كيف تهدّد الصين الوجود الأمريكي بالخليج العربي؟ تحول بكين لإنشاء موطئ قدم عسكري يثير مخاوف واشنطن

تم النشر: 2021/11/20 الساعة 12:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/20 الساعة 12:17 بتوقيت غرينتش
لماذا قد لا يكون استبدال الصين لأمريكا ونفوذها في الشرق الأوسط مهمة ميسورة أو وشيكة؟ (عربي بوست)

في ضوء الميل الأمريكي الواضح والمتزايد للانسحاب من الشرق الأوسط، تتسع دائرة النفوذ الصيني دبلوماسياً واقتصادياً وعسكرياً في المنطقة بشكل مطرد وخصوصاً في الخليج العربي، بما يثير قلق واشنطن بشكل كبير التي ظلت حليفة وراعية لهذه الدول الغنية بالنفط لوقت طويل، في الوقت الذي بات التنافس مع الصين أكبر معارك الولايات المتحدة على الصعيد العالمي.

منشأة عسكرية سرية للصين في الإمارات تثير غضب أمريكا

في آخر فصول الإزعاج الصيني لواشنطن بالمنطقة، قالت صحيفة The wall street journal الأمريكية الجمعة 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إن وكالة الاستخبارات الأمريكية اكتشفت أن الصين كانت تبني سراً ما اشتُبه أنه منشأة عسكرية بميناء في الإمارات، أحد أقرب حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

على الفور، حذرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، والتي شعرت بالقلق الكبير، الحكومة الإماراتية من أن الوجود العسكري الصيني في بلادها قد يهدد العلاقات بين البلدين. وبعد جولات من الاجتماعات والزيارات من قبل المسؤولين الأمريكيين، توقف بناء هذه المنشأة السرية الصينية مؤخراً، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر.

وتستضيف الإمارات قوات عسكرية أمريكية، وتسعى لشراء مقاتلات وطائرات مسيرة أمريكية متطورة، إلا أن واشنطن لم تكن على دراية بالطبيعة العسكرية للنشاط الصيني.

تعكس جهود الصين لتأسيس ما يعتقد المسؤولون الأمريكيون أنه سيكون موطئ قدم عسكري في الإمارات، وضغط إدارة بايدن لإقناع الإماراتيين بوقف بناء القاعدة، التحديات التي تواجهها الإدارة الأمريكية في محاولة التنافس مع بكين على الصعيد العالمي، وخصوصاً في مناطق حساسة مثل الخليج العربي.

الشرق الأوسط آخر ساحات المنافسة بين الصين وأمريكا

يبدو أن الشرق الأوسط يصبح على نحو متزايد جبهة أساسية للمنافسة الأمريكية الصينية. ولعبت الولايات المتحدة دوراً مركزياً في المنطقة لعقود من الزمان، حيث دعمت إنشاء دولة الاحتلال الإسرائيلي، ونشرت جيشها في الخليج العربي منذ عقود، فيما توسطت مؤخراً في اتفاقات إبراهام التي طبعت العلاقات بين إسرائيل وبعض دول الخليج، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة.

لكن بكين ردت على ذلك بتوسيع المزيد من الصفقات التجارية والعسكرية في المنطقة، فيما كانت دبلوماسية اللقاحات ناجحة إلى حد كبير في الشرق الأوسط، والآن يبدو أن الصينيين سيحاولون توسيع وجودهم العسكري هناك.

وافتتحت الصين أول موقع عسكري لها في الخارج في جيبوتي، الدولة العربية الواقعة في شرق إفريقيا في عام 2017 لتسهيل العمليات حول المحيط الهندي وإفريقيا. في كمبوديا في عام 2019، وقعت الصين اتفاقية سرية للسماح لقواتها المسلحة باستخدام قاعدة بحرية. في أماكن أخرى، أنشأت الصين منشآت ميناء تجاري في باكستان وسريلانكا يمكن استخدامها من قبل قواتها البحرية التي تتوسع بسرعة.

في السنوات الأخيرة، عززت الصين علاقاتها الاقتصادية مع دول الخليج العربية مثل السعودية والإمارات بشكل كبير. ففي عام 2019، وقعت الصين والمملكة السعودية نحو 30 اتفاقية تعاون اقتصادي بقيمة نحو 28 مليار دولار. 

والصين هي الشريك التجاري الأكثر أهمية للسعودية بحجم تجارة سنوية يقارب 80 مليار دولار. ووقعت الصين مؤخراً اتفاقية لبناء مشروع للطاقة المتجددة في إطار رؤية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لتحقيق انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2060، وقدّم السعوديون طلباً للحصول على ترخيص تداول مباشر في بورصة شنغهاي.

أهمية الإمارات بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية

أما الإمارات العربية المتحدة فتعد الآن واحدة من أكبر شركاء الصين التجاريين. ومنحت الإمارات خطط البنية التحتية للاتصالات لشركة هواوي الصينية مؤخراً، والتي حذر كبار المسؤولين الغربيين من أنها ستجعل الإمارات حليفتهم عرضة للتجسس الصيني، فيما نفت بكين هذه المزاعم.

وأبوظبي هي واحدة من أقرب حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ولدى البلدين علاقات تجارية وأمنية طويلة الأمد، مما يجعل توغل الصين هناك أكثر تهديداً للمصالح الأمريكية.

تعد الدولة الخليجية منتجاً رئيسياً للنفط والغاز، وتستضيف القوات العسكرية الأمريكية، وتتعاون مع واشنطن في مسائل مكافحة الإرهاب، وكانت أول دولة عربية ترسل قوات إلى أفغانستان بعد الغزو الأمريكي في أواخر عام 2001. 

