تتميز العلاقات المغربية الروسية بتطور مهم على مستوى اتفاقيات التعاون والشراكة، لكن يسجل غياب تطابق مواقف البلدين حول عدد من القضايا.
في 9 ديسمبر/كانون الأول الماضي، التقى النعم ميارة، رئيس مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان المغربي)، السفير الروسي لدى الرباط، فاليريان فلاديميروفيتش شوفاييف.
وكان محور اللقاء "تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين"، بحسب بيان لمجلس المستشارين.
تأجيل زيارة لافروف
كان مقرراً في 12 ديسمبر/كانون الأول الماضي، زيارة لافروف إلى المغرب، ضمن جولة مرتقبة له إلى منطقة الشرق الأوسط، قبل أن يتم إلغاء موعدها، بحسب وسائل إعلام مغربية.
وكان يفترض في زيارة لافروف رئاسته منتدى التعاون الروسي العربي، الذي ستحتضنه مدينة مراكش المغربية (شمال)، لكن مع إلغاء الزيارة تأجل أيضاً انعقاد المنتدى.
كما كان مخططاً أن يسبق المنتدى بيوم اجتماع مغربي روسي برئاسة لافروف ونظيره ناصر بوريطة، و"التوقيع خلاله على اتفاقيات ثنائية".
ولم يصدر أي تأكيد أو نفي من السلطات المغربية والروسية حول التاريخ الجديد لعقد المنتدى، ولا أسباب تأجيله.
ويبحث المنتدى، الذي تم إطلاقه قبل 12سنة، التعاون بين الدول العربية وروسيا، فضلاً عن استضافته لقاءات عمل وندوات يتخللها توقيع اتفاقيات ثنائية.
وليس هذا التأجيل الأول من نوعه، فقد كان عقد المنتدى مقرراً في 28 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قبل تأجيله بطلب من روسيا، ما أرجعته تقارير إعلامية، لوجود "أزمة صامتة" بين الرباط وموسكو.
لينفي دبلوماسيان روسي ومغربي، وجود أزمة بين بلديهما، وفق بيان صادر عن الخارجية الروسية، في 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وأعرب الدبلوماسيان عن استغرابهما "الشديد من المعلومات التي لا أساس لها من الصحة التي نشرتها بعض وسائل الإعلام حول برود مزعوم في العلاقات بين موسكو والرباط".
زيارات عالية المستوى
وعلى مدار السنوات الماضية، عرفت العلاقات بين البلدين تبادلاً للزيارات على أعلى مستوى.
وفي 13 مارس/آذار 2016، زار العاهل المغربي محمد السادس روسيا، في ثاني زيارة من نوعها، بعد الأولى في أكتوبر/تشرين الأول 2002، حيث جرى خلال الزيارة توقيع 16 اتفاقية بين البلدين.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2017، وقَّعت الرباط وموسكو، 11 اتفاقية، ثلاث منها في مجالات الطاقة والصناعة والزراعة.
وارتفع حجم المبادلات التجارية بين البلدين من حوالي 200 مليون دولار عام 2001 إلى 2.5 مليار دولار في 2016.
واحتلت روسيا عام 2016، المرتبة التاسعة في قائمة الدول المصدرة للمغرب والمرتبة الـ22 في قائمة المستوردين منه.
ومنذ يوليو/تموز 2005، ألغى المغرب التأشيرة للسياح الروس؛ وهو ما أدى إلى تطوير السياحة الروسية بالمملكة، بحسب بيانات وزارة الخارجية المغربية.
علاقات دون المستوى المأمول
اعتبر سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة "سيدي محمد بن عبد الله" (حكومية)، أن "المغرب جعل روسيا خلال العقدين الأخيرين إحدى الدول الأساسية في استراتيجية تنويع شركائه، وعقد معها اتفاقيات في مجالات مختلفة".
وأضاف الصديقي للأناضول: "لكن هذه العلاقات لم ترقَ إلى المستوى المأمول منها، رغم أن المغرب يظل أحد الشركاء الاقتصاديين الأساسيين لروسيا في العالم العربي".
وأردف: "ما زالت الشراكة بين الرباط وموسكو لم تصل لتحقيق الطموحات المرسومة لهذه الاستراتيجية في البداية".
وأوضح أن "زيارة لافروف إلى الرباط ستكون فرصة لتقييم الشراكة والتعاون بين البلدين والبحث عن سبل لتعزيز العلاقات الاقتصادية بينهما".
واستدرك: "لكن لا يتوقع من هذه الزيارة أن تساهم في حلحلة الأزمة الدبلوماسية بين المغرب والجزائر، لأن الكرة الآن في الملعب الجزائري، والجزائر حتى الآن ترفض أي وساطة لحل الخلاف مع المغرب، علماً أنه كانت هناك مساعٍ حميدة من دول عربية وازنة".
