مع انطلاق جولة جديدة من مفاوضات الاتفاق النووي، ظهرت تقارير لأول مرة عن تدريبات عسكرية بين إسرائيل وأمريكا، استعداداً لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، فهل تغير موقف إدارة بايدن فعلاً؟
واليوم الخميس، 9 ديسمبر/كانون الأول، عادت وفود أطراف الاتفاق النووي الإيراني إلى العاصمة النمساوية فيينا، لاستئناف المفاوضات الهادفة إلى إعادة إحياء الاتفاق الموقع عام 2015، الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2018.
وأطراف الاتفاق النووي هي إيران والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، والاسم الرسمي له اتفاقية العمل الشاملة المشتركة بشأن برنامج إيران النووي، وهو الملف الذي بات يمثل حجر الزاوية بالنسبة لاستقرار منطقة الشرق الأوسط، أو تحول التوتر فيها إلى صراع مفتوح، بحسب أغلب المراقبين والمحللين.
مفاوضات نووي إيران بلا ملامح
منذ عادت الولايات المتحدة وإيران إلى فيينا، في أبريل/نيسان الماضي، مع باقي أطراف الاتفاق النووي، للتفاوض بشأن إعادة إحيائه مرة أخرى، بعد نحو 3 سنوات من انسحاب ترامب منه، وعلماً أن الإيرانيين والأمريكيين لا يتفاوضون بشكل مباشر، يمكن القول إن تلك المفاوضات قد أصبحت بلا ملامح واضحة يمكن من خلالها توقع في أي اتجاهٍ تسير.
صحيح أن جو بايدن، الذي كان نائباً للرئيس الأسبق باراك أوباما عند توقيع الاتفاق النووي، انتقد سلفه ترامب بشدة عندما انسحب منه، وأعلن أنه سيعود إلى الاتفاق النووي إذا ما فاز بالرئاسة، وكان ذلك أثناء الحملة الانتخابية ضد ترامب العام الماضي. وصحيح أيضاً أن إيران تعتبر العودة للاتفاق النووي هدفاً استراتيجياً لها، بحسب آراء أغلب المحللين، إلا أن شروط وكيفية إعادة إحياء الاتفاق النووي تبدو متناقضة تماماً بين الجانبين.
وبعد شدّ وجذب وتصعيد وتصريحات عنترية من جانب طهران وواشنطن، وسعي باقي أطراف الاتفاق للتقريب بين وجهتي النظر، وافقت إيران على العودة لطاولة المفاوضات، واشترطت ألا يكون الوفد الأمريكي حاضراً على نفس الطاولة في فيينا، ووافق الأمريكيون.
عُقدت ست جولات من المفاوضات خلال الفترة من أبريل/نيسان وحتى يونيو/حزيران، دون التوصل إلى اتفاق، وإن كانت الجولة السادسة شهدت من خلال تصريحات بعض الوفود المشاركة، التوصل إلى تفاهمات بشأن جميع نقاط الاختلاف، وقيل إن التوقيع على الاتفاق بات مسألة وقت فقط.
توقف المفاوضات وقتها كان بسبب الانتخابات الرئاسية في إيران، التي فاز بها إبراهيم رئيسي، وبالتالي طلبت طهران تأجيل الجولة الجديدة إلى ما بعد تسلم الرئيس الجديد منصبه وتشكيل حكومته، حدث ذلك بالفعل مطلع أغسطس/آب الماضي، لكن المفاوضات لم تُستأنف حتى 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حيث عقدت الجولة السابعة.
وانتهت تلك الجولة من المفاوضات بصورة غير جيدة، وبدا أن الأمريكيين وحلفاءهم قد يئسوا من جدوى الاجتماعات، إذ قالوا إنهم فوجئوا بأن الوفد الإيراني يقدم "شروطاً مستفزة" لم تكن موجودة، وإن طهران رفعت سقف مطالبها بصورة لا يمكن قبولها، الإيرانيون، من جانبهم، قالوا إنهم لم يذهبوا لفيينا للتفاوض بشأن البرنامج النووي، بل لرفع العقوبات التي فرضها ترامب عندما انسحب من الاتفاق.
لكن اليوم الخميس 9 ديسمبر/كانون الأول، تم استئناف المفاوضات، وبدأت بالفعل الجولة الثامنة بحسب ميخائيل أوليانوف، كبير مبعوثي روسيا إلى المحادثات، الذي كتب على تويتر: "المشاركون في خطة العمل المشتركة الشاملة يعقدون الآن اجتماعاً رسمياً للجنة المشتركة".
إسرائيل تريد مهاجمة إيران
ونترك فيينا، حيث تدور المفاوضات، رغم أن كبير المفاوضين الأمريكيين روبرت مالي ليس حاضراً، ولن يتوجه إلى فيينا قبل مطلع الأسبوع المقبل، بحسب ما أفادت وسائل الإعلام الأمريكية، لنتوقف عند موقف إسرائيل من الاتفاق النووي، قبل أن نستعرض مغزى الإعلان عن تلك التدريبات العسكرية بين تل أبيب وواشنطن بهدف مهاجمة نووي إيران.
كانت إسرائيل من أشد المعارضين للاتفاق النووي الإيراني، الموقّع عام 2015، وساهم رئيس وزرائها السابق بنيامين نتنياهو بدور هام في انسحاب ترامب من الاتفاق، بعد أن تولى الأخير المسؤولية في البيت الأبيض. وبعد فوز بايدن بالرئاسة، واصل نتنياهو معارضته الشديدة لخطط بايدن في إعادة إحياء الاتفاق.
