السلام في البوسنة على شفا الانهيار والسبب زعيم الصرب.. كيف يمكن لبايدن أن ينقذ الموقف؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/11/16 الساعة 16:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/01 الساعة 07:49 بتوقيت غرينتش
زعيم صرب البوسنة دوديك/ رويترز

يحذر كثير من المراقبين من أن البوسنة على وشك أن تواجه أخطر أزمة تعصف بها منذ الحرب، والسبب تصرفات ميلوراد دوديك زعيم صرب البوسنة، فهل يمكن لجو بايدن إنقاذ الموقف؟ وكيف؟

ففي أوائل أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلن دوديك زعيم صرب البوسنة وعضو مجلس رئاسة البوسنة والهرسك المكون من ثلاثة أعضاء عن عزمه اتخاذ خطوات ترقى إلى الانفصال في كل شيء فعلياً عدا الاعتراف الرسمي.

وتعيد أفعال دوديك إلى الأذهان ما تعرَّض له البوسنيون من جرائم حرب، أبرزها مجزرة سربرنيتشا، على يد زعيم صربي آخر هو راتكو ملاديتش جزار البلقان الذي أدانته المحكمة الجنائية الدولية وحكمت عليه بالسجن مدى الحياة.

ماذا يحدث في البوسنة والهرسك؟

ويتبع ميلوراد دوديك استراتيجية تشمل تقويض وتفكيك مؤسسات البوسنة على مستوى الدولة وبناء جمهورية صرب البوسنة- أحد الكيانين السياسيين اللذين تتكون منهما جمهورية البوسنة والهرسك، والآخر هو اتحاد البوسنة والهرسك- لتصبح دويلة منفصلة.

ومن ضمن خطط دوديك تمرير تشريع في جمهورية صرب البوسنة لتجريد مؤسسات الدولة على مستوى البلاد من صلاحياتها هناك. ويعتزم الزعيم الانفصالي منع الشرطة وأجهزة المخابرات على مستوى البلاد وكذلك الهيئات القضائية من العمل داخل جمهورية صرب البوسنة وإنشاء مؤسسات موازية خاصة بها. بل أعلن دوديك نيته بناء جيش لجمهورية صرب البوسنة.

وباتباع سياسة إنشاء مراكز قوة موازية، يسير دوديك على خطى ما فعله قادة صرب البوسنة في زمن الحرب قبل 30 عاماً، تحديداً في خريف عام 1991. وكانت النتيجة محاولة انفصال عام 1992، ويخشى كثيرون في البوسنة أن يعيد التاريخ نفسه في الأشهر المقبلة.

ففي تلك السنوات، من 1991 وحتى 1995، ارتكبت القوات الصربية مجازر عديدة بحق البوسنيين. ففي العاصمة البوسنية سراييفو كان هناك قنّاصة يحوِّطون بعض الأماكن ليقتلوا المدنيين، كما تم قصف العاصمة بالقنابل والصواريخ، ما أسفر عن مقتل حوالي 10 آلاف شخص مدني منهم 1601 طفل، لكنّ أبرز تلك المجازر وأبشعها كانت مذبحة سربرنيتسا.

البوسنة
سراييفو، عاصمة البوسنة /IStock

وتأتي الخطوات التي يتخذها دودك كرد على قرار مكتب الممثل السامي- المسؤول الدولي الأعلى الذي يشرف على تنفيذ الجزء المدني من اتفاقية دايتون الخاصة بالسلام في البوسنة- بفرض قانون يجرم إنكار الإبادة الجماعية في سربرنيتسا عام 1995 التي ارتكبتها القوات الصربية البوسنية أو غيرها من جرائم حرب.

لكن دوديك وغيره من زعماء صرب البوسنة القوميين يرفضون وصف ما حدث بالإبادة الجماعية ويمجدّون الجناة، الذين أدينوا بارتكاب جرائم حرب، لإثارة الحماسة القومية.

التاريخ يعيد نفسه في البوسنة

وفي ظل التشابه المقلق بين ما تشهده البوسنة والهرسك مؤخراً وبين ما شهدته البلاد خلال فترة الحرب السابقة، يخشى كثير من المحللين والمراقبين الدوليين من تكرار المأساة التي تعرض لها مسلمو البوسنة على يد الصرب.

وفي هذا السياق نشرت مجلة Foreign Policy الأمريكية تقريراً عنوانه "كيف يمكن لبايدن إنقاذ السلام في البوسنة؟"، رصد تطورات الموقف وما يمكن أن تقوم به الإدارة الأمريكية قبل خروج الأمور عن السيطرة.

