يتوقع أن يكون التنافس الصيني الهندي في عام 2022 واحدة من أهم حلقات التوتر إشكالية في العالم، في ظل حقيقة أن البلدين لديهما أسلحة نووية وأكبر جيشين بريين في العالم ويقودهما حكومتان ذواتا نزعات قومية متشددة مع مصالح اقتصادية واسعة تربطهما.
انقلب حال التنافس الصيني الهندي من خلاف بارد إلى حرب محدودة تستخدم فيها الأسلحة البيضاء والأيدي بين جيشين مددجين بكل أنواع الأسلحة.
في بداية القرن الحادي والعشرين، كانت آفاق العلاقات الصينية الهندية تبدو مستقرة، إن لم تكن مشرقة، بفضل خطاب "القرن الآسيوي" مقترناً بشراكة الهند الراسخة في مجموعة بريكس (التي تضم بجانب الهند، البرازيل وروسيا والصين وجنوب إفريقيا)، وبنك التنمية الجديد، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، فضلاً عن عضويتها النهائية في منظمة شنغهاي للتعاون (منظمة شنغهاي للتعاون).
ومع ذلك في الوقت الحالي، وخاصة بعد استمرار الخلافات الحدودية في السنوات الخمس الماضية، يبدو أنَّ هذا التفاؤل قد تضاءل نتيجة الطموحات الوطنية وأُطر السياسة الخارجية المتنافسة، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
وتصاعدت التوترات بين الهند والصين منذ يونيو/حزيران 2020 بعد اشتباكات بين قواتهما في وادي غالوان غير المأهول، مما أسفر عن مقتل 20 هندياً وأربعة جنود صينيين على الأقل.
وكانت هذه المواجهة الأكثر دموية بين الجارتين في العقود الخمسة الماضية.
ويثير الجمود الحالي على الحدود الغربية بين الصين والهند، ولا سيما بعد مناوشات وادي غالوان، شكاً دائماً حول ما إذا كانت العلاقات الصينية الهندية ستعود إلى طبيعتها. والسؤال هنا: ما الاتجاه الذي ستتخذه العلاقات بين العملاقين الآسيويين في العام المقبل؟
التنافس الصيني الهندي يتأجج نتيجة الدور الأمريكي
عقب أزمة غالوان عام 2020، عانت العلاقات بين الصين والهند من تدهور مستمر، ولا تزال "عند نقطة منخفضة"، لا سيما في ظل النزاعات الحدودية، والقوميات المتنافسة، وسياسات القوة التنافسية، والتنافس على الموارد واستعراض القوة الإقليمية في الهند.
وقد تصدّرت منطقة المحيط الهادئ الاهتمام، وبرزت بصفتها متغيرات حاسمة تحدد العلاقات الثنائية تدريجياً. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ التنافس بين الصين والولايات المتحدة، وشراكة الهند الاستراتيجية المتطورة "من أجل الصالح العام" مع واشنطن يعملان أيضاً في الخفاء على تشكيل المعادلة الصينية الهندية.
ونجحت الهند في تجديد التزامها بالحوار الأمني الرباعي (كواد)؛ بتعزيز شراكاتها الدفاعية الثنائية مع دول الرباعية التي تضم بجانب نيودلهي كلاً من الولايات المتحدة وأستراليا واليابان،
والتي تهدف لإقامة استراتيجية أمنية بحرية نشطة للمحيط الهندي.
وبالمثل، تعمل الصين على توسيع نطاق وجودها في منطقة جبال الهيمالايا، إذ طوَّرت علاقات قوية استراتيجياً مع دول مثل باكستان وأفغانستان ونيبال (مما أدى إلى إنشاء ما يشبه حوار رباعي في جبال الهيمالايا)، لكنها في الوقت نفسه تجاهلت مخاوف الهند الأمنية والسيادة.
