ارتفعت مستويات الجوع على مستوى العالم بنحو 118 مليون شخص عام 2020، لتقفز إلى 768 مليون شخص، وهي الأعلى منذ عام 2006. وعدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي -أو من اضطروا إلى تقليل احتياجاتهم من الغذاء كماً أو نوعاً- ارتفع بمقدار 318 مليوناً ليصل إلى 2.38 مليار. فهل نواجه أزمة غذاء عالمية جديدة؟
1- كيف غيرت الجائحة طبيعة انعدام الأمن الغذائي العالمي، وكيف تتطور هذه المشكلة؟
في مقابلة أجرتها صحيفة The Washington Post الأمريكية هذا الأسبوع مع ماكسيمو توريرو كولين، كبير خبراء الاقتصاد في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، قال إن الإجابة حول وجود أزمة غذاء عالمية جديدة: ليس بعد، ولكن ربما نكون على أطرافها.
الأسباب الرئيسية لانعدام الأمن الغذائي قبل جائحة كوفيد-19 كانت الحروب وتدهور المناخ والاقتصاد. وعمليات الإغلاق وكوفيد-19 فاقمت من هذه المشكلات.
يقول كولين: لكن الجديد هذه المرة يتلخص في أمرين: الأول هو خطط التعافي الاقتصادي الكبرى والتضخم بسبب الطلب المرتفع من الولايات المتحدة والصين وبلدان أخرى على السلع الذي نتج عنه ارتفاع في الأسعار. وفاقم التنافس على الحاويات هذا الوضع وأدى إلى ارتفاع أسعار النقل.
والأمر الآخر أسعار الأسمدة وندرتها. فدول مثل بوليفيا التي كانت تصدر إلى بيرو، على سبيل المثال، أصبحت تصدر كميات أقل بكثير. وروسيا فرضت بعض القيود على تصدير الأسمدة. والصين تنتج ربع الأسمدة في العالم، لكنها الآن تستوردها أيضاً. ولذا فالضغط على هذا القطاع مختلف عما واجهناه من قبل.
ويقول تقرير لوكالة رويترز نشر الأسبوع الماضي، إن المحاصيل الزراعية في العالم باتت تواجه مشكلة كبيرة بداية من الذرة البرازيلية إلى الدوريان الماليزي الخطر، بعد أن دفعت قلة الإمدادات من المخصبات وارتفاع أسعارها المزارعينَ إلى الاقتصاد في استعمال مواد حيوية مغذية للمحاصيل، ما يعمل على تزايد المخاوف على الأمن الغذائي العالمي وتضخم أسعار الغذاء.
فقد ارتفعت أسعار الأسمدة هذا العام وسط تزايد الطلب وانخفاض المعروض، إذ أدى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والفحم لمستويات قياسية إلى خفض الإنتاج في قطاع الأسمدة الذي يستهلك كميات كبيرة من الطاقة. وزاد سعر اليوريا أكثر من 200% هذا العام، بينما ارتفع سعر فوسفات الأمونيا إلى مثليه تقريباً.
2- متى كانت آخر مرة شهدنا فيها خطر مجاعة على مستوى العالم بالحجم الذي نراه اليوم؟
يقول توريرو كولين لصحيفة واشنطن بوست، إن هذه المرة ستكون أسوأ من أزمة 2007-2008 بكل تأكيد، من حيث ما ندعوه مستويات انعدام الأمن الغذائي الحاد الناتج عن الحروب. ولكن على الصعيد العالمي لا يزال الوضع العام أفضل مما كان عليه في تلك السنوات، بمعنى أن الغذاء لا يزال متوفراً لكن المشكلة اليوم تكمن في الوصول إلى هذا الغذاء.
3- ما الأماكن التي ستشهد أشد تهديدات المجاعة أو انعدام الأمن الغذائي؟
يعتبر الوضع في إفريقيا صعباً، وقد يخرج عن السيطرة في العديد من بلدان هذه المنطقة، مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية ونيجيريا وجنوب السودان والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى، ثم هناك اليمن، وأفغانستان بالطبع. وإذا لم يسرع المجتمع الدولي بإيصال المساعدات إلى أفغانستان فقد نخسر المحاصيل، والوضع هناك سيكون مأساوياً، وهناك هايتي أيضاً، وفنزويلا، التي قد تتأثر أيضاً بشكل كبير.
وكان البنك الدولي قد قال مطلع هذا الأسبوع إن الهيئات المانحة على مستوى العالم وافقت على تحويل 280 مليوناً من الأموال المجمدة إلى برنامج الأغذية العالمي واليونيسيف لدعم التغذية والصحة في أفغانستان.
4- لكن إلى أي مدى سيساعد ذلك في الحد من خطر المجاعة؟
يقول خبراء الغذاء، إن هذا سيتوقف على الطريقة التي ستُستخدم بها هذه الأموال. نتوقع ألا تُستخدم هذه الأموال لوجبات الطوارئ فقط، وإنما لشراء الأسمدة والبذور أيضاً. والوضع ليس جيداً على الإطلاق في الواقع. وأكثر من نصف سكان أفغانستان على سبيل المثال عرضة لخطر حالة الطوارئ الإنسانية. وفي الوقت نفسه، ستستمر ظاهرة النينيا المناخية في خلق ظروف مناخية قاسية في مناطق مختلفة من أفغانستان، لكن المشكلة الرئيسية الآن هي صعوبة الوصول إلى الأسمدة والغذاء.
