لا تزال فضائح التجسس التي تسبب بها برنامج التجسس "بيجاسوس" التابع لشركة NSO الإسرائيلية حول العالم تتكشف منذ صيف العام الجاري، وآخر ما تم الكشف عنه، هو ما نشرته صحيفة haaretz الإسرائيلية، الأربعاء 17 نوفمبر/تشرين الثاني، حول حصول شيوخ من الإمارات على نسخ شخصية خاصة بكل واحد منهم من برنامج بيجاسوس لأسباب مختلفة. وفيما يلي قائمة بالزعماء الذين استعانوا بالبرنامج الإسرائيلي لمراقبة خصومهم أو حتى أفراد عائلاتهم.
الإمارات: نسخ شخصية لكل من محمد بن زايد ومحمد بن راشد
كشفت "هآرتس" أن شركة NSO الإلكترونية الإسرائيلية باعت برنامجها بيجاسوس لقرصنة الهواتف المحمولة إلى الزعيمين الإماراتيين، حاكم أبوظبي محمد بن زايد، وحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. فيما علمت صحيفة TheMarker الأمريكية أن السعر الذي يدفعه كل من هؤلاء الأمراء بالدولار هو رقم مكون من سبعة إلى ثمانية أرقام.
لكن لماذا تحتاج دولة الإمارات العربية المتحدة، ذات جيش فيدرالي وقوات شرطة وأمن مشتركة، إلى نظامي تجسس منفصلين من NSO يحتفظ بهما قائدان مختلفان؟
تقول الصحيفة إن أحد الاحتمالات هو بسبب السياسات الداخلية والتنافس بين الإمارات السبع التي تشكل دولة الإمارات العربية المتحدة والتجسس على المعارضين والناشطين الحقوقيين مثل الحقوقي المعتقل أحمد منصور، رغب رئيسا أبرز إمارتين في أن يكون لهما نظام خاص بهما، بقدر ما هو معروف حالياً، أن الرؤساء الخمسة الآخرين لم يسعَ أي منهم للحصول على نظام خاص بهم.
تقول "هآرتس" إن الاحتمال الآخر الذي تم إثباته مؤخراً هو أن أحد الحاكمين سعى إلى استخدام النظام لأغراض شخصية، في انتهاك لشروط استخدام NSO والتي من المفترض أن يقتصر الاستخدام "بشكل صارم" على "مكافحة الإرهاب والجريمة العنيفة"، في هذه الحالة الشخص الذي استخدم النظام بشكل شخصي هو محمد بن راشد آل مكتوم.
وفقاً لحكم أصدرته محكمة العدل العليا في المملكة المتحدة الشهر الماضي، استخدم حاكم دبي نظام NSO Pegasus لاختراق الهواتف المحمولة لزوجته المنفصلة عنه وخمسة من أفراد الوفد المرافق لها، بينما كان الزوجان يديران معركة قضائية في لندن من أجل الحضانة ومستقبل طفليهما، من بين أولئك الذين تم اختراق هواتفهم اثنان من محامي الأميرة، واحدة من هؤلاء هي فيونا شاكلتون وهي محامية مشهورة وعضو محافظ في مجلس اللوردات.
كما هو متوقع استاءت وسائل الإعلام البريطانية من المراقبة التي قام بها زعيم بارز في الإمارات، وهي دولة تعتبر حليفاً وثيقاً للمملكة المتحدة، ضد أحد أعضاء مجلس اللوردات، لكن NSO تستخدم القصة أيضاً لإظهار أنها تبذل جهوداً لفرض شروط الاستخدام الخاصة بها، حيث كانت الشركة هي التي أبلغت السلطات البريطانية بالمراقبة عند اكتشافها.
تشمل هذه الزاوية أيضاً المشاهير، وفقاً لتقارير في المملكة المتحدة أكدتها NSO، الشركة كشفت المعلومات لشيري بلير المحامية البريطانية القوية التي تعمل في NSO، وكانت بلير زوجة رئيس الوزراء السابق توني بلير هي التي سلمت المعلومات إلى المحامي شاكلتون.