واتخذ الاتصال بين الصين ودول جبال الهيمالايا شكلاً جديداً مع ما يعرف باسم اجتماع جبال الهيمالايا "الرباعي" الأخير بين الصين وباكستان وأفغانستان ونيبال، وغالباً ما يشار إليها على أنها "مصافحة عبر جبال الهيمالايا".
واتسم انتشار الصين في المنطقة باتفاقيات أمنية "شاملة"، ومساعدات موجهة نحو البنية التحتية، وتعزيز التركيز على التجارة.
كانت الجغرافيا السياسية الكامنة وراء مبادرات التنمية الإقليمية للصين، والتي ترتبط غالباً بمشروع السياسة الخارجية المعروف بمبادرة الحزام والطريق، مقلقة للغاية للقوى الوسطى المجاورة مثل الهند، التي لديها مصالح كبيرة في المنطقة.
وفي اجتماع مجموعة جبال الهيمالايا، ناقش وزراء خارجية الدول الأربع الحاجة إلى تعزيز مبادرة الحزام والطريق في المنطقة من خلال "طريق الحرير الصحي". واتفق الوزراء على العمل من أجل تعزيز مبادرات الاتصال لضمان التدفق المستمر للتجارة وممرات النقل في المنطقة وبناء التعددية في منظمة الصحة العالمية لتعزيز "مجتمع عالمي للصحة".
كيف انعكست الأزمة على التجارة بين البلدين؟
في المقابل، فإنَّ معايير "التوازن والمعادلات" في التنافس الصيني الهندي، تتجاهل حقيقة مهمة؛ وهي أنَّ الصين والهند تواصلان تبادل العلاقات التجارية القوية على الرغم من برودة العلاقات الثنائية، حتى بعد عام 2020.
ومن المرجح أن يتجاوز حجم التجارة بين البلدين رقماً قياسياً يعادل 100 مليار دولار بنهاية عام 2021. وفي الوقت نفسه، بلغ العجز التجاري بين البلدين الذي هو لصالح الصين، 30 مليار دولار، في انخفاض كبير عن العجز البالغ 53.57 مليار دولار في 2018-2019.
وهذه النتيجة جاءت إلى حد كبير إثر التركيز على "القومية الاقتصادية" في الهند، التي تُنفَذ محلياً (رؤية اعتماد الهند على ذاتها التي أعلنها رئيس الوزراء مودي) وتلقى دعماً دولياً متعدد الأطراف (مثل مبادرة مرونة سلسلة التوريد).
وتسلط مثل هذه الإجراءات الاقتصادية الضوء على أنه في عام 2022 ستستمر جهود الهند لتضييق الخناق على اعتمادها التجاري على الصين، خاصة وسط استمرار الجمود في شرق لاداخ بشأن نقاط الاحتكاك الرئيسية، برغم أنَّ الاقتصاد الصيني يظل مهماً لنيودلهي. ومع ذلك، لا يمكن الاعتماد على التجارة عاملاً رئيسياً يساعد في تحسين العلاقات المتقطعة؛ إذ لا شك أنَّ الهند ستعطي الأولوية للتهديدات الأمنية على المكاسب الاقتصادية.
وبعد المشاحنات العسكرية التي جرت في صيف 2020، والتي أسقطت ضحايا من الجانبين، رغم تكتم بكين على العدد الحقيقي من جانبها، أجرى القادة العسكريون للبلدين محادثات وجهاً لوجه لتهدئة التوترات المستمرة.
وعقد اللقاء الثالث عشر من تلك الاجتماعات، مؤخراً، ولم ينتهِ بشكل جيد، رغم أن المناقشات السابقة أحرزت بعض التقدم، لكن بياناً صادراً عن وزارة الدفاع الهندية، الإثنين، اتهم الصين بعدم التعاون لتهدئة الوضع.
وأوضح هجوم غالوان- بالإضافة إلى التكتيكات البحرية والإقليمية الهجومية المستمرة للصين في مناطق الصراع الإقليمي، حتى مع وصول وباء "كوفيد-19" إلى ذروته- لنيودلهي، أنَّ أيام صعود بكين "السلمي" قد ولّت.
