الأبعاد الجيوسياسية لزيارة الرئيس الجزائري لتونس.. المغرب وليبيا وأشياء أخرى

عربي بوست
تم النشر: 2021/12/20 الساعة 10:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/12/20 الساعة 10:14 بتوقيت غرينتش
الرئيس التونسي قيس سعيد يستقبل نظيره الجزائري عبد المجيد تبون / الأناضول

أجرى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون زيارة رسمية إلى تونس، يومي 15 و16 ديسمبر/كانون الأول، رفقة وفد حكومي رفيع المستوى، تمخض عنها توقيع 27 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين البلدين شملت مجالات عديدة منها العدل والداخلية والطاقة والصناعات المتوسطة والصغيرة والناشئة والصناعات الدوائية والبيئة والشؤون الدينية والتربية والتأهيل المهني والصيد البحري والإعلام والثقافة.

وتأتي هذه الزيارة في وقت تعيش فيه تونس أزمة سياسية متشعبة بلغت ذروتها يوم 13 ديسمبر/كانون الأول عند إعلان الرئيس قيس سعيّد عن أجندته السياسية والدستورية للمرحلة المقبلة، وتعيينه لتاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول 2022 موعداً للانتخابات التشريعية السابقة لأوانها. 

تبون
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون – رويترز

وأعلنت رئاسة الجمهورية التونسية قبل يومين من زيارة الرئيس عبد المجيد تبون لتونس عن تسلمها قرضاً بقيمة 300 مليون دولار من الجزائر دخل في خزانة البنك المركزي التونسي.  

وتواجه تونس صعوبات اقتصادية هيكلية وحالة عدم استقرار سياسي لا تشجع المستثمرين والمانحين الأجانب، بالإضافة إلى وجود نسبة تضخم عالية بلغت 6.4 بالمئة وارتفاع نسبة البطالة إلى حدود 18,4%، بحسب الأرقام الأخيرة للمعهد الوطني للإحصاء.

أهمية سياسية واقتصادية

ويرى مراقبون أن توقيت هذه الزيارة، التي تعتبر الأولى في جدول زيارات الرئيس الجزائري إلى البلدان المغاربية منذ انتخابه، لها أهمية سياسية خاصة، وفيه تأكيد من تبّون على دعمه للرئيس التونسي بعد التدابير الاستثنائية التي شهدتها البلاد في 25 يوليو/تموز الماضي، والقرارات التي أعلن عنها سعيّد قبل أيام من الزيارة. 

في حين يرى آخرون أن التوقيت السياسي للزيارة خطأ، ويبعث برسالة مفادها أن السلطات الجزائرية تدعم طرفاً سياسياً على آخر في تونس، وهو قيس سعيّد مقابل خصومه المحليين في ظل الإجراءات الاستثنائية التي يحكم بها البلاد.

الرئيس الجزائري قال خلال ندوة صحفية مشتركة بثتها صفحة رئاسة الجمهورية التونسية على فيسبوك: "يبدو أن الأمور دستورية عندهم، ونشهد للرئيس قيس سعيد بأنه إنسان مثقف وديمقراطي ووطني إلى النخاع، ولا يمكن أن نحكم عليه بشيء آخر".

الأرشيف الجزائري في فرنسا
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون / رئاسة الجزائر على فيسبوك

من جانبه، أوضح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، الدكتور إدريس عطية، في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست" أن الجزائر تطمح لتنويع علاقاتها وشركاتها الاستراتيجية مع دول الجوار، مضيفاً أن العلاقة مع تونس تكتسي أهمية خاصة سواء في بعدها الأمني أو فيما تمثله هذه الجارة الشرقية من عمق استراتيجي للجزائر. 

وأشار الأكاديمي الجزائري إلى أن زيارة الرئيس تبون تأتي "كمتنفس جديد للأزمة السياسية التي تعيشها تونس منذ مدة طويلة، إلى جانب الهشاشة الاقتصادية التي أثّرت على الوضع الداخلي لهذا البلد المغاربي، وهذا ما سمح لبعض الأطراف أن تتدخل في تونس وتحاول التأثير على مسارها السياسي داخلياً وخارجياً. 

