مصر أصبحت أكبر زبائنها.. سر حب السيسي للرافال، وكيف ستنعكس الصفقة الجديدة على موازين القوى بالمنطقة؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/11/18 الساعة 17:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/19 الساعة 00:04 بتوقيت غرينتش
الطائرة الفرنسية رافال/رويترز

لم تعد مصر فقط أول مشترٍ أجنبي للطائرة الفرنسية الرافال، بل ستصبح أكبر زبون خارجي لها وثاني أكبر مُشغّليها بعد فرنسا نفسها، وذلك بعد الإعلان عن صفقة ضخمة جديدة بين الجانبين، فما سر الولع المصري بالرافال التي عانت من تعثر في بداية تسويقها، وهل هو لأسباب عسكرية أم سياسية، وكيف ستؤثر هذه الصفقة على موازين القوى بالمنطقة؟

وأعلنت شركة "داسو أفياسيون" الفرنسية دخول عقد توريد 30 مقاتلة من طراز "رافال" للجيش المصري حيز التنفيذ، ليضاف إلى 24 طائرة رافال كانت مصر قد اشترتها من فرنسا، ويعني هذا أنه في حالة إتمام الصفقة فإن القاهرة سيصبح لديها 54 طائرة من طراز رافال، متفوقة على الهند التي لديها نحو 35 طائرة.

مصر والرافال قصة حب من أول نظرة

وعانت الطائرة الرافال من تعثر كبير في التسويق فترة طويلة، إذ ظلت فرنسا المشتري الوحيد للطائرة لسنوات بعد إطلاقها، مقارنة بصفقات ناجحة كبيرة لمنافستها وشبيهتها "تايفون يورو فايتر" التي بيعت للدول الأربع المصنِّعة لها وهي بريطانيا وألمانيا وإسبانيا، وصفقة ضخمة مع السعودية، إضافة إلى صفقة مع النمسا وصفقات لاحقة مع سلطنة عمان  وقطر والكويت.

وكانت هناك انتقادات دوماً للطائرة، بسبب ضعف محركها مقارنة بحجمها، وهو ما أدى إلى بطء سرعتها وكذلك سرعة التسلق والتسارع، وتدني سقف تحليقها، وهو ما ألقى شكوكاً حول قدرتها على المناورة، لاسيما المناورات السريعة.

كما أنَّ ضعف المحرك قلل الحجم، وهو ما أثر على حجم أنف الطائرة الذي جعل رادار الطائرة صغيراً، وقلل من مداه رغم تقدمه التكنولوجي الكبير.

كما أن هناك انتقادات دائمة لها، بسبب سعرها الباهظ بالمقارنة ليس فقط بالطائرات الروسية بل حتى بالأمريكية.

في المقابل، هناك شبه إجماع على قدرات الطائرة في عمليات القصف الأرضي في ظل حمولتها الكبيرة، ومداها الطويل نسبياً، مما يجعلها قاذفة متوسطة ممتازة، إضافة إلى تقدم إلكترونياتها في ظل وجود نظام إسبكترا الإلكتروني المتطور على متنها.

ولكن ظلت الطائرة بلا زبائن إلى أن أعلنت مصر في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، عن نيتها شراء هذه الطائرة ضمن سلسلة من الصفقات مع فرنسا، تمت بعد الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي عام 2013، وبدأ التفاوض على بعضها حتى قبل تولي الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي الرئاسة.

دوافع مصر لشراء الطائرة الفرنسية

يمكن القول إن دوافع مصر لشراء الرافال متعددة، وإنه إضافة إلى النواحي العسكرية والفنية.

فهناك دوافع سياسية وأمنية وحتى دوافع دعائية، بدت واضحة في حرص الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على أن تحلّق الطائرة الرافال في افتتاح مشروع ما يُعرف بقناة السويس الجديدة عام 2015، حتى لو كان الطيارون المصريون لم يكونوا قد تدربوا عليها بعدُ، وقادها طيارون فرنسيون كما قيل في ذلك الوقت.

القاهرة فقدت حماستها للـ"إف 16″ رغم أنها تضاهي الرافال.. لماذا؟

لفهم دوافع شراء مصر للرافال، يمكن فهم الظروف العسكرية والسياسية لمصر وقت إبرام الصفقة.

