سر العودة الشرسة لكورونا إلى أوروبا وتحولها لأكثر مناطق العالم تضرراً رغم حملات التطعيم

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/11/15 الساعة 22:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/15 الساعة 22:14 بتوقيت غرينتش
جائحة كورونا تعود بشراسة إلى أوروبا/رويترز

أصبحت ظاهرة عودة كورونا إلى أوروبا بقوة بمثابة كابوس مفزع لبقية العالم، يستدعي معرفة أسباب هذه الظاهرة في القارة التي يفترض أنها من أكثر مناطق العالم نجاحاً في حملات التطعيم ضد المرض.

في مظهر مُحزن يؤشر إلى عودة كورونا إلى أوروبا باتت هولندا، السبت 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أول دولة في أوروبا الغربية تفرض إغلاقاً جزئياً منذ الصيف، وأغلقت برلين مطاعمها في وجه من لم يتلقوا اللقاح، فيما تُسابق فرنسا الزمن لتكثيف حملة الجرعات المعززة، وهكذا أضحت أوروبا مركز الجائحة من جديد، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

المنطقة الوحيدة التي ترتفع فيها الإصابات والوفيات

عادت أوروبا لتتصدر المشهد الوبائي في العالم، مما يدفع بعض الحكومات إلى بحث إعادة فرض إجراءات الإغلاق التي لا تلقى قبولاً شعبياً.

وتمثل أوروبا "بؤرة" جديدة لوباء كورونا، إذ سجلت أكثر من نصف الإصابات في متوسط سبعة أيام على مستوى العالم ونحو نصف أحدث الوفيات، وهو أعلى مستوى منذ أبريل /نيسان في العام الماضي عندما اجتاح الفيروس إيطاليا لأول مرة، وفق وكالة رويترز.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، ارتفعت الإصابات بفيروس كورونا في القارة بنسبة 7% والوفيات بنسبة 10% خلال الأسبوع الماضي، وهو ما يجعلها المنطقة الوحيدة في العالم التي ترتفع فيها حالات الإصابة والوفيات باطراد.

وقالت منظمة الصحة العالمية إن ما يقرب من ثلثي الإصابات الجديدة- نحو 1.9 مليون- موجودة في أوروبا، حيث شهدت عدة دولٍ موجات رابعة أو خامسة. 

أسباب عودة كورونا إلى أوروبا

ونبه المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض السارية والوقاية منها، إلى أن الوضع الوبائي العام في البلدان الأوروبية يبعث على القلق الشديد نتيجة عودة كورونا إلى أوروبا الذي يتمثل في الارتفاع السريع في عدد الإصابات اليومية الجديدة والازدياد المطرد في عدد الوفيات.

تقديرات خبراء المركز للمشهد الوبائي في البلدان الأعضاء، التي تستند إلى معدل موحد يحتسب على أساس المؤشرات الوبائية على مدى خمسة أسابيع، أظهرت أن ثمة 10 بلدان؛ هي بلجيكا وبلغاريا وكرواتيا وتشيكيا وإستونيا واليونان والمجر وهولندا وبولندا وسلوفينيا، يشكل فيها المشهد الوبائي مصدراً للقلق الشديد، وأن 13 أخرى هي النمسا والدنمارك وفنلندا وألمانيا وأيسلندا وآيرلندا ولاتفيا وليتوانيا ولوكسمبورغ والنرويج ورومانيا وسلوفاكيا يستدعي الوضع الوبائي فيها القلق، حسبما ورد في تقرير نشر في صحيفة الشرق الأوسط السعودية.

باستثناء أوروبا الوسطى والشرقية، حيث تكون أعداد من تلقوا التطعيم أقل بكثير، تظل حالات الدخول إلى المستشفيات والوفيات أقل بكثير مما كانت عليه قبل عام، والاختلافات بين البلدان في التدابير الوقائية تجعل من الصعب استخلاص استنتاجات عامة.

لكن الخبراء يتفقون على أن السبب الأكثر ترجيحاً هو مزيج من انخفاض نسب التطعيم، وتراجع المناعة بين الأشخاص الذين تلقوا اللقاح مبكراً، والتراخي في الالتزام بالكمامات والتباعد بعد أن خففت الحكومات القيود خلال الصيف.

هل هناك علاقة بين معدل التطعيم وانتشار المرض؟

وقال هانز كلوغ، المدير الإقليمي لأوروبا في منظمة الصحة العالمية، الأسبوع الماضي: "اللقاحات تفعل ما تعهدت به: التخفيف من حدة المرض في حال الإصابة به، وتقليل الوفيات. لكنها أقوى أسلحتنا فقط في حال استخدمناها جنباً إلى جنب مع التدابير الوقائية".

