تتمثل أكبر مهمة تواجه ولي عهد الكويت الشيخ مشعل الأحمد الصباح، البالغ من العمر 81 عاماً، بعد أن فوّض إليه أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح هذا الشهر، بشكل غير متوقع، كثيراً من صلاحياته، في معالجة الخلاف السياسي المحتدم الذي عرقل لسنوات، الإصلاح المالي الذي تحتاجه البلاد بشدة.
ولي العهد الكويتي أمام استحقاق الضغط محلياً من أجل الإصلاحات
كان الشيخ مشعل الأحمد الصباح -وهو الأخ غير الشقيق لأمير البلاد- يشغل منصب نائب رئيس الحرس الوطني بدرجة وزير منذ 17 عاماً، وفعلياً يعد الرئيس الفعلي للحرس، بسبب مرض رئيس الحرس عميد أسرة الصباح الشيخ سالم العلي الصباح.
ويتصف الشيخ مشعل الصباح بشخصيته الصارمة، وكانت كل التوقعات تشير إلى توليه ولاية العهد بالفعل العام الماضي، إذ كان الأوفر حظاً على قائمة المرشحين رغم أنه كان بعيداً عن الأوساط السياسية في البلاد.
وكان مشعل الأحمد مرافقاً دائماً للأمير الراحل صباح الأحمد الجابر الصباح خلال جميع رحلاته العلاجية ومن ضمنها رحلته الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. والشيخ مشعل هو الابن السابع للشيخ أحمد الجابر المبارك الصباح الذي حكم الكويت في الفترة ما بين 1921 وحتى 1951، والأخ غير الشقيق للشيخ جابر الذي حكم الكويت 28 عاماً.
وظل ولي العهد الشيخ مشعل شخصية بعيدة عن الأضواء وتجنب شؤون السياسة العامة، ولم يعرف عنه الكثير سوى أنه أسس جهاز أمن الدولة، إلى أن عيّنه أخوه غير الشقيق الأمير نواف ولياً للعهد في أكتوبر/تشرين الأول 2020.
وفي 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أي بعد عام على توليته للعهد، سُلطت الأضواء بشكل أكبر على الشيخ مشعل؛ بعد أن نقل إليه أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الصباح، الذي بدا واهناً في آخر ظهور له، أغلب صلاحياته.
يأتي ذلك في وقت تركز فيه الكويت على التعافي الاقتصادي من آثار جائحة كورونا، رغم أنها تلقت جرعة من الأمل، بسبب ارتفاع أسعار النفط الذي خفف الضغط على الميزانية العامة.
قبل التفويض، قام أمير البلاد بخطوات تصالحية لنزع فتيل المواجهة بين الحكومة والبرلمان المنتخب، والتي شلت العمل التشريعي خلال السنة الماضية، حيث عُقدت جلسة عادية واحدة فقط للموافقة على ميزانية الدولة.
الإصلاحات المالية في الكويت أبرز مهمات الشيخ مشعل
تسعى الحكومة الكويتية لاتخاذ تدابير لتعزيز المالية العامة، من ضمنها قانون الدين العام الذي ترغب في إقراره ليسمح لها بالاقتراض من الأسواق العالمية، بينما تبقى الإصلاحات الهيكلية عالقة في طريق مسدود.
تقول كورتني فرير، الباحثة بجامعة إيموري في أتلانتا، لوكالة رويترز: "إن الكويت بحاجة إلى معالجة وضعها المالي. أعتقد أن التركيز سيكون بالفعل على تنظيم البيت مالياً".
واعتبرت أن هذا الأمر ربما يكون صعباً؛ نظراً إلى أن الشيخ مشعل لم يتقلد أي منصب وزاري من قبل، لاسيما منصب رئيس الوزراء الذي يُكسب صاحبه عادةً خبرة في التعامل مع المؤسسة التشريعية الأكثر حيوية والأقوى في الخليج.
وأعاد ولي العهد، الأسبوع الماضي، تعيين رئيس الوزراء الشيخ صباح الخالد وكلَّفه بتشكيل حكومة جديدة، هي الثالثة هذا العام، في ظل مواجهة مع البرلمان الذي أراد العديد من نوابه استجواب رئيس الوزراء. كما التقى الشيخ مشعل نواباً من المعارضة.
الإصلاحات السياسية والحوار الوطني
من جهته يقول المحلل السياسي الكويتي داهم القحطاني، لـ"رويترز"، إن أمير البلاد وولي العهد يعتبران الشيخ صباح الخالد هو "الشخصية الأقدر والأقوى على التعامل مع البرلمان في المرحلة الحالية".
وأضاف أن "اختيار رئيس الوزراء عملية لا علاقة لها فقط بالأداء وإنما تخضع لترتيبات أخرى يقدّرها سمو الأمير وفقاً لصلاحياته الدستورية وللأوضاع السياسية القائمة، ولترتيبات خاصة بالأسرة الحاكمة".
