إذا حدث واتفق كثير من الإسرائيليين والفلسطينيين على شيء، فهو أن شعبية حماس في القدس تزداد بشكل لافت في الفترة الأخيرة، حسب وصف صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية اليمينية.
فحركة المقاومة الإسلامية حماس التي تحكم قطاع غزة تحظى بدعم كبير بين السكان الفلسطينيين في القدس، رغم القمع الإسرائيلي لكوادرها في القدس إضافة إلى قمع السلطة الفلسطينية لها في الضفة الغربية.
ورغم مطاردة الاحتلال والسلطة الفلسطينية لكوادر حماس في القدس والضفة الغربية، إلا أن الحركة تؤكد أنها تضع القدس في مقدمة اهتماماتها وهو ما ظهر في تنفيذ المواطن المقدسي فادي أبو شخيدم الذي يتبع الجناح السياسي لحماس الأحد 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، عملية إطلاق نار باتجاه 4 إسرائيليين، اثنين من المستوطنين وجنديين، ليردي أحدهما قتيلاً، ويصيب الباقين، عند باب السلسلة أحد أبواب مدينة القدس المحتلة، وكان أبو شخيدم متنكراً بزي اليهود المتشددين الحريديم، وهو ينفذ العملية، قبل أن يطلق عليه النار من قِبَل قوات الاحتلال.
وأعلنت حماس تبنيها للعملية، وقالت الحركة في بيان نُشر على موقعها الإلكتروني إن "فادي أبو شخيدم أمضى في القدس حياته بين دعوة وجهاد، وتشهد له أرجاء المدينة وجنبات المسجد الأقصى، وها هو يرتقي اليوم بعد معركة بطولية، وأوقع فيهم قتلى وجرحى".
ويبدو أن شعبية حماس في القدس وأيضاً الضفة قد ارتفعت أثناء وبعد حرب غزة التي وقعت في مايو/أيار الماضي ودامت 11 يوماً مع إسرائيل، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية.
فالحرب التي اندلعت على خلفية النزاع الدائر حول طرد العائلات العربية من منازلها في حي الشيخ جراح والانتهاكات الإسرائيلية في المدينة، وتحديداً المسجد الأقصى، جعلت حماس في أعين المقدسيين والفلسطينيين عامة بمثابة "حامية" القدس وسكانها ومواقعها المقدسة الإسلامية والمسيحية.
شعبية حماس في القدس وصلت للهتاف باسمها في المظاهرات
ويُنظر إلى حماس على أنها بادرت بالحرب التي أطلقت عليها اسم "سيف القدس" لوقف عمليات إخلاء الشيخ جراح وإجبار إسرائيل على إلغاء استفزازاتها في البلدة القديمة بالقدس وفي الحرم القدسي، وكان من بين هذه الممارسات مسيرة الأعلام التي نظمها المتطرفون اليهود والتي استفزت المقدسيين، وكل الفلسطينيين.
وعشية حرب غزة، اضطرت شرطة الاحتلال الإسرائيلي إلى إلغاء مسيرة الأعلام في القدس المحتلة يوم 10 مايو/أيار 2021، بعد إطلاق المقاومة الفلسطينية صواريخ باتجاه القدس أثناء تنفيذ المسيرة، تنفيذاً لتوعدها في حال لم يتراجع الاحتلال سماحه بتنظيم المسيرة، وهو ما أدى إلى هروب المستوطنين المشاركين فيها بعد إطلاق صفارات الإنذار عقب استهداف صواريخ حماس للقدس.
وبعد نهاية الحرب التي اندلعت إثر هذا الهجوم الصاروخي، اضطرت إسرائيل مجدداً إلى إلغاء المسيرة في 7 يونيو/حزيران 2021، بعد تهديدات قوية أطلقتها "حماس"، حذَّرت فيها "الاحتلال، والوسطاء، وكل العالم" من اقتراب مسيرة الأعلام من المسجد الأقصى.
وخلال حرب غزة وبعدها، كان آلاف المسلمين يتظاهرون عقب صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، مرددين هتافات مؤيدة لحركة حماس وجناحها "العسكري" عز الدين القسام، كما حيوا محمد ضيف قائد القسام تحديداً.
وطالب المتظاهرون، وكثير منهم من سكان القدس الشرقية، حماس بإطلاق الصواريخ على إسرائيل ومواصلة "الكفاح المسلح حتى تحرير القدس وكامل فلسطين".
السلطة غاضبة من اتصالات حماس بالمقدسيين
مع تزايد شعبية حماس في القدس وفتح قادة الحركة، قنوات مباشرة مع العديد من سكان القدس الشرقية، الأمر الذي أثار استياء السلطة الفلسطينية، حسب الصحيفة الإسرائيلية.
وكان زعيم حركة حماس إسماعيل هنية على اتصال مباشر مع عائلات الشيخ جراح المهددة بالتهجير. واتصل هاتفياً أيضاً بعدد من سكان القدس الشرقية، ومنهم سيدة احتجت على ما تزعم إسرائيل أنه أعمال ترميم بالقرب من قبر ابنها بجوار باب الأسباط.
ومثل العديد من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، يشكل أغلب سكان القدس الشرقية المسلمين جزءاً من مجتمع محافظ متدين يدعم أي جماعة مرتبطة بالإسلام. وعلى النقيض، فالسلطة الفلسطينية مكروهة من عديد من الفلسطينيين لأنها تعتبر نظاماً علمانياً فاسداً يخالف التعاليم الإسلامية، حسب وصف الصحيفة الإسرائيلية.