وأعرب الرئيس بايدن عن قلقه بشأن تنامي الوجود الصيني في البلاد بشكل مباشر مع زعيمها الفعلي، ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان، حسبما قال مسؤولون، مرة في مايو/أيار الماضي، ومرة ​​أخرى في أغسطس/آب 2021. في إحدى المحادثات، أخبر بايدن محمد بن زايد، أن الولايات المتحدة تخشى أن يكون لنشاط الصين تأثير ضار على الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين. ورد محمد بن زايد بأنه سمع السيد بايدن "بصوت عال وواضح"، وفقاً للمسؤولين.

تقول وول ستريت جورنال، إنه من المحتمل أن تكون المخاوف بشأن التعاون الأمني ​​الناشئ بين الصين والإمارات قد هددت صفقة مخطط لها بقيمة 23 مليار دولار لما يصل إلى 50 طائرة مقاتلة من الجيل الخامس من طراز F-35 و 18 طائرة بدون طيار من طراز Reaper وذخائر متطورة أخرى.

في غضون ذلك، أعرب مسؤول إماراتي رفيع المستوى الشهر الماضي عن أسفه لأن الإمارات عالقة في منتصف المواجهة بين الولايات المتحدة والصين. وقال أنور قرقاش، المستشار الرئاسي الإماراتي، في مؤتمر عُقد في 2 أكتوبر/تشرين الأول في واشنطن: "نحن جميعاً قلقون للغاية من حرب باردة تلوح في الأفق. هذه أخبار سيئة لنا جميعاً لأن فكرة الاختيار إشكالية في النظام الدولي."

أسباب التحول الخليجي نحو الصين.. وهل يطغى نفوذ بكين على النفوذ الأمريكي في المنطقة؟

في السنوات الأخيرة، شككت دول الخليج العربية، التي ترى تهديداً من إيران، في مدى قوة الالتزام الأمريكي بحمايتها والدفاع عنها في حال تعرضها للهجوم. ويقول مسؤولون خليجيون إنهم شاهدوا الولايات المتحدة تحول تركيزها إلى آسيا، وتزايدت المخاوف بعد الانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان.

ومنذ سنوات، ثمة مشتركات صينية عربية خليجية فيما يتعلق بالشراكة التجارية في مجالات الطاقة والتنمية الاقتصادية، شراكات هامة تضع الصين في موقع البديل المحتمل للولايات المتحدة في مجال التعاون الاقتصادي على الأقل.

تعد الصين، ثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية، التي تزود بدورها بكين بمعظم احتياجاتها من النفط والغاز الطبيعي. وبحسب إحصاءات وزارة التجارة الصينية، بلغ حجم التجارة بين الصين والدول العربية 239.4 مليار دولار أمريكي في عام 2020، وبلغت قيمة واردات الدول العربية من الصين 122.9 مليار دولار في العام الماضي، بزيادة 2.1% على أساس سنوي، ضمن آليات متوازنة إلى حد ما في الواردات والصادرات بين الجانبين الصيني والعربي.

وتعد دول الخليج، إلى جانب إيران، مصدراً أساسياً بالنسبة للصين من مصادر الحصول على الطاقة، ومجالاً متاحاً للاستثمارات الصينية، التي يشهد اقتصادها نمواً متصاعداً، يمكّنها من وضع أقدامها بثقة في النشاطات الاقتصادية لعموم الدول العربية، والدول الخليجية.

ولا تزال الصين بحاجة إلى إمدادات النفط والغاز من دول الخليج العربية بكميات ضخمة تغطي نحو 60% من احتياجاتها، في حين ازدادت قدرات الولايات المتحدة على تحقيق الاكتفاء الذاتي من حاجتها لإمدادات الطاقة.

كما تعتبر مبادرة الحزام والطريق محوراً آخر للشراكة العربية الصينية. فالصين تتبنى خطة طموحة ضمن مبادرة "الحزام والطريق"، التي تبلغ مخصصاتها الإجمالية تريليون دولار.

وتهدف المبادرة إلى إحياء "طريق الحرير" القديم عبر شبكة عالمية من الموانئ والطرق البرية والسكك الحديدية في عشرات الدول المشمولة بالمبادرة على أساس الموقع الجغرافي، الذي يشمل بعض الدول العربية الواقعة في قلب "طريق الحرير" القديم، للربط بين دول آسيا الوسطى وشرق إفريقيا، والمحيط الهندي بالبحر المتوسط.

ومنذ 2014، انضمت 9 دول عربية إلى مبادرة "الحزام والطريق". فيما انضمت 7 دول عربية، منذ 2016، إلى "البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية" (AIIB) كأعضاء مؤسسين. وهذا البنك أسسته بكين كمؤسسة مالية متعددة الأطراف، هدفها توفير التمويل لمشروعات البنية التحتية في منطقة آسيا، ويعتبره البعض منافساً لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، اللذين تهيمن عليهما الولايات المتحدة.

لكن على أي حال، ورغم الجهود الصينية الكبيرة لتعزيز تواجدها وشراكتها مع الخليج العربي، لا يبدو واضحاً في المدى القريب المنظور، أن النفوذ الصيني في المنطقة سيكون طاغياً على النفوذ الأمريكي.

إذ لا تزال الدول العربية الحليفة، وعلى رأسها الكتلة الخليجية، بحاجة إلى مظلة الحماية الأمنية الأمريكية من الأخطار والتهديدات الخارجية الممتدة منذ عقود طويلة، وهذا يشكل عاملاً حاسماً في مسار العلاقات مع الولايات المتحدة.

تحميل المزيد