قالت صحيفة إسرائيلية إن الشيخ محمد بن زايد سيزور إيران بعد زيارته المرتقبة إلى تركيا، وتوقعت رفع العقوبات الأمريكية عن طهران بعد إعادة إحياء الاتفاق النووي، مؤكدة شعور تل أبيب بالعزلة في مواجهة طهران.
ويشهد الشرق الأوسط حالياً تغييرات كبرى في العلاقات بين دول المنطقة، فبعد أن كان التطبيع مع إسرائيل هو الحدث الأبرز في العام الماضي بينما تواجه إيران العقوبات الأمريكية من جهة وعلاقات عدائية مع دول المنطقة من جهة أخرى، تصب التحولات الأخيرة في مصلحة إيران، من وجهة النظر الإسرائيلية.
وفي هذا السياق، نشرت صحيفة The Haaretz الإسرائيلية تقريراً عنوانه "لعبة إيران للسيطرة: تعزيز العلاقات مع شركاء إسرائيل"، رصد مفاوضات عودة العلاقات بين السعودية وإيران، والزيارة التي قالت إنها مرتقبة لولي عهد أبوظبي إلى طهران، إضافة إلى قرب الجولة المقبلة من المفاوضات النووية بين أمريكا وإيران.
زيارة ولي عهد أبوظبي إلى تركيا وإيران
وبحسب هآرتس، من المقرر أن يزور ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد هذا الأسبوع تركيا ليعقد أول اجتماع له مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تحالف جديد بين البلدين بعد عداءٍ استمر لأعوام كثيرة.
وخلال الأسبوع الذي سيمضيه الشيخ محمد في تركيا، لمناقشة مشروعات بمليارات الدولارات مع أردوغان، سيتوجه شقيقه ومستشاره للأمن الوطني طحنون بن زايد إلى إيران لأول مرة لمناقشة إقامة علاقات دبلوماسية كاملة إلى جانب العلاقات الاقتصادية.
وطحنون، صاحب النفوذ في الإمارات والمعروف بحبه لفن الجيجيتسو القتالي، هو مبعوث أخيه للمهام الدبلوماسية الخاصة التي كان من بينها تمهيد الطريق لتجديد العلاقات مع تركيا، وصياغة اتفاق السلام مع إسرائيل، وتنمية علاقات بلاده مع الصين والولايات المتحدة وسوريا مؤخراً.
ويتوقع البعض، بحسب هآرتس، أن يُتبِع الحاكم الفعلي للإمارات زيارته لتركيا بزيارة لطهران ينهي بها التحالف العربي المناهض لإيران الذي شكله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. ولن تمثل تلك الزيارة مفاجأة لولي العهد السعودي، حيث عقدت السعودية بالفعل ثلاث جولات من المحادثات مع مسؤولين إيرانيين بارزين في بغداد.
كانت المحادثات السرية التي جرت بين مسؤولين سعوديين وإيرانيين قد بدأت منذ يناير/كانون الثاني، وكانت صحيفة Financial Times البريطانية أول من نشر تقريراً بشأنها في أبريل/نيسان الماضي، بينما أفاد موقع Amwad.media البريطاني لاحقاً بأنه تم عقد خمسة اجتماعات بين الجانبين، وأن بعض هذه الجلسات ضمَّت أيضاً مسؤولين من الإمارات ومصر والأردن، حول مواضيع تتراوح بين الحرب في اليمن إلى الأمن في سوريا ولبنان.
وتقوية العلاقات مع الدول الخليجية أحد أعمدة سياسة إيران الخارجية التي أعلنها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بعد انتخابه في يونيو/حزيران. وهي ليست منفصلة عن المحادثات المقرر إطلاقها في 29 نوفمبر/تشرين الثاني بخصوص إحياء الاتفاق النووي. وسيصبح من الضروري أن تعزز السعودية والإمارات وغيرهما من دول الخليج تعاونها حالما تعود إيران إلى سوق النفط، وترغب في استعادة أهم زبائنها القدامى مثل الهند وكوريا الجنوبية والصين.
العودة إلى الاتفاق النووي
وفيما يتعلق بالاتفاق النووي، يقوم رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة إلى طهران للوقوف على آخر تطورات الموقف هناك قبيل انعقاد الجولة المقبلة من مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق، الذي كانت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب قد انسحبت منه.
