حتى أسابيع قليلة مضت، لم يفكر أحد كثيراً في موقف السيارات خارج قسم شرطة القطاع 37 في مدينة غورغاون التابعة لولاية دلهي قرب العاصمة الهندية، لكن في أيام الجمعة القليلة الماضية، أصبحت الرقعة الخرسانية المُغبرة والمليئة بالقمامة ساحة معركة دينية. هذا الأسبوع، عندما اجتمع حشد قومي هندوسي متشدد، ملأ الأجواء هدير شعاراتهم المميزة "يحيا الإله رام" و"يحيا الوطن الأم". ثم رنت صرخة: "المسلمون هنا"، وبدأ الغوغاء في شن هجوم.
"لم يبق مكان للصلاة.. لا مكان لبناء المساجد"
تقول صحيفة The Guardian البريطانية التي رصدت الحملة العدائية التي تشن على المساجد والمواقع الإسلامية في البلاد، إنه لأكثر من عقد من الزمان، كان موقف السيارات هذا واحداً من مئات المواقع التي يستخدمها مسلمو غورغاون مصلىً مؤقتاً في أيام الجمعة. وعادةً ما تُقام مثل هذه الصلوات في المساجد، لكن غورغاون، المدينة التي نشأت في التسعينيات من الأراضي العشبية في ضواحي دلهي لخدمة الطبقة الوسطى الجديدة في الهند، تعاني من نقص حاد في المساجد، حيث لا يوجد سوى نحو 13 مسجداً لتلبية احتياجات مدينة يزيد عدد سكانها على 1.5 مليون شخص. قوبلت محاولات بناء المزيد من المساجد في المنطقة، حتى على الأراضي المملوكة للمسلمين، بالمقاومة والعداء.
بدلاً من ذلك، وجد الآلاف من العمال المسلمين الذين تدفقوا على هذه المدينة المتوسعة لأعمال البناء في ناطحات السحاب والشقق الفاخرة خياراً آخر. نظراً لأنهم غير قادرين على السفر لأميال للعثور على مسجد، بدأوا الصلاة على مساحات فارغة من الأرض. حتى أنهم سعوا للحصول على إذن من الإدارة وبحلول عام 2018 مُنِح المسلمون إذناً للصلاة في الهواء الطلق في 108 أماكن في جميع أنحاء المنطقة.
وفي هذا السياق، قال ألطاف أحمد، أحد مؤسسي مجلس غورغاون الإسلامي: "يضطر الناس للصلاة في العراء لأنهم ليس لديهم خيار آخر".
لكن في عام 2018، بدأت صيحات الاستياء، عندما أدركت الجماعات الهندوسية اليقظة أنَّ المسلمين كانوا يصلون في أرض عامة. وبدأوا في تنظيم احتجاجات، شارك فيها أحياناً أكثر من 100 شخص؛ ما أدى إلى تعطيل عشرات صلوات الجمعة وتقسيم المدينة الحديثة على طول الشقاق القديم.
رداً على ذلك، خفضت إدارة غورغاون عدد مواقع صلاة الجمعة من 108 إلى 37؛ ما أثار استياء المسلمين الذين شعروا بأنَّ الإدارة تنحني لمطالب المتطرفين. وقال أحمد للصحيفة البريطانية: "قالوا لنا إنَّ الأمر مؤقت ولمجرد تهدئة الوضع". لكن هذا العام، بعد فترة هدوء بسبب "كوفيد-19″، عادت الاعتراضات بشكل انتقامي.
يهددون المسلمين بالقتل ويلقون روث الأبقار في أماكن الصلاة
في كل يوم جمعة منذ شهور، تجمعت أعضاء الجماعات الأهلية الهندوسية جنباً إلى جنب مع السكان المحليين، مسلحين أحياناً بالفؤوس والقضبان في مواقع صلاة الجمعة في محاولة لمنع المسلمين من إقامتها. ويردد الهندوس شعارات من بينها "أطلقوا النار على الخونة"، ثم يتلون صلوات وأغاني في محاولة لإغراق صوت تلاوات القرآن. إضافة إلى ذلك، ألقوا روث الأبقار في مواقع الصلاة واضطرت الشرطة عدة مرات إلى كبح الغوغاء حتى يتمكن المسلمون من مواصلة الصلاة.
في الشهر الماضي، أبلغت منظمة أم لجماعات هندوسية تسمى Sanyukt Hindu Sangharsh Samiti الشرطة بأنها مستعدة لاستخدام الأسلحة والذهاب إلى السجن إذا لم تُوقَف صلاة الجمعة.
