أعلن الجيش الأمريكي أنه أسقط طائرة مسيرة بالقرب من قاعدة النتف العسكرية في سوريا. والقاعدة كانت موقعاً صحراوياً منعزلاً للأمريكيين منذ عدة سنوات، أنشأته الولايات المتحدة لتدريب مجموعات مسلحة تابعة لها، وكان أحد مراكز العمليات التي استُخدمت في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
ومع ذلك، فقد نجح النظام السوري والميليشيات المدعومة من إيران في قطع الطرق الواصلة بين الحامية الأمريكية في النتف والقوات الأمريكية الأخرى العاملة في شرق سوريا، بعد استعادة الميليشيات مناطق عديدة على طول الحدود السورية العراقية في عامي 2017 و2018.
هذه المنطقة الاستراتيجية، ونطاق الحظر الذي تفرضه الولايات المتحدة حولها ويمتد نفوذها فيه، تجعل من الصعب ظاهرياً على إيران السيطرة على الأراضي من البوكمال إلى الجولان. ومع ذلك، لا تقول الولايات المتحدة إنها موجودة في سوريا للتصدي للإيرانيين، بل تقول إن دورها هو العمل "من خلال القوى المحلية الشريكة ومعها وعبر الاتفاق معها"، بحسب تقرير لصحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية.
من سيخرج أولاً إيران أم أمريكا؟
كان الهدف من مهمة الولايات المتحدة في سوريا هو "محاربة داعش"، ومع ذلك، قال المسؤولون الأمريكيون في ظل إدارة ترامب إنهم يريدون مغادرة إيران من البلاد وإن أمريكا ستبقى في سوريا حتى رحيل إيران.
قد يكون للإدارة الأمريكية الجديدة وجهة نظر مختلفة، فالولايات المتحدة تُجري حالياً محادثات في فيينا بشأن اتفاق جديد مع إيران، ولا يُعرف ما الذي ستؤول إليه الأمور فيما يتعلق بقاعدة النتف. لكن بحسب ما ورد، فإن الجنود الأمريكيين واجهوا هناك مجموعة متنوعة من هجمات الطائرات المسيرة واستخدموا تقنيات عديدة للتصدي لها. وكان الجنرال كينيث ماكنزي، قائد القيادة المركزية الأمريكية، حذر منذ سنوات من التهديدات التي تنطوي عليها الطائرات المسيرة.
تزايدت هذه التهديدات للقوات الأمريكية بسرعة في السنوات الأخيرة؛ فقد أقامت إيران مركزاً لقيادة عمليات الطائرات المسيرة في قاعدة التياس الجوية (T-4) في سوريا في فبراير/شباط 2018. وعملت على توسيع برنامج الطائرات المسيرة وتدريب مشغلين لتلك الطائرات في قاعدة كاشان الجوية الإيرانية، وأرسلت تقنيات الطائرات المسيرة إلى اليمن وغزة والعراق، وكذلك سوريا. وفي مايو/أيار من هذا العام، تقول إسرائيل إن إيران أرسلت طائرة مسيرة من العراق حلَّقت فوق سوريا وصولاً إلى المجال الجوي الإسرائيلي.
تزعم التقارير الإسرائيلية الآن أن تهديد الطائرات المسيرة الإيرانية آخذ في الازدياد، فإيران تستخدم طائرة مسيرة انتحارية، ولديها أيضاً طائرات مسيرة للاستطلاع. كما أنها تمنح تلك الطائرات للميليشيات المحلية.
وتقول المصادر الإسرائيلية للصحيفة العبرية إن إيران شرعت في الالتفات بدرجة أكبر إلى العمليات الموجهة ضد الأمريكيين، وإن لم يكن الأمر جديداً كل الجدة، ففي عام 2017، أسقطت الولايات المتحدة طائرات مسيرة "موالية للنظام" في سوريا بالقرب من النتف.