ورغم مرور خمسة أشهر على تعليق المفاوضات بين إيران والقوى الغربية بسبب الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وثلاثة أشهر على تولي رئيسي منصبه، يبدو أن الافتراض السائد في إسرائيل، والولايات المتحدة وأوروبا- أن إيران لن تعود إلى طاولة المفاوضات ولا ترغب في تجديد الاتفاق النووي- لم يعد قائماً على أسس قوية.
فمصلحة إيران في العودة إلى الاتفاق النووي لم تتغير. وهذا لا يعني أن المفاوضات ستتم بسرعة أو بسهولة. فهذا الأسبوع، نشر الموقع الحكومي Iran Daily تصريحات أدلى بها نائب وزير الخارجية علي باقري كني، الذي يرأس وفد المفاوضات الإيراني، قال فيها إن "المفاوضات لن تدور عن مشكلة الأسلحة النووية، التي حُلَّت بالفعل، بل ستتركز على رفع العقوبات".
وهذا ليس بالنبأ الجديد، فحتى قبل تعليق المفاوضات في يونيو/حزيران، أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، والرئيس الإيراني حينذاك حسن روحاني أن المفاوضات انتهت تقريباً. وألمح روحاني أيضاً إلى أن النظام هو من يؤخر توقيع اتفاقية جديدة، لأسباب سياسية على ما يبدو.
رغم التصريحات الإيرانية المتشددة فيما يتعلق بالاتفاق النووي وشروط طهران المعلنة للعودة للالتزام ببنوده "كما هي دون تغيير"، فإن الصورة الأكبر تشير بوضوح إلى أن الاتفاق- سواء في صورته الحالية كما تم توقيعه عام 2015 أو في صورة جديدة كما تريدها إدارة جو بايدن- في صالح الإيرانيين، بحسب تقرير لمجلة Foreign Affairs الأمريكية.
ويبدو أنه تم الاتفاق على المسائل الفنية، وأن إيران لن تُجمّد وضعها الحالي، الذي تشوبه انتهاكات خطيرة، فحسب، وإنما ستعود إلى الوضع الذي أعقب الاتفاق النووي عام 2015.
فوفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، خصبت إيران منذ سبتمبر/أيلول حوالي 17.7 كيلوغرام من اليورانيوم بنسبة نقاوة 60%، وليس بنسبة الـ3.67% المسموح بها بموجب الاتفاقية. ويعتقد أيضاً أن إيران تستخدم أجهزة طرد مركزية متقدمة في مفاعل فوردو، وهذا أيضاً انتهاك للاتفاقية.
على أن المشكلة تتمثل في أن مفتشي الوكالة لا يمكنهم التأكد من حجم التخصيب بسبب منع إيران المفتشين من دخول مواقعها. ومن المقرر أن يصل رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي إيران يوم الإثنين 22 نوفمبر/تشرين الثاني لمناقشة اتفاق جديد بخصوص التفتيش، قبل أن تجتمع الوكالة لمناقشة التفتيش والعقوبات التي ينبغي فرضها على إيران في حال استمرارها منع التفتيش الكامل.
ماذا تريد طهران الآن؟
ووفقاً لتصريحات من إيران، تريد طهران ضماناً من الولايات المتحدة بألا تنسحب أي إدارة أمريكية مستقبلاً من الاتفاق، وأن ينفَّذ رفع العقوبات ضمن آلية خاصة. والمشكلة بطبيعة الحال أن إدارة بايدن لا يمكنها منح تعهدات باسم رؤساء في المستقبل، إذ إنه "اتفاق" وليس "معاهدة" تتطلب دعماً من ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ وتلتزم بها الإدارات المتعاقبة.
على أنه حتى استعداد بايدن لرفع العقوبات المرتبطة بالاتفاق النووي لا يكفي إيران، التي تطالب برفع العقوبات عن الأشخاص والشركات المرتبطة بانتهاكات البلاد لحقوق الإنسان ودعم الإرهاب. وهذا يثير عقبة دستورية أخرى، حيث إن رفع هذه العقوبات يقتضي تشريعاً خاصاً يتجاوز رغبات الرئيس.
وفضلاً عن ذلك، طالبت مقالات في صحف إيرانية رئيسي بأن يطالب بايدن بالاعتذار عن انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي وتعويض إيران عن الأضرار التي سببتها العقوبات التي لا تزال مفروضة عليها. وترى إيران أن تصريح بايدن بأن انسحاب ترامب من الاتفاق كان غلطة ليس اعتذاراً، وواشنطن ليس لديها أي نية لدفع تعويض.