ومن ثم، فإنَّ العودة إلى العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية قبل أزمة غالوان (أو حتى ما قبل الوباء) تظل نظرة متفائلة إلى حد كبير. ومع ذلك، فإنَّ الوصول إلى نوع من التوازن في العلاقات بين الصين والهند أمر ضروري لتحقيق التوازن على المدى الطويل بين صعود البلدين المتزامن- وإن كان مختلفاً، حسب الموقع الأمريكي.
خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للهند في عام 2014، اتفق البلدان على إقامة "شراكة تنموية". وإدراكاً لأهمية الهند في الشؤون الآسيوية والعالمية، بذل الرئيس الصيني في ذلك الوقت جهوداً حثيثة لتأسيس شراكة تنموية قائمة على نمو تجاري واقتصادي قويين؛ ووُضِع هيكل مثل هذه الآفاق لطمأنة كل جانب أنَّ النزاع الحدودي والتهديدات الأمنية لن يكونا عاملين يضران العلاقات الاقتصادية.
ومع ذلك، حتى في الوقت الذي هددت فيه مواجهة دوكلام في عام 2017 هذه "البراغماتية وتكافؤ القوة"، جاء صراع غالوان عام 2020 وكسر أي مظهر من مظاهر استمراريتها النظرية.
الصين تريد تزعم آسيا وتهميش القيادة الأمريكية
وينصب تركيز الرئيس الصيني الأساسي على وجود سياسة خارجية عالمية تركز على آسيا، التي تُسهِّل قيام نظام آسيوي متمحور حول الصين، وبالتالي تحدي الوضع الدولي الراهن بقيادة الولايات المتحدة.
وبسبب شراكة الهند القوية المستمرة (والمتنامية) مع الولايات المتحدة، فإنَّ سياسة شي الخاصة بالهند تنظر إلى نيودلهي من منظور تنافسي عالمي، وإن لم يكن يعتبرها منافساً كاملاً. وتضيف هذه الرواية إلى العلاقات الحساسة والمتوازنة بدقة بين الصين والهند فيما يتعلق بخط السيطرة الفعلية في لاداخ، وولاية أروناتشال براديش الهندية، ومسألة التبت.
تجدر الإشارة إلى أن الصين احتلت لفترة وجيزة ولاية أروناتشال براديش الهندية التي تطالب بكين بالسيادة عليها، معتبرة أنها أرض من جنوبي إقليم التبت، بعد ثلاث سنوات من رحيل الدالاي لاما الرابع عشر في مارس/آذار 1959 خلال نزاع قصير كان دموياً.
هل تنحاز الهند بشكل كامل لأمريكا؟
ومع تزايد التنافس بين الولايات المتحدة والصين، تزداد أيضاً توقعات واشنطن من حلفائها وشركائها في آسيا لعرقلة نمو الصين باستمرار. وبدورها، تعمل الهند على تنفيذ استراتيجية "محاذاة محددة" لتحقيق التوازن في وسط التوترات بين الولايات المتحدة والصين، مع الحفاظ في الوقت نفسه على مصالحها الوطنية في محور لتلك الجهود.
وركزت الهند بنشاط ليس فقط على تحسين الشراكات الأمنية على الصعيدين الثنائي والمتعدد الأطراف (مع التركيز بشكل خاص على الرباعي)، لكن أيضاً على مواصلة مشاركتها مع الصين في منتديات الحوار، مثل مجموعة روسيا والهند والصين ومنظمة شنغهاي للتعاون.
ها هي تؤيد استضافة الصين لأولمبيات الألعاب الشتوية
وفي الآونة الأخيرة، في مثال نادر لإيجاد أرضية مشتركة، دعمت الهند- على الرغم من ضغوط القوى الغربية- استضافة الصين لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية في عام 2022، بينما دافعت الصين عن قرارها الانضمام إلى الهند في "خفض تدريجي" بدلاً من "التخلص التدريجي" لاستهلاك الفحم في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ 2021 في غلاسكو.
