في مواجهة تصعيد حوثي في اليمن وشكوك حول التوصل لاتفاق نووي، تمثل إيران على الأرجح محوراً لجولة الأمير محمد بن سلمان الخليجية؛ حيث يعتقد أنه سيسعى لتشكيل موقف خليجي موحد ضد طهران.
ورأى تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية أن جولة ولي العهد السعودي في منطقة الخليج العربي هي محاولة لتعزيز موقفه مع الحلفاء المجاورين وبناء توافق في الآراء بشأن التهديد الذي تشكله إيران المنافسة بينما تجري القوى العالمية محادثات لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015.
الحوثيون يصعِّدون ضد السعودية عبر استهداف الرياض
ومع وصول الأمير محمد بن سلمان إلى عُمان، يوم الإثنين 6 ديسمبر/كانون الأول، لإجراء محادثات مع حاكم البلاد السلطان هيثم بن طارق، اعترضت الدفاعات الجوية السعودية صواريخ باليستية فوق الرياض ومدينة حدودية جنوبية. وألقت وزارة الدفاع السعودية باللوم على جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران في اليمن، وقالت إنَّ شظايا سقطت على بعض الأحياء السكنية في العاصمة دون أن تتسبب في أضرار.
وتشمل رحلة الأمير محمد التي تستغرق خمسة أيام، التوقف في الإمارات والكويت والبحرين وقطر للمرة الأولى منذ حلّت الرياض وحلفاؤها الإقليميون الخلاف مع الدوحة في وقت سابق من هذا العام.
وتأتي الزيارات بعد توقف محادثات فيينا الأسبوع الماضي التي تهدف لإنقاذ الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة وقوى عالمية أخرى.
وبينما دول الخليج لا تريد مواجهة عسكرية مع طهران، لكنها تشعر بالقلق من أنه حتى لو اتفقت القوى العالمية على صفقة، فإنَّ دعم إيران للجماعات المسلحة في جميع أنحاء المنطقة ونشرها للطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية سيستمر في تعريض أمنها للخطر.
وقال مسؤول سعودي رفيع: "من بين الموضوعات التي ستُنَاقَش كيفية معالجة التهديد الإيراني المستمر بفعالية".
وأشار مسؤولون خليجيون إلى أنَّ اليمن وموضوعات أخرى، مثل الاستثمارات والأمن الغذائي والتجارة، ستُناقَش أيضاً قبل قمة مجلس التعاون الخليجي التي تضم ست دول خليجية في وقت لاحق من الشهر الجاري في الرياض. وقال الديوان الملكي السعودي إنَّ الأمير محمد سيناقش مع قادة دول الجوار العلاقات الثنائية والقضايا ذات الاهتمام المشترك، دون أن يخص إيران بالذكر.
السعودية تقرر الرد بعد هجوم الرياض
وتكافح السعودية للخروج من الحرب في اليمن، حيث تقود تحالفاً عسكرياً عربياً تدخَّل في عام 2015 لدعم الحكومة المُعترَف بها دولياً بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة. وتسعى إلى ضمان الدعم من الحلفاء الخليجيين مع اكتساب الحوثيين أرضاً جديدة، بما في ذلك حول مدينة مأرب الاستراتيجية الغنية بالنفط بالقرب من الحدود السعودية.
في أعقاب الهجوم الصاروخي يوم الإثنين، 6 ديسمبر/كانون الأول، على الرياض، تعهد التحالف بقيادة السعودية بـ"الضرب بقبضة من حديد" وأعلن عن عملية واسعة النطاق "رداً على التهديد".
ولدى سؤاله عن الهجوم، قال نائب وزير الإعلام في جماعة الحوثيين نصر الدين أمير إنَّ الجماعة لها الحق في الرد على غارات التحالف الجوية في صنعاء وتعز ومحافظات يمنية أخرى، التي قتلت وجرحت عشرات الأشخاص في اليومين الماضيين.