وكان النضال الخاص بعائلات الشيخ جراح ضد الإخلاء وانتهاكات المتطرفين اليهود المستمرة للحرم القدسي جوهر حملة فلسطينية اتهمت إسرائيل بممارسة "تطهيراً عرقياً" واستهداف الأماكن الإسلامية والمسيحية المقدسة في القدس.
وتؤدي هذه الاستفزازات الإسرائيلية إلى تجمع الفلسطينيين حول حماس وليس السلطة الفلسطينية، وفقاً لتقرير The Jerusalem Post.
وبينما تزعم الصحيفة الإسرائيلية أن سياسات السلطة الفلسطينية وتؤدي إلى تزايد شعبية حماس في القدس وأن فتح تدفع العديد من الفلسطينيين، ومنهم سكان القدس الشرقية، إلى ذراعي خصمها حماس، فالواقع أن ممارسات إسرائيل وضعف السلطة هي التي تجعل المقدسيين ينظرون صوب حماس.
عمليات قمع واسعة من السلطة لأنصار حماس في الضفة
وفي الوقت ذاته، السلطة الفلسطينية نفسها هي التي تقمع أعضاء وأنصار حماس الذين يعيشون تحت حكمها في الضفة الغربية.
وتزعم الصحيفة الإسرائيلية أن قمع السلطة الفلسطينية لكوادر حماس في الضفة أشد من قمع إسرائيل لكوادر الحركة في القدس المحتلة، إذ تقول: "من المفارقات أن فادي أبو شخيدم، الذي نفذ عملية إطلاق النار في البلدة القديمة بالقدس، كان يتمتع بحرية أكبر في الحركة والحديث لأنه، باعتباره من سكان القدس الشرقية، كان يحمل بطاقة هوية إسرائيلية تمنحه نفس حقوق المواطن الإسرائيلي، باستثناء التصويت في الانتخابات العامة".
وغالباً ما يجد المنتسبون لحماس مثل أبو شخيدم ممن يعيشون تحت حكم السلطة الفلسطينية أنفسهم في السجون الفلسطينية أو دون وظائف، حسبما ورد في تقرير الصحيفة الإسرائيلية اليمينية.
توقيف رجل لأنه تلقى العزاء من هنية
وكانت قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية قد اعتقلت رجلاً فلسطينياً من جنين تلقى اتصالاً هاتفياً من هنية ليقدم تعازيه في وفاة ابن أخيه (الذي قتل برصاص الجيش الإسرائيلي).
وأقالت السلطة الفلسطينية خطيبَي مسجد عبَّرا مؤخراً عن دعمهما لحماس.
والأسبوع الماضي، اعتقل جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية مُعلماً من بيت لحم قال لطلابه إنه يحترم حماس.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، اعتقلت قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية أكثر من 35 عضواً من أعضاء حماس في الضفة الغربية. ولكن لا يُسمح للسلطة الفلسطينية باعتقال أو حتى استجواب أي شخص يحمل بطاقة هوية أو جنسية إسرائيلية.
.. وإسرائيل تعتقل عدداً كبيراً من كوادرها
ولكن إسرائيل بدورها تحاول قمع حماس، فبعد العملية الأخيرة، أعلن الجيش الإسرائيلي عن اعتقال أكثر من 50 عنصراً من حركة حماس، وزعم ضبط أحزمة ناسفة ومتفجرات كانت ستستخدم لتنفيذ عمليات تفجيرية داخل إسرائيل، وذلك في إطار إحباط شبكة تابعة لحماس كانت تعمل في الضفة الغربية.
وادعى بيان للجيش الإسرائيلي أن العملية استهدفت "بنى تحتية للمقاومة" في مناطق الضفة الغربية كانت ستستخدم في الضفة والقدس.
وتبدو إسرائيل قلقة من تنامي قوة حماس بالضفة مقابل ضعف السلطة.. وخبراؤها يحذرون من "انتفاضة جديدة"
حول ذلك، يقول عاموس هرئيل الصحفي بـ"هآرتس" الإسرائيلية إن تل أبيب قلقة من مُستوى تعقيد شبكة حماس في الضفة الغربية، مُقابل ضعف السلطة الفلسطينية، مضيفاً قدرة حماس على إنشاء خلايا محلية فرعية في الضفة، تمهيداً لسلسلة هجمات، كانت ستجعل من الصعب على السلطة الفلسطينية السيطرة على مدن الضفة مما سيجعل العلاقات بينها وبين إسرائيل أكثر صعوبة.
وأردف الصحفي الإسرائيلي أن استعداد النشطاء للقتال وكذلك الأسلحة التي بحوزتهم، تشير إلى أنه لولا موجة الاعتقالات، لكانت حماس ستشن سلسلة من هجمات إطلاق النار على "المدنيين الإسرائيليين وجنود الجيش" على طرق الضفة الغربية، مما سيزيد من توتر وخطورة الوضع الأمني في الأراضي الفلسطينية.
في السياق ذاته، حذر مسؤول أمني سابق في إسرائيل من اندلاع انتفاضة جديدة بسبب القدس، حسبما ذكرت صحيفة معاريف العبرية يوم الإثنين، حيث اعتبر العميد نيتسان نوريئيل، الرئيس السابق لهيئة مكافحة الإرهاب، أن شروط الانتفاضة الجديدة في الأراضي الفلسطينية قد نضجت، والتي تشير إليها أحداث العنف في القدس في الأيام الأخيرة، بما في ذلك هجوم إطلاق النار الذي قتل الجندي آدم كاي، ومخاوف من فقدان السيطرة على الوضع الأمني في القدس والمستوطنات في الضفة الغربية في ظل ضعف السلطة الفلسطينية.