تُوصف مقاتلات إف-22 رابتور على نطاقٍ واسع بأنّها مقاتلة التفوق الجوي الأكثر قدرةً في العالم. ولأنها طائرة شبح من الجيل الخامس، تحمل إف-22 على متنها مجموعةً من التقنيات المذهلة داخل منصةٍ عالية المناورة بسرعات تفوق سرعة الصوت.
لكنها أيضاً طائرةٌ عجيبةٌ للغاية في بعض الزوايا، إذ قرر البنتاغون شراء 186 من أصل 750 كان ينتوي شراءها، رغم كونها الأفضل في مجالها. وعلاوةً على ذلك فقد أغلق الكونغرس الباب في وجه أي مشترٍ محتمل، وحظر على الشركة المصنعة لوكهيد مارتن بيع هذه الطائرة خارج البلاد لأي دولة كانت.
ولكن كيف يمكن لمشروع طائرة بهذه الجودة أن يتوقف سريعاً في منتصف الإنتاج؟ ولماذا رفضت الولايات المتحدة بيعها للعديد من المشترين الأجانب الذين كانوا يتهافتون على شرائها؟
مقاتلة إف-22 رابتور: "الشبح الرائعة"
تقول مجلة The National Interest الأمريكية، إن مقاتلة إف-22 رابتور كانت أول مقاتلة شبح من الجيل الخامس تُحلّق في الأجواء حين تم تقديمها عام 2005، باعتبارها مقاتلة تفوّق جوي متعددة المهام، حيث جمعت بين التقنيات المتقدمة، مثل التخفي ودمج المستشعرات لإنتاج وعيٍ متكامل بالظروف المحيطة، وبين هيكل طائرة شديد المناورة وقادر على الطواف الفائق (أو التحليق بسرعات فوق صوتية دون الحاجة إلى وحدات الحارق اللاحق في المحرك النفاث).
وتُعتبر مقاتلات إف-22 رائعةً في المعارك الجوية بفضل قدراتها على توجيه الدفع. حيث يتمتع محركاها بفوهات دفع مصممة خصيصاً لتستطيع التحرك بشكلٍ عمودي، حتى تتمكن من توجيه دفع المقاتلة التي يبلغ وزنها 31,751 كغم في أي اتجاه، حتى وإن كانت تتحرّك في اتجاهٍ معاكس، ما يسمح للمقاتلة بتنفيذ ألعابٍ بهلوانية رائعة، علاوةً على استغلال زوايا الهجوم شديدة الارتفاع خلال الاشتباك من مسافةٍ قريبة.
كما تحظى مقاتلات إف-22 بتسليح شديد التنوع، من الصواريخ إلى القنابل وحتى المدافع الرشاشة الضخمة. وعلى نفس القدر من الأهمية تأتي قدرة هذه المقاتلات على حمل كل تلك الذخائر داخل مخازن الأسلحة الثلاثة الموجودة على متنها، ما يعني أنّها لن تُضحي بقدراتها على التخفي في سبيل حمل كل تلك القوة النارية.
ومع سقفٍ تشغيلي يبلغ 15,240 متراً ومدى يصل إلى نحو 3,057 كيلومتراً؛ تستطيع مقاتلات إف-22 رابتور التحليق بسرعات تتجاوز ماخ-2. ورغم مميزات المقاتلة الرائعة، لكن برنامج مقاتلات الرابتور لم يدُم طويلاً.
مقاتلة إف-22 رابتور: "مقاتلة سيئة الحظ"
دخلت مقاتلات إف-22 الخدمة في وقت كانت الولايات المتحدة تخوض خلاله حرباً تبدو بلا نهاية على جبهتين، وفي مواجهة عدوٍّ غير تقليدي بأفغانستان والعراق.
وبينما ضخّ البنتاغون تريليونات الدولارات في حروبه العالمية على "الإرهاب" ذهبت سمات التخفي والتفوّق الجوي لمقاتلات إف-22 أدراج الرياح، في مواجهة عدوٍ لا يستطيع جنوده حتى ارتداء زي عسكري موحّد، ناهيك عن نشر المقاتلات وأنظمة صواريخ أرض-جو المتقدمة والرادارات.
