بعد تعثر جولة المحادثات الأخيرة في فيينا، الهادفة إلى إحياء الاتفاق النووي الدولي مع إيران، تبدو الفجوات في المفاوضات كبيرة نظراً إلى التصعيد المتبادل بين طهران وأمريكا خلال اليومين الماضيين. فما شواهد ذلك؟ وهل تنجح وسائل الضغط المتبادلة بين الطرفين لتقديم كليهما تنازلات في الجولة القادمة لإحياء هذا الاتفاق؟
واشنطن تصعّد: عقوبات جديدة ومصادرة سفن إيرانية
فيما يبدو وسيلة للضغط على إيران بعد فشل المحادثات، أعلنت واشنطن مساء الثلاثاء 7 ديسمبر/كانون الأول فرض عقوبات جديدة تستهدف نحو عشرة كيانات ومسؤولين إيرانيين بسبب "انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان" في إيران.
وبحسب بيان صادر عن وزارة الخزانة الأمريكية، فإن هذه الإجراءات تستهدف على وجه الخصوص وحدات خاصة من قوات الأمن المسؤولة عن حفظ النظام أو محاربة الإرهاب، وكذلك السجون الإيرانية ومديريها، ويُتهم هذان الكيانان بارتكاب أو بإصدار أمر "نيابة عن الحكومة الإيرانية" بارتكاب "انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد أشخاص في إيران أو مواطنين أو مقيمين إيرانيين أو أفراد من عائلاتهم"، حسب وزارة الخزانة.
ومن بين المسؤولين المستهدفين حسن كرامي، قائد الوحدات الخاصة في قوات إنفاذ القانون، ومحسن إبراهيمي، قائد قوات مكافحة الإرهاب. كما فرضت عقوبات على سجني زاهدان وأصفهان الإيرانيين، بحسب السلطات الأمريكية، بسبب إعدام سجناء فيهما.
وقالت أندريا غاكي، مديرة مكتب الرقابة على الأصول الأجنبية، في البيان إن وزارة الخزانة الأمريكية "ستواصل محاربة الاستبداد" وتعزيز "محاسبة الأفراد على القمع العنيف لأولئك الذين يسعون إلى ممارسة حقوقهم الإنسانية وحرياتهم الأساسية".
ويوم الثلاثاء أيضاً، كشفت واشنطن عن "أكبر عملية مصادرة" لأسلحة ومنتجات بترولية إيرانية؛ حيث أعلنت وزارة العدل الأمريكية، عن تفاصيل مصادرة أسلحة إيرانية، بما في ذلك 171 صاروخاً "أرض جو"، وثمانية صواريخ مضادة للدبابات، بالإضافة إلى ما يقرب من 1.1 مليون برميل من المنتجات البترولية الإيرانية.
تقول وزارة العدل إن البحرية الأمريكية صادرت هذه الأسلحة من سفينتين في بحر العرب، أثناء قيامها بعمليات أمنية بحرية روتينية، وتبين أن هذه الأسلحة مرسلة من الحرس الثوري الإيراني إلى الحوثيين في اليمن.
كما صادرت البحرية أيضاً منتجات بترولية إيرانية من أربع ناقلات ترفع علماً أجنبياً في بحر العرب أو حوله، أثناء توجهها إلى فنزويلا. ويمثل ذلك "أكبر مصادرة على الإطلاق" لشحنات الوقود والأسلحة من إيران، بحسب الوزارة.
إذ قالت أمريكا إنها باعت المنتجات البترولية المصادرة بموجب أمر من المحكمة. وقد تم توجيه العائدات المالية البالغة نحو 27 مليون دولار، إلى "صندوق ضحايا الإرهاب" في الولايات المتحدة.
أوضحت القيادة المركزية للبحرية الأمريكية (NAVCENT)، أن الأسلحة صودرت من سفينتين بلا علم في بحر العرب، وذلك في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، و9 فبراير/شباط 2020. شملت الأسلحة 171 صاروخاً موجهاً ضد الدبابات، وثمانية صواريخ أرض جو، ومكونات صواريخ كروز للهجوم البري، ومكونات صواريخ كروز مضادة للسفن، ومعدات بصرية حرارية، ومكونات أخرى للصواريخ والمسيرات.
"ضربة مدويّة" للحكومة الإيرانية في وقت حساس تمر به المفاوضات
يقول مساعد المدعي العام، من قسم الأمن القومي بوزارة العدل الأمريكية، ماثيو أولسن، إن "تصرف الولايات المتحدة في هاتين الحالتين وجّه ضربة مدوية للحكومة الإيرانية والشبكات الإجرامية التي يدعمها الحرس الثوري".
أضاف أولسن: "ستواصل وزارة العدل استخدام جميع الأدوات المتاحة لمكافحة التهديدات التي تشكلها المنظمات الإرهابية، وجميع أولئك الذين يسعون إلى إلحاق الضرر بالولايات المتحدة وحلفائها".
