يعود غاريد كوشنر مستشار الرئيس الأمريكي السابق إلى الشرق الأوسط، ولكن هذه المرة، ليس لإبرام صفقات تسوق للتطبيع العربي مع إسرائيل، بل لإيجاد أموال لاستثماراته المتعثرة، في تحرك أثار الجدل في الولايات المتحدة
أثناء عمله مستشاراً للبيت الأبيض في إدارة ترامب، كان لدى جاريد كوشنر اهتمام خاص بدول الخليج، والآن لم يتوقف هذا الاهتمام حتى بعد خروجه من البيت الأبيض، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
علاقة كوشنر بدول الخليج أعادت صياغة تاريخ المنطقة
عندما كان مستشار ترامب المفضل، أقام كوشنر علاقة صداقة شخصية مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وساعد في إبرام اتفاقات السلام بين إسرائيل والإمارات، ودعم حكام الإمارات في خلافهم مع قطر، قبل أن يلعب دوراً في المصالحة الخليجية.
ومنذ هزيمة والد زوجته، دونالد ترامب، في الانتخابات، حافظ كوشنر على تواصله مع المنطقة من خلال منظمة غير ربحية أسسها لدعم اتفاق السلام الذي توسطه فيه.
والآن، في خطوة أثارت دهشة واستهجان دبلوماسيين، ومستثمرين، وهيئات رقابة أخلاقية، يسعى كوشنر لجمع أموال من الدول الخليجية لصالح شركة استثمارية جديدة أنشأها، حسب وصف الصحيفة الأمريكية، التي تقول إنه حتى الآن، كان النجاح الذي كُللت به مساعيه متواضعاً.
الإمارات تعترف بأهميته السياسية، ولكن قلقة من استثماراته، ولكن ماذا عن السعودية؟
رفضت صناديق السيادة الرئيسية في الإمارات الاستثمار في شركته؛ حيث اعتبر حكام الإمارات كوشنر حليفاً لهم، لكنهم أبدوا تشككهم في ملف أعماله التجارية، وفقاً لما نقلته الصحيفة الأمريكية عن شخص مطلع على المناقشات.
على أن السعوديين كانوا أكثر اهتماماً، وفقاً لأربعة أشخاص مطلعين على المفاوضات الجارية. ويتفاوض صندوق الاستثمارات العامة السعودي البالغة قيمته 450 مليار دولار مع كوشنر على ما قد يكون استثماراً ضخماً في شركته الجديدة، وفقاً لما قاله اثنان من هؤلاء الأشخاص.
وذكرت صحيفة The New York Times أنه خلال مكالمة هاتفية قصيرة، رفض كوشنر الحديث عن شركته الجديدة Affinity Partners، وليس واضحاً هوية المستثمرين الآخرين الذين تحدث إليهم حتى الآن داخل أو خارج الولايات المتحدة.
ولكن وفقاً لشخص مطلع على خطط الشركة، يتمنى كوشنر أن يجمع مبلغاً من المال يقدر بمليارات الدولارات بحلول بداية العام المقبل.
على أن تحوله إلى صناديق السيادة في الشرق الأوسط أثار تساؤلات عن مدى أخلاقية جمع أموال من مسؤولين تعامل معهم باسم الحكومة الأمريكية حتى يناير/كانون الثاني الماضي، خاصة بالنظر إلى احتمالية ترشح ترامب لانتخابات الرئاسة عام 2024.
إذ تقتصر خبرة كوشنر التجارية إلى حد كبير على الوقت الذي أمضاه في إدارة شركة العقارات الخاصة بعائلته. وأشهر صفقاته كانت شراء مبنى 666 فيفث أفينيو في مانهاتن مقابل 1.8 مليار دولار عام 2007، وقد شكلت معضلة مالية بعد الركود الاقتصادي الذي شهده العالم بعدها بفترة قصيرة. وكان أيضاً مالكاً وناشراً لصحيفة The New York Observer لمدة عشر سنوات، حتى أصبح والد زوجته رئيساً.
