وسط توقعات طبية بأن يجتاح متحور أوميكرون العالم خلال ستة أشهر في ظل سرعة انتشاره الرهيبة بات السؤال الملحّ الآن: هل يؤدي هذا المتحور إلى كارثة للعالم أم أن نهاية الوباء قد تأتي على يد متغير أوميكرون أو على الأقل نهاية الوباء في صورته الحادة الحالية؟
وما زال الغموض يحيط بخصائص متحور أوميكرون، ولكن المؤشرات تفيد بأنه يتسم بقدرة عالية على سرعة الانتشار بشكل صادم، حيث قال ليونغ هو نام، طبيب متخصص في الأمراض المعدية في سنغافورة، إنه من المرجح أن "يطغى (أوميكرون) المتغير الجديد لفيروس كوفيد على العالم بأسره" في فترة تتراوح بين ثلاثة إلى ستة أشهر.
كما أن هناك مخاوف جدية، بأنه قد يقلص من الحصانة التي توفرها اللقاحات والإصابات السابقة، ولكن لا يُعلم بعد هل يهبط بالحصانة بشكل خطير أم بشكل جزئي مثل متغير دلتا؟
أما النقطة الأكثر إثارة للجدل، فهي مدة شدة الإصابة والمرض التي يسببها متحور أوميكرون، وسط تقارير عن ملاحظات طبية وليست دراسات عن أن شدة الفيروس ليست كبيرة، الأمر الذي يثير تساؤلات حول تأثيره على مستقبل الوباء.
يعاقبون جنوب إفريقيا على شفافيتها ويقظتها
يقظة وشفافية جنوب إفريقيا كان لهما تكلفة، فبدلاً من الإشادة بها لاكتشافها المتغير الجديد مبكراً والإبلاغ عنه بسرعة، تمت معاقبتها بفرض حظر السفر عليها، حسبما ورد في تقرير لموقع صحيفة The New yorker الأمريكية.
وقالت لينديوي سيسولو وزيرة السياحة في جنوب إفريقيا: "ربما كانت قدرة علمائنا على تتبع بعض هذه المتغيرات هي أكبر نقاط ضعفنا". "نجد أنفسنا نعاقب على العمل الذي نقوم به".
وأضافت "لتشجيع الدول الأخرى على المضي قدماً في المستقبل، يجب أن تشمل الاستجابة العالمية الدعم والموارد لجنوب إفريقيا وهي تكافح لاحتواء تفشي المرض".
لماذا أوميكرون مختلف؟
يعد متحور أوميكرون غير معتاد للغاية، حيث أنه إلى حد بعيد هو المتغير الأكثر تحوراً حتى الآن من SARS-CoV-2، الفيروس الذي يسبب مرض COVID-19.
يحتوي متغير أوميكرون على 50 طفرة بشكل عام، مع 32 طفرة على البروتين الشائك وحده. يساعد البروتين الشائك -الذي يشكل مقابض بارزة على السطح الخارجي لفيروس SARS-CoV-2– الفيروس على الالتصاق بالخلايا حتى يتمكن من الدخول. إنه أيضاً البروتين الذي تستخدمه جميع اللقاحات الثلاثة المتوفرة حالياً في الولايات المتحدة لتحفيز الأجسام المضادة الواقية.
للمقارنة يحتوي متغير دلتا على تسع طفرات. قد يعني العدد الأكبر من الطفرات في متغير أوميكرون أنه يمكن أن يكون أكثر قابلية للانتقال و/أو أفضل في التهرب من الحماية المناعية – وهو احتمال مقلق للغاية، خاصة أن التغيرات التي حدثت بها أكثر من متغير دلتا الذي كان يتسم بسرعة انتشار كبيرة جعلته المتغير السائد عالمياً.
سرعة انتشار مذهلة
تشير الأدلة الأولية من جنوب إفريقيا إلى أن Omicron قد يكون أكثر قابلية للانتقال من المتغيرات السابقة: زادت الحالات الإيجابية في منطقة تشوان بمقاطعة غوتينغ، حيث تم اكتشاف متحور أوميكرون لأول مرة في 9 نوفمبر/تشرين الثاني – من أقل من واحد بالمئة إلى أكثر من 30 بالمئة من العينات التي تم جمعها في الأسابيع الثلاثة الماضية. يشكل متحور أوميكرون الآن 76 بالمئة من جميع سلاسل SARS-CoV-2 المتسلسلة في جنوب إفريقيا، مما يجعله البديل الأكثر انتشاراً في البلاد. إنه يستبدل المتغيرات الأخرى بشكل أسرع من دلتا التي حلت محل بيتا.