ومعدلات تلقي اللقاحات في القارة هي الأعلى بجنوب أوروبا، حيث أعطت كل من البرتغال ومالطا وإسبانيا جرعتي اللقاح لأكثر من 80% من سكانها، وإيطاليا لـ73% من سكانها، وفقاً لأرقام OurWorldInData.

والمتوسطات المتغيرة للإصابات اليومية الجديدة خلال سبعة أيام هي الأدنى في تلك البلدان، حيث تبلغ عند نحو 100 حالة مرضية لكل مليون شخص، لكنها ترتفع، وفي المناطق التي تنخفض فيها نسبة التطعيم، فترتفع بدرجة كبيرة.

إذ شهدت مدينة ترييستي الإيطالية، التي اندلعت فيها الشهر الماضي احتجاجات كبيرة على البطاقة الخضراء الإيطالية، الأشد صرامة في أوروبا، حالات يومية تجاوزت الضعف. وقال رئيس إحدى وحدات العناية المركزة في المدينة الأسبوع الماضي، بعد الزيادة الكبيرة في حالات دخول المستشفيات، إن 90% منهم لم يتلقوا اللقاح وأكثرهم مرتبط مباشرة بالاحتجاجات: "عدنا إلى أيام الجائحة المظلمة".

لكن هولندا وفرنسا وألمانيا، التي تقل بها نسبة التطعيم بدرجة محدودة، تشهد أيضاً زيادة في الإصابات، في دلالة على الصعوبات التي تواجهها حتى البلدان ذات معدلات التطعيم المرتفعة نسبياً.

إذ دخلت هولندا، التي أعطت اللقاح لـ73% من سكانها، في إغلاق جزئي لمدة ثلاثة أسابيع يوم السبت، فأغلقت الحانات والمطاعم ومتاجر السلع الأساسية من الساعة الـ8 مساءً، وأغلقت المتاجر والخدمات غير الأساسية من الساعة الـ6 مساءً، وقصرت التجمعات المنزلية على أربعة ضيوف، بعد أن وصلت الحالات إلى أرقام قياسية جديدة.

عودة كورونا إلى أوروبا
دول جنوب أوروبا مثل إيطاليا التي عانت في السابق من الجائحة وضعها أفضل حالياً/رويترز

وسجلت البلاد، التي خففت معظم القيود خلال الصيف، إصابات جديدة بلغت 609 حالات لكل مليون خلال سبعة أيامٍ هذا الأسبوع؛ مما دفع الحكومة إلى التراجع عن تعهدها بإلغاء جميع القيود بحلول نهاية العام.

وتلقى ما يقرب من 69% من السكان جرعات اللقاح الكاملة في فرنسا أيضاً، وفقاً لأرقام OurWorldInData.

وصحيح أنه يلزم إبراز إثبات صحي يوضح التطعيم أو التعافي أو نتيجة فحص سلبية لدخول المتاجر والحانات والمطاعم أو ركوب الطائرة أو ركوب القطار لمسافات طويلة منذ الصيف، ولا تزال الكمامات إلزامية في الأماكن العامة المغلقة، لكن الحالات الجديدة ترتفع بنسب تتجاوز 10% كل أسبوع منذ شهر.

وقال وزير الصحة الفرنسي، أوليفييه فيران، الأسبوع الماضي: "يبدو جلياً أن ما نشهده في فرنسا بداية موجة خامسة"، حيث ارتفع متوسط الحالات الجديدة في سبعة أيام، رغم أنه لا يزال منخفضاً نسبياً، ارتفع باطراد إلى 134 حالة لكل مليون. 

وألمانيا، التي تم تطعيم 66.5% من سكانها بالكامل، على أعتاب موجة رابعة قد تكون الأشد حتى الآن، حيث سجلت أعلى معدلات إصابة يومية في العامين الماضيين خلال الأيام الخمسة الماضية، وسجلت 48.640 حالة جديدة يوم الجمعة، وبذلك يرتفع متوسط الإصابات في أسبوع إلى أكثر من 381 حالة لكل مليون.

ونبّه رئيس هيئة مكافحة الأمراض الألمانية إلى أن أجنحة العناية المركزة تواجه ضغوطاً غير مسبوقة، فيما تدرس الولايات الأكثر تضرراً فرض الإغلاق.

واعتباراً من يوم الإثنين 15 نوفمبر/تشرين الثاني، في برلين، لن يُسمح إلا للأشخاص الذين تم تطعيمهم أو تعافوا من الإصابة مؤخراً بزيارة المطاعم ودور السينما ومصففي الشعر. واقترح الوزير الاتحادي للصحة، ينس شبان، يوم الجمعة، فرض قواعد مماثلة لحضور الفعاليات العامة.

وشكك كريستوف سبينر، خبير الأمراض المعدية في مستشفى ريشتس دير إيزار الجامعي بميونيخ، في كفاية هذه الإجراءات. وقال لصحيفة The Observer: "ما نحتاجه الآن إجراءات موحدة وصارمة من الحكومة الفيدرالية، ولست واثقاً بأن هذه الإجراءات متوافرة حالياً".