حتى قبل إبرام صفقة الرافال وإلى اليوم، فإن القوة الرئيسية للقوات الجوية المصرية عبارة عن أسطول يزيد على مئتي طائرة "إف 16" الأمريكية، وهو ما يجعل مصر رابع مالك لهذه الطائرة بعد أمريكا وإسرائيل وتركيا على التوالي.

وهي طائرة ذات قدرات جيدة للغاية، وتكلفة تشغيلها محدودة، والقوات الجوية المصرية تعودت عليها، إضافة إلى أن سعرها تنافسي، وإن كانت معظم الطائرات التي حصلت عليها مصر جاءت كجزء من المعونة العسكرية الأمريكية المرتبطة باتفاق السلام مع إسرائيل.

والنسخ الأكثر تقدماً من الـ"إف 16″ قد تضاهي الرافال في العديد من النواحي وتتفوق عليها في بعضها، خاصة في ظل أنها أسرع ونسبة القوة إلى الوزن لديها أعلى من الرافال، كما أن الطائرة الأمريكية أرخص من الفرنسية بشكل لافت.

ولكن الأسطول المصري من الـ"إف 16″ ظل يعاني من كون أغلبه من أجيال قديمة، وسط تلكُّؤ أمريكي في تحديثها، والأهم التلكُّؤ الأمريكي في تزويدها بذخائر وصواريخ متطورة، مراعاة لإسرائيل في وقت كانت القاهرة تعتبر تل أبيب عدوها الأول رغم السلام البارد بينهما، ولكن هذا السلام بات أقل برودة بعد 30 يونيو/حزيران 2013.

الرافال بطاقة نيل الاعتراف الدولي

وبعد الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي في منتصف عام 2013، فرضت الولايات المتحدة قيوداً على تصدير المعدات العسكرية إلى القاهرة، باعتبار ما حدث انقلاباً وكانت واشنطن الأكثر وضوحاً في انتقاد ما جرى بمصر.

ومن هنا تأتي أهمية صفقة الرافال لمصر من جهتين؛ كانت الرافال أول محاولة جدية منذ عقود، لكسر الاحتكار الأمريكي لتصدير السلاح إلى مصر، لاسيما الطائرات، وهو الاحتكار الذي ظهر خطورته بعد القيود الأمريكية على المعدات العسكرية التي فرضت في 2013.

من ناحية أخرى كانت الرافال وسيلة لكسر العزلة السياسية التي تعرضت لها مصر بعد الإطاحة بمرسي، وبدلاً من واشنطن التي يبدو أنها تكترث -لو شكلياً- بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، فإن النظام الجديد توجه لباريس التي يبدو أنها لا تكترث إطلاقاً بهذا الأمر، وقرر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حتى قبل أن يصبح رئيساً، الرهان على قدرة فرنسا على فتح ثغرة في الجدار الغربي الرافض لما حدث في مصر، وظهر ذلك واضحاً في زيارة الرئيس الفرنسي السابق فرانسو هولاند لمصر حيث كان الزعيم الغربي الوحيد الذي شارك في افتتاح مشروع قناة السويس الجديدة الذي اعتبره السيسي أيقونته التي تحقق له الهيبة والشرعية.

الرافال
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع الرئيس الفرنسي السابق فرانسو هولاند/رويترز

وأدى ذلك إلى إطلاق سلسلة من الصفقات العسكرية الضخمة مع فرنسا وبصورة أقل روسيا، تضمنت شراء الرافال وحاملتي مروحيات صنعتهما فرنسا لبيعهما لروسيا ولكن الصفقة أُوقفت بسبب الأزمة الأوكرانية عام 2014، إضافة إلى فرقاطات وقطع بحرية أخرى.

وكان كل ذلك جزءاً من عملية تعزيز لافتة للعلاقات بين الإمارات ومصر والسعودية وفرنسا، في إطار التحالف ضد الربيع العربي والإسلاميين ثم تركيا، بطريقة لم تفعلها أي دولة غربية أخرى، حتى أمريكا في عهد دونالد ترامب، الرئيس الذي كان يوصف بالعنصري المعادي للإسلام.

