تواجه دبلوماسية تكنولوجيا الهجمات السيبرانية الخاصة برئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو موقفاً ميئوساً منه مثل كثير من الجوانب المتعددة الأخرى في عهده. في سنواته الأخيرة في المنصب، تباهى نتنياهو بالإنجاز الثلاثي لسياسته، والمتمثل في: تجديد الضغط الاقتصادي على إيران بفضل صديقه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والتقدم الكبير المحرز على صعيد العلاقات مع البلاد العربية والمسلمة، وتوسع دائرة "أصدقاء إسرائيل" حول العالم بمدى هائلٍ بفضل قطاع التكنولوجيا العالية المتطور لديها.
تقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية، إنه عندما حظي نتنياهو بمعاملة "ملكية" في الشرق الأقصى أو في أوروبا الشرقية أو حتى في أي تجمعٍ لزعماء شرق إفريقيا، نسب نجاحه إلى القوتين الاقتصادية والتكنولوجية لإسرائيل، حيث كان يعتقد نتنياهو أن الجميع يريد صداقته للاستفادة من تقدم إسرائيل التكنولوجي.
شركة NSO.. "درة تاج" إنجازات نتنياهو تنهار
لكن الحقيقة ليست كذلك، كما تقول هآرتس، ففي حالات ليست بالقليلة، كان الشيء الذي منحه نتنياهو إلى أصدقائه الجدد- الذين كان كثيرون منهم مستبدين يسعون إلى اكتناز سلطة إضافية لأنفسهم على حساب مواطني بلادهم- عبارة عن تكنولوجيا هجوم سيبراني تتيح لهؤلاء الأصدقاء الجدد غزو خصوصية أفراد الشعب ومراقبة الصحفيين ومعارضي أنظمتهم والتجسس عليهم.
وجنباً إلى جنبٍ مع العلاقات الأوثق صلة، صيغت علاقات بين الاستخبارات الإسرائيلية وكبار المسؤولين في هذه البلاد، مما أرسى أسس شراء برمجية بيغاسوس، وهي برمجية تجسس متطورة أنتجتها شركة NSO الإسرائيلية.
لكن الأيام قد ولّت حينما كانت تلك الشركة المستقرة في مدينة هرتسليا الإسرائيلية تعمل في السر وبتشجيعٍ من رئيس الوزراء ودوائر الاستخبارات الإسرائيلية، ويبدو أنها لن تعود أبداً. تواجه شركة NSO مشكلات هائلة، في أعقاب سلسلة من الإفصاحات والأحداث التي انكشفت حول أنشطتها، فضلاً عن العقوبات التي فرضتها عليها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في الشهر الماضي.
ويعتقد مسؤولو الدفاع أن العقوبات قد تؤدي قريباً إلى انهيار الشركة وإنهاء عملياتها. وتقول هآرتس، إن الشركة تعتمد على "الإبداع المستمر". وإذا لم تستطع الإبقاء على أفضل المتخصصين في مجال التكنولوجيا حول العالم، أي نوعية الخبراء القادرين على العثور على أوجه القصور في أنظمة التشغيل، فلن تملك أي منتجٍ لبيعه.
وأبلغ كبار المسؤولين صحيفة Haaretz أن خطوة الولايات المتحدة عطلت كلياً الخطط المستقبلية للشركة. قال المسؤولون في سخرية: "إنهم لا يستطيعون شراء قلم من أي متجر من متاجر وول مارت. إذا أرادت شركة أمريكية أن تبيع لهم أي منتجات، فإنها تحتاج إلى تصريح رسمي".
شركات التكنولوجيا السيبرانية قد تواجه المصير نفسه
علاوة على ذلك، ثمة مسألة متعلقة برغبة كثير من الموظفين في القفز من السفينة؛ فهناك توترات كبيرة في الشركة ويفكر كثير منهم في مغادرتها. أما في إسرائيل، فثمة قلق من أن الأمريكيين لن يكتفوا بمعاقبة NSO، وأنهم سوف يصبون تركيزهم على سوق التكنولوجيا السيبرانية الإسرائيلي بأكمله، وأنهم سوف يحاولون أن يقصوا من المنافسة جميع الشركات التي تعمل هناك.
على المستوى السياسي وفي مؤسسة الدفاع الأمريكية، لا يزالون يواجهون مشكلة في تقييم الاعتبارات التي استرشدت بها إدارة بايدن، بعيداً عن الغضب من أنشطة الشركة. ويبدو أن هذا يرتبط كذلك بالخلاف بين إدارة بايدن وحكومة بينيت فيما يتعلق بالمفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني.
