وقّع الأردن وإسرائيل في دبي، أمس الإثنين، إعلان نوايا للتعاون في إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وتحلية المياه، يتضمن إنشاء مزرعة ضخمة للطاقة الشمسية في الأردن تخصص لتوليد الطاقة لصالح إسرائيل مقابل تقديم الأخيرة المياه المحلاة لعمّان.
وتنص الاتفاقية على أن يعمل الأردن على توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية لصالح إسرائيل، التي ستعمل على تحلية المياه لصالح الأردن الذي يعاني من الجفاف، وستشارك الإمارات في تمويل التعاون بين إسرائيل والأردن برعاية أمريكية.
وقّع الإعلان كل من وزيرة التغير المناخي والبيئة الإماراتية مريم بنت محمد سعيد حارب المهيري، ووزير المياه والري الأردني محمد النجار، ووزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الحرار، وذلك في جناح الإمارات في معرض إكسبو 2020 دبي، بحضور وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة المبعوث الخاص لدولة الإمارات للتغير المناخي سلطان بن أحمد الجابر، والمبعوث الرئاسي الأمريكي الخاص لشؤون المناخ جون كيري.
والمزرعة الشمسية ستُبنى من قبل شركة مصدر، وهي شركة طاقة متجددة مملوكة لحكومة الإمارات، حسبما ذكر تقرير لموقع Axios الأمريكي نُشر قبل توقيع إعلان النوايا.
وكجزء من الاتفاقية، سيصدر الأردن حوالي 600 ميغاواط من الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية، بينما ستقيّم إسرائيل تصدير ما يصل إلى 200 مليون متر مكعب من المياه المحلاة إلى الأردن.
وتقترح الخطط، تشغيل المنشأة في الأردن بحلول عام 2026 وتوليد 2% من كهرباء إسرائيل بحلول عام 2030، مع دفع تل أبيب 180 مليون دولار سنوياً – على أن يتم تقسيمها بين الأردن وشركة مصدر.
وبحسب البيان المشترك، ستتوفر المزيد من التفاصيل والخطط الملموسة لتنفيذ المشاريع بحلول عام 2022.
والقوة الدافعة وراء هذا المشروع، جاءت من مؤسسة EcoPeace Middle East – وهي منظمة بيئية إقليمية لها مكاتب في تل أبيب وعمّان ورام الله.
ويثير هذا المشروع تساؤلات حول لماذا لا تكتفي كل دولة بالاعتماد على الذات في تحلية المياه وتوليد الطاقة الشمسية، بدلاً من هذا التبادل المشار إليه.
أكبر مشروع بين إسرائيل ودولة عربية ولكن الأردن يقول إنه اتفاق غير ملزم
وأعلن الأردن، أمس الإثنين، أن اتفاق الطاقة مع إسرائيل والإمارات مرهون بحصوله على 200 مليون متر مكعب من المياه سنوياً لتخفيف أزمة نقص المياه في المملكة.
وقال عمر سلامة المتحدث باسم وزارة المياه والري إن مذكرة التفاهم التي وقعت في دبي ليست ملزمة "قانونياً أو فنياً" وإن المملكة العطشى للمياه ستمضي فقط في تنفيذ اتفاق إذا جرى تأمين تلك الكميات من المياه.
ومن المقرر أن تبدأ دراسات جدوى المشروع العام المقبل، وستشارك الإمارات في تمويل التعاون وتنفيذ أجزاء من المشروع
وهذا هو أكبر مشروع تعاون إقليمي على الإطلاق بين إسرائيل ودولة عربية، حسبما ورد في تقرير لموقع the Hill الأمريكي.
المشروع إحدى نتائج اتفاقات السلام الإبراهيمي
الاتفاقية جاءت نتيجة محادثات سرية بين الحكومات الثلاث، ازدادت جديتها في سبتمبر/أيلول 2021، واختمرت إلى مسودة اتفاق في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2021، حسب موقع Axios الأمريكي.
وأشار الموقع الأمريكي إلى أن التوصل إلى الصفقة يأتي في ضوء اتفاقات أبراهام، وأن الخطوات الأخيرة تكللت بالنجاح، بعد عدة مكالمات هاتفية من جون كيري إلى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ووزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد.
