منذ تفشي وباء كورونا حول العالم قبل نحو عامين، كان قطاع السياحة الأكثر تضرراً، وفتحت اللقاحات بوابة الأمل في عودة الحياة لطبيعتها، لكن أوميكرون تسبب في فرض حظر السفر مرة أخرى.
ففي الوقت الذي كان العالم يستعد للعيش مع الوباء، في ظل اقتراب دول من تطعيم مواطنيها بالكامل، أثار ظهور المتحور "أوميكرون" الإفريقي القلق مرة أخرى، وزاد القلق بعد أن أصدرت منظمة الصحة العالمية تحذيرات مقلقة بشأن المتحور، واصفة إياه بأنه قد يكون الأخطر على الإطلاق منذ اكتشاف سلالة دلتا.
وكانت سلالة دلتا قد اكتشفت في أواخر مارس/آذار الماضي، حين كشف باحثون عن وجود سلالة جديدة من الفيروس في الهند، وُصفت بأنها "مزدوجة الطفرة" وأطلق عليها "دلتا بلاس"، تسببت في انتشار الفيروس بصورة أسرع بكثير، وباتت دلتا بلاس مسؤولة عن الموجات المتتالية من الوباء في الهند وأوروبا وحول العالم.
أوميكرون وحظر السفر
ونشرت وكالة Associated Press الأمريكية تقريراً رصد كيف يبدد متحوِّر أوميكرون الخطط الخاصة بعودة صناعة السفر والسياحة للعمل مرة أخرى بعد ما يقرب من عامين من تعرض ذلك القطاع لأسوأ أزمة في تاريخه.
وبعد أن كانت شركات السياحة قد بدأت للتوِّ تجد موطئ قدمٍ لها بعد ما يقرب من عامين من الدمار الذي أحدثته جائحة كورونا، عادت تلك الشركات لتواجه المجهول بعد أن فرضت كثير من الدول قيوداً جديدة أمام السفر، في محاولةٍ لاحتواء متحوِّر أوميكرون.
ومن مناطق التسوُّق في اليابان والمرشدين السياحيين في الشرق الأوسط، إلى منتجعات التزلُّج على الجليد في جبال الألب وشركات الطيران في جميع أنحاء العالم، هناك مخاوف مألوفة تتزايد بشأن القيود المتجدِّدة.
وفي الوقت نفسه عاد المسافرون، المُتلهِّفون للخروج بطبيعة الأمر، إلى الروتين القديم المتمثِّل في قراءة المُتطلَّبات وتأجيل الرحلات.
وكانت آبي مور، التي تعمل أمينة مكتبة وأستاذة مساعدة في جامعة نورث كارولينا، تستعد للسفر إلى براغ الأربعاء، 1 ديسمبر/كانون الثاني، ولكن في اليوم السابق على رحلتها، بدأت تساورها شكوكٌ عندما رأت أن براغ قد أغلقت أسواق عيد الميلاد وفَرَضَت حظر تجوُّلٍ على مستوى المدينة.
قالت مور، التي قرَّرَت إعادة جدولة سفرها إلى مارس/آذار، للوكالة الأمريكية: "لم أكن قلقةً حقاً بشأن رحلتي حتى بدأت جمهورية التشيك ما بدا وكأنه عملية إغلاق صغيرة".
هل يفيد حظر السفر في احتواء أوميكرون؟
بعد أقل من شهرين من التخفيف الكبير للقيود المفروضة على السفر الدولي الوافد، حظرت الحكومة الأمريكية معظم الرعايا الأجانب الذين تواجدوا مؤخَّراً في أيٍّ من الدول الثماني في جنوب قارة إفريقيا. وشوهِدَ ارتدادٌ مماثل في إسرائيل واليابان، اللتين شدَّدَتا القيود بعد وقتٍ قصيرٍ من تخفيفها.
وفي حين أنه ليس من المعروف بشكل مؤكد أين ظهر المتحوِّر الجديد، فقد رصده علماء جنوب إفريقيا قبل نحو أسبوعين، وقامت العديد من الجهات الدولية، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي وكندا، تقييد السفر من المنطقة الأوسع.