وفقاً لنتائج NSO التي تم تسليمها إلى الحكومة البريطانية، ووفقاً لما أوردته صحيفة الغارديان، تم اختراق هاتف الأميرة هيا 11 مرة بتوجيه أو بعلم من محمد بن راشد آل مكتوم، ما أسفر عن اختراق 500 صورة ونحو 65 ميغابايت من البيانات، أي ما يعادل 24 ساعة من الصوت المستمر مأخوذة من جهازها، الغريب ما حدث عندما حكم القاضي البريطاني بأن "النتائج تشكل انتهاكاً كاملاً للثقة واستخداماً غير قانوني للقوة"، قامت الشرطة البريطانية بإغلاق تحقيقها في الأمر.
عام 2019 حاولت الشيخة لطيفة ابنة حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الفرار، بيد أن محاولتها باءت بالفشل. لكن زوجة أبيها، الأميرة الأردنية هيا بنت الحسين، نجحت في الفرار عام 2019. اليوم كشف أن رقمي هاتفي لطيفة وهيا خضعا للتجسس بالبرنامج أيضاً. وكان رقم لطيفة خاضعاً للتجسس سنة على الأقل قبل محاولة هروبها الفاشلة.
أثار هروب الأميرة الأردنية عام 2019 من دبي إلى لندن مع أطفالها، إعجاب الجمهور البريطاني، ولكنه أيضاً مثال حي على استخدام عملاء NSO لمميزاتها في بعض الحالات، بما في ذلك بيع نظامين إلى حاكمين منفصلين في الإمارات العربية المتحدة، حيث تقول الصحيفة الإسرائيلية إنه تم بيع نظام بيجاسوس فقط بعد ضغوط شديدة من "الحكومة الإسرائيلية" كجزء من الدفء الدبلوماسي بين إسرائيل والإمارات، ومع ذلك فقد أدى الاستخدام غير المنتظم للنظام إلى إحراج NSO وتسبب في النوبة الثالثة من الدعاية السيئة التي تكبدتها الشركة منذ إدراجها في القائمة السوداء من قبل الولايات المتحدة الأسبوع الماضي.
السعودية والتجسس على الخصوم
كشفت نتائج تحقيقات استقصائية في يوليو/تموز الماضي، أن لبرنامج التجسس علاقة ما بمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018، حسب منظمة العفو الدولية، التي تقول إن الهاتف النقال لخطيبة خاشقجي التركية خديجة جنكيز تم اختراقه بعد أربعة أيام فقط من مقتله. ويعتقد أن السياسي التركي ياسين أقطاي قد تمت مراقبته أيضاً. كان أقطاي صديقاً لخاشقجي ومستشاراً للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
في الشهر ذاته، كشف تحقيق صحفي لصحيفة "هآرتس" أن مجموعة NSO الإسرائيلية المتخصصة بتطوير برامج التجسس أبرمت صفقة مع مسؤولين سعوديين لبيعهم برنامج لاختراق الهواتف الخلوية يدعى "بيجاسوس 3" مقابل مبلغ 55 مليون دولار، وأن ذلك تم قبل بضعة أشهر من إطلاق ولي العهد السعودي حملة على معارضيه في الداخل.
وفي 22 يوليو/تموز الماضي، ذكر التلفزيون السعودي أن مصدراً مسؤولاً بالمملكة نفى مزاعم بأن السعودية استخدمت برنامجاً لتتبع الاتصالات على المعارضين، وأضاف المسؤول السعودي أن "هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة" وأكد أن سياسة المملكة "لا تقر مثل هذه الممارسات".
المغرب والتجسس على مسؤولين فرنسيين وبلجيك وجزائريين وغيرهم
في التحقيق الذي نشرته 17 مؤسسة إعلامية في يوليو الماضي بقيادة مجموعة فوربيدن ستوريز الصحافية غير الربحية، تم الكشف أيضاً عن أن المغرب قام بالتجسس على العديد من المسؤولين في دول مختلفة منها فرنسا وبلجيكا وحتى جارته الجزائر.
وذكرت صحيفة لوموند الفرنسية أن هاتف الرئيس إيمانويل ماكرون كان ضمن قائمة من الأهداف المحتملة لعملية مراقبة لصالح المغرب في قضية برنامج التجسس الإسرائيلي بيجاسوس.
حينها، علقت الرئاسة الفرنسية بأنه إذا صحت المعلومات المتعلقة بالتنصت على هاتف ماكرون فستكون خطيرة للغاية. وأضافت أن السلطات ستتحرى عن هذه المعلومات لإلقاء الضوء اللازم على التقارير.
