سباق الفضاء.. إندونيسيا تسعى لتحويل جزيرة مأهولة لميناء فضائي عالمي، فلماذا يعارض سكانها الأصليون ذلك؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/11/19 الساعة 08:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/19 الساعة 08:24 بتوقيت غرينتش
جزيرة بياك في إندونيسيا جبهة جديدة في سباق الفضاء/ flickr

على مدار 15 جيلاً عاش أفراد قبيلة أبرو في إندونيسيا، مثل أسلافهم إلى حدٍّ كبير. يزرعون بالمحاريث الخشبية في قطع من الغابة المطيرة، ويجمعون النباتات الطبية، وينصبون الفخاخ للثعابين والخنازير البرية. والأرض التي يعيش الأبرو عليها في جزيرة بياك الإندونيسية هي كلُّ شيءٍ بالنسبة لهم: هويتهم ومصدر رزقهم وصلتهم بأسلافهم، ولكن الآن تخشى القبيلة الصغيرة أن تفقد مكانها في هذا العالم بينما تواصل إندونيسيا سعيها الممتد للانضمام إلى عصر الفضاء، كما يقول تقرير صحيفة New York Times الأمريكية، التي تروي قصة الأبرو هؤلاء.

جزيرة بياك في إندونيسيا جبهة جديدة في سباق الفضاء

تقول الحكومة الإندونيسية إنها استحوذت على 250 فداناً من أراضي أسلاف هذه القبيلة منذ عقود، وخطَّطَت منذ العام 2017 لبناء ميناء فضائي صغير هناك لإطلاق الصواريخ. ويقول زعماء القبيلة إن المشروع سيجبرهم على ترك منازلهم. 

قدَّمَ رئيس إندونيسيا، جوكو ويدودو، شخصياً، عرضاً لمؤسِّس شركة سبيس إكس، إيلون ماسك، العام الماضي، بشأن فكرة إطلاق صواريخ من إندونيسيا، دون ذكر أيِّ موقع سيُخصَّص لذلك. ومن جانبه لم يلتزم ماسك بعد بصفقةٍ مُحدَّدة، ولم يعلِّق عليها علناً، لكن احتمال انخراطه في هذه الصفقة أدَّى إلى موجةٍ من النشاط من مسؤولي جزيرة بياك للترويج للموقع، بالإضافة إلى تجدُّد المعارضة من جانب السكَّان الأصليين في الجزيرة. 

يُعَدُّ بناء ميناء فضائي جزءاً من سعي جوكو ويدودو لتحديث الدولة التي تتشكَّل من جزرٍ عديدة في جنوب شرق آسيا، بمطاراتٍ جديدة ومحطات طاقة وطرقٍ سريعة، دون اهتمامٍ كبير بالعواقب البيئية في كثيرٍ من الأحيان. وهذا جزءٌ من التاريخ المُتقلِّب للدولة المتمثِّل في استخدام أساليب مثيرة للشكوك للحصول على الأراضي من السكَّان الأصليين، وهو ما يجرِّد بعض الفئات من مساكنهم بينما يستفيد الإندونيسيون ذوو النفوذ والشركات الدولية. 

الميناء الفضائي يهدد سكان الجزيرة الأصليين

يقول زعماء قبيلة بياك إن بناء ميناء فضائي في الموقع سيعني قطع الأشجار في غابةٍ محمية وإرباك موطن الطيور المُهدَّدة بالانقراض، علاوة على طرد عشيرة أبرو. 

السكان الأصليون في جزيرة بياك، إندونيسيا/ flickr

وقال أبولوس سروير، رئيس مجلس بياك العرفي، وهو تجمُّعٌ لزعماء العشائر في الجزيرة لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية: "موقف السكَّان الأصليين واضح: نحن نرفض الخطة، لا نريد أن نفقد مزارعنا بسبب هذا الميناء الفضائي. نحن لا نأكل الأقمار الصناعية، بل القلقاس والأسماك من البحر، هذا هو أسلوب حياتنا لأجيالٍ طويلة، أخبِروا إيلون ماسك أن هذا هو موقفنا". 

