أفضت اللقاءات التي تعقدها حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، مع مصر وقطر، إلى التوصل لحل يخفّف من وطأة الأزمة الإنسانية في غزة، عبر السماح بإصدار المزيد من تصاريح لفلسطينيين من القطاع، للعمل في الضفة الغربية وإسرائيل.
وشهدت الفترة التي تلت العدوان الإسرائيلي الأخير، لقاءات متعددة بين "حماس" والفصائل الفلسطينية من جهة، والوسيطين المصري والقطري من جهة أخرى، لتثبيت وقف إطلاق النار في غزة، والاتفاق على تسهيلات تخفف من الظروف المعيشية في القطاع.
ومنذ 21 مايو/أيار الماضي، تسود تهدئة بين إسرائيل وفصائل المقاومة في غزة، عقب مواجهة عسكرية استمرت 11 يوماً، وقتل خلالها جيش الاحتلال 243 شخصاً، بينهم 66 طفلاً.
وفاقم العدوان الأخير من تردّي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، التي يعاني منها أكثر من مليوني فلسطيني؛ جراء حصار إسرائيلي متواصل للقطاع للعام الـ15 على التوالي.
ومؤخراً، افتتحت وزارة العمل الفلسطينية بغزة، الباب للراغبين في الحصول على فرصة عمل، في الضفة وإسرائيل، ضمن شروط ومعايير محددة.
ومن هذه الشروط أن يكون المتقدّم "متزوجاً غير موظّف، ويزيد عمره عن 26 عاماً، وألا يكون صاحب دخل ثابت، وخلو صحيفته من القضايا الجنائية".
هذه الخطوة تأتي، بحسب مسؤول حكومي فلسطيني بغزة، ضمن جهود الفصائل وعلى رأسهم "حماس"، والوسطاء للتخفيف من الأزمة الإنسانية بغزة.
وضمن جهود الوسطاء أيضاً، فقد أعلن الوزير القطري للشؤون الخارجية، سلطان بن سعد المريخي، عن "توقيع دولة قطر لاتفاقيات مع مصر لتوريد الوقود ومواد البناء الأساسية لصالح قطاع غزة".
واعتبر المريخي، بحسب وكالة الأنباء القطرية الرسمية، أن هذا الاتفاق يأتي ضمن "تفاهمات التهدئة"، لتحسين الظروف المعيشية.
تفاهمات سياسية
قال سلامة معروف، رئيس المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، إن "فتح الباب أمام الراغبين للعمل في الضفة والأراضي المحتلّة، يأتي في سياق التفاهمات السياسية التي تم التوصّل إليها عبر وسطاء، بين قيادة العمل السياسي بغزة (الفصائل وفي مقدّمتهم حماس) والاحتلال".
وأضاف في حديث لـ"الأناضول": "تأتي هذه التفاهمات ضمن السعي الدائم للوصول إلى مرحلة رفع الحصار بشكل كامل عن غزة".
وأوضح أن الوسيطين المصري والقطري، هما اللذان يعملان على العديد من الملفات المتعلقة بغزة، من بينهما التفاهمات بشكل كامل.
وبيّن أن "هناك إشارات واضحة، عبر الوسطاء، لتوفير نحو 13 ألف تصريح عمل مسموح به من إسرائيل، ما يرفع عدد الحاصلين على تصاريح عمل بغزة، من 7 آلاف إلى 20 ألف عامل".
إطلاق رابط الكتروني
قال معروف إن إطلاق الرابط الإلكتروني، الأحد، يأتي للحد من "أي عمليات تلاعب أو استغلال وتربّح من العمّال، من أي جهة كانت".
وأضاف أن "التسجيل الإلكتروني يعدّ المرحلة الأولى من عملية استصدار التصاريح، حيث سيتم إرسال كشوفات الأسماء بعد تدقيقها ومتابعها إلى هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية (المعنية بالتنسيق مع الجانب الإسرائيلي في المجال المدني)".
ونفى وجود أي تواصل بين أي جهة حكومية بغزة مع الاحتلال، مضيفاً: "التواصل يتم من خلال هيئة الشؤون المدنية العاملة في القطاع".
وأشار إلى أن هذه الكشوفات التي انطبقت عليها المعايير، من شأنها أن تساهم في "تسهيل عمل هيئة الشؤون المدنية".
ويعتقد معروف أن الفترة القادمة قد تشهد تواصلاً مع طاقم الهيئة بغزة في إدارة ملف العمّال، وتزويدها بالبيانات والكشوفات اللازمة.
ولفت إلى أن الانتهاء من المرحلة الأولى يحتاج إلى فترة زمنية مناسبة، تتيح لكل الراغبين في العمل بالتسجيل، فيما سيتم إجراء عملية تقييم بناء على الإقبال للتسجيل.
واستكمل قائلاً:" نقدّر أن هناك عشرات الآلاف ممن يرغبون في العمل، سنُعطي الفرصة الكافية لإتمام التسجيل".
