ظاهرة غريبة تحدث لمتحور أوميكرون في جنوب إفريقيا؛ إذ يتراجع معدل الإصابات في هذا البلد الذي نشأت فيه هذه السلالة، التي يُعرف عنها سرعة انتشار هائلة وقدرة مقلقة على مراوغة اللقاحات، فما السبب، ولماذا لا يكون ذلك بالضرورة خبراً سعيداً لبقية العالم؟
فمع استمرار تفشي متحور أوميكرون بطريقة لا هوادة فيها في جميع أنحاء العالم، ليتجه ليصبح المتغير السائد، ويدفع العديد من الدول للعودة للإغلاق، فإن جنوب إفريقيا شهدت مؤخراً انخفاضاً في عدد الحالات، بشكل يحير العلماء عن السبب في ذلك، ويثير تساؤلات حول: هل هذه علامة جيدة للعالم أم نذير شؤم؟
أولاً: لوحظ انخفاض معدل الدخول للمستشفيات رغم التفشي الواسع
في بداية تفشي المتحور الجديد أظهرت البيانات المتعلقة بدخول المستشفيات لـ Covid في جنوب إفريقيا ارتفاعاً حاداً في جميع مقاطعات البلاد.
لكن اللافت أن ارتفاع حالات دخول المستشفيات لا يحدث بالسرعة المتوقعة بالنظر إلى عدد الحالات، كما تبيّن أن عدداً أقل من المرضى يحتاج إلى الأوكسجين وأجهزة التنفس الصناعي، وهم يقيمون في المستشفى لفترات أقصر، حسبما ورد في تقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية "bbc".
ديسكفري هيلث، المزود الصحي الرئيسي في جنوب إفريقيا، ذكر أن احتمال دخول البالغين المصابين في وقت مبكر من تفشي أوميكرون أقل بنسبة 30% تقريباً من أولئك المصابين في الموجة الأولى.
تراجع تفشي أوميكرون في جنوب إفريقيا
لكن الأمر لم يعد يقتصر على انخفاض نسبة دخول المستشفيات إلى عدد المصابين، بل تُظهر البيانات الجديدة الصادرة عن المعهد الوطني للأمراض المعدية بجنوب إفريقا (NICD)، أن ما يزيد قليلاً عن 8 آلاف و500 شخص قد ثبتت إصابتهم بأوميكرون، يوم 20 ديسمبر/كانون الأول 2021، وانخفضت هذه النسبة بشكل ملحوظ مما يقرب من 14 ألفاً في الأسبوع الماضي، حسب مجلة The National Interest الأمريكية.
قد يكون السبب في قلة عدد حالات دخول المستشفيات وتراجع تفشي السلالة الجديدة مرتبطاً بمعاناة جنوب إفريقيا مع موجات كورونا المتلاحقة، وليس بسبب كفاءتها الصحية أو احتمال أن المتحور الجديد أقل حدة في الأضرار التي يلحقها بالأجساد البشرية.
إذ يحتمل أن يكون السبب هو حجم الإصابات الهائل، بما في ذلك عدد الوفيات "الرهيب" الذي عانت منه البلاد منذ ظهور الجائحة، فيكون قد أعطى البلاد قدراً من مناعة القطيع.
فالاختلاف الكبير عن الموجات السابقة هو معدل التطعيم والمناعة الطبيعية لدى السكان.
وتتمتع جنوب إفريقيا بمعدلات تطعيم منخفضة نسبياً، حيث تم تحصين 26% من سكانها بشكل كامل، لذلك قد لا تكون تجربتها قابلة للمقارنة بشكل مباشر مع البلدان التي تم تلقيحها.
لكنها تتمتع بمعدلات عالية جداً من المناعة الطبيعية، بسبب إصابة عدد كبير من السكان خلال الموجات السابقة.
ومن المعروف أن متغير أوميكرون لديه أكثر من ثلاثين طفرة في بروتين سبايك، ما يساعده على تحقيق معدلات انتقال أعلى، كما يعتقد أن اللقاحات والمناعة الناتحة من إصابة سابقة أقل فاعلية معه من المتغيرات السابقة.
ولكن رغم ذلك يعتقد أن جرعتين من اللقاح أو عدوى سابقة لا يزالان يوفران الحماية ضد حالات المرض الشديد التي يمكن أن يسببها أوميكرون.