تقع جزيرة بياك، التي تقارب في مساحتها جزيرة ماوي التابعة لولاية هاواي الأمريكية، شمال جزيرة غينيا الجديدة، وهي جزءٌ من مقاطعة بابوا في إندونيسيا. خلال الحرب العالمية الثانية، هزمت القوات الأمريكية اليابانيين هناك في معركةٍ رئيسية حارَبَ فيها الجنرال دوغلاس ماك آرثر للسيطرة على المحيط الهادئ. وأصبحت جزيرة بياك جزءاً من إندونيسيا في الستينيات، بعد أن سلَّمَت الأمم المتحدة الأراضي الهولندية سابقاً لبابوا الغربية بشرط أن تجري إندونيسيا تصويتاً شعبياً. 

في المقابل، في تصويتٍ أُجرِيَ العام 1969 اعتبره العديد من سكَّان بابوا مُزوَّراً، اعتقلت إندونيسيا ألف زعيمٍ من زعماء القبائل، بمن فيهم زعماء بياك، واحتجزتهم حتى صوَّتوا للانضمام إلى إندونيسيا، وللمفارقة أصبح ذلك يُعرَف باسم "قانون الاختيار الحر". 

تضمُّ عشيرة أبرو المتضائلة، وهي واحدةٌ من 360 عشيرة في جزيرة بياك، حوالي 90 فرداً، يعيش معظمهم في بلدة واربون، على الجانب الشمالي الشرقي من الجزيرة، على بُعدِ حوالي ميلٍ ونصف الميل من موقع ميناء الفضاء المُقتَرَح. ومركز حياة العشيرة هو شجرة الهليوتروب المُزهِرة بجانب المحيط. 

"سنفقد أرضنا وهويتنا"

تتدفَّق الأمواج برفقٍ على الرمال البيضاء القريبة، وتطير الفراشات السوداء والبنية والبيضاء بين فروعها. يعتبِر أفراد العشيرة هذه الشجرة مُقدَّسة، ويقولون إنها تمثِّل أصل عشيرة أبرو. غالباً ما يزورون الشجرة لتقديم القرابين والصلاة على أسلافهم. وفي بعض الأحيان يجتمعون هناك ويخيِّمون لعدة أيام، إذا بُنِيَ ميناء فضائي ستكون الشجرة خارج الحدود، وكذلك الشاطئ، حيث يصطاد أفراد العشيرة، والغابة التي يزرعون فيها. 

قال مارثين أبرو، زعيم العشيرة، بينما كان جالساً في ظلِّ الشجرة المُقدَّسة: "بالنسبة لسكَّان بابوا الأرض هي الهوية، سنفقد هويتن ولن تقبلنا أيُّ عشيرةٍ أخرى على أرضها، أين سيذهب أبناؤنا وأحفادنا؟". 

وجد بعض أفراد العشيرة عملاً في أجزاءٍ أخرى من إندونيسيا، لكن أولئك الذين بقوا في واربون يعيشون إلى حدٍّ كبيرٍ على الأسماك التي يصطادونها، والقلقاس والكسافا والبطاطا الحلوة التي يزرعونها. تمارس العشيرة الزراعة البدوية، وتزيل الأشجار في الغابة من أجل زراعة المحاصيل في موقعٍ جديدٍ كلَّ عامين. 

يمشي البعض أو يركب درَّاجاتٍ نارية إلى قرية كوريم القريبة لممارسة العبادات الدينية في كنيسة بنيل الإنجيلية المسيحية. وتضم بلدة واربون، التي يقطنها أكثر من ألف شخص، أفراداً من العديد من العشائر الأخرى الذين تزوَّجوا من قبيلة أبرو، لكنهم يحتفظون بهوية عشيرة أسلافهم الذكور. وتعارض الكنيسة أيضاً بناء ميناء الفضاء. 

يقول زعماء قبيلة بياك إن بناء ميناء فضائي في الموقع سيعني قطع الأشجار في غابةٍ محمية وإرباك موطن الطيور المُهدَّدة بالانقراض/ flickr

منصة عالمية لإطلاق الصواريخ الفضائية

يقول المسؤولون الإندونيسيون الذين يدعمون المشروع إن جزيرة بياك، التي تقع على بُعدِ 70 ميلاً فقط جنوب خط الاستواء وتواجه المحيط الهادئ، ستكون مثاليةً لإطلاق الصواريخ. ولدى شركة سبيس إكس خططٌ لوضع عشرات الآلاف من الأقمار الصناعية في المدار في السنوات المقبلة. 