وبعد تولي نفتالي بينيت رئاسة الوزراء في إسرائيل، تبنى أيضاً نفس الموقف المعارض للاتفاق النووي مع إيران، وإن كان يتبع أسلوباً أقل فجاجة في معارضته لبايدن عما كان يفعله نتنياهو. وفي الوقت نفسه، يواصل المسؤولون الإسرائيليون ضغوطهم على الإدارة الأمريكية، كي تكون "أكثر صرامة" في تصديها لإيران، من وجهة نظرهم.
وفي الوقت نفسه، تواصل إسرائيل منذ سنوات طويلة جهودها الخاصة لإجهاض البرنامج النووي الإيراني، عن طريق اغتيال علماء إيرانيين وتوجيه هجمات إلكترونية لتعطيل المنشآت النووية الإيرانية، إضافة إلى حرب السفن بين الجانبين، والمستمرة أيضاً منذ سنوات بطريقة "سرية"، إن جاز التعبير.
ورغم اعتراف عدد كبير من المسؤولين العسكريين والأمنيين في إسرائيل مؤخراً بأن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي كان خطأً وأضر بإسرائيل، فإن الحديث عن استعداد تل أبيب للقيام منفردة بهجوم عسكري يستهدف المنشآت النووية الإسرائيلية يمكن وصفه بالوجبة اليومية في السياسة الإسرائيلية.
هل يستعد بايدن فعلاً لمهاجمة إيران؟
في ظل هذه الأجواء المشحونة والمحملة بحديث الحرب من جانب إسرائيل، توالت أيضاً التحذيرات الأمريكية لتل أبيب من الإقدام على أي عمل عسكري أو حتى مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، ووصفت ذلك بأنها "أعمال ضارة".
ونشرت صحيفة New York Times الأمريكية تقريراً، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قبل أيام من الإعلان عن استئناف مفاوضات فيينا، ذكرت فيه أن إدارة بايدن حذرت الإسرائيليين بشكل مباشر بشأن هجماتهم الإلكترونية ضد منشآت إيران النووية، وطالبتهم بالتوقف عنه فوراً.
وتتمثل وجهة نظر الأمريكيين، بحسب تقرير الصحيفة، في أن هجمات إسرائيل ضد المنشآت النووية الإيرانية تأتي بنتائج عكسية، وتساعد طهران على تحسين برنامجها، وتعطي الإيرانيين ذريعة لتسريع تخصيب اليورانيوم، والتراجع أكثر عن التزاماتهم بموجب الاتفاق النووي.
وقال مسؤولون أمريكيون مطلعون على كواليس النقاشات بين واشنطن وتل أبيب، إن إدارة بايدن تضغط على الإسرائيليين للتوقف فوراً عن تلك الهجمات غير المجدية، وتقول لهم إن المخرج الوحيد من الأزمة يتمثل في إعادة إحياء الاتفاق النووي، ووضع جميع أنشطة إيران النووية تحت المراقبة الدقيقة، كما كان الحال خلال سنوات الاتفاق النووي وقبل انسحاب ترامب.
لكن فجأة نشرت رويترز، اليوم الخميس، 9 ديسمبر/كانون الأول، تقريراً حصرياً نقلت فيه عن مسؤول أمريكي كبير -لم تُسمّه- قوله إنه من المتوقع أن يبحث قادة الدفاع في الولايات المتحدة وإسرائيل تدريبات عسكرية محتملة من شأنها التحضير لأسوأ سيناريو ممكن لتدمير المنشآت النووية الإيرانية، إذا أخفقت الدبلوماسية، وإذا طلب ذلك زعماء البلدين.
المسؤول الذي اشترط عدم الكشف عن هويته، قال لرويترز إن المحادثات المقررة في الولايات المتحدة مع وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، تأتي في أعقاب إفادة قدمها القادة في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول، لمستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان، بشأن مجمل الخيارات العسكرية المتاحة، لضمان عدم تمكن إيران من صنع سلاح نووي.
وأحجم المسؤول الأمريكي عن كشف تفاصيل عن التدريبات العسكرية المحتملة. وقال: "نحن في هذا المأزق لأن برنامج إيران النووي يتطور إلى نقطة" يتجاوزها أي أساس منطقي معهود، معرباً في الوقت نفسه عن أمله في المباحثات.
ولم تردّ السفارة الإسرائيلية في واشنطن، ولا البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة، على الفور، على طلبات للتعقيب من جانب رويترز. وقال غانتس في تغريدة على تويتر لدى مغادرته الولايات المتحدة "سنبحث أوجه العمل المحتملة لضمان التوقف (من جانب إيران) عن محاولة دخول المجال النووي وتوسيع نشاطها في المنطقة".
الحديث عن الاستعدادات الأمريكية الإسرائيلية، التي لم ترد تقارير بشأنها من قبل، قد تكون أحد أمرين، بحسب أغلب المحللين: الأول هو أن تكون دراسة الخيارات العسكرية قد وصلت إلى مرحلة متقدمة بالفعل، في ضوء الاستياء من سلوك إيران في جولة التفاوض، الأسبوع الماضي، ومن ثم تراجع احتمالات التوصل إلى اتفاق في نهاية المطاف.
أما الاحتمال الثاني، وهو الأكثر ترجيحاً، فهو أن يكون الإعلان عن تلك التدريبات العسكرية في هذا التوقيت تحديداً بمثابة ورقة ضغط تستخدمها واشنطن كي تجبر الإيرانيين على إعادة النظر في شروطهم الجديدة التي وضعوها على الطاولة في الجولة الماضية من المفاوضات.
وما يرجح الاحتمال أيضاً هو أن التصعيد دائماً ما يصاحب قرب انعقاد كل جولة من مفاوضات الاتفاق النووي، وإن كانت طهران هي من كانت تقوم بذلك غالباً خلال الجولات الماضية، لكن يبدو أن الأمريكيين قرروا استخدام نفس الورقة هذه المرة.