لماذا تطور الصين ترسانتها النووية بطريقة غير مسبوقة؟ الردع ليس الدافع الوحيد

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/11/23 الساعة 09:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/23 الساعة 09:31 بتوقيت غرينتش
الصين تتوسع بترسانتها من الصواريخ النووية بهدف موازاة أمريكا وروسيا/ Xinhua

تمتلك الصين حالياً ترسانة نووية يمكنها تدمير الولايات المتحدة، لكن بكين تواصل بناء وتحسين قدرتها في هذا المجال بصورة غير مسبوقة، فهل الدافع هو الردع أم القيام بالضربة الأولى؟

وكانت الأسابيع الأخيرة قد شهدت تفجُّراً للقلق في الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي الصيني، إذ حذَّر تقرير لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، صدر مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، من أنَّ الصين "تُسرِّع عملية التوسُّع كبيرة النطاق لقواتها النووية" وتبني ترسانة نووية متنوعة أكبر وأكثر تطوراً. وجاء التقرير عقب أنباء أفادت بأنَّ الصين اختبرت سلاحاً فضائياً فرط صوتي قادراً على حمل رؤوس نووية الصيف الماضي.

مجلة Foreign Affairs الأمريكية تناولت قصة تطور الترسانة النووية الصينية وما تعنيه بالنسبة للصراعات في جنوب وشرق آسيا من جهة، وبالنسبة لواشنطن نفسها من جهة أخرى، مع التركيز على الدوافع المحتملة لبكين.

تحركات الصين النووية ليست مفاجأة

بشكل عام، لا يمثل توجُّه الصين نحو توسيع وتحسين ترسانتها النووية مفاجأة، في ضوء المبادئ طويلة الأمد للاستراتيجية النووية الصينية وطموحات الرئيس شي جين بينغ لبناء "جيش عالميّ الطراز" بحلول منتصف القرن. لكن تلك التطورات تثير قلق الولايات المتحدة وحلفائها بطبيعة الحال.

تتمثَّل المدعاة الحقيقية للقلق في أنَّ توسيع وتحسين الترسانة النووية لبكين يضع الولايات المتحدة والصين في حالة جمود نووي أعمق يكون فيها كل طرف عُرضة لخطر القوات النووية للطرف الآخر بغض النظر عمَّن يضرب أولاً. وقد يبدو ذلك متناقضاً، لكن هذا الجمود النووي قد يؤدي إلى إقدام القادة الصينيين على المزيد من المخاطرة، وليس العكس، فقد يصلون إلى رؤية مفادها أنَّ الهجمات التقليدية أو هجمات المنطقة الرمادية دون العسكرية خيار "أكثر أماناً" يؤدي إلى تضاؤل مخاطر التصعيد النووي. وقد يعني ذلك زيادة احتمالية نشوب الحرب.

وبدأت قصة الصين مع الترسانة النووية منذ عام 1964، لكنَّ ترسانتها النووية ظلَّت صغيرة وعُرضة للتدمير طوال عقود. وحتى في الثمانينيات، كان لدى الصين رؤوس حربية أقل بكثير مما لدى فرنسا أو المملكة المتحدة، وبالكاد كان بإمكان صواريخ بكين الوصول إلى موسكو أو واشنطن. وكانت قوة الصين النووية متمركزة إلى حد كبير في صوامع تحت الأرض ذات مواقع ثابتة ومعروفة، وكانت أسلحتها تتطلَّب تحضيرات طويلة وقابلة للكشف قبل إطلاقها، وكل ذلك أدَّى إلى تقويض قدرتها على النجاة في حالة نشوب أزمة أو حرب.

لكنَّ الصين قامت على مدار العقود القليلة الماضية باستثمارات كبيرة لتطوير قواتها النووية، ومع أنَّ ترسانتها تظل أصغر وأقل تطوراً بكثير من ترسانتي الولايات المتحدة أو روسيا، يُقدِّر البنتاغون الآن أنَّ الصين قد تملك بحلول عام 2027 ما يصل إلى 700 رأس نووي يمكن إيصالها إلى أهدافها، ومن المرجح أنَّها تسعى لامتلاك 1000 رأس نووي على الأقل بحلول عام 2030.