قال الوصي على بياك، هيري أريو ناب، الذي يدفع من أجل بناء ميناء الفضاء: "هذه ثروتنا، هناك مناطق أخرى قد يكون لديها النفط أو الذهب، لكن لدينا موقع جغرافي استراتيجي". 

وفي سعيه لاستمالة إيلون ماسك، اقترح جوكو، رئيس البلاد، أن شركة تسلا للسيارات، المملوكة لماسك، يمكن أن تتعاون مع إندونيسيا أيضاً لتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية، حيث إن إندونيسيا هي أكبر منتجٍ للنيكل في العالم، وهو مُكوِّنٌ رئيسي في هذه الصناعة. وقال مسؤولون إن فريقاً من سبيس إكس زار إندونيسيا في وقتٍ مبكِّرٍ من هذا العام لمناقشة التعاون المُحتَمَل. 

وقدَّمَت شركة تسلا عرضاً لإنتاج البطاريات إلى إندونيسيا، في فبراير/شباط، لكن الحكومة رفضت الكشف عن تفاصيل. ولم يستجب ماسك وشركاته لطلب التعليق. وفي سبتمبر/أيلول، عزَّزَ جوكو فرص برنامج الفضاء من خلال زيادة ميزانيته عشرين ضعفاً، ووضعه تحت إشراف الوكالة الوطنية الجديدة للبحث والابتكار، والتي تتبعه مباشرةً. 

وقال لاكسانا تري هاندوكو، رئيس الوكالة، الذي قام شخصياً بتفقُّد موقع بياك الشهر الماضي، أكتوبر/تشرين الأول، إن الجزيرة ظلَّت خياراً قابلاً لتنفيذ المشروع، لكن بناء ميناء فضائي كبير يتصوَّر أنه سيتطلَّب 10 أضعاف مساحة الأرض. وقد يدفعه الجدل المُثار حول موقع بياك إلى اختيار موقع بديل، مثل جزيرة موروتاي، على بُعدِ حوالي 550 ميلاً شمال غرب بياك. 

وقال إن العامل الرئيسي سيتمثَّل في التأكُّد من أن الحكومة لديها ملكية "واضحة وصريحة" للأرض. وقال: "بياك ليست المكان الوحيد، لدينا العديد من الخيارات". 

وتُظهِر الخرائط أن جميع أراضي أسلاف عشيرة أبرو تقريباً، بما في ذلك بعض المنازل، تقع داخل منطقة عازلة مُقتَرَحة سيتم تطهيرها من الأشخاص في حالة بناء ميناء فضائي صغير. وتُظهِر الخرائط أيضاً أن موقع المشروع الأصلي بالكامل تقريباً سيكون داخل غابة محمية. 

وتقول وكالة الفضاء منذ فترةٍ طويلة إنها اشترت الموقع، الذي تبلغ مساحته 250 فداناً، من عشيرة أبرو في عام 1980، لكن العشيرة تقول إنها لم تبع الأرض قط. وقال زعماء العشائر إن الرجال الأربعة الذين وقَّعوا على الوثيقة مع الوكالة ليسوا من أفراد العشيرة وليس لهم الحقُّ في البيع. 

وقالوا إن الجيل الأكبر سناً كان خائفاً جداً من الاعتراض، لأن الجيش الإندونيسي كان ينفِّذ عملياتٍ عسكرية على بياك، وأيُّ شخصٍ ينتقد الحكومة كان يمكن أن يُسجَن باعتباره انفصالياً. 

وقال جيرسون أبرو، القس البروتستانتي وابن عم زعيم العشيرة: "كان الصمت هو الخيار الوحيد"، فيما رفض تأكيدات الحكومة بأن بناء الميناء الفضائي سيوفِّر فرص عمل.  وقال: "يقولون إن مشروع الميناء الفضائي سيوفر فرص عمل، لكن ما مِن خبيرٍ فضائي في عشيرتنا وقرانا". وأضاف: "ما يقصدونه هو ثلاث سنوات من قطع الأشجار وإزالة الجذور وحفر الأساسات. بعد ذلك سيقولون لنا وداعاً". 

تحميل المزيد