بالإضافة إلى ذلك، في دراسة لم تتم مراجعتها بعد، اقترح الباحثون أن الطفرة التي يشاركها متحور أوميكرون مع متغير ألفا وMu قد تساعده على التكاثر بشكل أسرع ومقاومة المناعة. كما توجد طفرة في الموضع 501 في ألفا وبيتا وغاما تجعل البروتين الشائك يلتصق بشكل أكثر إحكاماً بمستقبلات ACE2، مما يجعل الفيروس أكثر كفاءة في إصابة الخلايا.
في منطقة غوتينغ بجنوب إفريقيا، تشير عينات الدم إلى أن 80 بالمائة من السكان لديهم بالفعل بعض المناعة بسبب مواجهات مع متغيرات سابقة لـ SARS-CoV-2. لهذا السبب يشعر الخبراء بالقلق إزاء الارتفاع السريع في انتشار أوميكرون، والذي يمثل 76 في المائة من الحالات في غضون أسبوعين فقط. بالمقارنة، استغرق الأمر من دلتا الشهير عدة أشهر للوصول إلى هذا المستوى من الانتشار، حسبما ورد في تقرير لـ National geographic.
مخاوف من تراجع فاعلية اللقاحات أمام متغير أوميكرون
قال العديد من خبراء الأمراض الذين قابلتهم وكالة Reuters إن هناك أسباباً قوية بالفعل للاعتقاد بأن أوميكرون سيجعل اللقاحات أقل فاعلية. يشترك Omicron في العديد من الطفرات الرئيسية مع متغيرين سابقين، Beta و Gamma، مما جعلهما أقل عرضة للقاحات. بالإضافة إلى ذلك، يحتوي أوميكرون على 26 طفرة فريدة، العديد منها في مناطق تستهدفها الأجسام المضادة للقاحات.
وقال ديفيد هو من جامعة كولومبيا الأمريكية إن حقيقة أن أوميكرون ينتشر بالفعل في وجود دلتا، "التي تفوقت على جميع المتغيرات الأخرى، أمر مقلق".
والمؤكد أن أوميكرون هو المتغير الجديد الذي يحتوي على أكثر تغيرات بين سلالات كورونا، ويبقى أن نرى ما إذا كان يصبح اللاعب الأكثر رعباً في الوباء أم يكون على عكس بداية نهاية الوباء.
ويتوقع روبرت جاري، عالم الفيروسات بجامعة تولين الأمريكية أن التغيرات في متحور أوميكرون قد تشير إلى أنه قد يراوغ الأجسام المضادة بشكل أكبر، ولكنه بصفة عامة يقول الأطباء إن الاستجابة المناعية التي يحفزها التطعيم أوسع من الاستجابة الناتجة عن عدوى طبيعية، لذلك قد يظل الأشخاص الملقحون محميين من المرض الشديد.
ورغم تصنيف منظمة الصحة العالمية أوميكرون بأنه "مثير للقلق"، إلا أن عالم الأحياء المجهرية البريطاني البروفيسور كالوم سيمبل يقول إن اللقاحات "لا تزال على الأرجح تحميك من الأعراض الشديدة".
وفي حالة أوميكرون تحديداً تشير الأدلة القصصية المبكرة إلى أن العديد من الإصابات كانت خفيفة، وأن الحالات الشديدة أثرت بشكل أساسي على الأشخاص غير المحصنين. (يتم تحصين واحد فقط من بين كل أربعة مواطنين في جنوب إفريقيا).
هل تؤدي التحورات العديدة إلى جعله أكثر شراسة من دلتا؟
الجمع بين جميع الطفرات في متغير أوميكرون قد يجعله إما أكثر قابلية للانتقال أو أفضل في التهرب المناعي من دلتا، في هذه الحالة، يمكننا أن نرى انتشار هذا المتغير عالمياً.
ومع ذلك، من الممكن أيضاً أن يكون العدد الكبير غير المعتاد من الطفرات ضاراً بالفيروس وتجعله غير مستقر.