أما بخصوص آلية رفع العقوبات، فتطالب إيران الولايات المتحدة بالتعهد بألا تفرض نظام عقوبات غير مباشر، مثل أن تضغط على دول أخرى لتمتنع عن التجارة مع إيران، مما يفرّغ رفع العقوبات من أي معنى حقيقي.
وتخشى إيران، على سبيل المثال، أن تفرض الولايات المتحدة، على خلفية خلافها الدبلوماسي مع الصين، عقوبات على الصين إذا استمرت بكين في اتفاقها مع إيران الذي بموجبه ستستثمر حوالي 400 مليار دولار على مدار 25 عاماً. وإذا وقع بايدن اتفاقاً جديداً أو امتنع عن فرض عقوبات غير مباشرة، فلن يكون لدى إيران، على الأرجح، أسباب قوية تخشى معها الانتهاكات.
وتعلمت إيران أيضاً أنه لا يمكنها الاعتماد على الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق النووي، وخاصة الدول الأوروبية، التي رغم غضبها من انسحاب ترامب فشلت في إنشاء آلية تضمن استمرار الاتفاق دون الولايات المتحدة. وفضلاً عن ذلك، تخلت الشركات متعددة الجنسيات عن إيران بعد فترة قصيرة من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، وآلية التمويل البديلة باليورو، التي اقترحتها ونفذتها فرنسا جزئياً لم تمنح الأوروبيين الحماية من الانتقام الأمريكي. وفي الوقت نفسه، توقف أهم زبائن إيران عن شراء النفط منها، وحتى الصين قللت طلبياتها.
كيف ترى إسرائيل تلك التحولات؟
على أي حال، ليس واضحاً بعد إن كانت طهران تنوي التفاوض بغرض الاستعراض وزيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب، أم تسريع المفاوضات مثلما فعلت في جولات المحادثات الست من أبريل/نيسان إلى يونيو/حزيران.
والجواب لا يكمن في احتياجات إيران المالية الملحة فحسب. فهي تعيش منذ عقود تحت نظام عقوبات- وطوال ثلاثة أعوام تحت حملة "الضغوط القصوى" التي أطلقها ترامب- لم ينجح في إسقاط النظام. وإيران، التي تطمح لأن تصبح قوة إقليمية، دولة شارك رئيسها في مؤتمر للدول الأوروآسيوية في طاجيكستان عوضاً عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. وهي دولة تتفاوض على تعاون استراتيجي مع روسيا على غرار اتفاقها مع الصين. فهي تطمح إلى ما هو أبعد من الخلاص الاقتصادي.
وهكذا، بحسب الصحيفة الإسرائيلية، لا يتعين عليها تحطيم قيود العقوبات فحسب، بل رفع تهديدها عن البلدان التي ستصبح إيران بقربها قوة إقليمية. وهذه الخطة الاستراتيجية تصبح حقيقة واقعة بعد أن أضحت السعودية والإمارات من بين الدول التي تزور طهران، وقد تكون أيضاً الإطار الزمني المحدِّد للمحادثات النووية.
والسبت 20 نوفمبر/تشرين الثاني، أفادت صحيفة إسرائيل هايوم العبرية بأن الإدارة الأمريكية ستدخل الجولة المقبلة من مباحثات فيينا دون خطط بديلة، مشيرة إلى أن "إسرائيل تعمل وحدها".
وأضاف تقرير الصحيفة أن ما يثير قلق إسرائيل هو عدم وجود خطة بديلة للإدارة الأمريكية في حال فشلت تلك المباحثات، زاعمة أن إدارة بايدن ستعود إلى مباحثات فيينا دون وجود أي معلومات رئيسية بشأن النوايا الحقيقية لإيران، ولكن أيضاً دون خطة بديلة في حالة فشل هذه المحادثات، وهو ما يعني أنه فُرض على إسرائيل العمل وحدها، والاستعداد لأي سيناريو تكون فيه وحدها.
وأوضحت الصحيفة العبرية أنه رغم تصريحات الإدارة الأمريكية المتكررة بأن كل الخيارات مطروحة على الطاولة، فإن هذه التصريحات يتم ترديدها بلغة ركيكة، وتفرض على تل أبيب العمل وحدها في مواجهة النووي الإيراني.