رئيس الصين
رئيس الصين شي جين بينغ – رويترز

ووفقاً للبنتاغون، تُصنِّع الصين أيضاً أنظمة متطورة على نحو متزايد لإيصال هذه الرؤوس النووية، بما في ذلك المركبات الانزلاقية الفرط صوتية القادرة على حمل رؤوس نووية، إلى جانب ما يُسمَّى "نظام القصف المداري الجزئي"، الذي يبدو أنَّ الصين اختبرته هذا الصيف.

ويسمح نظام القصف المداري الجزئي، الذي كان أول من طوَّره الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة، للسلاح النووي بسلوك مسار أقل قابلية للتنبؤ به، وبالتالي يصبح اعتراض منظومات الدفاع الصاروخي الأمريكية له أصعب.

ومن بين القدرات الأخرى التي تسعى بكين للحصول عليها "ثالوث نووي" ما يزال ناشئاً، والذي من شأنه أن يمنح البلاد الأدوات لإطلاق الأسلحة النووية من البر والبحر والجو، وهو الأمر الذي تملك الولايات المتحدة وروسيا القدرة على فعله منذ عقود. ويتضمَّن هيكل القوة الصينية الناشئة صواريخ باليستية متنقلة عابرة للقارات قادرة على حمل عدة رؤوس نووية، وصواريخ باليستية متنقلة متوسطة المدى يمكنها شن ضربات نووية وتقليدية بدقة، وأول قاذفة صينية لإعادة التزود بالوقود في الجو وقادرة على حمل أسلحة نووية.

ويُقدِّر البنتاغون أيضاً أنَّ الصين تُطوِّر قاذفة شبحية جديدة ذات مهمة نووية، وأنَّها تبني الآن ثلاثة حقول صوامع حديثة على الأقل للصواريخ الباليستية العابرة للقارات يمكنها إيواء المئات من صوامع الصواريخ في المجمل.

بالإضافة إلى ذلك، يُحذِّر البنتاغون من أنَّ بكين على الأرجح تنوي زيادة "جهوزية قواتها النووية في وقت السلم بالانتقال إلى وضع (الإطلاق عند الإنذار)". ويعني هذا أنَّ الصين قد تكون على استعداد لإطلاق أسلحتها النووية على الفور رداً على إنذار بهجوم قادم قبل وصول الأسلحة النووية للعدو إلى الأراضي الصينية، وهي سياسة قد تهدد بوقوع سوء تقدير خطير إذا ما كانت معلومات الإنذار المبكر خاطئة.

من يطلق الضربة النووية الأولى؟

يخشى بعض المراقبين الأمريكيين والحلفاء أن تلغي الصين سياسة "عدم الاستخدام الأول"، التي تتعهَّد الصين بموجبها بألا تستخدم أبداً الأسلحة النووية أولاً في أي صراع. واشتدت هذه المخاوف في سبتمبر/أيلول الماضي حين دعا الدبلوماسي الصيني الكبير السابق شا زوكانغ إلى تخلي الصين عن هذا التعهُّد.

لكنَّ المخاوف من أنَّ قادة الصين قد يفكرون في ضربة نووية أولى مبالغ فيها. وليس هذا بسبب سياسة عدم الاستخدام الأول الصينية، بل بسبب أنَّه بغض النظر عن عدد الصوامع أو المطارات التي تأمل بكين تدميرها، يعلم المخططون الاستراتيجيون الصينيون أنَّ بلدهم سيظل على أقل تقدير عُرضة لخطر غواصات الصواريخ الباليستية الـ14 من فئة "أوهايو" (Ohio) لدى البحرية الأمريكية، والتي يحمل كلٌ منها ما يصل إلى 20 صاروخاً باليستياً.

علاوة على ذلك، تؤكد بكين باستمرار منذ اختبرت الصين أول أسلحتها النووية عام 1964 أنَّ الهدف الأساسي لترسانتها النووية هو تجنُّب التعرُّض للإكراه من جانب خصم مُسلَّح نووياً.

ولا يمثل التحديث النووي الصيني اليوم بالضرورة خروجاً كبيراً عن هذا التفكير، بل الأرجح أنَّ الصين تريد التأكد من أنَّ الولايات المتحدة ليس بإمكانها تدمير كامل القوة النووية للبلاد خلال ما تُسمَّى بضربة نووية أولى هائلة. وعلى ما يبدو أنَّ المخططين الاستراتيجيين الصينيين يشعرون بالقلق من أنَّ قدرات القوة الأمريكية المضادة الضخمة، سواء النووية أو التقليدية، يمكنها تدارك الردع النووي الصيني، لاسيما إذا ما اقترن مع الدفاعات الصاروخية الأمريكية التي يخشون من أنَّها قد "تتخلص من" الصواريخ الصينية المتبقية التي تُطلَق بدافع الانتقام.

