السيسي على درب محمد علي!.. كيف هيمن الرئيس المصري على القرار السياسي والديني والاقتصادي في البلاد؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/12/10 الساعة 13:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/12/10 الساعة 13:14 بتوقيت غرينتش

في القلعة كان محمد علي باشا جالساً على عرشه، متوسداً طموحاته العالية، يفكّر في لملمة ذلك الشتات في الأراضي المصرية، فيكون الزارع الأوحد -ولو لم يفهم في الزراعة- والصانع الأوحد -ولو لم يكن عاملاً في مصنعٍ طوال حياته- والتاجر الأوحد -ولو كانت خبرته تقتصر على تجارة التبغ والدخان وتعثرت للظروف الاقتصادية- ويفكر بعمق في جعل كل الأمور في قبضة يده، بما في ذلك ممتلكات الشعب، والشعب نفسه.

بعد قرابة 200 عام على رحيل تجربته يبدو أن الرئيس عبد الفتاح السيسي قد انبهر أو تلبّسته رؤية "الباشا" محمد علي في إدارة الدولة المصرية، أو إحكام السيطرة عليها.

فقد كان محمد علي باشا -الصفة التي يعشقها- يُحكِم سيطرته على بر مصر ومحيطها بالكامل، فقد أطلق التصنيع في المحروسة، ولكن تحت يده، وازدهرت التجارة في عهده، ولكن تحت عينيه، أما الزراعة فقد كان لها نصيب الأسد في اهتماماته بشق الترع والمصارف، وحتى التحكم في المحاصيل التي تُزرع.

بدأ يفكّر السيسي مليّاً في لملمة ما بعثره شباب ثورة 25 يناير (كانون الثاني) من إرث الدولة العميقة، التي كانت تبدو متماسكةً حتى قامت "الثورة"، التي يحمّلها السيسي في كل مناسبة مشكلات البلاد، من أزمة سد النهضة نفسها، إلى أزمة البناء المخالف على أراضي الدولة، ووصولاً إلى عقول الشباب التي أتلفها الهوى. 

يضع إصبعه تحت ذقنه، ينظر إلى ذراعه اليمنى "عباس كامل" في ريبةٍ، وثقة، يُصدر الرئيس من مكانه قراراً جمهورياً، القانون رقم 177، بإنشاء صندوق تُجمع فيه كل الأصول غير المستغلة في الدولة، ماذا نسميه؟ شيء فيه سيادة، يجعلنا وحدنا القادرين على التحكم فيه، دون "س" أو "ج"، صندوق مصر؟ صندوق مصر السيادي. 

بعد قليل، تحديداً في 2020، سيصدر الرئيس تعديلاً على القانون، مع كثرة اللغط الذي أثارته النسخة الأولى، لا ليفكّ الغموض الذي حوله أو يهشّ الضباب الذي يحيط به، وإنما ليجعل اسمه عاطفياً أكثر، "صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية"، إذاً الهدف بدا واضحاً، حتى لو كان الصندوق نفسه مثيراً للريبة، لكن التعديل الذي أتى بعد عامين من الفرمان الأول حمل في طياته منعاً باتاً على أي جهة أن تطعن على أي قرار مختصٍّ بذلك الصندوق، وحده الرئيس، والجهة المعنيّة المنقول من طرَفها الأصول يملكان الطعن على ذلك، ومن يملك أن يطعن في قرار رئيس الجمهورية؟ 

ليس الصندوق وحده ما فعله السيسي، بل كان قرار الصندوق واحداً من عشرات القرارات التي تهدف بالأساس إلى إحكام السيطرة والهيمنة على كل مقدرات الدولة المصرية ووضعها تحت تصرفه فقط.

في هذا التقرير سنسلط الضوء على أبرز القرارات التي أصدرها الرئيس المصري خلال فترة حكمه الممتدة من عام 2014، وحتى الآن، وكيف غيرت هذه القرارات في شكل النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في البلاد، حتى باتت كل مقدرات الشعب ودينه في يده.

أولاً: نقل أصول الدولة إلى صندوق مصر السيادي

منذ 2013 والإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي، حرص النظام الجديد بقيادة عبد الفتاح السيسي على السيطرة على كافة مفاصل النشاط العام في البلاد، في النواحي الاقتصادية والسياسية والإعلامية والخدمية، وصولاً إلى أبسط الأنشطة من قبيل تنظيم انتظار حركة المركبات في الشارع، والبحث عن المخلفات في القمامة. وهو ما يعيد للذاكرة نموذج محمد علي في حكم مصر، الذي انفرد بإدارة الاقتصاد والسياسة والعسكرة إلى أن آل الأمر على يد أسرته إلى سقوط البلاد تحت طائلة ديون باهظة والاحتلال الأجنبي.

في ظل تبنّي سياسات الخصخصة -لكن بنمط لا يخرج الأصول المخصصة عن قبضة النظام الحاكم بالتزامن مع العمل بشكل مستقل عن بيروقراطية الحكومة أو أي رقابة لاحقة من المواطنين على أنشطة الصندوق- أصدر السيسي في عام 2018 قانوناً بتأسيس صندوق سيادي يُسمى (صندوق مصر)، برأس مال 200 مليار جنيه، وذلك بهدف المساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة. وكفل القانون لرئيس الجمهورية نقل ملكية أي من الأصول غير المستغلة المملوكة ملكية خاصة للدولة إلى الصندوق.وبالنسبة للأصول المستغلة فتُنقل للصندوق بقرار من رئيس الجمهورية، بعد أن يعرضه عليه رئيس مجلس الوزراء ووزير

تحميل المزيد