قالت "لوموند" إنه وفقاً للمصادر، فإن أحد أرقام هواتف ماكرون، والذي استخدمه بانتظام منذ عام 2017، مدرج في قائمة الأرقام التي اختارتها المخابرات المغربية للتجسس الإلكتروني المحتمل. ذكرت الصحيفة أيضاً أنه تم استهداف رئيس الوزراء الفرنسي السابق إدوارد فيليب و14 وزيراً في عام 2019.
كما تم الكشف عن أن بين المستهدفين بالبرنامج ساسة أوروبيين بارزين كرئيس وزراء بلجيكا السابق ورئيس المجلس الأوروبي الحالي، شارل ميشيل. كما تم استهداف رقم والده، لويس ميشيل، الذي كان عضواً في البرلمان الأوروبي حتى عام 2019.
تجسست المملكة المغربية أيضاً على حساب السلطات الجزائرية، حيث يهتم أحد الأجهزة الأمنية المغربية اهتماماً كبيراً بالمناخ السياسي في الجزائر على خلفية الحراك الشعبي الذي أجبر الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة على التنحي عن السلطة.
كشفت "لوموند" أن المخابرات المغربية اختارت أكثر من 6 آلاف رقم هاتف يخص سياسيين أو عسكريين أو رؤساء أجهزة استخبارات أو كبار المسؤولين أو دبلوماسيين أجانب أو نشطاء سياسيين كأهداف محتملة لبرنامج التجسس الإسرائيلي Pegasus.
تابعت "لوموند" القول إن عملية المراقبة هذه لم تقتصر على أرقام مواطنين على الأراضي الجزائرية، بل تم استهداف الأرقام المفترضة لمواطنين جزائريين، ومعظمهم من الدبلوماسيين، في جنوب إفريقيا وأنغولا وبلجيكا وبوركينا فاسو وكندا وكوت ديفوار (ساحل العاج) والإمارات ومصر وإسبانيا وإثيوبيا وفنلندا وإندونيسيا وإيران وكينيا وموريتانيا، المغرب وناميبيا والنيجر ونيجيريا وأوغندا وجمهورية التشيك ورواندا والسنغال والسويد وسويسرا وسوريا وتونس وتركيا وزيمبابوي.
بعد كل تلك الفضائح، أعلنت الرباط نفي مسؤوليتها عن أي عملية تجسس ضد مسؤولين أجانب. وفي يوليو/تموز، قرر المغرب رفع دعوى قضائية أمام المحكمة الجنائية في باريس ضد منظمتي "فوربيدن ستوريز" والعفو الدولية بتهمة التشهير على خلفية اتهامهما الرباط بالتجسس باستخدام برنامج "بيجاسوس".
من الهند حتى المكسيك.. التجسس على عشرات آلاف الناشطين والصحفيين حول العالم
تحقيق المنظمات الحقوقية، كشف عن أن حوالي 15 ألف رقم من أصل 50 ألف رقم تم التجسس عليها بواسطة البرنامج الإسرائيلي، تعود لأشخاص من المكسيك، من بينهم الرئيس، أندريس مانويل لوبيس أوبرادور، وبعض أفراد أسرته وآخرين من معارفه. ويحمل زعيم المعارضة السابق الحكومة السابقة المسؤولية. ووصل أندريس مانويل لوبيس أوبرادور إلى سدة الرئاسة عام 2018. وكانت المكسيك أول دولة تمتلك برنامج "بيجاسوس" عام 2011.
يمكن كذلك أن يكون لقتل صحفي مكسيكي علاقة بالتجسس عليه بواسطة البرنامج. اغتيل سيسيليو بينيدا بيرتو بالرصاص عام 2017 بعد أن نشره تقارير لسنوات عن الفساد ومافيا المخدرات. وتضم القائمة أرقام 26 صحفياً مكسيكياً، من بينهم رئيس مكتب صحفية "نيويورك تايمز" في العاصمة المكسيكية ورقم أحد معدات التقارير في العاصمة لصالح قناة "سي إن إن" الأمريكية.
أما في الهند، فهناك أكثر من 1000 رقم تم التجسس عليها، واتهم حزب المؤتمر الهندي المعارض رئيس الوزراء، ناريندا موري، بالخيانة، لأنه عرض الأمن الوطني للخطر بالتجسس على أرقام مواطنين هنود، في يوليو الماضي. وقد يكون الزعيم المنفي المقيم في الهند، دالي لاما، قد تعرض هو الآخر للتجسس. الزعيم الروحي للتيبت، البالغ من العمر 86 عاماً، ليس لديه هاتف جوال، بيد أن أرقام هواتف مقربين منه وجدت في القائمة.