تقدم قضية شركة NSO دليلاً على سوء العلاقات مع الإدارة الأمريكية، التي تنعكس كذلك في الخلافات حول بناء المستوطنات غير الشرعية والصعوبات التي تواجه الإدارة في الحصول على موافقة الكونغرس لإرسال مساعدة خاصة بقيمة مليار دولار إلى إسرائيل، في أعقاب حربها ضد غزة التي شنتها في مايو/أيار. ويبدو أن إسرائيل لم تفهم أن هناك إدارة جديدة في واشنطن بأجندةٍ جديدةٍ وتسامح أقل تجاه انتهاكات حقوق الإنسان، كما تقول الصحيفة العبرية.
19 شركة إسرائيلية تعمل في مجال الهجمات السيبرانية
توجد في الوقت الحالي 19 شركة في إسرائيل تعمل في مجال تكنولوجيا الهجوم السيبراني. ولم يتضح الآن بعد ما إذا كان الأمريكيون يستهدفون جميع هذه الشركات رغبةً في قطع دابر المنافسة الأجنبية في هذا المجال، أم أنهم سوف يكتفون بالإجراءات التي اتخذوها ضد الشركتين اللتين أُدرجت كلتاهما الآن على لائحة العقوبات. تعد شركة NSO رائدة في العثور على نقاط الضعف الكامنة في الأنظمة الحاسوبية والهواتف الخلوية، التي يمكنها اختراقها من خلالها. وتوظف الشركة عشرات الباحثين المتفوقين في هذا المجال.
أحد المخاوف التي أُثيرت في النقاشات داخل مؤسسة الدفاع، هي أن هؤلاء الباحثين قد يبحثون عن وظائف مع شركات أجنبية ويستغلون المعرفة التي اكتسبوها في NSO من أجل تقديم خدماتهم إلى عملاء آخرين. ويقول موظفو الشركة إن "الأسابيع الأخيرة شهدت انتشار أجواء كئيبة وإن كثيراً من الموظفين يبحثون فعلياً عن وظائف أخرى". أوضح الموظفون كذلك أنه "على عكس ما كان اعتيادياً في الشركة وفي الشركات الأخرى الناجحة في هذا المجال، لن يحصل الموظفون هذا العام على ما يبدو على أي مكافآت".
أزمات أخرى بانتظار NSO الإسرائيلية
مع ذلك، من المسلم به في إسرائيل أن الإشراف على العقود التي أبرمتها NSO كان متساهلاً للغاية. فقد تداولت حكومة نتنياهو هذه البرمجية التجسسية بكل سرور، ويقال إن الموساد ساعد في الوساطات الأولية لهذه العمليات.
في حديثهم مع صحيفة Haaretz، قال المسؤولون في القطاع الذين لا تربطهم علاقات بالشركة، إن جميع الصفقات وُقعت بموافقة ومعرفة مؤسسة الدفاع. هذا الموضوع هو ما تتركز عليه حجج الشركة في أن إسرائيل ينبغي لها أن تدافع عنها: أي أن إسرائيل ما دامت قد وافقت على صفقات ورطتها مع الأمريكيين، فيجب عليها أن تجد طريقة لحلها. وإلا فما هي جدوى موافقة وإشراف وكالة مراقبة الصادرات الدفاعية التابعة لوزارة الدفاع؟
لكن مؤسسة الدفاع لم تكُن على علمٍ دائم بالتفاصيل، والآن هناك صعوبات كذلك في تحديد ما أُدرج على وجه التحديد في قليل من الصفقات، وما إذا كانت الهواتف اختُرقت لاحقاً نتيجة لذلك. وليس من المستبعد أن يُنشر خلال الأشهر القادمة مزيد من التفاصيل فيما يتعلق باستخدام التكنولوجيا الإسرائيلية في مهمات مشكوك فيها.
وفي خلفية هذه التفاصيل، يحوم تهديدٌ آخر حول شركة NSO: فقد رفع موقع فيسبوك قضية ضدها في الولايات المتحدة، وادّعى أن تطبيق واتساب، وهو تطبيق مراسلات مشفرة مملوك لفيسبوك، تعرض للاختراق. ويُتوقع أن تؤدي القضية إلى الكشف عن وثائق خلال الأشهر القادمة، وهو ما ستعقبه على ما يبدو موجة جديدة كلياً من التغطية الصحفية.