وقال بيان صحفي مشترك من وزارة الطاقة الإسرائيلية والخارجية الإماراتية إن هذا التعاون أصبح ممكناً بسبب اتفاقيات أبراهام التي أبرمت في أغسطس /آب 2020 في البيت الأبيض، ووصفت الدول الثلاث المشروع بأنه "بمثابة افتتاح حقبة جديدة من التعاون بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل".
وكان الأردن يشعر بالقلق مما يعرف بصفقة القرن وما ترتب عليها من اتفاق اتفاقات أبراهام، لأنه يخشى أن يكون ذلك مقدمة لتصفية القضية الفلسطينية وحل قضية اللاجئين على حسابه عبر منع عودتهم، أو حتى توطين بعضهم لديه، وبالتالي التأثير على تركيبته السكانية الحساسة التي يمثل الفلسطينيون نحو نصفها.
كما كان يخشى أن تؤثر الصفقة والاتفاق على وضع الأماكن الإسلامية والمسيحية المقدسة في القدس، وأن تتضمن الصفقة التي نقل الرئيس الأمريكي بموجبها السفارة الأمريكية لدى إسرائيل إلى القدس مساساً بالوصاية الهاشمية على هذه المقدسات.
وشهدت الفترة الأخيرة في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو توتراً في العلاقات الإسرائيلية الأردنية وصل إلى أنه في شهر مارس/آذار الماضي، تم إلغاء زيارة، بنيامين نتنياهو، للإمارات بسبب صعوبات تنسيق الرحلة إلى أبوظبي عبر المجال الجوي الأردني.
وكان من المقرر في البداية أن يكون توقيع الاتفاقية قبل أسبوعين، خلال مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي COP26 في غلاسكو باسكتلندا.
لكن في حين أن الملك عبد الله كان مستعداً للمضي قدماً في الأمر، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت طلب تأجيل التوقيع، خوفاً من أن يجد انتقادات سياسية محلية قبل أيام من التصويت على ميزانية إسرائيل، على حد قول مسؤولين إسرائيليين.
سبق أن تعاون الأردن وإسرائيل في مشروع عملاق ولكنه لم يتم
لدى إسرائيل والأردن تاريخ طويل من التعاون في مجال المياه، حتى في ظل التوترات السياسية. منذ معاهدة السلام الإسرائيلية الأردنية عام 1994، قامت إسرائيل بتخزين بعض تخصيصات نهر الأردن للمملكة في بحيرة طبرية، وتفريغ الإمدادات حسب الحاجة.
ومنتصف الشهر الماضي، وقّع الأردن اتفاقية مع إسرائيل لشراء المملكة 50 مليون متر مكعب مياه من تل أبيب، تمثل كمية إضافية لما هو منصوص عليه في اتفاقية السلام الموقعة بين البلدين عام 1994.
ولما يقرب من 10 سنوات، كان البلدان يعملان أيضاً على مبادرة نقل مياه البحر الأحمر، والتي كان من شأنها أن تؤدي إلى إنشاء مشروع مشترك لتحلية المياه في جنوب الأردن، مع تحويل المحلول الملحي المتبقي على بعد 200 كيلومتر شمالاً لإعادة ملء البحر الميت الذي يتعرض للجفاف.
وعلى الرغم من انهيار مشروع البحر الأحمر والبحر الميت في نهاية المطاف، إلا أن منظمة إيكو بيس "السلام الاقتصادي" كانت تدافع منذ فترة طويلة عن مبادلة المياه المحلاة والطاقة الشمسية بدلاً من برنامج البحر الميت الأكبر- والأكثر تعقيداً من الناحية اللوجستية.
تفاصيل المشروع
الأردن من أكثر الدول التي تعاني نقصاً في المياه، إذ يواجه موجات جفاف شديد، ويُصنف كثاني أفقر دولة في العالم بالمياه، وفق المؤشر العالمي للمياه.
وبدأ تعاونه مع إسرائيل في هذا المجال قبل معاهدة السلام الموقعة في 1994.