تُعتَبَر الصوامع الصينية في نهاية المطاف عُرضة جداً لهجوم أمريكي، لكنَّها بالفعل تُوسِّع عدد الأهداف التي سيتعين على الولايات المتحدة ضربها من أجل شن ضربة أولى تشل قدرة الثأر النووي الصينية تماماً. ومن المرجح أن تجبر مواقع الصوامع الجديدة وبناؤها المُقوَّى الولايات المتحدة على استخدام أسلحة نووية لمهاجمتها. وخلاصة الأمر أنَّ إضافة المزيد من صوامع الصواريخ الباليستية العابرة للقارات ترفع التحدي أمام الولايات المتحدة لمحاولة شن ضربة مضادة ناجحة.

تتماشى القدرات التي ظهرت في الاختبار المداري الفرط صوتي في يوليو/تموز الماضي مع هذا المنطق، وتكشف أنَّ الصين لديها القدرة على ضرب الولايات المتحدة بأسلحة نووية أو تقليدية من مسار غير مُتوقَّع وبطريقة ربما تُقلِّص المدى الزمني للإنذار المبكر الأمريكي.

ويمكن لهذا النظام الجديد أن يساعد الصين على أن تضمن أنَّه حتى لو هاجمت الولايات المتحدة بضربة نووية أولى، ستظل بعض القوات الصينية المتبقية قادرة على مهاجمة الولايات المتحدة، لأنَّ الدفاعات الصاروخية على الأرجح لن تكون قادرة على حماية البر الأمريكي من هذا النظام. ووجهة النظر هنا هي أنَّ الولايات المتحدة سترتدع عن محاولة إكراه الصين بالتهديدات النووية، لأنَّه سيكون من المستحيل أن تحمي الولايات المتحدة برها في حال تصاعدت هذه التهديدات إلى حرب نووية.

هل تسعى الصين لحماية نفسها فقط؟

قد يُنظَر، في حال تجاهل باقي العوامل الأخرى، إلى جهود الصين لتحسين قدرة قواتها النووية على النجاة باعتباره عاملاً لفرض الاستقرار، وهذا في النهاية هو منطق الردع النووي. لكن في سياق جهود التحديث العسكري الأوسع نطاقاً للصين، يكون لتطوير القدرات النووية الصينية تأثيرات كبيرة على قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على الردع العسكري التقليدي في آسيا.

إذ تسعى الصين لبناء قوة تقليدية قادرة على تأسيس تفوق عسكري مؤقت على الولايات المتحدة في منطقة جغرافية معينة وعلى مدى فترة زمنية كافية لتحقيق أهدافها العسكرية والسياسية. تريد الصين بناء القدرة اللازمة لشن حرب تقليدية ناجحة قصيرة وقوية. ومن شأن حملة كهذه تحقيق الأهداف بسرعة، وهو ما سيفرض أمراً واقعاً يجبر الجيش الأمريكي حينئذ على طرد القوات الصينية من المنطقة التي استولت عليها من خلال معركة باهظة التكلفة.

ومنذ سنوات، تتضاءل الميزات العسكرية التقليدية الأمريكية بسبب تحسُّن مدى وقدرات القوات الصينية، لكنَّ المخططين الاستراتيجيين كان عليهم القلق من أنَّ الولايات المتحدة قد تستمر في اللجوء إلى التهديدات النووية لحماية مصالحها في أوقات الخطر المحدق.

ويبدو أنَّ التحسينات النووية الصينية تهدف لتقليص أوجه القصور هذه. فبتقليص نقاط الضعف وزيادة أعداد الترسانة النووية قد تزداد ثقة المخططين الاستراتيجيين الصينيين في قدرة الجيش الصيني على تحدي الولايات المتحدة أو حلفائها على الصعيد التقليدي وتتضاءل خشيتهم من إمكانية لجوء الولايات المتحدة للتصعيد النووي.