وأوضح كذلك أن هنالك من يريد اصطناع أزمات بين الجزائر ودول الجوار من خلال استهداف التجربة الديمقراطية في تونس لتكون مطية لضرب الجزائر وتصفية حساباتها معها. 

الخلفيات والأبعاد الجيوسياسية للزيارة 

يرى مراقبون أن الجزائر تسعى لكي تكون جارتها الشرقية (تونس) حليفاً استراتيجياً في المنطقة المغاربية والمتوسطية بعد أن وصل الخلاف مع المغرب لقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إثر الزيارة الأخيرة لوزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس للرباط والتصعيد الحاصل في العلاقات مع فرنسا المستعمر القديم.

يأتي ذلك في الوقت الذي تستعد فيه الجزائر لاحتضان القمة العربية في شهر مارس /آذار  2022  على الرغم من الخلافات التي لا تزال قائمة بين بعض الدول العربية والمغاربية ومن بينها الخلاف الجزائري المغربي حول قضية الصحراء الغربية.

وأكد الرئيس تبون خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره التونسي، أن الجزائر تعمل على إنجاح هذه القمة العربية القادمة ، وتذليل جميع الخلافات بين مختلف البلدان العربية. 

تونس
الرئيس التونسي قيس سعيّد / الرئاسة التونسية على فيسبوك

واستبعدت أوساط قريبة من قصر المرادية بالجزائر العاصمة لـ"عربي بوست"، أن تلعب تونس دوراً في محاولة إصلاح العلاقات بين المغرب والجزائر، مشيرة إلى أن الجزائر لن تقبل تدخل أي طرف في هذه الأزمة. 

عطيّة اعتبر أن الوضع الجيوسياسي في المنطقة المغاربية متقلب من ذلك العلاقات مع فرنسا التي تتعامل بمنطق كولونيالي متعال مع بلدان البلدان المغاربية، مشيراً إلى أن العلاقة المتوترة بينهما لا تدفع الجزائر لخلط الملفات مع بعضها أو للضغط على أي دولة من أجل تبني الموقف السياسي الجزائري الرافض للتوجهات الفرنسية.   

وتابع "نفس الشيء بالنسبة لقضية الصحراء الغربية، لم تضغط الجزائر يوماً على أي بلد سواء مغاربي أو أفريقي من أجل تبني موقفها من هذا الملف والاعتراف بالصحراء الغربية كدولة، لافتاً إلى أن الجزائر لا تستغل الوضع الاقتصادي ولا الأزمة السياسية في تونس من أجل ابتزازها للاعتراف بالقضية الصحراوية".

بالمقابل، اعتبر مدير مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية، ومقره الرباط، عبد الفتاح الفاتحي أن "الجزائر تحاول استغلال الأزمة السياسية والدبلوماسية التي يعيشها سعيّد بعد رفض المجتمع الدولي لقرارات 25 يوليو وتقدم الدعم السياسي والمالي له لكسب نفوذ في تونس".

وقال الفاتحي لقناة "الحرة" الأمريكية إن الجزائر تحاول تزعم المنطقة المغاربية وزيادة نفوذها من خلال تقوية علاقاتها بتونس وموريتانيا والتدخل في المسار السياسي في ليبيا، لعزل الرباط سياسياً واقتصادياً عن جميع جيرانها، وتكوين تحالف ضد الاتفاق الأمني الأمريكي المغربي الإسرائيلي، الذي تراه يقوض مصلحتها وأمنها"، على حد قوله.

وأضاف أن المغرب "يتخوف من هذا التقارب التونسي الجزائري، ويخشى أن يتطور في المستقبل، وتنحاز تونس للجزائر في قضية الصحراء وتستغلها الجزائر للتأثير على هذه القضية في حشد موقف مغاربي يعارض سيادة الرباط على ولايته الجنوبية".

