نقاط الخلاف بين أمريكا وإسرائيل بشأن ملف إيران النووي.. إحداها تفسر موقف تل أبيب من الاتفاق

عربي بوست
تم النشر: 2021/12/14 الساعة 12:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/12/14 الساعة 12:10 بتوقيت غرينتش
رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت/رويترز

ليس سراً أن هناك خلافاً بين إسرائيل والولايات المتحدة بشأن الاتفاق النووي الإيراني، فما هي أبرز نقاط هذا الخلاف؟ وهل يستطيع جو بايدن العودة للتوصل لتفاهم مع تل أبيب؟

الاتفاق النووي الإيراني اسمه الرسمي هو خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران وتم توقيعه عام 2015 بين الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا والصين وإيران (اتفاق 6+1)، والهدف منه وضع برنامج إيران النووي تحت الرقابة المطلقة للوكالة الدولية للطاقة الذرية لضمان عدم تطوير طهران سلاحاً نووياً.

وكانت إسرائيل من أشد المعارضين للاتفاق، الذي وقعته إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، وكان الرئيس الحالي بايدن نائباً للرئيس. وانسحب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي بصورة أحادية عام 2018، وهو ما أسعد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، رغم أن عدداً من المسؤولين الأمنيين والعسكريين في تل أبيب اعتبروا انسحاب ترامب خطأ أضر بإسرائيل.

وقبل دخول بايدن البيت الأبيض، كان موقفه معروفاً وهو نيته العودة للاتفاق النووي مع إيران معتبراً إياه الطريق الوحيد لمنع طهران من امتلاك قنبلة نووية، علماً بأن طهران تنفي دائماً سعيها لامتلاك سلاح نووي من الأساس، بينما تصر تل أبيب على أن السلاح النووي هو الهدف الأول لطهران، وأن ذلك يمثل خطراً وجودياً على إسرائيل، الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك أسلحة نووية.

كيف يحاول بايدن إقناع إسرائيل بجدوى الاتفاق النووي؟

منذ عودة الإيرانيين والأمريكيين وباقي أطراف الاتفاق النووي إلى طاولة المفاوضات في العاصمة النمساوية في أبريل/نيسان الماضي، ثم أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، تسعى إسرائيل بشتى الطرق إلى عدم إحياء الاتفاق مرة أخرى، سواء من خلال التصعيد عسكرياً ضد طهران أو محاولة حشد التأييد الدبلوماسي لموقفها الرافض للاتفاق.

وفي المقابل، تسعى الإدارة الأمريكية لكبح جماح الإسرائيليين كي لا يقوموا بتوجيه ضربة عسكرية لمنشآت إيران النووية، كما تهدد تل أبيب ليلاً ونهاراً، لكن يظل موقف إدارة بايدن غامضاً ولا تريد الإدارة أن يصل الخلاف مع الحكومة الإسرائيلية برئاسة نفتالي بينيت إلى نقطة الصدام، لأسباب تتعلق بالوضع الداخلي في واشنطن بالأساس.

وتناول تحليل لصحيفة نيويورك تايمز، قبل أيام، لمحاولات إدارة بايدن "مغازلة" الإسرائيليين بشتى الطرق لإقناعهم بالقبول بالاتفاق النووي والعدول عن فكرة التصعيد العسكري. ويبني بايدن وكبار مسؤوليه الأمنيين وجهة نظرهم على ما حققه الاتفاق خلال سنواته القليلة قبل أن ينسحب منه ترامب، بحسب الصحيفة الأمريكية.

فبحسب بنود الاتفاق الموقّع عام 2015، وافقت إيران على تقليص جميع أنشطتها النووية، فلا تخصيب لليورانيوم بنسبة أعلى من 3.67% ولا تخزين لليورانيوم المخصب ولا الماء الثقيل بأكثر من بضعة كيلوغرامات، والأهم هو البروتوكول الخاص للرقابة والتفتيش الذي وافق عليه الإيرانيون، وكان يسمح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بنصب كاميرات مراقبة على مدار الساعة في المنشآت النووية الإيرانية، والأهم هو التفتيش المفاجئ لأي موقع تريده الوكالة.