وسارعت الصين إلى وصف دعم الهند لأولمبياد بكين الشتوية بأنه مثال على كيف أنَّ نيودلهي "ليست حليفاً طبيعياً للولايات المتحدة". وتُظهِر مثل هذه المناورات أنه برغم من محاولات الهند إظهار "حكمها الذاتي الاستراتيجي" المستقل في منظورها تجاه بكين، تواصل الصين في ربط الإجراءات الهندية بالولايات المتحدة، أو تسعى إلى إحداث صدع في العلاقات بين واشنطن ونيودلهي.
ومثل هذه الإجراءات لن تؤدي إلا إلى ركود أية إمكانات نمو يمكن أن يصل إليها الاثنان في عام 2022، والتي تواجه على أي حال عرقلة بسبب استمرار الفشل في حل المواجهة التي استمرت 18 شهراً في لاداخ بسبب ما تصفه المصادر الغربية والهندية "محاولات أحادية الجانب" من جانب الصين لتغيير الوضع الراهن.
الهند قلقة من النفوذ الصيني في المحيط الهندي
إنَّ معضلة الأمن البحري متعددة الطبقات في الهند- التي أصبحت معقدة بسبب الوجود الصيني المتزايد في المحيط الهندي وانخراط الهند المعزز مع الحوار الأمني الرباعي، والأهم من ذلك الولايات المتحدة، في منطقة المحيطين الهندي والهادئ- تمثل أيضاً عاملاً رئيساً سيشكل العلاقات بين الصين والهند، حيث تعتبر موازنة القوة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ أمراً أساسياً.
ويسلط تركيز بكين المتزايد على الاستفادة من منطقة جنوب آسيا (مع التركيز على لاعبين مثل سريلانكا وبنغلاديش ونيبال) المزيد من الضوء على المحيط الهندي باعتباره مجالاً أساسياً للمنافسة، خاصة أنَّ الولايات المتحدة أصبحت أنشط في الدفاع البحري عن المنطقة عبر معاهدات مثل أوكوس– التحالف الأمني الجديد بين المحيطين الهندي والهادئ للولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا- الذي من شأنه "تعميق" الأمن والدفاع والعلاقة الدبلوماسية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
حلف مناهض للرباعية يتأسس بقيادة بكين
وبالتالي، فإنَّ مستقبل العلاقات بين الصين والهند سوف يُستمَد في جزئه الأكبر من الشراكات والتحالفات المتزامنة التي يعتبرها الطرفان أهمية استراتيجية؛ إذ تقف الهند والولايات المتحدة، والهند واليابان، والهند وروسيا، والمشاركة بين الهند والرباعية، مقابل العلاقات بين الصين وباكستان، والصين وروسيا.
ونظراً لأنَّ انعدام الثقة المتبادل بلغ أعلى مستوياته على الإطلاق بين القوتين الآسيويتين، فإنَّ عام 2022 يُنذِر بأن يكون عام المناورات الدبلوماسية الدقيقة لكليهما. وبينما يستعد الرئيس الصيني لفترة ثالثة غير مسبوقة في المنصب، فإنَّ تركيزه على تأكيد شخصيته القوية وإعادة بنائها يتزايد.
ومن خلال أحدث قانون للحدود البرية، شرَّع شي جين بينغ نهجاً جديداً نحو تعزيز رغبة الصين في إيجاد حل للنزاع الحدودي بشروطها الخاصة، ومن جانب واحد. ومع مواصلة قيادة الهند أيضاً من قِبل حكومة قومية، فإنَّ التراجع عن مناطق الصراع المشتركة، لا سيما في القطاع الغربي بما في ذلك في وادي غالوان، يظل احتمالاً ضعيفاً، بينما يمثل تصاعد الصراع مصدر قلق كبير.