ويقف في طليعة القتال دينيش ثاكور، الذي أنشأ جيشه الهندوسي القومي المكون من رجل واحد وسماه Bharat Mata Vahini، واعتُقِل أكثر من 10 مرات، وأدين 3 مرات، بسبب أفعاله الطائفية.
واندفع ثاكور، يوم الجمعة 3 ديسمبر/كانون الأول، نحو شهزاد خان، الزعيم المسلم الذي كان هناك لإمامة الصلاة، وبدأ في مواجهته، واقترب من وجهه حتى أصبح على بعد سنتيمترات وظل يصرخ: "لا نماز (صلاة الجمعة) هنا"، إلى أن سحبه للخلف خمسة ضباط شرطة. وبينما كان المسلمون يتقدمون بصمت إلى المنطقة للصلاة، ورؤوسهم على الأرض ويمسكون بسجاجيد الصلاة، صد صفٌ من الشرطة المسلحة الحشد القومي الهندوسي، واحتجزت الشرطة سبعة منهم.
"مستمرون بإقامة صلاتنا لأجل العدالة"
بالنسبة للمجتمع المسلم، أصبحت الصلاة في الأماكن العامة القليلة الباقية بمثابة تعبير عن حقوقهم في المجتمع. إذ انخفض عدد الأماكن العامة التي يُسمَح فيها للمسلمين بالصلاة في غورغاون مؤخراً مرة أخرى إلى 20 مكاناً، ومن المرجح أن يتقلص العدد أكثر بسبب استمرار الاحتجاجات. وقال المفتي محمد سليم قاسمي، رئيس "جمعية علماء الهند"، إنهم سيستمرون في إقامة صلاة الجمعة في هذه الأماكن لأنَّ الأمر يتعلق بالعدالة.
ومع دويّ صيحات الهندوس يوم الجمعة 3 ديسمبر/كانون الأول، وصد الشرطة المتظاهرين بالهراوات، جلس نحو 50 مسلماً جنباً إلى جنب في اتجاه القبلة حانين رؤوسهم على الأرض، يُؤمِّنون على دعوات خان صلاة بالوئام بين الهندوس والمسلمين. وقال خان: "المسلمون مواطنون في الهند مثلهم مثل الهندوس. كما أنَّ أجدادنا ضحوا من أجل هذا البلد"، داعياً: "اهدِنا يا الله، هندوس ومسلمين، لنبقى متحدين في رباط أخوة".
وكان وشي أحمر (25 عاماً) من بين الذين جاءوا للصلاة. وقال: "لسنا خائفين، لكن ما يحدث ليس صائباً. إننا نصلي هنا منذ 10 إلى 12 عاماً، لكن كل هذه الاحتجاجات جديدة. هم يريدون تقسيم أمتنا، ولديهم مشكلة في وجودنا".
الحزب الحاكم في الهند بقيادة مودي أجج التطرف الهندوسي
تعكس التطورات في غورغاون الانقسامات بين الهندوس والمسلمين التي اندلعت في جميع أنحاء الهند منذ فوز حزب "بهاراتيا جاناتا" القومي الهندوسي بالسلطة في عام 2014. ويُتَهَم الحزب بتأجيج نيران التوترات الطائفية وتمكين اضطهاد المسلمين، وهو اتهام ينفيه.
ولتحسين الانسجام المجتمعي، تدخل مجتمع السيخ، يوم الجمعة الماضي، وعرضوا خمسة من أماكن عبادتهم في غورغاون لاستضافة صلاة الجمعة. لكن هذا زاد من تأجيج المشكلة. إذ اعتصم العديد من الناس في أماكن العبادة تلك رافعين اللافتات ووزعوا كتيبات تتساءل عن كيفية سماح السيخ للمسلمين بالدخول إلى مكان عبادتهم بينما قتل حاكم مغولي الغورو (المرشد) التاسع للسيخ عام 1675.
لكن في النهاية، وباسم الأمان، لم يصلِّ أي مسلم في أماكن عبادة السيخ. وقال دايا سينغ (72 عاماً)، عضو لجنة Gurudwara Shri Guru Singh Sabha التابعة للديانة السيخية: "نحن نعلم أنَّ هذا لا يتعلق حقاً بصلاة المسلمين، بل هو جزء من مخطط عزلهم".