ضمانات ومحاذير
وعن وجود ضمانات حول التزام إسرائيل بإصدار هذه التصاريح للعمّال، قال معروف إن "هذه العملية يضمنها الوسطاء الذين تدخّلوا في إدارة الملف، وقيادة الشعب الفلسطيني التي تفاوضت عبر الوسطاء".
وفيما يتعلق بوجود بعض المحاذير، من خلال مرور المواطنين عبر معبر بيت حانون/إيرز (تديره إسرائيل من الجانب الآخر)، شمالي القطاع، قال معروف إن حكومته تحاول تحقيق السلامة الأمنية للمواطنين.
وتابع أن "جزءاً من الأهداف التي تسعى حكومته لتحقيقها في إتاحة المنظومة الالكترونية، هي عملية المتابعة والتأكد أن أساليب الاحتلال لن تجدي نفعاً مع العمال الذين سيمرّون عبر المعبر".
وذكر أن من ضمن شروط التقدم للحصول على تصريح هو "خلو الصحيفة الجنائية"، لكل مواطن، وذلك للتأكد من أن الشخص المتقدّم "راغب فعلاً في العمل وأنه يحاول الخروج لكسب الرزق فقط".
وأشار إلى أن عملية المتابعة لهذا الأمر تسير كما هو "مخطط لها، لضمان عدم حدوث أي ارتهان في هذا الخصوص لإسرائيل".
ضغوط مصرية وأمريكية
قال مصطفى إبراهيم، الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، إن هذه الخطوة تأتي في إطار "المبادرة المصرية، وجملة التسهيلات التي تقدّمها مصر، وربما بضغط أمريكي أيضاً، كل هذا أثّر على الحكومة الإسرائيلية في سبيل أن يسود الهدوء في المنطقة".
وأضاف، في حديثه لـ"الأناضول"، أن الصحف الإسرائيلية سبق أن تحدثت عن "جملة تسهيلات ستقدّمها إسرائيل بموافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، الذي لم يبد أي اعتراض على هذه الخطوة".
وكانت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، قد قالت الأحد، إن الحكومة الإسرائيلية تتجه "للموافقة على المزيد من التسهيلات الاقتصادية لقطاع غزة والضفة الغربية، ودعم الخطة المصرية التي تقضي بتوسيع معبر رفح".
وفي 20 أكتوبر/تشرين الأول، قررت إسرائيل، منح 3 آلاف تاجر، في غزة، تصاريح للمرور من خلال معبر بيت حانون (إيرز).
ويعتقد إبراهيم أن هذه التسهيلات تأتي ضمن "خطة لتبريد المنطقة وتهدئتها، من خلال زيادة عدد تصاريح العمال".
ويرجح إبراهيم أن إسرائيل تربط "زيادة عدد التصاريح باستمرار الاستقرار بغزة".
تحسين الأوضاع
قال المحلل السياسي إن ارتفاع عدد التصاريح المقدّمة لعمّال غزة من 7 آلاف إلى 20 ألف، من شأنه أن يؤثر إيجابياً على الأوضاع التي يعيشها هؤلاء العمّال في ظل ارتفاع نسبة البطالة.
وتابع: "هذا له دور في تسهيل حياة الناس الاقتصادية، في ظل غياب أي استثمار داخل القطاع، بسبب القيود التي تفرضها إسرائيل عليه".
ورغم الحديث عن زيادة أعداد التصاريح، إلا أن قطاع غزة بحاجة إلى "إعمار، ووجود مصانع، ومشاريع اقتصادية، من أجل إحداث تحسن حقيقي في حياة مواطنيه"، بحسب إبراهيم.
وبحسب تقرير أصدره الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي)، في أغسطس/آب الماضي، فإن عدد العاطلين عن العمل في قطاع غزة وصل 212 ألفاً، بنسبة بطالة بلغت 45%.
بارقة أمل
قال الفلسطيني عبد الرحمن محمد (40 عاماً)، وهو سائق سيارة أجرة، إن حصوله على تصريح للعمل سواء في إسرائيل أو الضفة الغربية، يشكل بارقة أمل لمستقبل وحياة اقتصادية أفضل.
وتابع، في حديثه لـ"الأناضول"، أنه يستكمل إجراءات حصوله على الأوراق الرسمية، لاستكمال طلب التسجيل الالكتروني.
وأضاف محمد، وهو والد لـ5 أطفال، إنه بـ"الكاد يستطيع توفير احتياجات عائلته الأساسية في ظل عمله، وتدهور الأوضاع الاقتصادية في غزة".
واستكمل قائلاً: "أعمل أكثر من 13 ساعة يومياً، على سيارة الأجرة، لأحصِّل حوالي 30 شيكلاً إسرائيلياً، بواقع أقل من دولار في الساعة الواحدة".