5- ما الحل لعلاج هذه المشكلة؟
يجب أن نضمن مرور الموسم القادم بسلام وأن يتمكن المزارعون في دول مثل أفغانستان، من الزراعة والحصاد. وفي هذه المرحلة يفترض أن يأتي من المساعدات المقدمة من هيئات مثل منظمة الأغذية والزراعة التي تحاول تقديم المساعدات في المناطق الأكثر تأثراً.
6- هل تغير المناخ وحده قد يؤدي إلى هذه المجاعة؟
يقول الخبراء إنه الضروري أن نتوخى الحذر، لأن السبب لا يمكن أن يكون المناخ فقط، ولكن هناك أيضاً العديد من العوامل التي تتكاتف مع بعضها. ستجد أن مدغشقر على سبيل المثال تشهد أطول فترة جفاف وتصحبها مشكلات فيروس كورونا-19 والركود الاقتصادي. ونتيجة لذلك تواجه البلاد أسوأ أزمة تعرضت لها يوماً.
يقول فريدريك نيومان، الرئيس المشارك للبحوث الاقتصادية الآسيوية في بنك إتش.إس.بي.سي، إنه مع ارتفاع أسعار الغذاء العالمية لأعلى مستوى منذ أكثر من عشر سنوات، فإن زيادة أسعار الأسمدة ستزيد الضغوط على القدرات الشرائية للغذاء، لاسيما في الدول المعتمدة على الاستيراد، في حين أن الضغوط على الميزانيات لا تتيح مجالاً لدعم الحكومات للأسعار.
وأضاف لرويترز، إنه "في وقت دمر فيه كوفيد-19 بالفعل أرزاق ملايين لا حصر لهم، فإن تأثير ارتفاع أسعار الغذاء على الفقراء بصفة خاصة شديد، وهذا يثير الخطر… وصول أثر ارتفاع تكاليف الأسمدة إلى المستهلكين من خلال زيادة أسعار الغذاء".
7- ما مدى استمرار الضرر في البلدان التي أصبحت بؤر اضطراب أثناء الجائحة؟
يعتقد أن التعافي في هذه البلدان، مثل العديد من بلدان أمريكا اللاتينية وغيرها، لا يحدث بالسرعة التي كنا نتوقعها. وهذا التأخر يعود إلى تأخر التطعيمات في كثير من هذه البلدان. ونتيجة لذلك قد تستمر آثار جائحة كوفيد-19 على أزمة الجوع، في ظروف أثرت فيها عمليات الإغلاق الطويلة على الاقتصاد غير الرسمي، لمدة عامين أو أكثر إذا لم يحدث التعافي بسرعة. وهذه الدول ستتعافى وتتعافى، لكنها لا تزال بعيدة عن المرحلة المطلوبة، وتفاقم عدم المساواة سيؤدي إلى زيادة كبيرة في الفقر والفقر المدقع والجوع.
ومع ارتفاع مؤشر أسعار الغذاء الذي تصدره منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) إلى أعلى مستوياته منذ 2011، عندما ساعدت أسعار المواد الغذائية في قيام انتفاضات "الربيع العربي" يتعرض المزارعون في أنحاء العالم بالفعل لضغوط لزيادة الإمدادات الغذائية.
غير أن المحللين يقولون إن شح إمدادات الأسمدة سيزداد سوءاً في العام المقبل. وسيحتاج المزارعون في أوروبا وأمريكا الشمالية وشمال آسيا لزيادة مشترياتهم قبل موسم الربيع، في الوقت الذي عمد فيه المنتجان الرئيسيان الصين ومصر إلى تقليص الصادرات لضمان توفر الإمدادات محلياً.
وقال جوش لينفيل، مدير الأسمدة لدى مجموعة ستون إكس لرويترز: "تم تأمين أغلب مخزون اليوريا، وهو ما يعني أن المنتجين العالميين لن يكون لديهم ما يباع حتى أول يناير/كانون الثاني. ويبدأ المنتجون العام الجديد بكميات منخفضة من الإنتاج غير المباع، وسيواجهون طلباً عالمياً كبيراً في الربع الأول، مع إقبال الولايات المتحدة وكندا والبرازيل وأوروبا وآسيا على الشراء".
واستجابة لكل ذلك يعمد المزارعون في أنحاء العالم إما لتأجيل الشراء أو تقليل استخدام الأسمدة لتوفير المال. وفي نوفمبر/تشرين الثاني، عمدت الهند ومصر وهما بلدان يعتمدان اعتماداً كبيراً على الزراعة إلى زيادة الدعم الحكومي. وعززت وزارة الأسمدة الهندية الإمدادات للأقاليم التي توجد بها مخزونات منخفضة لضمان توفر الكميات للمحاصيل الشتوية.