أفراد من مشاة البحرية في تايوان يستعدون لإجراء تدريبات برمائية على شواطئ الجزيرة، أرشيفية/ رويترز

ومن شأن وجود بيئة أكثر مواتاة للعدوان العسكري التقليدي من جانب الصين أن يُخلِّف تداعيات عميقة على حلفاء وشركاء الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادي. ومع أنَّ تايوان ستكون أكثر المتأثرين بهذه الدينامية، فإنَّ هذا التزايد في النزعة المُغامِرة لدى الصين سيكون مثار قلق عميق أيضاً بالنسبة لليابان والعديد من البلدان في جنوب شرق آسيا ممَّن تُنازِع ادعاءات الصين بالسيادة على معظم بحر الصين الجنوبي.

وفي حال تُرِكَت هذه الديناميات دون معالجة، فإنَّها قد تؤدي إلى خشية حلفاء وشركاء الولايات المتحدة من إمكانية نجاح الصين في الاستيلاء على الجزر المُتنازَع عليها أو على تايوان نفسها وردع الولايات المتحدة عن الرد على ذلك بفاعلية. ومع أنَّ بكين ستُفضِّل بكل تأكيد أن تتفاعل هذه البلدان مع هذه التطورات من خلال استيعاب مصالح بكين والنأي بنفسها عن الولايات المتحدة، قام معظم حلفاء وشركاء الولايات المتحدة بالعكس، إذ عمَّقت أستراليا واليابان وتايوان والعديد من البلدان في مختلف أنحاء جنوب شرق آسيا علاقاتها مع الولايات المتحدة على مدار السنوات العديدة الماضية.

وزاد العديد من حلفاء وشركاء الولايات المتحدة أيضاً بشكل كبير الاستثمارات في قدراتهم العسكرية التقليدية كي يُظهِروا لواشنطن أنَّهم يقومون بإسهامات جادة للدفاع عن أنفسهم، وكذلك للتحوط من احتمالية تخلي الولايات المتحدة عنهم. فزادت أستراليا ميزانيتها الدفاعية لعام 2021 بأكثر من 6% العام الماضي لتصل إلى قرابة 33 مليار دولار، وذلك بعد عام واحد فقط من إشارة تقرير "التحديث الدفاعي الاستراتيجي" الأسترالي إلى أنَّ "وحدها القدرات النووية والتقليدية الأمريكية للولايات المتحدة يمكن أن توفر ردعاً فعالاً في مواجهة احتمالية ظهور تهديدات نووية ضد أستراليا". لكنَّ نفس هذه الوثيقة دعت أيضاً "قوة الدفاع الأسترالي" إلى "زيادة قدرتها للاعتماد على الذات لتوفير التأثيرات الردعية".

وبالمثل، طلبت حكومة اليابان ميزانية دفاع قياسية بقيمة 50 مليار دولار، وقدَّرت آخر أوراقها الدفاعية البيضاء أنَّ "حالة عدم اليقين بشأن النظام القائم في ازدياد". وأشارت إلى أنَّ "القوى العسكرية ذات الجودة والحجم الكبيرين تتركز في محيط اليابان"، وأنَّ "الصين تواصل وتُعزِّز محاولاتها الأحادية لتغيير الوضع الراهن قرب جزر سينكاكو (التي تطالب بها الصين) بالإكراه"، وهي مجموعة من الجزر غير المأهولة في بحر الصين الشرقي تُعرَف في الصين باسم "جزر دياويو". ويعكس هذا مخاوف عميقة في طوكيو بشأن احتمال وقوع عدوان صيني، ويُمثِّل تحولاً كبيراً بالنسبة لبلد ذي دستور سلمي ظل طوال عقود مرتاحاً للاعتماد على التزامات الردع التي توفرها الولايات المتحدة.

وأعلنت تايوان خططاً لزيادة ميزانيتها الدفاعية إلى قرابة 26 مليار دولار في عام 2022، في زيادة ملحوظة عن 10.7 مليار دولار في عام 2018، وصرَّح وزير دفاعها بأنَّه "في مواجهة التهديدات البالغة من العدو، باشر جيش البلاد بفاعلية في أعمال البناء والتجهيز العسكري، ومن المُلِح الحصول على أسلحة ومعدات الإنتاج الواسع المدروس والسريع خلال فترة زمنية قصيرة".