وقد يقول البعض إنّ المنفعة تجذب الأموال، لكن التهديدات الحالية هي التي تُحدّد المنفعة. وفي هذا الصدد يُمكن اعتبار إف-22 رابتور واحدةً من أسوأ المقاتلات حظاً في التاريخ -رغم قدراتها المذهلة- لأنّها دخلت الخدمة في وقتٍ ليس به عدو لتُحاربه، رغم قائمة الأعداء الطويلة للولايات المتحدة آنذاك.
ومن بين 186 مقاتلة إف-22 تسلّمتها القوات الجوية الأمريكية، لم يتم تشغيل سوى نحو 130 مقاتلة فقط في الخدمة. ونتيجةً لذلك تحوّلت الرابتور اليوم إلى "طائرٍ مهدد بالانقراض". ورغم سرية أعداد المقاتلات الموجودة في الخدمة حالياً، فمن المنطقي افتراض وجود أقل من 100 مقاتلة إف-22 فقط جاهزةً للقتال في الوقت الحالي. وفي كل مرة تحلق مقاتلة رابتور يقل عمرها الافتراضي في المستقبل لقلة قطع الغيار.
وفي عام 2011، خرجت آخر مقاتلة رابتور من خط إنتاج لوكهيد مارتن، التي قامت بتفكيك خط إنتاج الرابتور لدعم إنتاج مقاتلة إف-35.
عذراً.. إف-22 رابتور ليست للبيع
على مدار سنوات، طلبت إسرائيل واليابان وأستراليا وغيرها من البنتاغون مراراً شراء مقاتلات إف-22 رابتور، لكن الطلب كان يُرفض في كل مرة، لدرجة أنّ الكونغرس صوت في عام 1998 على حظر بيع مقاتلات إف-22 رابتور تحديداً لأي دولة أجنبية.
فبعكس الغالبية العظمى من المقاتلات الأمريكية لم تُصمّم مقاتلات إف-22 مطلقاً من أجل التصدير. وبالتالي فقد تمت تعبئتها بتقنيات سرية، وإنتاجها باستخدام منهجيات إنتاج متقدمة تُفضل الولايات المتحدة الإبقاء على سريتها. وحتى يومنا هذا تظل الولايات المتحدة رائدةً للعالم في تقنيات تخفي الطائرات.
تقول مجلة The National Interest الأمريكية، إن الصين وروسيا تسعيان باستمرار لسرقة التقنيات من الولايات المتحدة من أجل تطوير صناعتها العسكرية والخاصة. وقد نجحت مراراً في تحقيق مساعيها، وخاصةً حين استخدمت الصين التجسس الإلكتروني ومصادرها الداخلية للحصول على مخططات تصاميم طائرات إف-35، وإف-22، وسي-130 عام 2016.
كما أنّ بيع الطائرات العسكرية قد جاء بنتائج عكسية في الماضي، حيث لا تزال إيران تُشغّل مقاتلات إف-14 الأمريكية التي اشتراها الشاه قبل الثورة الإيرانية، بينما تحمي فنزويلا الشيوعية سماءها بمقاتلات إف-16 الأمريكية التي اشترتها في الثمانينيات. فضلاً عن أنّ المقاتلات الصينية عالية القدرة جيه-10 مبنيةٌ إلى حدٍّ كبير على تصاميم مقاتلات إف-16 الأمريكية، التي صدرت الولايات المتحدة تقنياتها إلى إسرائيل، قبل أن تقوم الأخيرة بتفكيك برنامج المقاتلة لافي وبيع التقنيات إلى الصين.
وبرغم كل تلك المخاوف، كانت وزارة الدفاع تدرس فكرة بيع المقاتلات إلى الدول الأجنبية. إذ فكّر البنتاغون في تصدير أكثر مقاتلاته تطوراً آنذاك بحسب مجلة War Zone الأمريكية، التي حصلت على نسخةٍ منقحة من دراسة جدوى القوات الجوية لمشروع تصدير مقاتلات إف-22 رابتور.
حيث أجرت العديد من أقسام القوات الجوية دراسات لمختلف المتغيرات التي ستنتج عن برنامج تصديرٍ من هذا النوع، ولكن بنهاية المطاف لم يسمح الكونغرس بتخصيص المال اللازم لإنتاج نسخة تصدير من مقاتلات إف-22. كما أنّ المشترين الأجانب كانوا قد بدأوا يتطلعون بالفعل إلى مشروعٍ أكثر تكلفة: مقاتلات إف-35.