وفي 20 أكتوبر/تشرين الأول، استُخدم عدد من الطائرات المسيرة لمهاجمة قاعدة النتف. وذكرت تقارير لوسائل إعلام أمريكية أن إيران شنَّت تلك الهجمات "رداً" على ضربات جوية إسرائيلية في سوريا. وقد استخدم في هذا الهجوم 5 طائرات مسيرة. والآن تقول تقارير إن طائرات مسيرة هاجمت القاعدة مرة أخرى مساء 15-16 ديسمبر/كانون الأول الحالي.
وقال الكابتن بيل أوربان، المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية، إن طائرتين مسيرتين دخلتا المنطقة المحظورة في نطاق الثكنة العسكرية، و"لما توغلت إحدى الطائرتين في النطاق الجوي المحظور لقاعدة النتف، جاء التقييم بأنها تُظهر نية عدائية وأسقطتها الدفاعات الأمريكية".
جرس إنذار إيراني للجميع
وتشير تقارير واردة عن شبكة NBC الأمريكية إلى أن "الطائرة المسيرة الثانية استدارت وغادرت المنطقة. ولا يُعرف ما إذا كانت أي من الطائرتين المسيرتين حاملةً لمتفجرات".
استخدمت إيران عدداً من الطائرات المسيرة وصواريخ كروز لاستهداف منشأة بقيق النفطية السعودية في سبتمبر/أيلول 2019. وكان هذا جرس إنذار للمنطقة حول قدرات إيران.
وقالت إسرائيل، في أعقاب ذلك الحادث، إن القبة الحديدية قادرة على إسقاط الطائرات المسيرة، وزعمت أيضاً أنه يمكن استخدام صواريخ باتريوت من نوع أرض جو وصواريخ طائرات الإف 16 (جو-جو) وصواريخ المروحيات لإسقاط الطائرات المسيرة.
ومع ذلك، فإن الهجوم على المنشآت السعودية كان مهمة في ذهاب بلا عودة لطائرات مسيرة انتحارية، أما الآن فلا يُعرف مدى التطور الذي وصلت إليه صناعة الطائرات المسلحة الإيرانية، فقد أصبحت أكثر تطوراً وزاد نطاق الاتصالات الخاص بها، وهو ما يجعل طهران قادرة على شنِّ هجمات أعقد واشد تأثيراً.
ما هي الرسالة التي تريد إيران تبليغها؟
تريد إيران أو أصدقاؤها وحلفاؤها- مثل النظام السوري والميليشيات الموالية لإيران المنتشرة في العراق وسوريا- أن تغادر الولايات المتحدة منطقة النتف. ويريدون إخراج الولايات من العراق وسوريا عموماً. لكن ماكنزي، قائد القيادة المركزية الأمريكية، قال هذا الأسبوع إن القوات الأمريكية باقية في العراق، بحسب الصحيفة العبرية.
ومع ذلك، ليس معروفاً ما تريد الولايات المتحدة فعله في شرق سوريا. وربما تكون بصدد مراجعة الوضع هناك. لكن الواضح أن إيران تريد دفع الأمريكيين إلى الرحيل بالمضايقات الصغيرة المتوالية، واستخدام الطائرات المسيرة وغيرها من الوسائل لتحقيق ذلك.
أجرت الولايات المتحدة وإسرائيل تدريبات للدفاع باستخدام أنظمة الليزر لمواجهة تهديدات الطائرات المسيرة، سواء في البر أو في البحر.
وتخلص الصحيفة الإسرائيلية إلى أن تهديد الطائرات المسيرة للقوات الأمريكية في سوريا، ونجاح الولايات المتحدة في التصدي لها، ليس إلا فصلاً واحداً من فصول حرب الطائرات المسيرة الجارية في المنطقة. فعلى المستوى الاستراتيجي، تنتشر الطائرات المسيرة الإيرانية من خليج عُمان إلى سوريا، ولديها القدرة على استهداف القوات الأمريكية كما تشاء وضرب أهداف تجارية مثل السفن وغيرها.