الرافال مقابل الدولار.. كيف جعلت المقاتلة الفرنسية تعويم الجنيه أكثر إيلاماً؟

جاءت هذه الصفقات لتعزز الأمن القومي المصري بالتأكيد، ولكنها أيضاً جاءت في وقت كان الاقتصاد المصري يعاني نزيفاً هائلاً للدولار وعجزاً في الموازنة فاقمه الإصرار على مشروع قناة السويس الجديدة، وضرورة تنفيذها في عام واحد.

وحتى في ضوء حقيقة أن أغلب هذه الصفقات نُفذت عبر دعم خليجي أو قروض من فرنسا، فإن مصر بالتأكيد دفعت جزءاً من الثمن يقدَّر بالمليارات، كما أن القروض كان يمكن أن توجَّه لإنقاذ الاقتصاد الذي واصل تدهوره إلى أن اضطرت البلاد إلى خوض إصلاح اقتصادي مرير انتهى بتعويم الجنيه ورفع الدعم عن الوقود وعديد من السلع خلال حيز زمني قصير، مما سبَّب أعباء هائلة على المواطن، كان يمكن تخفيفها لو وُجِّهت جزء من هذه الأموال للاقتصاد في هذه الفترة الحرجة.

يمكن تخيُّل كيف كان يمكن أن يكون تعويم الجنيه المصري أقل إيلاماً لو أن جزءاً من دولارات الصفقات الفرنسية والروسية قد أُودع في خزانة البنك المركزي المصري عشية التعويم، حيث تراجع الجنيه من نحو ستة جنيهات مقابل الدولار الواحد قبل يونيو/حزيران 2013، إلى 18 جنيهاً، بعد التعويم في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، قبل أن يتراجع إلى 15:65 في الوقت الحالي.

لماذا لم تقتفِ مصر أثر الهند؟ فرصة التصنيع الضائعة

كما أن الطابع السياسي الواضح لهذه الصفقات يلقي بشكوك على فعاليتها العسكرية والفنية، والأهم أن هذه الصفقات المليارية كان يمكن أن تشترط فيها مصر نقل التكنولوجيا والتصنيع الجزئي سواء بالنسبة للرافال الفرنسية أو الميغ 35 الروسية، وهو شرط سبق أن فرضته الهند على فرنسا وروسيا ووافقت عليه الدولتان، والمفارقة أن نيودلهي هي التي ألغت الصفقة بعد ذلك.

وكانت الدولتان فرنسا وروسيا في أمسِّ الحاجة لبيع الطائرتين في ذلك الوقت اللتين لم تجدا أي زبائن خارجيين حتى ذلك الوقت، مما قد يجعل احتمال موافقتهما كبيراً.

وإضافة إلى أن الصفقة خلقت تحالفاً مصرياً فرنسياً، ضمن تحالف فرنسي إماراتي سعودي مصري موسع، ظهرت آثاره واضحة في ليبيا وفي التوتر مع تركيا بشرق المتوسط، كانت الصفقة إنقاذاً لا يقدَّر بثمن لسمعة الرافال.

ولكن بعيداً عن السياسة، كيف يمكن أن تفيد الرافال سلاح الجو المصري، وإلى أي درجة سوف تغير توازن القوى في المنطقة.

كيف ستؤثر الرافال على موازين القوى بالمنطقة؟ البداية من إسرائيل

يمكن القول إن أسطول الرافال المصري حتى بعد الصفقة الجديدة، سيُحدث تأثيراً ضئيلاً في موازين القوى الجوية بين مصر وإسرائيل، أو بمعنى أدق سوف يساهم في ترميم محدود يمنع اتساع هذه الفجوة الكبيرة لصالح إسرائيل.

تمتلك إسرائيل أكثر من 300 طائرة من طراز "إف 16"، "بعضها  بدأ يتقاعد"، وبعضها بنسخ شديدة التقدم بتطوير إسرائيلي تضاهي الرافال، وقد تتفوق عليها في العديد من النواحي، وهناك طائرات "إف 15" لدى إسرائيل التي تفوق الرافال في المدى والحمولة، وبشكل كبير في السرعة. والأهم تلقَّت إسرائيل 30 طائرة من نوع "إف 35" الشبحية التي تفوق الرافال بمراحل فيما يتعلق بالشبحية والمناورة وإلكترونيات الحرب والرادار.