فالساسة المسلمون البوسنيون، من جانبهم، محاصرون، إذ يُنظر إلى الفشل في الرد على دوديك على أنه ضعف، لكن الالتزام باستخدام جميع الوسائل المتاحة للدفاع عن وحدة أراضي البوسنة يُصوَّر على أنه دعوة للحرب، خاصة أنه رغم اتخاذ دوديك خطوات جوهرية نحو الانفصال، فهو يتحدث في خطابه المضلل عن السلام.

سربرنيتسا
نذب تذكاري ومقابر لضحايا سربرنيتسا في البوسنة /IStock

وكانت الاستجابة الدولية لهذه الأزمة حتى الآن بائسة. ففي أواخر أكتوبر/تشرين الأول، أرسل الاتحاد الأوروبي مسؤولة رفيعة المستوى، هي أنجلينا أيخهورست، للتفاوض على إصلاح قانون الانتخابات. فقانون الانتخابات في البوسنة، الناشئ عن اتفاقية دايتون، قانون تمييزي بحق الأقليات التي لا تنتمي إلى واحدة من المجموعات العرقية الرئيسية الثلاث.

وإصلاح قانون الانتخابات ضروري من حيث مزاياه ومن حيث إنه يزيد من تقارب البوسنة مع الاتحاد الأوروبي. على أن متابعة هذه الإصلاحات الآن وسط هذا التهديد الوجودي للبلاد يبرز الهوة الكبيرة بين أولوية الاتحاد الأوروبي وهذه الأزمة المتنامية.

دوديك والانقسام داخل الاتحاد الأوروبي

ويدرك دوديك جيداً الانقسامات الداخلية في الاتحاد الأوروبي وتجاهَل بثقة أي احتمال لفرض عقوبات من الاتحاد الأوروبي. وقد التقى مؤخراً برئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان ورئيس الوزراء السلوفيني يانيز يانشا في محاولة لتنمية العلاقات مع الساسة غير الليبراليين في أوروبا وزيادة استغلال هذه الانقسامات.

وقوة الاتحاد الأوروبي العسكرية في البوسنة والهرسك (EUFOR)، المكلفة بالإشراف على تنفيذ الجانب العسكري من اتفاقية دايتون، ليست رادعاً قوياً لأي تحدٍّ أمني خطير.

فبالمقارنة بقوة حفظ السلام الدولية بقيادة الناتو التي انتشرت لمراقبة تنفيذ الاتفاقية عام 1995 والتي بلغ قوامها 60 ألف جندي، لا تضم قوة الاتحاد الأوروبي سوى 600 جندي فقط على الأرض في البوسنة. وكان لحضور هذه الوحدة الصغيرة أيضاً تأثير عكسي يتمثل في منح سكان البوسنة شعور زائف بالأمان مثلما فعلت الكتيبة الهولندية في سربرنيتسا عام 1995.

زعيم صرب البوسنة في زمن الحرب رادوفان كارادزيتش في قاعة المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة في لاهاي(رويترز)

ففي ذلك الوقت ومع تطورات الحرب، صارت منطقة سربرنيتسا جيباً معزولاً عن الأراضي التي يسيطر عليها الصرب. ولأنّها معزولة من مناطق سيطرة الصرب توافد عليها البوسنيون من جميع الأراضي البوسنية، وهكذا تكدّست المدينة بالبوسنيين النازحين من مناطقهم المدمرة.

حاصر الصرب سربرنيتسا من جميع الجهات، ومع الحصار قلّ الغذاء والتموين والماء والمواد الطبية اللازمة. وفي شهر أبريل/نيسان من عام 1993 تدخّلت الأمم المتحدة حين أعلنت منطقة سربرنيتسا منطقة آمنة تابعة للأمم المتحدة، وأرسلت قوات دولية للحفاظ عليها منطقة آمنة. وطلبت الأمم المتحدة من المتطوعين البوسنيين تسليم سلاحهم، بعدما سلم البوسنيون سلاحهم توقفت الهجمات الصربية، لكنّ الحصار ظلّ مطبقاً عليهم.

لكنّ الصرب أغلقوا المنفذ الوحيد الذي كان يدخل للبوسنيين منه الطعام والماء والمواد الطبية اللازمة. وفي عام 1995 قاد راتكو ملاديتش هجوماً دموياً على المدنيين البوسنيين العُزّل. وهذه المذبحة إحدى أسوأ المذابح في التاريخ الحديث، بل في التاريخ الإنساني، وقد كان إجمالي ضحاياها 8372 دُفنوا جميعاً في مقابر جماعيّة.