في المقابل، تهدف إسرائيل إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 27% عن مستويات عام 2015 بحلول عام 2030 وتزويدها بنسبة 30% من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول العام نفسه، وفقاً لأهداف المناخ الحكومية.
تشمل الاتفاقية تنفيذ برنامجين: "الازدهار الأخضر"، الذي يتضمن بناء مرافق توليد وتخزين الطاقة الشمسية الكهروضوئية في الأردن، والبرنامج الثاني يسمى"الازدهار الأزرق"، ويتضمن إنشاء منشأة جديدة لتحلية المياه في إسرائيل، بحسب البيان الصحفي.
وتربط الاتفاقية صفقة إنتاج الكهرباء بمزيد من مشتريات المياه من الأردن. ويُذكر أن الأردن يخطط لمضاعفة كمية المياه التي يشتريها من إسرائيل، إما من محطة تحلية جديدة أو من مرافق قائمة.
وتمتلك إسرائيل بالفعل برنامجاً كبيراً لتحلية المياه، حيث توفر حوالي 80% من إمدادات مياه الشرب المحلية من مياه البحر الأبيض المتوسط.
لماذا سيولد الأردن الطاقة الشمسية لإسرائيل، ويحصل منها على المياه المحلاة؟
الأردن، الذي يتمتع بوفرة من المساحات المفتوحة وأشعة الشمس، سيساعد في دفع انتقال إسرائيل إلى الطاقة الخضراء وتحقيق الأهداف التي وضعتها تل أبيب، وستساعد إسرائيل في المقابل، التي تمتلك تقنية متقدمة لتحلية المياه، في معالجة نقص المياه في الأردن.
تستند الخطة إلى أن إسرائيل بحاجة إلى الطاقة المتجددة، لكنها تفتقر إلى الأراضي اللازمة لإنشاء محطات الطاقة الشمسية الضخمة، لكن الأردن يمتلك مثل هذه المساحات.
من جهة أخرى، فإن الأردن يحتاج إلى المياه، لكنه لا يستطيع بناء محطات تحلية للمياه إلا في الجزء الجنوبي من البلاد البعيد عن العاصمة والمراكز السكانية الكبيرة، في حين أن ساحل إسرائيل على البحر المتوسط أقرب إلى المراكز السكانية الكبيرة في الأردن.
بينما لا تزال إسرائيل تدرس التفاصيل الفنية المرتبطة بتصدير المياه المحلاة، أكد وزير المياه الأردني محمد النجار على إمكانات التي يوفرها المشروع لمساعدة قطاع المياه الأردني الجاف.
وقال النجار في بيان: "أزمة المناخ وزيادة عدد اللاجئين فاقمت النقص في المياه الذي تواجهه المملكة الأردنية، لكن هناك العديد من فرص التعاون الإقليمي التي ستساعد في تعزيز الاستقرار في هذا القطاع".
ولم تكشف الأطراف المعنية بالاتفاقية عن تكلفة المشروع الذي تم التوصل إليه برعاية الولايات المتحدة، بحسب ما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية.
تقول EcoPeace Middle East إنها دأبت منذ فترة طويلة على المطالبة بإحراز تقدم في شراء القطاع الخاص لصفقة المياه والطاقة كجزء من حل الأمن المناخي الإقليمي المسمى "الصفقة الزرقاء الخضراء لـ(الشرق الأوسط)".
قال جدعون برومبيرغ مدير EcoPeace Israel في بيان: إن تغير المناخ قد وصل إلى أزمة خطيرة في الشرق الأوسط، ويجب أن تحدث تغييرات السياسة على المستوى الإقليمي، حسب قوله.
وأضاف برومبيرغ: "بدون هذه الترتيبات الجديدة، ستكافح إسرائيل للوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالطاقة المتجددة بموجب اتفاقيات باريس للمناخ، وسيكافح الأردن لتلبية الاحتياجات المائية الأساسية لسكانه".
وقال، يانا أبو طالب المديرة الأردنية للمنظمة: "لدى الأردن للمرة الأولى شيء ذو قيمة حقيقية لبيعه لإسرائيل مما أدى إلى نفوذ سياسي جديد تشتد الحاجة إليه".