وحتى الآن لا يُعرَف الكثير عن متحوِّر أوميكرون بشكل مؤكد، بما في ذلك إذا كان أكثر عدوى، أو يسبِّب مرضاً، أو يمكنه التهرُّب من اللقاحات. ومع ذلك، فإن الحكومات التي كانت بطيئةً في الاستجابة للموجة الأولى من كوفيد-19، هي الآن حريصةٌ على تجنُّب أخطاء الماضي.
لكن منظمة الصحة العالمية تقول إن حظر السفر له قيمةٌ محدودة، وسيضع عبئاً ثقيلاً على الأرواح وسُبُل العيش. ويقول خبراء آخرون إن قيود السفر لم تمنع ظهور المتحوِّرات الأخرى، ولكنها قد تمنح البلدان مزيداً من الوقت لتلقيح مواطنيها.
وقالت شركة طيران إيزي غيت، ومقرها لندن، الثلاثاء 30 نوفمبر/تشرين الثاني، إن تجديد قيود السفر يبدو أنه يضرُّ بالفعل بالحجوزات الشتوية، رغم أن الرئيس التنفيذي للشركة، يوهان لوندغرين، قال إن الضرر لم يكن شديداً بعد كما حدث في الموجات السابقة. وقال الرئيس التنفيذي لشركة الخطوط الجوية الإسكندنافية، إن الطلب في فصل الشتاء يرتفع، "لكننا بحاجةٍ إلى معرفة ما تعنيه المتحوِّرات الجديدة".
وقالت هيلان بيكر، المحلِّلة في شركة كووين للخدمات المالية، للأسوشيتد برس: "على مدار العام الماضي، تسبَّبَ كلُّ متحوِّرٍ جديد في انخفاض الحجوزات، ولكن بعد ذلك زاد المعدَّل بفترة ليست بالطويلة". وشهدت الفنادق، التي كانت تتعافى بسرعةٍ أكبر من المُتوقَّع، ظاهرةً مماثلة.
وقال آري كلاين، محلِّل الفنادق في مجموعة BMO Capital Markets، التي تقدِّم الخدمات المالية الشاملة، إن "السفر بغرض العمل غير مؤكَّدٍ إلى حدٍّ ما".
فتح الأجواء لم يستمر طويلاً
ويضرُّ قرار إسرائيل بالإغلاق أمام الزوَّار الأجانب بصناعة السياحة، حيث يتزامن ذلك مع الاستعداد لعطلة عيد الميلاد وعيد الأنوار. وكانت إسرائيل قد فتحت أبوابها للسيَّاح فقط في نوفمبر/تشرين الثاني، بعد منع معظم الزوَّار الأجانب منذ أوائل العام الماضي.
ودَخَلَ أكثر من 30 ألف سائحٍ إلى إسرائيل في النصف الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، مقارنةً بـ421 ألفاً في نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2019، بحسب أرقامٍ حكومية.
وقال جويل هابر، المرشد السياحي في القدس، إنه خلال عطلة عيد الأنوار، في الأوقات العادية، يغدو جدوله مليئاً بجولات الطعام في سوق محانيه يهودا بالقدس، وفي المقابل، لديه جولة واحدة فقط في اليوم.
وقال هابر للأسوشيتد برس: "المرشدون السياحيون مثلي هم أول من يتعرَّضون للخسارة وآخر من يخرج، ويُمنَعون من العمل بقراراتٍ حكومية".
وفي مدينة بيت لحم بالضفة الغربية المحتلة، توقَّعَت الشركات المحلية دفعةً من سياحة عيد الميلاد، لكن فندق بيت لحم، أحد أكبر الفنادق في المدينة، يعمل بجزءٍ بسيطٍ من طاقته خلال الأشهر الثمانية عشرة الماضية.
وقال مايكل مفدي، مدير الفندق: "كلُّ من حَجَزَ خلال الأسبوعين المقبلين ألغوا حجوزاتهم، بينما ينتظر الآخرون ليروا ما سيحدث بعد ذلك. لا أعرف إلى متى يمكننا الاستمرار هكذا، لكننا نبذل قصارى جهدنا".
وفي اليابان، تسبَّبَت الجائحة في تقليص السياحة الأجنبية من 32 مليون زائر في 2019 إلى 4 ملايين فقط العام الماضي، وهو اتِّجاهٌ استمرَّ خلال هذا العام.