وأشار إلى أن الشيخ صباح الخالد، شعبياً، "شخصية تتسم بالنزاهة ونظافة اليد"، كما أن بعض خصومه أصبحوا حلفاء له بعد العفو عن المعارضين ضمن إطار الحوار الوطني.
ويقول صندوق النقد الدولي إن الكويت بحاجة إلى تسريع وتيرة الإصلاحات واتخاذ خطوات، منها تقليص الاعتماد على الإيرادات النفطية، وإقرار قانون الدين العام الذي يواجه اعتراضاً من قِبل مجلس الأمة (البرلمان).
قاومت البرلمانات المتعاقبة الجهود الرامية إلى فرض ضرائب جديدة، وضمنها ضريبة القيمة المضافة، وإصلاح نظام الرفاهية المكلِّف للكويتيين، الذين يمثلون أقل من ثلث السكان البالغ عددهم 4.6 مليون نسمة.
ويقول محللون إن جهود الحل يمكن أن تستفيد من تفكُّك المعارضة، التي أصر بعضها على استجواب الشيخ صباح الخالد في قضايا مختلفة، منها الفساد وأداء الحكومة في أزمة كورونا.
إذ يقول المحلل السياسي الكويتي غانم النجار، إن "ما يسمى بالمعارضة لديها انقسامات خطيرة، وسيكون من الصعب عليها الاستمرار موحدة". وتوقع القحطاني حصول ثلاثة أو أربعة نواب من "المتوائمين مع الحكومة تقليدياً أو المتوافقين معها مؤخراً" على مقاعد وزارية؛ لإثبات أن المرحلة الحالية مرحلة تعاون مع البرلمان، بخلاف ما جرت عليه العادة من توزير نائب واحد في الحكومات السابقة.
من جهته، توقع المحلل السياسي الكويتي ناصر العبدلي انتهاء حالة الشلل التشريعي وتعطيل البرلمان بعد الحوار الوطني والعفو، معتبراً أن "هذه مرحلة تجاوزها الطرفان"، حيث ستركز المعارضة خلال الفترة المقبلة، على القضايا الشعبية.
ولي عهد الكويت والملفات الخارجية
من المتوقع أن تكون للأمور الداخلية الكويتية الأولوية على القضايا الخارجية في وقت يتواصل فيه التوتر بين الجارتين الأكبر والأقوى للكويت، المملكة العربية السعودية وإيران، اللتين تخوضان العديد من الحروب بالوكالة في أنحاء المنطقة.
يقول خبراء كويتيون إنَّ ولي العهد قريب من المملكة العربية السعودية وقد يتحرك نحو مزيد من الاصطفاف مع الرياض، حيث كانت مكالماته الأولى، بعد تفويض أخيه له، مع الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وتوقَّع عبد العزيز محمد العنجري، المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز ريكونسنس للبحوث والدراسات، مزيداً من التوافق مع توجهات السعودية.
يقول العنجري: "الكويت ملتزمة بالمبادئ التي أرساها مؤسسو مجلس التعاون الخليجي الأوائل. لكن يبدو أنه قد اتضحت أمور كثيرة لدى القيادة السياسية الجديدة بالكويت، بيَّنت ضرورة الحاجة لوجود تقارب أكثر مع السعودية وتحديداً في الملفات الأمنية والاقتصادية وحماية البيئة".
كما يقول دبلوماسي غربي إن الكويت بعثت بـ"إشارة قوية" لدعم السعودية الشهر الماضي، عندما حذت حذو الرياض في طرد القائم بأعمال السفارة اللبنانية واستدعاء سفيرها في بيروت للتشاور، في ظل خلاف مع لبنان بسبب النفوذ المتزايد لحزب الله المدعوم إيرانياً.
ويتوقع دبلوماسيون ومحللون مع ذلك، أن يحافظ الشيخ مشعل على السياسة الخارجية المتوازنة التي صاغها الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، والتي ساعدت الكويت على اجتياز الاضطرابات الإقليمية وتجاوز مخلفات الغزو العراقي عام 1990.
ويقولون إن الأمير الحالي وولي العهد ليست لديهما القدرات الدبلوماسية ذاتها التي توافرت للشيخ صباح الأحمد، المصلح الإقليمي الذي أدار السياسة الخارجية للكويت لأكثر من 50 عاماً.
لكن العنجري قال إن التزام الكويت بالحياد أو الانحياز في سياساتها الخارجية "قرار يتم اتخاذه على أعلى مستوى ثم يقوم كل وزير في الحكومة.. بتنفيذ هذه الرؤية السامية.. ولكل قرار خارجي، سواء بالتوافق أو الحياد، ما يسبقه من دراسة وتحليل وبُعد نظر لدى القيادة السياسية".
فيما يقول المحلل السياسي الكويتي غانم النجار: "إن القدرة على إحداث تغيير كبير في السياسة الخارجية ليست موجودة، ولا داعي لها في الوقت الحالي"، مشيراً إلى أن الرياض وأبوظبي تتعاملان مع طهران.