على الرغم من علامات التقارب التي شهدناها في عام 2021 بين دول الخليج، والتي أنهت بموجبها أزمة حصار قطر من قبل التحالف السعودي الإماراتي، لا يوجد دليل واضح بعد على أن القوى الإقليمية والخليجية تعيد تقييم أولوياتها حقاً، وقد يكون هذا التقارب سطحياً أو مجرد شراء للوقت، كما يقول موقع MEE البريطاني.
تغيرات كبيرة وقعت بالمنطقة خلال 2021
منذ بداية عام 2021، اجتاحت المنطقة سلسلة من التطورات غير المتوقعة، سقطت أفغانستان في أيدي حركة طالبان بعد الانسحاب الأمريكي، وسرّعت بعض الدول العربية جهودها لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد في سوريا، فيما حظيت المفاوضات السعودية الإيرانية باهتمام كبير.
أما لبنان فقد انزلق أكثر في الأزمة الداخلية، فيما أطلت الانقلابات برأسها في تونس والسودان. وفي العراق دفعت الانتخابات البرلمانية رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر إلى موقع السلطة، وأخيراً فاز المحافظ إبراهيم رئيسي بالرئاسة في إيران.
وضع عام 2021 أيضاً نهاية للأزمة الدبلوماسية القطرية التي استمرت أربع سنوات، فيما بدأ ذوبان الجليد في العلاقات بين تركيا والمحور السعودي الإماراتي. ولكن ما أهمية توقيت هذه التطورات، وما مدى تأثيرها على التحولات الاستراتيجية في طبيعة التحالفات الإقليمية؟ وإذا كانت هذه التحولات قد حدثت بالفعل، فإلى أي مدى يمكن أن تستمر؟
الخلافات الخليجية لم تطوَ بعد رغم التقارب
يتعلق أحد الأسباب الأساسية الشائعة بنقل السلطة من ترامب إلى إدارة بايدن بالولايات المتحدة، مما تسبب في آثار متتالية ومفاجئة بمنطقة الخليج. تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن، بجعل الدبلوماسية حجر الزاوية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، مشيراً إلى أن هذا يستلزم "إشراك خصومنا ومنافسينا دبلوماسياً، حيث يكون ذلك في مصلحتنا". إضافة إلى ذلك، فإن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وانهيار الحكومة هناك، وما تبع ذلك من أعمال انتقامية، أثار قلق حلفاء الولايات المتحدة.
في الوقت نفسه، يقول الموقع البريطاني إن السياسات الفاشلة للمحور السعودي الإماراتي- من كارثة الحصار على قطر، إلى مستنقع الحرب الكارثية في اليمن، إلى دعم الجنرال الانقلابي خليفة حفتر الفاشل للاستيلاء على السلطة في ليبيا- أدت إلى دفع القوى الإقليمية إلى تغيير مسارها، فيما بدا تواصل الإمارات مع نظام الأسد في سوريا أحد مظاهر ذلك.
"شراء الوقت في انتظار مرور العاصفة"
مع ذلك، قد تكون كل هذه التطورات أدت إلى عدد من التحولات الإقليمية الواضحة، إلا أنها لا تشير في الواقع إلى إعادة تقويم استراتيجية مهمة كما يقول الموقع البريطاني، إذ لا تزال التوترات الإقليمية عالية، وواصلت الدول ترويج رواياتها وشعاراتها، على الرغم من علامات التقارب السطحية بين بعضها البعض.
لا يوجد دليل واضح على أن القوى الخليجية تتراجع حقاً لإعادة تقييم مواقفها واستراتيجياتها. يبدو أن طريقة العمل هي شراء الوقت حتى مرور العاصفة، بشكل أساسي. وتنتظر كل دولة أن يقوم خصمها بالخطوة الأولى، وبهذه الطريقة، يمكن للقوى الإقليمية تأجيل أي تحركات مثيرة للجدل حتى تصبح الظروف أكثر ملاءمة لمصالحها.
يساعد هذا النوع من "سياسة التسويف" القادة الإقليميين على تأمين مصالحهم في المستقبل القريب، مع تجنب تفاقم أو تحويل النزاعات القائمة. يمكن مقارنة إستراتيجية الإجراء المؤجل هذه بالتكتيك الأمريكي المتمثل في المماطلة، حيث تتم إطالة المناقشات عمداً لمنع أو تأخير التصويتات الحاسمة.
الخلافات من المحتمل أن تعود على المدى الطويل
ومع ذلك، هناك خطر حقيقي يتمثل في أن استراتيجية شراء الوقت يمكن أن تؤدي إلى مزيد من الشلل السياسي، إلى جانب خطر فشل الدول في الاستجابة بسرعة للأزمات التي تتكشف، مما يؤدي إلى فقدانها السيطرة على القضايا الإقليمية المهمة.
في النهاية، تساعد فكرة إستراتيجية شراء الوقت على شرح سلسلة التطورات الأخيرة في الخليج بشكل أفضل، مما يسمح بفهمٍ أكثر واقعية لما حدث هذا العام. من المهم عدم المبالغة في تقدير أهمية بعض هذه المصالحات والموانع الظاهرة. هذه البلدان تتواصل وتتعاون، لكن دون مناقشة الماضي؛ فيما تتم تخبئة المصادر الحقيقية للصراع والنزاع تحت البساط. على هذا النحو، ستستمر نقاط الخلاف ومن المحتمل أن تعود إلى الظهور على المدى الطويل.