الملف الليبي: الهاجس الأمني 

خلال المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقد هذا الأربعاء بالقصر الرئاسي بقرطاج، أشار الرئيسان التونسي والجزائري، إلى وجود تطابق في وجهات النظر بخصوص عدد من القضايا الإقليمية والدولية، منها الملف الليبي، حيث أكدا على "أن يكون الحل ليبياً- ليبياً". 

كما كشف الرئيسان أن هنالك "تنسيقاً دائماً" بينهما بشأن ليبيا، مشددين على ضرورة أن "تتخلص ليبيا من المرتزقة". 

واعتبر الأكاديمي الجزائري في حديثه لعربي بوست أن تطابق السياسات الخارجية التونسية الجزائرية بشأن الملف الليبي سببه أن تداعيات الأزمة الليبية تؤثر في الجزائر وتونس بنفس القدر، خاصة أن هنالك حدود ليبية جزائرية مشتركة تمتد على 989 كلم وليبية تونسية 461 كلم وهو ما يمثل هاجساً أمنياً للبلدين بسبب التحديات الأمنية التي يطرحها الوضع العسكري الهش في ليبيا. 

وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، ورئيس الوزراء الليبي عبد الحميد دبيبة، ووزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، ووكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية روزماري ديكارلو قبل بدء "مؤتمر برلين الثاني حول ليبيا"/ رويترز

هذا وتنتشر العديد من الجماعات الجهادية والإرهابية المسلحة في ليبيا التي كانت تنشط في أفغانستان ثم انتقلت إلى العراق وسوريا ثم إلى معسكرات التدريب في ليبيا بعد سقوط القذافي، وانتشرت بعد ذلك على الحدود الليبية الجزائرية التونسية المشتركة فيما انتقلت مجموعات أخرى لدول جنوب الصحراء والساحل الإفريقي وأضحت تشكل تهديداً أمنياً وعسكرياً للجزائر وتونس خصوصاً، "وهنا تكمن أهمية زيارة تبون إلى تونس للتشاور حول وضع استراتيجية وحــدة المصالح الاجتماعية والاقتصادية والصحية والعسكرية والأمنية "، بحسب تصريحات الدبلوماسي وسفير تونس الأسبق بواشنطن، نجيب حشانة،  لإذاعة محليّة.

انتخابات مزدوجة

 توقيت زيارة الرئيس تبون إلى تونس له أهمية كذلك في علاقة بالانتخابات الليبية، خصوصاً أنه يأتي قبل هذا الاستحقاق الرئاسي والتشريعي. وقد سبق لتونس أن احتضنت في شهر نوفمبر/تشرين الثاني محادثات الأطراف الليبية حول طبيعة وصلاحيات السلطة السياسية التي ستشرف على إنجاز الانتخابات. 

وعبر البلدان في أكثر من مناسبة سواء في إطار الاجتماعات الأممية والإقليمية أو خلال الزيارة الأخيرة للرئيس الجزائري لتونس عن تطابق المواقف حول طبيعة وسيناريو المرحلة الانتقالية في ليبيا.

وقد كانت الزيارة مناسبة لبلورة موقف موحد من الحدث الهام المتمثل في الانتخابات الليبية، والذي يعتبر بالنسبة إليهما تتويجاً للجهود التي بذلاها منذ سنوات من أجل مرافقة ليبيا في مسارها السياسي الانتقالي بعيداً عن التدخلات الأجنبية.

 إلى ذلك، شهدت ليبيا في الفترة الأخيرة انقسامات حادة حول مشاركة رموز من النظام السابق في الانتخابات الرئاسية الليبية   المحددة في الــ24 من شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري، وقد تم في هذا السياق الطعن في قانونية وشرعية ترشح المشير خليفة حفتر ونجل الزعيم الليبي الراحل سيف الإسلام القذافي.

تحميل المزيد