ومع ظهور مخاوف بشأن متحوِّر أوميكرون، شدَّدَت اليابان الأسبوع الماضي حظرها على المسافرين الأجانب، وطالبت شركات الطيران بالتوقُّف عن إجراء حجوزاتٍ جديدة لجميع الرحلات الجوية القادمة إلى البلاد حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول. وعكست الدولة في وقتٍ سابق تخفيف قيود السفر التي كانت ساريةً لمدة ثلاثة أسابيع فقط.
واختفت منذ فترةٍ طويلة حشود المتسوِّقين الصينيين الذين اعتادوا الوصول إلى حيِّ جينزا الجذَّاب في طوكيو في سلسلةٍ من الحافلات لشراء سلعٍ فاخرة. وأُجبِرَت المطاعم والحانات على تقليل ساعات العمل.
وفي أساكوسا، وهو جزءٌ جذَّابٌ من طوكيو مليءٌ بمحلات بيع التذكارات وسائقي عربات الريكاشة وأكشاك بيع الحلوى التقليدية، لم تُحدِث الأنباء عن أوميكرون فرقاً كبيراً هذا الأسبوع، لأن البائعين يقولون إنه لم يكن هناك أيُّ نشاطٍ تجاري منذ شهور، باستثناء عددٍ قليلٍ من العملاء المحليين.
وفي جنوب إفريقيا، يواجه فريدريك بلاتشيزي، مالك نُزُل تامبوتي في محمية دينوكينغ غيم، انخفاضاً مشابهاً في الضيوف الدوليين الذين تعتمد عليهم أعماله. وقال: "الاحتمالات بالنسبة للأشهر القليلة المقبلة أنه لن يزور أحدٌ النُّزُل سوى السكَّان المحليين. نقدِّر خسارة الأعمال بنسبة 60% بسبب قيود أوميكرون".
وفي أوروبا، تقلق منتجعات التزلُّج على الجليد في جبال الألب بشأن مواكبة المُتطلَّبات، مثل ضمان تلقيح جميع المتزلِّجين أو التعافي من العدوى واختبارات الفيروس ذات النتيجة السلبية.
وقال ماتياس ستوش، رئيس اتحاد مشغِّلي مصاعد التزلُّج الألمانية VDS، إن العديد من الشركات العائلية الصغيرة تفتقر إلى الموظَّفين لإجراء مثل هذه الفحوصات. وفي غضون ذلك، حذَّرَت الجمعية من أضرارٍ اقتصادية "جسيمة" لقطاع السياحة إذا فُرِضَ إغلاقٌ آخر.
ويجادل المسؤولون التنفيذيون في مجال السفر بأن قرارات الحكومة بشأن القيود يجب أن تنتظر حتى يُعرَف المزيد عن متحوِّر أوميكرون، لكنهم يعترفون بأن تلك دعوةٌ صعبة.
ومنذ حوالي شهر، حَجَزَ خافيير باراغان وزوجته زيارةً إلى باريس في وقتٍ لاحقٍ من هذا الشهر، ديسمبر/كانون الثاني. وعندما وردت أنباء عن أوميكرون، شعروا بالقلق لكنهم قرَّروا المُضيّ قُدُماً في الرحلة.
قال باراغان، الذي يعيش في نيويورك: "تساءلنا هل هذا أسوأ؟". لكن البروتوكولات الصحية الفرنسية، التي تستلزم عليهما تقديم بطاقات لقاح لدخول البلاد، جعلتهما يشعران براحةٍ أكبر.
كان توم بيكوك عالم الفيروسات في إمبريال كوليدج لندن أول من اكتشف المتحور الجديد ونشر تفاصيل ما توصل إليه على موقع مخصص لنشر المعلومات المتعلقة بالخريطة الجينية لفيروس كورونا، وقال بيكوك، في رسالته على الموقع المتخصص، إنه حتى الآن تم اكتشاف أربع سلاسل فقط لانتشار المتحور الجديد، لذلك "أنصح بالمراقبة حالياً"، مضيفاً أن وصول المتحور الجديد إلى آسيا يشير إلى أنه قد يكون أكثر انتشاراً مما نعرفه.
كما أن العدد الهائل من الطفرات في بروتين الفيروس يعني أنه يمثل قلقاً حقيقياً لقدرته على مقاومة الأجسام المضادة الموجودة حالياً، سواء نتيجة للقاحات كورونا أو المناعة الطبيعية.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.