لكن بعد انسحاب ترامب وفرض العقوبات على إيران، بدأت الأخيرة في التخلي عن التزاماتها النووية، فخصبت اليورانيوم بنسب مرتفعة تخطت 20% والحديث الآن عن 60%، وراكمت مخزوناً ضخماً من اليورانيوم المخصب والماء الثقيل وتستخدم أجهزة طرد مركزي متطورة لتخصيب اليورانيوم، لكن الأهم هو أن "استمرارية المعرفة" قد بدأت تحدث بها فجوات، بحسب خبراء ومراقبين غربيين.

النفط بايدن
الرئيس الأمريكي جو بايدن – رويترز

والمقصود باستمرارية المعرفة هو أن تكون جميع الأنشطة النووية الإيرانية مرصودة باستمرار ومعلومة بكل تفاصيلها للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما بدأت تحدث به ثغرات بعد أن أوقفت طهران عمل كاميرات المراقبة في بعض منشآتها النووية وأعادت العمل في منشآت كانت متوقفة عن العمل، بحسب بنود الاتفاق النووي.

ومن هذا المنطلق تسعى الإدارة الأمريكية لإقناع الإسرائيليين بأن الوسيلة الوحيدة أو الأفضل، بحسب تحليل نيويورك تايمز المبنيّ على كواليس ما يدور سراً بين الجانبين، هي إعادة إحياء الاتفاق النووي وعودة التفتيش والرقابة على أنشطة طهران النووية في أسرع وقت ممكن، خصوصاً أن ما تقوم به إسرائيل من محاولات تخريبية تجاه منشآت إيران النووية تأتي دائماً بنتائج عكسية ويكثف الإيرانيون خبرات أوسع في تطوير وحماية منشآتهم النووية.

كيف ترى إسرائيل المنطق الأمريكي؟

على الجانب الآخر، رصد تحليل لموقع Responsible Statecraft الأمريكي، الموقف الإسرائيلي من الاتفاق النووي الذي تسعى إدارة بايدن لإعادة إحيائه بأي صورة ممكنة.

تبني إسرائيل موقفها المعارض للاتفاق النووي على أساس أن إيران لديها "برنامج نووي سري" هدفه إنتاج سلاح نووي، وهي الرواية التي تبناها نتنياهو منذ عام 2003، على الرغم من عدم تأييد المخابرات المركزية الأمريكية ولا المسؤولين في البنتاغون لتلك الرواية الإسرائيلية على مدار تلك السنوات، وحتى اليوم، بحسب تحليل الموقع الأمريكي نقلاً عن مصادر في واشنطن لم يسمّها.

ومن هذا المنطلق، يرى بعض المسؤولين في إدارة بايدن أن باراك أوباما وفريقه لم يبذلوا جهوداً كافية لإقناع الإسرائيليين والسعوديين والإماراتيين أيضاً بمدى أهمية الاتفاق لمنع إيران من تحويل برنامجها النووي إلى برنامج عسكري. وفي هذا السياق، سعى بايدن لإقناع نتنياهو لكنه فشل، وكرر المحاولة مع بينيت وبدا الرئيس الأمريكي قد نجح في إقناع رئيس وزراء إسرائيل بعدم انتقاد المسار الدبلوماسي علنياً.

وبالنسبة للإسرائيليين، تعتبر التحركات العسكرية التي يقومون بها "سراً" ضد إيران، سواء الهجمات السيبرانية أو استهداف سفن طهران، عنصراً رئيسياً في استراتيجيتهم للحد من قوة إيران، والواضح أن الأمريكيين لا يمانعون في ذلك، حتى مع اعتقادهم أنها "خطوات تأتي دائماً بنتائج عكسية". لكن إدارة واشنطن تنظر إلى تلك الهجمات الإسرائيلية على أنها ورقة ضغط على طهران خلال المفاوضات.