هل أوميكرون أقل ضراوة، أم أن شعب جنوب إفريقيا اكتسب مناعة القطيع؟
يثير هذا التطور في وضع أوميكرون جنوب إفريقيا تساؤلات هل التقارير التي تفيد بأن أوميكرون أقل حدة من المغيرات الأخرى، سببها أن سكان البلاد لديهم مناعة سابقة، أم نتيجة لأن المتغير نفسه أقل ضراوة.
فبينما بات محسوماً أن أوميكرون أكثر قدرة على الانتشار من المتغيرات السابقة، فإن
مسألة كونه أقل ضرراً على الأجسام أم لا مسألة غير محسومة بعد، لأن المرض بدأ وانتشر في البداية في بلد لديه مناعة واسعة جراء الإصابات السابقة.
وقالت الدكتورة فيكي بيلي، عالمة بارزة في مستشفى كريس هاني باراجواناث في جوهانسبرغ، إن معدلات العلاج المنخفضة في المستشفى ربما كانت بسبب الأشخاص الذين يتمتعون بمناعة أكبر، وأضاف: "لا يوجد دليل على أنها طفرة أقل فتكاً.
في المقابل، يقول الدكتور سكوت جوتليب، المفوض السابق لإدارة الغذاء والدواء في جنوب إفريقيا (FDA) "لا يوجد مؤشر على أن أوميكرون يسبب مرضاً أكثر خطورة".
وأضاف في تصريح لشبكة سي بي إس نيوز "أوميكرون يحتمل ألا يكون شديداً مثل المتغيرات الأخرى".
وتابع: "ما رأيناه في جنوب إفريقيا على وجه الخصوص هو انخفاض دخول المستشفيات بالنسبة لإجمالي عدد المصابين، مقارنة بالمتغيرات الأخرى.
وأضاف جوتليب أن السبب وراء ظهور أوميكرون "كمرض أقل خطورة ربما يرجع إلى أن لدينا مناعة أساسية في السكان"، مشيراً إلى أن 80% من أولئك الموجودين في الولايات المتحدة، و90% من سكان جنوب إفريقيا "يتمتعون بمستوى معين من المناعة" من التلقيح أو الإصابة السابقة.
وأضاف: "يبدو أن لدينا بعض المناعة الأساسية التي تحمينا من الإصابة بالمرض الشديد".
كما يشير الدكتور موج سيفيك، من جامعة سانت أندروز، إلى أن خطر إصابة الآخرين ينخفض بشكل كبير من خلال التطعيم، لأن الناس سيمرضون لفترات أقصر ويتخلصون من الفيروس بشكل أسرع، ما يجعله أقل فرصة للانتشار.
القليل من اللقاحات يمكن أن توقف العدوى تماماً، ولكن عندما يتعلق الأمر بالوقاية من المرض الشديد تشير الأدلة إلى أن التطعيم لا يزال يؤدي المهمة إلى حد كبير، حتى بعد هذه الطفرة الكبيرة.
وقال البروفيسور توم مولتري، كبير الديموغرافيين في جامعة كيب تاون بجنوب إفريقيا، لصحيفة التليغراف البريطانية: "يبدو الأمر حقاً كما لو أن بلدي سوف يفلت نسبياً من هذه الموجة".
ومع ذلك، فلقد دفعت جنوب إفريقيا ثمناً غالياً للوصول لمرحلة زيادة المناعة بين السكان من خلال عدد الوفيات "الرهيب" الناتج عن الوباء في الموجات السابقة.
قال مولتري: "ماذا لو" التراجع المحدود لمتغير أوميكرون في جنوب إفريقيا هو لأننا "اشترينا ذلك الحاضر الأفضل نسبياً بتكلفة بشرية رهيبة خلال موجات الجائحة الماضية".
وخسرت جنوب إفريقيا التي يبلغ عدد سكانها 60 مليون نسمة أكثر من 270 ألف حالة وفاة، يعتقد أنها بسبب الفيروس، وهي أرقام قدرت من خلال مقارنة عدد الوفيات خلال فترة الجائحة بما قبلها، وفقاً لمجلس البحوث الطبية في جنوب إفريقيا.
إذا صح هذا الاحتمال فإن نموذج أوميكرون في جنوب إفريقيا غير محبذ على الإطلاق.
ولكن سيؤدي إجراء مزيد من الأبحاث ومتابعة مسيرة المتحور الجديد في الدول الأخرى لحسم الجدل، بشأن سر تراجع ضراوة متغير أوميكرون في جنوب إفريقيا، هل بسبب المناعة الناجمة عن التفشي السابق، أم أن الفيروس أقل ضراوة من أسلافه.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.