ماذا عن شرق المتوسط؟

أما فيما يتعلق بشرق المتوسط، الذي يحاول البعض جعله ساحة التوتر الرئيسية لمصر، في مواجهة تركيا رغم أن مصالح البلدين أقرب لبعضهما في هذه المنطقة من أي دولة، إضافة إلى التاريخ المشترك بينهما، فإنه من المعروف أن احتمال نشوب نزاع مسلح بين البلدين أمر مستبعد رغم المناكفات الأيديولوجية والشخصية.

ولكن في كل الأحوال، النزاع في شرق المتوسط يدور في مساحات بعيدة نسبياً، عن السواحل المصرية، مما يقلل من تأثير الطيران المصري، بينما لدى الطيران التركي فرصة للتحرك من قواعده في قبرص التركية، وهذا لا يمنع أن الرافال حققت بعض التوازن مع أسطول الـ"إف 16″ التركي المقارب في الحجم للأسطول المصري من الـ"إف 16″، ولكنه أكثر تطوراً.

كما أن طبيعة النزاع في شرق المتوسط وتركيبة القوى الأساسية بالمنطقة (مصر وتركيا إسرائيل) تجعل تحوُّله إلى حرب أمراً شبه مستحيل، ولكن على أي حال يظل للقوة البحرية اليد العليا في التنافس بهذه المنطقة، وهي نقطة تفوُّق تركيا الرئيسية على كل منافسيها في المنطقة.

النيل يُظهر أهمية الرافال

ولكن الرافال تؤتي ثمارها فعلاً، في أزمة سد النهضة، فرغم أن الخيار العسكري يظل احتماله ضئيلاً بالنسبة للقاهرة، لكن لا يمكن استبعاده أو على الأقل، من الضروري بالنسبة للمخطط المصري أن يُلوَّح به.

وهنا تأتي ميزات عدة تظهر للرافال.

ففي مواجهة الشكوك في قدرتها على المناورة أمام الـ"إف 16″ والـ"إف 15″ الإسرائيليتين، فإن ميزة الرافال المثبتة هي مداها الطويل، وحمولتها الكبيرة وقدرتها على حمل صواريخ كروز سكالب، وهي أول صواريخ جو/أرض لدى مصر قادرة على قصف سد النهضة، وهي أمور مهمة في ظل بُعد المسافة بين مصر وإثيوبيا.

كما يُعتقد أن نظام اسبكترا الإلكتروني يستطيع القيام بعمليات تشويش ضد الطائرات وأنظمة الدفاع الجوي الإثيوبية.

وإضافة 30 طائرة رافال جديدة من شأنه تعزيز قدرة مصر على فرض هيمنة جوية على الأجواء الإثيوبية في حال تنفيذ عمل عسكري ضد السد أو غيره، بالنظر إلى أن طائرة الرافال الـ24 التي تمتلكها مصر حالياً، قد لا تكون كافية لهذه المهمة في مواجهة الـ14 طائرة سوخوي 27 المملوكة لإثيوبيا، والتي تعاونها 10 طائرات ميغ 23 عتيقة.

وفي الوقت ذاته فإن أغلب طائرات الـ"إف 16″ المصرية لن تكون قادرة على الوصول إلى الأجواء الإثيوبية، ومن ستصل منها إلى هناك ستكون مدة تحليقها أقل من الرافال.

ورغم ذلك يظل طول المسافة عائقاً أمام فرص القوات الجوية المصرية لفرض هيمنة لفترة طويلة نسبياً على السماوات الإثيوبية المحميَّة بالأعداد القليلة ولكن المؤثرة من السوخوي.

وهنا تأتي ميزة مهمة أخرى للرافال، وهي قدرتها على أن تعمل كطائرة صهريج وقود صغيرة تُزود رفيقاتها بالوقود حتى لو بكميات ليست كبيرة، وهي ميزة تعالج مشكلة التزود بالوقود التقليدية لدى القوات الجوية المصرية.

وهذا يعني، أنه مع زيادة عدد الطائرات المصرية من طراز رافال، فلقد بدأ يتشكل أسطول مصري صغير يستطيع بالفعل أن يرسل عبر السماء رسائل إلى سد النهضة وصناعه الرافضين لتسوية تضمن الماء للجميع.

تحميل المزيد