ويقول بعض العلماء إن المزيد من الطفرات لا تؤدي بالضرورة إلى ظهور فيروس أكثر شراسة،ولم تتسبب أغلب المتغيرات الجديدة عموماً في زيادة شدة المرض.
أجرى روبرت جاري، عالم الفيروسات بجامعة تولين، مقارنة مباشرة بين الطفرات التي شوهدت في دلتا وأوميكرون، وقال لشبكة CNN إن مجرد وجود العديد من الطفرات لا يعني بالضرورة أنها ستضيف إلى الفيروس مزيداً من الشراسة.
وقال جاري: "ما الذي ستفعله كل هذه التغييرات في المجموع للأشياء التي تهم هذا الفيروس، لا نعرف حقاً بعد".
لكنه لا يرى العديد من الطفرات المهمة التي قد تجعل نسخة Omicron أكثر عدوى من دلتا، وقال: "أنا لا أرى الكثير مما من شأنه أن يمنح سلالة أوميكرون خطورة قوية وحقيقية مقارنة بمتغير دلتا".
يبدو أنه قد يكون خالياً من بعض التغييرات التي جعلت دلتا شديد العدوى
ولاحظ خبراء جينيون آخرون أيضاً أن متغير أوميكرون لا يحمل بعض التغييرات التي ساعدت في جعل سلالة دلتا شديدة العدوى.
ويقول عالم الأحياء المجهرية البروفيسور كالوم سيمبل الذي يقدم استشارات في مجال مواجهة الوباء للحكومة البريطانية إن متغير فيروس كورونا أوميكرون "ليس كارثة" وقد يكون بعض الناس "يبالغون في تقدير الموقف بشكل كبير".
ومع ذلك، يدعم البروفيسور سمبل قيود السفر الجديدة في المملكة المتحدة، حسبما ورد في تقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية"bbc".
وأضاف: "زملائي يقولون هذا متحور مروع، ولكن أعتقد أنهم يبالغون في تقدير الوضع".
ماذا يقول خبراء منظمة الصحة العالمية وجنوب إفريقيا؟
نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول في منظمة الصحة العالمية قوله: "تشير بعض المؤشرات المبكرة إلى أن معظم الإصابات بالمتحور أوميكرون خفيفة ولا توجد حالات خطيرة"، مضيفاً أن المنظمة تعمل مع خبرائها في جميع أنحاء العالم لتحديد تأثير أوميكرون على انتقال العدوى وشدة المرض.
هذه التطمينات من المسؤول في المنظمة الدولية تعد تلميحاً بأن المتحور "أوميكرون" قد لا يسبب الكثير من الفوضى العالمية كما كان يخشى في البداية.
وأفاد الأطباء في جنوب إفريقيا، حيث تتركز معظم الحالات المؤكدة، الأسبوع الماضي، بأن حالات أوميكرون كانت تعاني من أعراض "خفيفة".
وقالت رئيسة الجمعية الطبية في جنوب إفريقيا، أنجليك كويتزي، إن مرضاها المصابين بأوميكرون أبلغوا عن أعراض مختلفة وأقل خطورة من أولئك المصابين بدلتا.
وشملت الأعراض التعب وآلام العضلات والتهاب الرأس والسعال الجاف، لكن لم يبلغ أي مريض عن الأعراض المنبهة لفقدان حاسة الشم أو التذوق أو صعوبات في التنفس، على حد قولها.
ولكن هناك حالات أعراضها شديدة
وحذر العلماء في جنوب إفريقيا من أن الغالبية العظمى من الأشخاص الذين ينتهي بهم المطاف في المستشفى مع "أوميكرون" هم من غير المحصنين.
لكن الدكتورة فان كيركوف، المسؤولة عن وباء كوفيد في منظمة الصحة العالمية، قالت إنها شاهدت تقارير عن أشخاص مصابين بالمتحور أوميكرون تتراوح بين الأعراض الخفيفة "وصولاً إلى المرض الشديد".
وأضافت: "هناك بعض الدلائل على أن بعض المرضى يعانون من مرض خفيف، ولكن مرة أخرى، هذه الأيام الأولى".
المفاجأة الكبرى: هناك مجال للتفاؤل بقرب نهاية الوباء
"هناك مجال للتفاؤل" هكذا قال البروفيسور لورانس يونغ، عالم الفيروسات بجامعة وارويك البريطانية، حسبما نقلت عنه صحيفة "إكسبرس" البريطانية.