ويتم الحديث عن استهداف أكثر من 180 صحفياً حول العالم، كالمجريين سزابولكس باني وأندراس زابو، اللذين يعملان في صحيفة Direk36 الاستقصائية المناوئة للحكومة.
من بين من تعرض للتجسس إحدى أشهر الصحفيين الاستقصائيين في أذربيجان، خديجة إسماعيلوفا، هذا بالإضافة لعدد كبير من الصحفيين والنشطاء الحقوقيين في البلاد. وعُثر في هاتفها على آثار لبرنامج التجسس "بيجاسوس".
شركة NSO الإسرائيلية على القوائم السوداء
وكانت آخر فصول أزمة شركة التجسس الإسرائيلية، هو إدراج وزارة التجارة الأمريكية شركة NSO الإسرائيلية المطورة لبرامج بيجاسوس للتجسس إلى قائمتها السوداء للمعاملات التجارية في 3 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لدور هذه البرامج في دعم أنظمة استبدادية في ممارسة "قمع عابر للحدود" واستخدام "أدوات إلكترونية" غير مصرح بها.
وشمل القرار الأمريكي أيضاً شركة كانيدورو الإسرائيلية، وكذلك "بوزيتيف تكنولوجيز" الروسية وشركة استشارات "مبادرة أمن الكمبيوتر" في سنغافورة.
قالت الوزارة الأمريكية إن هذه الشركات تاجرت بالأدوات الإلكترونية المُستخدمة في الدخول غير المصرح به لشبكات الكمبيوتر. وأضافت في بيان: "هذه الأدوات مكنت حكومات أجنبية من ممارسة قمع عابر للحدود، وهو ممارسة الحكومات الاستبدادية التي تستهدف معارضين وصحافيين وناشطين خارج حدودها السيادية لإسكاتهم".
هذا القرار أصاب الشركة الإسرائيلية بهزة كبيرة، حيث أعلنت يوم الخميس 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أن إسحاق بنبينستي، المسؤول الذي كان من المقرر أن يتولى منصب الرئيس التنفيذي للشركة، تقدم باستقالته بعد أن أدرجتها وزارة التجارة الأمريكية على قائمتها السوداء.
انضم بنبينستي إلى الشركة في أغسطس/آب وعُيّن في 31 أكتوبر/تشرين الأول، ليكون الرئيس التنفيذي القادم للشركة خلفاً للحالي شاليف هوليو، وهو أحد مؤسسي الشركة، وكان من المقرر أن يتولى مناصب جديدة كنائب رئيس مجلس الإدارة ورئيس أنشطتها العالمية، وسيبقى هوليو في منصب الرئيس التنفيذي في الوقت الراهن، فيما سيغادر بنبينستي الشركة.
في خطاب الاستقالة الذي أتاح المتحدث الرسمي بعض المقتطفات منه، كتب بنبينستي إلى رئيس مجلس الإدارة آشر ليفي، أنه "في ضوء الظروف الخاصة التي طرأت" بعد القرار الأمريكي، وعدم قدرته على تنفيذ رؤيته للشركة، فإنه "لن يكون قادراً على تولي منصب الرئيس التنفيذي للشركة".
يعمل في الشركة خبراء متمرسون عملوا سابقاً في أهم وحدات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وتحاول الشركة الآن الدفاع عن سمعتها بعد أن خلص تحقيق أجرته 17 مؤسسة إعلامية ونُشر في يوليو/تموز، إلى أن برنامجها "بيجاسوس" استخدم في استهداف هواتف ذكية لصحفيين ونشطاء حقوقيين ومسؤولين حكوميين في عدة دول.
يعني إدراج الشركة على القائمة السوداء الأمريكية أن صادرات نظيراتها الأمريكية لها ستكون خاضعة لقيود، ما يجعل من الصعب على الباحثين الأمنيين الأمريكيين بيع معلومات لها حول نقاط ضعف أنظمة الحاسب الآلي.
من جهتها، أكدت "إن.إس.أو"، التي قالت إنها "مستاءة" من قرار إدراجها على القائمة السوداء، أنها فسخت عقودها مع الوكالات الحكومية التي أساءت استخدام منتجاتها التي تروجها باعتبارها "وسائل مشروعة لمساعدة سلطات مكافحة الجريمة في مكافحة الإرهاب".