كان تصريح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي قاله نصف متفاخر ونصف مُحذِّر، بأنَّ بلاده ستُدخِل صواريخ فرط صوتية تُطلَق من البحر إلى الخدمة عام 2022 إشارة قوية للغرب، لا سيما في وقتٍ يقول فيه إنَّ أي انتشار لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في أوكرانيا سيُمثِّل "خطاً أحمر".
يتزامن الاختبار الأخير لصاروخ "تسيركون" Tsirkon 3M22 الروسي هذا الأسبوع مع احتشاد عشرات الآلاف من القوات الروسية على الحدود الأوكرانية، وسط مخاوف من أنَّ شن موسكو لعدوان صار أكثر ترجيحاً مما كان في أبريل/نيسان الماضي، حين حشدت قواتها على الحدود في آخر مرة، كما تقول مجلة Newsweek الأمريكية.
وقال بوتين، الذي يندد دوماً بتوغل الحلف عند حدود روسيا، أمام منتدى للاستثمار هذا الأسبوع، إنَّه إذا كان زمن الرحلة من أوكرانيا إلى موسكو خمس دقائق "في حال استخدام سلاح فرط صوتي"، فإنَّ بلاده يمكن أن ترد بالمثل.
وأضاف بوتين: "يمكننا فعل ذلك الآن"، في إشارة إلى أنَّ روسيا قد حصلت على أفضلية على الولايات المتحدة والغرب في سباق الصواريخ الفرط صوتية، التي تُعَد أسرع وأكثر مرونة من الصواريخ العادية، وبالتالي تفرض صعوبات أكثر على منظومات الدفاع الصاروخي.
هل هزمت روسيا أمريكا في سباق الصواريخ الفرط صوتية؟
ذكرت مجلة Politico الأمريكية أنَّ الجنرال ديفيد طومسون، نائب رئيس عمليات الفضاء الأمريكية، دقَّ ناقوس الخطر الشهر الماضي، نوفمبر/تشرين الثاني، قائلاً إنَّ الولايات المتحدة "ليست متقدمة بقدر الروس، أو الصينيين، من حيث البرامج الفرط صوتية".
وتبلغ سرعة الصاروخ تسيركون 9 ماخ. وقد أُطلِقَ عدة مرات منذ يناير/كانون الثاني 2020 من فرقاطة "أدميرال غورشكوف" التابعة لأسطول الشمال الروسي. وتقول موسكو إنَّ بإمكانه إصابة أهداف على مدى يصل إلى 1000 كم.
قال برنت إيستوود، محرر شؤون الدفاع والأمن القومي بمجلة "1945"، وهي مجلة للسياسة الخارجية بواشنطن العاصمة، لمجلة Newsweek الأمريكية: "بافتراض أنَّ السلاح مزدوج الاستخدام، أي أنَّه تقليدي وقادر على حمل رؤوس نووية، أظن أنَّه يقلب الميزان النووي مع الولايات المتحدة. وباعتباره صاروخاً مضاداً للسفن، فإنَّه قد يسحق نظام الدرع القتالي (أيغيس) الأمريكي".
وأضاف: "يحتاج نظام أيغيس من ثمان إلى عشر ثواني لرد الفعل من أجل اعتراض الصواريخ القادمة. لكن خلال ذلك الوقت، سيكون صاروخ تسيركون قد قطع بالفعل مسافة 12 ميلاً (حوالي 19 كم) على الأقل، ولابد أن نشعر بالقلق حيال إمكانية إطلاق تسيركون عن غير قصد بما قد يشعل تبادل إطلاق نار نووي".
شكوك بين الخبراء
هذا ولم يكن صاروخ تسيركون، الذي طوره مكتب تصميم الصواريخ "ماشينوستروينيا إن بي أو"، حتى من بين برامج الأسلحة الخمسة ذات القدرة على حمل رؤوس نووية قيد التطوير، والمُسمَّاة "الأسلحة الفائقة"، التي كشف عنها بوتين للمشرعين في مجلس الاتحاد الروسي في مارس/آذار 2018.
وتُعَد أربعاً من هذه البرامج، Sarmat وAvangard وPoseidon وBurevestnik، أنظمة استراتيجية تتسم بأنَّها أسلحة طويلة المدى، بمدى يزيد عن 5 آلاف كم. ويُعَد نظام Kinzhal نظاماً استراتيجياً فرعياً بمدى أقل من ذلك.
لكن على مدار الأشهر القليلة الماضية، أولت وسائل الإعلام التي تديرها الدولة أهمية كبيرة لعمليات الإطلاق الناجحة لتسيركون، ولو أنَّ هناك شكوكاً بين الخبراء حول ما إن كان الصاروخ قد بلغ مدى الألف كم الذي ادَّعته موسكو.
تطلَّب صاروخ تسيركون، على عكس الصواريخ الفرط صوتية البحتة التي تعتمد على المحركات النفاثة الفرطية (سكرامجت)، أيضاً درجة من البراعة لأنَّه يجمع بين مجموعة من التقنيات المتوفرة.