ماذا يمكن لبايدن أن يفعل في البوسنة؟

وبالنظر إلى الاستجابة عديمة الجدوى من الاتحاد الأوروبي تجاه الأزمة الحالية، أصبحت آمال العديد من البوسنيين معلقة الآن على الولايات المتحدة. وقد أرسلت إدارة بايدن مؤخراً نائب مساعد وزير الخارجية غابرييل إسكوبار ليعرب عن التزام أمريكا بوحدة أراضي البوسنة.

لكن دوديك، بعد لقائه إسكوبار، ظل على موقفه العدائي. كما أن العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية على دوديك عام 2017 "لعرقلته اتفاقية دايتون" لم تُسفر أيضاً عن أي تغيير في سلوكه.

ويتعين على إدارة بايدن اتخاذ خطوات أكثر جدية للحفاظ على السلام في البوسنة. والسبيل الوحيد المُجدي هو أن تقود إدارة بايدن قوة جديدة من حلف شمال الأطلسي (الناتو) في البوسنة، وفقاً لتقرير فورين بوليسي.

والناتو ليس بحاجة لوضع خطط انتشار جديدة. إذ نجح في مهمته عام 1995 نجاحاً استثنائياً. وكان الحضور الكبير لقوات الناتو- وخاصة القوات الأمريكية- رادعاً قوياً حافظ على البوسنة وحماها من الانجرار إلى حرب جديدة.

وفي الواقع، نجح تنفيذ الجزء العسكري لاتفاقية دايتون بدرجة أكبر بكثير من الجزء المدني. وبإمكان حلف الناتو الآن تكرار ما فعله منذ ربع قرن مضى ولكن بعدد أقل من الجنود، 3000 أو 5000 جندي قد يكون كافياً، على افتراض أن الوضع لن يزداد سوءاً في الأسابيع المقبلة.

ويتعين على القوات الأمريكية وقوات الناتو أن تتمركز في العاصمة سراييفو، ويمكنها تحويل مطار توزلا إلى قاعدة واستخدامها لتجديد التجهيزات، وكذلك في بلدة برتشكو ذات الأهمية الاستراتيجية في الشمال الشرقي. ويُشار إلى أن وضع برتشكو شكّل حجر عثرة في محادثات دايتون للسلام ولم يُحَل إلا بعد الحرب.

الرئيس الأمريكي جو بايدن/ الأناضول
الرئيس الأمريكي جو بايدن/ الأناضول

فالمدينة منطقة تتمتع بالحكم الذاتي ومنفصلة عن الوحدتين الإداريتين في البلاد. وأهمية برتشكو الاستراتيجية تنبع من موقعها الجغرافي، الذي يجعلها شديدة الأهمية في الاتصال بين الجزء الشمالي من جمهورية صرب البوسنة وصربيا وأيضاً بين الأجزاء الشمالية والشرقية من جمهورية صرب البوسنة.

ونشر قوات الناتو في برتشكو سيرسل إشارة واضحة بأن الانفصال ليس خياراً، حيث إن أي محاولة للانفصال ستُواجه بحصار من قوات الناتو المتمركزة في هذه المنطقة يمنع عنها الإمدادات اللوجستية والاتصالات. وتمركز القوات هناك سيحافظ على المكانة المميزة للمدينة داخل البوسنة وسيضمن الالتزام باتفاقية دايتون.

وعودة القوات الأمريكية وقوات الناتو إلى البوسنة سيؤدي في المقام الأول إلى تأثير رادع لأي محاولات للانفصال قد تأتي بها جمهورية صرب البوسنة. وبالطريقة نفسها التي حافظ بها حضور قوات الناتو في فترة ما بعد الحرب مباشرة على السلام، فإرسال قوة جديدة سيؤدي إلى النتيجة نفسها الآن. ورغم أن قوات الناتو الجديدة في البوسنة لن تنهي الجمود الذي حلّ بمؤسسات البوسنة بعد اتفاقية دايتون، فهي ستقلل من مخاوف المواطنين والمراقبين البوسنيين من أن تخرج الأحداث عن نطاق السيطرة.

وبقيادة أمريكا لقوة الناتو في البوسنة، تؤكد إدارة بايدن أيضاً التزام أمريكا بالحفاظ على حالة نادرة ناجحة لبناء دولة على مدى العقود الماضية. فقد استثمرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشكل كبير في إعادة إعمار البوسنة بعد الحرب وساعدا في دفع البلاد التي مزقتها الحرب نحو تقدم واضح وإن كان بطيئاً. والحفاظ على السلام في البوسنة سيتطلب موطئ قدم ثابتاً جديداً في هذا البلد البلقاني.

تحميل المزيد