أمريكا تريد من الخليجيين بلورة موقف موحد، ولكن لكل دولة مصالح مختلفة
وشجَّعت الولايات المتحدة شركاءها الخليجيين على إبراز جبهة موحدة بشأن قضايا رئيسية مثل إيران، التي اكتسبت ضرورة ملحة جديدة وسط مخاوف في المنطقة من أنَّ واشنطن تبتعد عن المنطقة للتركيز على الصين.
لكن الممالك العربية كافحت لتوحيد صفوفها في ظل المصالح الوطنية المتباينة.
ففي حين أنَّ إيران والمملكة العربية السعودية متنافستان بشكل سافر دون مصالح مشتركة، فإنَّ لطهران علاقات تجارية عميقة مع الإمارات العربية المتحدة. كما تتشارك مع قطر في أكبر حقل غاز في العالم. ولطالما حاولت الكويت وسلطنة عمان الأقل قوة الابتعاد عن الصراعات؛ مما سمح لهما أيضاً بالمساعدة في كثير من الأحيان في التوسط في النزاعات الإقليمية.
الإمارات تدعو رئيسي لزيارتها
وفي هذا الإطار كان لافتاً، لقاء مستشار الأمن القومي لدولة الإمارات، الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، يوم الإثنين 6 ديسمبر/كانون الأول، في طهران بالرئيس إبراهيم رئيسي، ليصبح أعلى مسؤول إماراتي يزور الجمهورية الإسلامية علناً منذ ثماني سنوات.
يأتي ذلك بعد الاجتماع الذي عُقِد الأسبوع الماضي في أنقرة بين ولي عهد أبوظبي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في الوقت الذي تتطلع فيه الإمارات إلى تهدئة التوترات مع الخصوم الإقليميين.
وذكر التلفزيون الرسمي الإيراني أنَّ الشيخ طحنون دعا الرئيس الإيراني لزيارة أبوظبي لبدء فصل جديد في العلاقات بين البلدين. وقالت وكالة أنباء الإمارات التي تديرها الدولة إنهما تبادلا وجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وفي هذا السياق، قال عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية الإماراتي البارز، إنَّ رحلة طهران "محاولة جادة للتواصل مع إيران والتواصل مع الإدارة الجديدة في طهران. لكنها لن تغير حقيقة أنَّ إيران لا تزال تشكل تهديداً مستمراً لأمن الخليج".
أول جولة خارجية للأمير محمد بن سلمان منذ بداية الجائحة
تمثل جولة الأمير محمد في الخليج أول رحلة خارجية مهمة للزعيم السعودي منذ بدء جائحة "كوفيد -19″، باستثناء رحلة قصيرة إلى مصر، حسب الصحيفة الأمريكية.
كما أن بن سلمان لم يزُر الولايات المتحدة أو أوروبا منذ عام 2018، بعدما أدى مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي على يد عملاء الحكومة إلى ابتعاد بعض الحكومات الغربية عنه. وكانت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم السبت 4 ديسمبر/كانون الأول، أول زيارة يجريها زعيم غربي كبير إلى المملكة منذ جريمة القتل، التي نفى الأمير إصدار الأمر بها.
ووصف مسؤول خليجي مُطلِّع على جولة الأمير محمد بأنها تهدف إلى "الإدلاء بتصريح" عن الريادة الإقليمية للسعودية. وأشار المسؤول إلى أنَّ صياغة موقف موحد تجاه إيران ستكون مطروحة على الطاولة.
وقبيل زيارة الأمير محمد إلى قطر يوم الأربعاء 8 ديسمبر/كانون الثاني، سيزور أردوغان الدولة أيضاً لمناقشة علاقة تركيا بالخليج، وفقاً لمسؤولين قطريين. وقال مستشار قطري رفيع: "أعرب كل من أردوغان ومحمد بن سلمان لأمير قطر عن رغبتهما في تقوية العلاقات واستعادة التجارة".