ولفت إلى أن "الجزائر حتى الآن ترفض الاستجابة لدعوات الحوار لإيجاد حلول للأزمة مع الرباط، لذلك لا ينتظر من زيارة وزير خارجية روسيا المساهمة في تطبيع العلاقة بين المغرب والجزائر".
ملفات حارقة
لكن رغم الإيجابيات السابقة إلا أن الأمور بين البلدين ليست على ما يرام، فبحسب مصادر خاصة لـ"عربي بوست" فإن ثمة أزمة بين الرباط وموسكو تدور حالياً، بسبب ملفين هامين وهما وجود مرتزقة فاغنر الروسية في مالي، جنوب المغرب، والآخر له علاقة بأنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا.
وتابعت المصادر أن المغرب متخوف من استعمال مرتزقة "فاغنر" سواء من طرف الجزائر أو عناصر البوليساريو في عملياتها، أو نقل أسلحة "فاغنر" إلى البوليساريو.
وكانت الحكومة في مالي قد أعلنت في الشهر الماضي، تعاقدها مع شركة فاغنر الروسية، في إطار حربها على الحركات الانفصالية، والجماعات المسلحة بالشمال، لتعويض القوات الفرنسية التي شرعت في الانسحاب عسكرياً من مالي.
وأفادت المصادر ذاتها أن ملفاً خلافياً آخر بين الرباط وموسكو، يتمثل في موضوع أنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا، المتجه إلى أوروبا، فروسيا والجزائر متخوفتان من منافسة الغاز الإفريقي في السوق العالمية.
ورغم بطء تنفيذ أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب وصعوبته، فإن البلدين يؤكدان في كل مرةٍ أنهما يتقدمان في تنفيذه، وأنهما بصدد وضع اللمسات الأخيرة على المشروع.
وكان العاهل المغربي محمد السادس، والرئيس النيجيري محمد بخاري، قد اتفقا في ديسمبر/كانون الأول 2016، في العاصمة أبوجا، على إنشاء أنبوب الغاز، الذي يُتوقع مروره عبر 11 دولة، هي: بنين، وغانا، وتوغو، وكوت ديفوار، وليبيريا، وسيراليون، وغينيا، وغينيا بيساو، وغامبيا، والسنغال، وموريتانيا، ثم المغرب، ويمتد الأنبوب بطول 5660 كم، وينتهي في أوروبا.
حرب باردة
وبحسب مصادر مغربية لعربي بوست فإن السبب المباشر للتوتر الحالي بين البلدين، كان بسبب زيارات مباشرة للجزائر قام بها عدد من كبار المسؤولين العسكريين الروس؛ من أجل حسم ملف القاعدة البحرية الروسية في مدينة وهران على الحدود المغربية.
وكان موقع "Algerie Part" قد كشف في أبريل/نيسان 2021، أن بعثتين عسكريتين روسيتين نفذتا، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، زيارات سرية نحو غرب مدينة وهران في الجزائر؛ من أجل تدارس مشروع إنشاء قاعدة بحرية روسية.
ملف القاعدة البحرية كان موضوع اتفاق بين الجزائر وموسكو في 2018، غير أن الجزائر انشغلت عنه بالحالة الصحية للرئيس الراحل بوتفليقة، وبعدها بالحراك الشعبي، قبل أن يدفع الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء موسكو والجزائر إلى إحياء التفاهمات.
مسألة أخرى اعتبرت مصادر "عربي بوست" أنها تمثل النقطة التي فاضت بها الكأس، وهي مشاركة غواصات روسية في مناورات بحرية عسكرية جزائرية، على الحدود مع المغرب الشهر الماضي.
سياق حساس
وفق نبيل الأندلوسي، نائب رئيس لجنة الخارجية بمجلس المستشارين المغربي سابقا، فإن "زيارة لافروف المرتقبة، تأتي في سياق حساس ودقيق يطبع العلاقات بين المغرب وروسيا، والتي عرفت نوعا من الفتور رغم نفي الجهات الرسمية لأي أزمة صامتة بين الطرفين".
وأضاف الأندلوسي للأناضول، أن "الزيارة ستشمل بالإضافة إلى المغرب، كلا من فلسطين وإسرائيل والجزائر، مما يرجح أن القضية الفلسطينية ومشكل الصحراء المغربية من المواضيع التي ستكون محل نقاش لتقريب وجهات النظر بين جميع أطراف النزاع".
وأوضح أن "برمجة زيارة لوزير الخارجية الروسي تجمع فلسطين وإسرائيل والمغرب والجزائر في ذات الزيارة التي ستعرف انعقاد منتدى التعاون الروسي العربي على مستوى وزراء الخارجية، إشارة قوية من الجانب الروسي لرغبة في طي صفحة أي سوء فهم أو توتر في العلاقات الدبلوماسية بين روسيا والمغرب".
وتابع: "كما أنها محاولة لتجاوز حالة الفتور خاصة بسبب المواقف الأخيرة للدبلوماسية الروسية من قضية الصحراء المغربية".