هذه المرة بمناقشة الجانب السياسي أو الاعتراف بطالبان حكومة شرعية في أفغانستان، لكن السعودية على الأرجح ستؤكد على أهمية التعاون بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، للحيلولة دون تحول أفغانستان إلى مركز للجماعات الإرهابية والمتطرفة"، حسب تعبيره.
وكان موقع Intelligence Online، المعني بشؤون الاستخبارات، قد نشر تقريراً في سبتمبر/أيلول الماضي، مفاده أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مؤخراً، كلف رئيس جهاز الاستخبارات السعودي السابق تركي الفيصل باستئناف الاتصالات مع قادة طالبان، الذين سبق له التعامل معهم منذ أكثر من عقدين.
يُذكر أن تركي الفيصل، الذي يبلغ من العمر الآن 76 عاماً، خدمَ رئيساً لأجهزة الاستخبارات السعودية بين 1979 و2001، وكان أحد المشاركين في حشد الدعم العربي للجهاد الأفغاني، وتنسيق المقاومة مع المجاهدين الأفغان خلال الغزو السوفييتي للبلاد في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
وفقاً لموقع Intelligence Online، فقد اجتمع فيصل مؤخراً مع الملا يعقوب، نجل مؤسس طالبان الملا عمر، وعقد أيضاً اجتماعات مع المسؤول البارز في طالبان، الملا عبد الغني برادر، في قطر.
هل يمهد المؤتمر الإسلامي إلى توسيع الاعتراف بحكومة طالبان؟
في السياق، أوضح وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي، في اجتماع منظمة التعاون الإسلامي، أن الاجتماع الخاص بالأزمة الأفغانية لا يُمثل اعترافاً رسمياً بنظام طالبان.
وفي حديثه عن دور إسلام آباد، قال السفير الباكستاني السابق في الرياض جاويد حافظ لموقع Al Monitor: "هذا الاجتماع الخاص لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في إسلام آباد بخصوص أفغانستان مؤثر وشديد الأهمية. فقبل 41 عاماً، انعقد اجتماع مماثل في إسلام آباد. وأفغانستان اليوم في ضائقة شديدة. وباكستان في مقدمة من يطلبون من المجتمع الدولي تقديم المساعدات الإنسانية التي تشتد حاجة أفغانستان إليها".
وقد وافق خان على إرسال 5 مليارات روبية باكستانية (28 مليون دولار) في صورة مساعدات إنسانية لأفغانستان، وسمح بشحن المساعدات الغذائية المقدمة من الهند عبر الأراضي الباكستانية.
وأضاف حافظ: "انعدام الاستقرار في أفغانستان ليس في مصلحة باكستان. وهذه أيضاً فرصة لمنظمة التعاون الإسلامي لتحسين صورتها، التي لم تكن في أفضل حالاتها".
وتدرك طالبان أن الحكم الفعَّال سيعني تلبية الاحتياجات الأساسية للناس، وتقديم الأمل في المستقبل، في بلدٍ يبلغ فيه متوسِّط عمر المواطنين 18 عاماً. حتى الآن تقول الحركة إنها منفتحة على المجتمع الدولي والجوار لإعادة إعمار البلاد، وقد اعتبر مُحلِّلون ذلك بمثابة إشارة إلى أن قادة الجماعة يعتزمون الاندماج إلى حدٍّ ما في الاقتصاد العالمي، والوصول إلى المساعدات الخارجية وصناديق التنمية وجلب الاستثمارات للبلاد.
ويقول خبراء غربيون، إن طالبان تدرك تماماً أنها بحاجةٍ إلى الوصول إلى النظام المالي العالمي، وبحاجةٍ إلى مساعدةٍ دولية لمنع الانهيار الكامل للاقتصاد، لأنه إذا انهار فسوف تعاني طالبان من اضطرابٍ اجتماعي قد لا تتمكَّن من السيطرة عليه.
وقبل عشرين عاماً كانت طالبان تعتمد بالفعل على مواردها الخاصة، ولم تطلب المساعدات الأجنبية، لكن منظمة الصحة العالمية تمكَّنَت من نقل الإمدادات جواً، وقد فعلوا ذلك من قطر باستخدام الخطوط الجوية الوطنية الباكستانية. لذا فمن المؤكد أن الحكومة الأفغانية الحالية ليست منغلقة بشأن المساعدات. وقد تمنح الرهانات الاقتصادية الغرب بعض النفوذ للتأثير على إدارة طالبان القادمة، وربما ربط إلغاء تجميد الأموال بإحراز تقدُّمٍ في مجال حقوق الإنسان، أو حرمان الجماعة من هذه الأموال.