الأمر الأكثر إثارة للقلق من منظور الانتشار النووي المحتمل هو أنَّ النقاشات بشأن الحصول على السلاح النووي الخاص باتت أكثر اعتياداً في أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان. ومن المرجح أن يؤدي أي جمود نووي أكبر بين الولايات المتحدة والصين إلى تسريع هذا الاهتمام الوليد بالقدرات النووية الذاتية في حال وصل الحلفاء إلى اعتقاد بأنَّ المظلة الأمنية الأمريكية تصبح أقل موثوقية، ليس فقط في مواجهة التهديدات النووية بل والتقليدية كذلك.

ماذا يمكن للولايات المتحدة أن تفعله إذن؟

بالنظر إلى النمو الكبير في القدرات النووية العسكرية والتقليدية الصينية، جنباً إلى جنب مع تعمُّق المخاوف المحيطة بموثوقية التزامات الردع الأمريكية المُقدَّمة بين الحلفاء والشركاء في منطقة المحيطين الهندي والهادي، يجب أن تفكر الولايات المتحدة في مبادرات جديدة لتعزيز الردع، بحسب فورين أفيرز.

ويتضمَّن هذا إدخال تحسينات كبيرة على تموضع القوة الأمريكية في أرجاء منطقة المحيطين الهندي والهادي وضخ استثمارات أكبر في القدرات التقليدية من شأنها أن تدعم قدرة الولايات المتحدة على منع فرض الأمر الواقع الصيني. ويجب أن تتخذ أيضاً خطوات لتحسين التصورات المتعلقة بالحزم والالتزام الأمريكيين في المنطقة في أذهان الحلفاء والشركاء والخصوم على حد سواء.

وتعني الزيادة المحتملة في نزعة المغامرة التقليدية لدى الصين أنَّ الولايات المتحدة يجب أن تُركِّز استثماراتها على القدرات التي من شأنها أن تمنع الجهود الصينية لتأسيس تفوق عسكري مؤقت على الجزر التي يطالب بها أيضاً حلفاء وشركاء الولايات المتحدة، ومنع الصين من فرض الأمر الواقع. وستؤدي احتمالية التوسع العسكري الصيني أيضاً إلى إجبار المخططين الاستراتيجيين الأمريكيين على اتخاذ خيارات صعبة بشأن قبول درجات أعلى من المخاطرة في مناطق أخرى من العالم، لاسيما في ظل عدم توقع حدوث زيادات كبيرة في الإنفاق الدفاعي الأمريكي.

حاملة الطائرات الأمريكية رونالد ريغان/رويترز

ويجب على واشنطن أيضاً الإقرار بأنَّ الآليات الحالية لطمأنة حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة بوقوعهم ضمن دائرة التزامات الردع تتعرض الآن لضغوط متزايدة. ومن ثم، يجب على الولايات المتحدة التفكير في إدخال تغييرات جذرية على الطريقة التي تطمئن بها حلفاءها في منطقة المحيطين الهندي والهادي.

وفي حين اقترح البعض ببساطة نسخ نموذج "حلف شمال الأطلسي" (الناتو)، تحتاج واشنطن وحلفاؤها إلى آلية تعكس الديناميات الأمنية والسياسية والتاريخية الخاصة بالمنطقة. وبوضع هذا في الاعتبار، يجب أن تؤسس الولايات المتحدة "حواراً للردع" على المستوى الأمني في منطقة المحيطين الهندي والهادي مع كل من أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية ليناقش الاتجاهات الأمنية الإقليمية ويستكشف خيارات تعزيز الردع.   

ومن المنطقي أيضاً بالنسبة للولايات المتحدة أن تقوم بالانخراط دبلوماسياً مع الجيش الصيني بشأن القضايا النووية، لكن يجب أن تفعل ذلك بسقف توقعات منخفض. وتسعى الولايات المتحدة لعقد نقاشات مباشرة مع جيش التحرير الشعبي الصيني منذ إدارة جورج بوش الابن، لكن لم تكن هناك لقاءات مباشرة بخصوص القضايا النووية بين الجيشين الأمريكي والصيني، باستثناء مناقشة واحدة جرت في أبريل/نيسان 2008.

ورفضت بكين مراراً مبادرات واشنطن في الماضي لمناقشة هذه القضايا أو التفكير في مشاركة الصين في مفاوضات ضبط التسلح متعددة الأطراف. ويبدو أنَّ قمة بايدن – شي الأخيرة لم تغيِّر هذا الاتجاه، على الرغم من تعبير الولايات المتحدة المستمر عن اهتمامها بهذا الأمر.

تحميل المزيد