فيُعتَقَد أنَّه يتألف من مُعزِّز يعمل بالوقود الصلب لينقل الصاروخ من مرحلة الإطلاق إلى الارتفاع العالي الذي يتبع الصاروخ عنده مساراً شبه باليستي نحو هدفه. ويُستخدَم رأس حربي قابل للانفصال لتدمير الهدف حين يكون في نطاقه.
قال ريتشارد كونولي، مدير شركة Eastern Advisory Group الاستشارية: "يبدو أنَّه مزيج من صاروخ كروز وصاروخ باليستي. إنَّه نهج أبسط تقنياً لكنَّه ابتكاري وما يزال بإمكانه بلوغ نفس المدى. لقد أجرت الولايات المتحدة الكثير من الاختبارات للمحركات النفاثة الفرط صوتية الأفضل، وقابلت عقبات جمة".
وأضاف: "لا أستطيع أن أرى أي شيء يوحي بأنَّ تسيركون يفعل ما لا يمكن للولايات المتحده فعله، لقد اختاروا فقط طريقاً آخر". لكنَّه مع ذلك يعتقد أنَّ روسيا "تقدمت قليلاً" في تطويرها الصاروخي، "لكن ليس بقدر ما قد تظنون".
قالت روسيا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إنَّها نجحت في تجربة إطلاق الصاروخ من غواصة "سيفيرودفينسك" في بحر بارنتس للمرة الأولى. وفي حال تأكَّد ذلك، قد يغير هذا حسابات القدرة العسكرية، لأنَّ الغواصات بإمكانها شن ضربات سريعة طويلة المدى من مواقع خفية تحت المياه، لكنَّ كونولي يقول إنَّ عمليات الإطلاق كانت على ما يبدو غير ناجحة.
البرامج الروسية واجهت مشاكل كثيرة
في غضون ذلك، أشارت وزارة الدفاع الروسية الشهر الماضي إلى أنَّه ما يزال هناك المزيد مما يتعين القيام به. وقالت إنَّه سيجري استئناف المزيد من اختبارات تسيركون من غواصة Perm التي تعمل بالطاقة النووية في عام 2024، "وسيختلف عن أسلافه بتصميم متغير قليلاً"، حسبما أفادت وكالة تاس للأنباء.
وشهدت اختبارات الصواريخ الباليستية العابرة للقارات Sarmat ونظام Avangard الصاروخي وKinzhal تقدماً أيضاً.
لكنَّ البرامج التي ذكرها بوتين في 2018 واجهت عقبات أخرى. إذ يُعتَقَد أنَّ صاروخ Burevestnik قد تحطم خلال الاختبارات السرية للمحرك في منطقة القطب الشمالي الروسي في أغسطس/آب 2019.
إلى جانب ذلك، تتضمَّن القدرة الصاروخية أيضاً القدرة على تحديد الهدف وتتبُّعه، وبالنسبة لروسيا، لا تزال الشبكة القتالية هذه التي تربط بين أجهزة الاستشعار غير مُطوَّرة.
هل تستطيع أمريكا اللحاق بركب سباق الأسلحة فرط الصوتية؟
قال توم كاراكو، الزميل الأول بمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية: "قبل عدة سنوات، كان الناس يتحدثون عن مدى تأخر الولايات المتحدة من حيث اختبار الصواريخ المتطورة وربما في تطويرها أيضاً. ومع ذلك، تتحرك الولايات المتحدة الآن بأسرع ما يمكن في عدد من البرامج".
وأشار إلى تطوير "صاروخ كروز الهجومي الفرط صوتي" لدى سلاح الجو الأمريكي، و"السلاح الفرط صوتي طويل المدى" الذي تُطوِّره القوات البرية للجيش الأمريكي بالاشتراك مع البحرية الأمريكية.
وصرَّح الجنرال جون هايتن، ثاني أرفع جنرال أمريكي، لشبكة CNN الأمريكية الشهر الماضي، بالقول إنَّ تجربة الصين الفرط صوتية تُظهِر أنَّ بكين يمكن أن تشن هجوم مفاجئ على الولايات المتحدة.
لكنَّ كاراكو قال إنَّه في خضم ادعاءات روسيا والصين، فإنَّ الولايات المتحدة "تطور دفاعاتها الجوية من أجل التصدي لهذه الهجمات الجوية الخطيرة".
وبغض النظر عن مرحلة التطوير التي تمر بها الآن، ستمثل برامج الصواريخ الفرط صوتية الروسية ورقة ضغط في المباحثات حول المعاهدة الجديدة التي تخلف معاهدة "نيو ستارت" النووية التي مُدِّدَت حتى عام 2026.
وحتى لو كان الخبراء يعتقدون أنَّ ادعاءات بوتين بشأن قدرات بلاده العسكرية مجرد تبجُّح، فإنَّ السياسيين يأخذون تهديداته على محمل الجد، على الأقل علانيةً في الوقت الذي يكافح فيه القادة من أجل التوصل إلى ما ينبغي عمله حيال التحشيد الروسي بجوار أوكرانيا.