إذ قال يونغ: "التوقعات ليست كلها كئيبة، بل بالعكس، هناك مجال للتفاؤل، فالآن لدينا أفضل الأدوية المتاحة للتصدي للفيروس والعمل جارٍ على اللقاحات المعدلة لمواجهة متغيراته. ينبغي أن نكون ممتنين لعدم ظهور (أوميكرون) العام الماضي، لأن الوضع الآن أفضل بكثير".
وأضاف يونغ: "إنني أرى أن متغير أوميكرون يمكن أن يساعدنا في الخروج من هذا الوباء من خلال التغلب على العدوى الشديدة التي يسببها متغير دلتا، بمعنى آخر، إذا صحّت التقارير التي تفيد بأن أوميكرون أكثر عدوى لكنه يسبب أعراضاً خفيفة مقارنة بأعراض دلتا الحادة، فقد يعني ذلك أن أوميكرون يمكن أن يتفوق على دلتا في الانتشار بنفس الطريقة التي تمكن بها دلتا من السيطرة والتفوق على متغير ألفا.
وفي هذه الحالة ستستبدل أعراض دلتا الحادة بأعراض (أوميكرون) الخفيفة، وهو الأمر الذي قد يقضي على الوباء بمرور الوقت".
يلمح هذا العالم إلى أن الانتشار السريع المرجح لهذا المتغير مع احتمال أن شدته أقل، يعني توفير حصانة واسعة النطاق للبشر بدون أضرار جسيمة.
لكنه أشار إلى أن الأمر سيستغرق أسبوعين حتى تُعرف التأثيرات الحقيقية لـ"أوميكرون" على دخول المصابين به إلى المستشفيات وفاعلية اللقاحات في مواجهته.
وتابع: "لم يتضح بعد ما إذا كانت الإصابة بأوميكرون تسبب مرضاً أكثر خطورة أم لا".
تحذير من الإفراط في التفاؤل
من بريطانيا أيضاً خرج تحذير من التبكير أو الإفراط في التفاؤل، إذ حذر أحد كبار العلماء البريطانيين من أن الناس لا ينبغي أن يفترضوا أن كوفيد سيتطور ليصبح مرضاً أكثر اعتدالاً، مضيفاً أن التهديد الذي يشكله متغير فيروس أوميكرون لن يكون واضحاً حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2021.
وأبلغ البروفيسور نيل فيرجسون، رئيس مجموعة تحليل ونمذجة تفشي المرض في الكلية الإمبراطورية بلندن، أعضاء البرلمان، الأربعاء، أنه في حين أن التطور من شأنه أن يدفع كوفيد للانتشار بسهولة أكبر، فقد لا يصبح الفيروس بالضرورة أقل خطورة.
وشدد محضر الاجتماع الذي نُشر يوم الأربعاء، على أنه لا يزال من غير الواضح مدى خطورة النتائج الصحية للمتغير الجديد، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Guardian البريطانية.
لكن العالم البريطاني قال إن موجة كبيرة من العدوى يمكن أن تطغى على هيئة الخدمات الصحية الوطنية في البلاد. وقالت المجموعة إنه يجب إجراء الاستعدادات لتحديث اللقاحات والعلاجات بالأجسام المضادة.
وأضاف فيرجسون: "من السابق لأوانه أن نقول ما إذا كان أوميكرون سيكون أكثر أو أقل حدة من المتغيرات السابقة، ولكن ما رأيناه حتى الآن هو أن متغير ألفا كان أكثر حدة من السلالة السابقة، قليلاً، ثم جاء بعده دلتا ليظهر خطورة أشد، أي أن تطور سلالات فيروس كورونا، حتى الآن هو نحو شدة أكبر، وليس شدة أقل".
ولكنه استدرك قائلاً: "علينا أن نتحلى بالصبر، سيستغرق الأمر على الأرجح من ثلاثة إلى أربعة أسابيع للحصول على مؤشرات واقعية عن متحور أوميكرون".
وتعلق the Guardian البريطانية في تقرير آخر على هذا المتغير قائلة: "إن أوميكرون هو بلا شك نتوء في الطريق قد يقودنا للخروج من هذا الوباء، وربما يكون حفرة كبيرة يقع فيها العالم".
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.