وكان هذا العقار محوراً لجدل أمريكي بعدما تبين أن شركته تجري مفاوضات مع شركاء أجانب محتملين بينهم صينيون ودول خليجية للاستثمار في هذا العقار، وأن تطورات هذه المفاوضات قد تكون قد انعكست على دور السياسي في منطقة الخليج.
وخلال إدارة ترامب، أقام كوشنر علاقة وثيقة مع الحاكم الفعلي للسعودية، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وساهم بدور حيوي في الدفاع عن الأمير محمد في البيت الأبيض بعد أن خلصت وكالات المخابرات الأمريكية إلى أنه هو من وجّه بقتل جمال خاشقجي.
ليس أول مسؤول بإدارة ترامب يتوجه لدول الخليج بعد تقاعده
وكوشنر ليس أول مسؤول سابق في إدارة ترامب يدخل في صفقات تجارية مربحة مع حلفاء الإدارة في الخليج بعد فترة وجيزة من تركه لمنصبه. إذ تلقى ستيفن منوشين، وزير الخزانة في عهد ترامب، بالفعل استثمارات من السعوديين والإماراتيين، وفقاً لأشخاص مطلعين.
وسعى مستشارون وموظفون سابقون آخرون أيضاً للحصول على أموال من السعوديين. ورفض مسؤول بالسفارة السعودية في واشنطن التعليق.
يقول نيك بينيمان، المؤسس والرئيس التنفيذي لمنظمة Issue One المعنية بمراقبة الحكومات في واشنطن: "حين يبدأ موظفون سابقون في البيت الأبيض في حصد ثمن خدمتهم في حكومتنا بالتودد إلى الملوك، فهذا يثير الغثيان قليلاً. هل هذا مشروع؟ لا.
يريد الابتعاد عن السياسة والتركيز على الاستثمار بين السعودية وإسرائيل
وقال الأربعة المطلعون إن مفاوضات كوشنر الحالية مع السعودية، التي أفاد بها موقع Project Brazen في وقت سابق، لا تزال جارية؛ ولكن لم يُعلن عن إبرام صفقة بعد.
وقد حرص كوشنر على تحاشي الأضواء منذ مغادرته البيت الأبيض. فانتقل مع زوجته إيفانكا ترامب وأبنائهما إلى ميامي بولاية فلوريد، بعيداً عن أضواء الإعلام في نيويورك وواشنطن. وهناك أسس شركته Affinity خلال الأشهر الأخيرة.
وكان قد قال لمساعديه إنه لا يرغب في العودة إلى السياسة. على أن كوشنر، سعياً منه لإثراء الاتفاقيات التي ساعد في التفاوض عليها في الحكومة، أسس منظمة اتفاقات أبراهام للسلام غير الربحية التي تسعى إلى زيادة حجم العلاقات التجارية بين إسرائيل وجيرانها العرب.
ويأمل كوشنر أيضاً أن تجد شركته الجديدة، Affinity، فرصاً في الاستثمار عبر الحدود في الشرق الأوسط، وفقاً لما قاله الشخص المطلع على خطط الشركة. وقال هذا الشخص إن من ضمن أولوياتها إقامة علاقات استثمارية بين إسرائيل والسعودية.
وقال هذا الشخص إن الشركة لا تزال تبحث عن موظفين، مضيفاً أن التواصل مع المستثمرين في الولايات المتحدة وخارجها على جدول أعمالها.
وقد عينت شركة Affinity مؤخراً بريت بيرلمان، مؤسس شركة Elevation Partners الاستثمارية في وادي السيليكون، والمدير المالي المخضرم لجوش هاريس، مؤسس شركة الأسهم الخاصة Apollo Global Management، وفقاً لشخصين مطلعين. وأضاف واحد من هذين الشخصين أن أسد نقفي، الشريك السابق في شركة الأسهم الخاصة التي تتخذ من لندن مقراً لها، Apis Partners، قد انضم أيضاً إلى فريق الاستثمار في شركة Affinity التي سيكون كوشنر رئيسها التنفيذي.
وتقول الصحيفة الأمريكية "إن بيرلمان أو نقفي لم يردا على طلبات التعليق".