إيران
وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن – رويترز

لكن بحسب تحليل الموقع الأمريكي، يبدو أن بايدن وكبار المسؤولين في إدارته لا يزالوا غير مدركين لنقطة الخلاف الرئيسية بينهم وبين الإسرائيليين، والسعوديين والإماراتيين أيضاً في هذا الصدد. فالإسرائيليون يرون أي تقارب من أي نوع بين واشنطن وطهران يمثل خطاً أحمر لتل أبيب، وليس فقط توقيع الاتفاق النووي.

أي اتفاق بين واشنطن وطهران يزيد من قوة إيران الإقليمية ويعطيها ميزة إضافية في سعيها لفرض هيمنتها على المنطقة، وهو أمر ترفضه إسرائيل تماماً، وهذا هو مربط الفرس، كما يقول تحليل الموقع الأمريكي.

لذلك تروّج إسرائيل منذ سنوات لامتلاك طهران برنامجاً نووياً عسكرياً، لكنها حتى الآن لم تقدم دليلاً مقنعاً للأمريكيين يجعلهم يغيرون وجهة نظرهم في الاتفاق النووي. وكان بن رودز نائب مستشار الأمن القومي في فريق أوباما قد وجه رسالة لبايدن في ديسمبر/كانون الأول 2020، حذره فيها من تكرار "خطأ إدارة أوباما في محاولة إقناع نتنياهو بالاتفاق النووي"، مضيفاً: "هل تعتقد (يا بايدن) أن هناك مثقال ذرة من حسن النية لدى نتنياهو أو حكام السعودية والإمارات تجاه الاتفاق النووي؟ هؤلاء الناس لا يريدون اتفاقاً وغير مهتمين بالاتفاق".

أين وصلت مفاوضات الاتفاق النووي؟

موقف إسرائيل الرافض للاتفاق النووي مع إيران من حيث المبدأ، بحسب تحليل Responsible Statecraft، يضيف مزيداً من التعقيد على خطة بايدن العودة للاتفاق، وهو ما كان يخطط له خلال الأيام الأولى لتوليه المسؤولية، لكن تعرض القوات الأمريكية لهجوم من جانب ميليشيات مدعومة من طهران تسبب في أن يعيد الرئيس الأمريكي موقفه، ومن ثم تأخر المفاوضات وصولاً إلى الجولة الحالية التي لا يبدو أنها تبعث على التفاؤل.

إذ قال دبلوماسيون كبار من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، الإثنين 13 ديسمبر/كانون الأول، إن القوى الغربية لم تُجر حتى الآن مفاوضات حقيقية مع إيران في المحادثات بشأن إنقاذ الاتفاق النووي، وإنه ما لم يحدث تقدم سريع فإن الاتفاق سيصبح قريباً "بلا معنى"، بحسب رويترز.

الاتفاق النووي إسرائيل أمريكا إيران
تشاؤم أوروبي من مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي – رويترز

وأضاف الدبلوماسيون الأوروبيون في بيان: "حتى هذه اللحظة ما زلنا غير قادرين على الدخول في مفاوضات حقيقية… الوقت ينفد. وبدون إحراز تقدم سريع، وفي ضوء التطور السريع لبرنامج إيران النووي، ستصبح خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) قريباً بلا معنى".

وحمل البيان في طياته تقييماً متشائماً على نحو غير عادي للجهود المبذولة لإحياء الاتفاق، وأفاد مسؤول أمريكي كبير بأنه خلال الجولة السابعة، التي بدأت في 29 نوفمبر/تشرين الثاني، تخلت إيران عن أي تنازلات قدمتها في الجولات الست السابقة، وتمسكت بالتي قدمها الآخرون بل وطالبت بالمزيد.

وقال دبلوماسيو ترويكا الاتحاد الأوروبي في بيانهم: "نضيع وقتاً ثميناً في التعامل مع مواقف إيرانية جديدة لا تتسق مع خطة العمل الشاملة المشتركة أو تتجاوزها". وأضافوا: "هذا يثير الإحباط، لأن الخطوط العريضة لاتفاق شامل وعادل يرفع جميع العقوبات المتعلقة بخطة العمل الشاملة المشتركة، بينما يتصدى لمخاوفنا الخاصة بعدم الانتشار النووي، باتت جلية واضحة – وكانت على هذا النحو منذ الصيف الماضي".

تحميل المزيد