فيما قال المدعي الأمريكي في العاصمة واشنطن، ماثيو غريفز: "تظهر هاتان الحالتان أنه لا يمكننا فقط تعطيل قدرة الحرس الثوري على تمويل عملياته من خلال مبيعات النفط، ولكن يمكننا أيضاً إحباط قدرته على استخدام عائدات هذه المبيعات لتسليح وكلائه الإرهابيين وتصدير الإرهاب إلى الخارج".
كما قال مساعد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، آلان كوهلر، من قسم مكافحة التجسس التابع لـ"إف بي آي"، إن "الجهود المشتركة لمكتب التحقيقات الفيدرالي وشركائنا لمصادرة الصواريخ وأكثر من مليون برميل من النفط، تثبت التزامنا بمكافحة المنظمات الإرهابية الأجنبية وإنفاذ العقوبات الأمريكية".
طهران ترد على الضغط الأمريكي بتصعيد في الخليج العربي
تزامن مع التصعيد الأمريكي ضد إيران وفرض عقوبات جديدة عليها، تصعيد عسكري في الخليج العربي؛ حيث كما بات معروفاً عند توتر العلاقة مع الغرب، تضغط طهران أيضاً عبر وكلائها وأذرعها في المنطقة بضربات ضد المصالح الأمريكية أو ضد حلفاء أمريكا، كبعض الدول الخليجية.
وهذا ما حدث بالفعل يوم الثلاثاء، عندما شنت جماعة أنصار الله الحوثي، المدعومة من إيران، هجمات عسكرية ضد أهداف سعودية حساسة ضمن ما وصفتها بـ"العملية الواسعة"، وذلك بواسطة صواريخ باليستية، وعشرات الطائرات المسيرة.
وقال المتحدث العسكري باسم الحوثي يحيى سريع، على حسابه بـ"تويتر"، إنه "تم استهداف مواقع نفطية في كل من العاصمة الرياض ومدن جدة وجيزان وعسير ونجران".
وأوضح أن العملية العسكرية التي حملت اسم (السابع من ديسمبر)، استهدفت أيضاً "عدداً من الأهداف العسكرية في الرياض وجدة والطائف وجيزان ونجران وعسير، بعدد من الصواريخ الباليستية وخمس وعشرين طائرة مسيرة".
وزعم سريع أنه "تم استهداف وزارة الدفاع السعودية ومطار الملك خالد في العاصمة السعودية الرياض، إضافة إلى قاعدة الملك فهد الجوية بالطائف وشركة أرامكو بجدة، ومواقع عسكرية في مناطق أبها وجيزان وعسير".
هذا التصعيد من قبل الطرفين، يسبق انطلاق جولة مفاوضات جديدة يوم الخميس 9 ديسمبر/كانون الأول 2021. وحذر مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان إيران يوم الأربعاء، بأنها تخاطر بالوقوع في عزلة جديدة إذا لم تظهر الجدية في الجولة الجديدة في مفاوضات فيينا النووية، في حين انتقدت طهران العقوبات الجديدة عليها، وقالت إنها لن تشكل ورقة ضغط عليها في المفاوضات.
وقال المستشار الأمريكي، في مؤتمر صحفي، إنه كلما أظهرت إيران عدم جدية في مفاوضات فيينا بشأن برنامجها النووي، عرضت نفسها للعزلة خلال هذه المفاوضات، وشدد المسؤول الأمريكي على أن الكرة في ملعب طهران لكي تظهر رغبتها في إحياء الاتفاق النووي المبرم في العام 2015 بينها وبين القوى العالمية الكبرى.
وجاء تصريح سوليفان بعد ساعات من إعلان إيران استئناف الجولة السابعة من محادثات فيينا الخميس، وذلك بعد توقفها الجمعة الماضي عقب طلب الأطراف المشاركة في المفاوضات وقتاً لدراسة مقترحات تقدمت بها إيران بشأن رفع العقوبات الأمريكية عنها.
الأوروبيون متشائمون
لم يخف المسؤولون الأوروبيون تشاؤمهم بعد كل هذا التصعيد، من فشل الجولة الجديدة من الاتفاق النووي؛ حيث قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان الثلاثاء، إن من المتوقع استئناف المحادثات الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني المبرم عام 2015 يوم الخميس، لكنه أضاف أنه يخشى أن تكون إيران تسعى لكسب الوقت.
وقال الوزير الفرنسي أمام لجنة برلمانية فرنسية: "اليوم عناصر المناقشة التي استؤنفت غير مشجعة لأننا نشعر أن الإيرانيين يريدون أن يجعلوها تستمر، وكلما طالت مدة المحادثات زاد تراجعهم عن التزاماتهم، واقتربوا من قدرتهم على امتلاك سلاح نووي".
فيما اعتبرت وزارة الخارجية الألمانية أنّ المقترحات الإيرانية التي أنهيت على إثرها الجولة الأخيرة، "غير مقبولة، ولا توفّر أساساً لنهاية ناجحة للمحادثات"، معلنة عن رغبة برلين في اتباع المسار الدبلوماسي بما خص الاتفاق النووي، لأنّ الوقت ينفد، مطالبة الجانب الإيراني بالعودة إلى فيينا بمقترحات "واقعية".