وذكر أنه في مستشفاه نفسه، لم يتلقَّ نحو ثلاثة أرباع من يعالجون من الإصابة الخطيرة بمرض كوفيد لم يتلقوا اللقاح. وما يقرب من نصفهم يعانون من مشكلات صحية أخرى. وقال: "من يقولون إن الجائحة الآن بين من لم يتلقوا اللقاح فقط مخطئون".

سر تراجع التطعيم في الدول الناطقة بالألمانية

ستفرض النمسا، صاحبة أدنى معدل للتطعيم (62.8%) وأعلى معدل إصابة (أكثر من 1000 حالة يومياً لكل مليون شخص) بين جميع دول أوروبا الغربية تقريباً، إغلاقاً على الأشخاص غير المطعمين في أشد منطقتيها تضرراً هذا الأسبوع، وقد يتواصل فرض تدابير مماثلة على مستوى البلاد. إذ قال المستشار ألكسندر شالنبرغ، الجمعة 12 نوفمبر/تشرين الثاني، إنه لن يُسمح للأشخاص غير المطعمين في منطقتي النمسا العليا وسالزبورغ بمغادرة منازلهم إلا لأسباب ضرورية محددة، مثل شراء البقالة أو الذهاب إلى الطبيب.

وتشهد النمسا وسويسرا وألمانيا، الدول الناطقة بالألمانية، أعلى معدلات الأشخاص غير المطعمين في أوروبا الغربية، رغم صعوبة تحديد أسباب إحجام الناس عن تلقي اللقاح. وبالمقارنة مع دول جنوب أوروبا مثل إيطاليا أو إسبانيا، فقد شهدت الدول الثلاث موجات خفيفة نسبياً حتى الآن، الأمر الذي قد يدفع كثيرين إلى التقليل من خطورة الفيروس.

وهي أيضاً تتقبل نسبياً، بل تدعم "الطب البديل": ففي ألمانيا، على سبيل المثال، يمكن شراء العلاجات التجانسية من الصيدليات، وصناديق التأمين الصحي القانونية تغطي تكلفتها.

اليمين يحارب اللقاحات

وفي جمهورية ألمانيا الديمقراطية الاشتراكية سابقاً، كان معدل الإقبال على لقاحات الحصبة والأنفلونزا مرتفعاً كالعادة، لكن ساكسونيا وتورينغن وبراندنبورغ وساكسونيا-أنهالت تستقر حالياً في آخر مخطط التطعيم لفيروس كوفيد على مستوى البلاد.

وأشار المفوض الحكومي الخاص لألمانيا الشرقية، ماركو واندرويتز، إلى أن الإحجام عن تلقي اللقاح قد يكون له بُعد سياسي في مسقط رأسه ساكسونيا، معقل اليمين المتطرف "البديل من أجل ألمانيا".

وقال واندرويتز: "توجد صلة واضحة بين دعم حزب البديل من أجل ألمانيا ورفض اللقاحات". وفي النمسا، يؤيد حزب الحرية اليميني المتطرف (FPÖ) أيضاً الآراء المعادية للقاح بحماسة أكبر.

أوروبا الشرقية في أزمة جراء عوامل عدة

أما في أوروبا الوسطى والشرقية، التي خرج معظمها من الحكم الشيوعي قبل 30 عاماً فقط، فقد تضافر الفقر وضعف الثقافة الصحية والمعلومات المضللة مع انعدام الثقة الراسخ بالحكومة ومؤسسات الدولة، لإنتاج أدنى نسب للتطعيم في أوروبا.

ونتيجة لذلك، تضم تسع دول من وسط وشرق أوروبا حالياً أعلى 10 معدلات وفيات يومية بفيروس كورونا في الاتحاد الأوروبي. وتضم رومانيا وبلغاريا أعلى معدلات وفيات يومية في الاتحاد الأوروبي بنحو 22 حالة لكل مليون، أي أكثر من 30 ضعف المعدلات في فرنسا وإسبانيا والبرتغال.

ورغم وفرة إمدادات اللقاح، كانت نسبة من تلقي جرعات اللقاح الكاملة في البلدين هي الأقل بدول الاتحاد الأوروبي الـ27: إذ لم يتلقَّ سوى 34.5% من سكان رومانيا، و23.04% من سكان بلغاريا جرعتي اللقاح. وقد فرضت كلتاهما مؤخراً قيوداً أشد صرامة، فيما فرضت لاتفيا، وهي دولة أخرى تقل بها نسب التطعيم، إغلاقاً لمدة أربعة أسابيع في منتصف أكتوبر/تشرين الأول. وشددت جمهورية التشيك وسلوفاكيا وروسيا إجراءات الإغلاق أيضاً.

تحميل المزيد