يبدو أن الأمير هاري وزوجته الأمريكية ميغان ماركل يسعيان إلى لعب دور أكبر من مجرد كونهما زوجين قرَّرا التخلي عن وضعهما في العائلة الملكية البريطانية، فهل لديهما طموح سياسي في أمريكا؟
فمنذ تلك المقابلة التي أجراها هاري وميغان مع أوبرا وينفري، وهي المقابلة التي أصبحت حديث العالم وسببت فزعاً وصدمة داخل أروقة القصر الملكي البريطاني، بدت الأمور كما لو أنهما قررا قطع علاقتهما تماماً بأي شيء يربطهما بحياتهما الملكية وبدء حياة جديدة كشخصين شهيرين داخل المجتمع الأمريكي المختلف تماماً عن نظيره البريطاني.
فالطبيعة الشخصية للتفاصيل التي كشفت عنها ميغان وزوجها الأمير هاري، والتي شوهت صورة العائلة بصورة ربما لم يتوقعها أحد، جعلت الأمور تتجه نحو قطيعة شاملة بينهما وبين القصر الملكي، وبدا أنهما يؤسسان لتلك الحياة الجديدة في موطنهما الجديد على الأراضي الأمريكية.
لكن الأسابيع الأخيرة كشفت على ما يبدو عن مسار جديد شرع فيه دوق ودوقة ساسكس سابقا، يسعيان من خلاله إلى تحديد ملامح حياتهما في أمريكا عبر إضافة بعض القضايا السياسية وأنشطة التأثير الاجتماعي إلى قائمة الاهتمامات العامة المندرجة تحت كونهما نشطاء إنسانيين من عائلة ملكية يتبنون النمط الأمريكي في الثروة والشهرة والمشاركة في البرامج الحوارية.
ميغان تتبنى قضايا سياسية بامتياز
ونشرت صحيفة The Guardian البريطانية تقريراً حول ذلك التوجه الجديد، عنوانه "هل ينجح الأمير هاري وزوجته ميغان ماركل في تقديم صورة جديدة للمَلَكية في الأوساط السياسية الأمريكية؟"، رصد كيف أن كل ما أقدما عليه حتى الآن يبدو مدروساً ومخططاً له بعناية.
في البداية، اتصلت ميغان من تلقاء نفسها بنائبين جمهوريين في مجلس الشيوخ الأمريكي (هما شيلي مور كابيتو من ولاية ويست فرجينيا، وسوزان كولينز من ولاية مين) لحثِّهما على دعم برنامج الإجازة العائلية المدفوعة الأجر في محاولات الرئيس الأمريكي جو بايدن المضنية لتمرير التشريعات الخاصة ببرنامجه الانتخابي "إعادة بناء أفضل".
وفي هذا السياق، قالت السيناتور كولينز لموقع Politico الإخباري الأمريكي: "لقد اتصلت بي على رقم هاتفي الخاص، وقدمت نفسها بصفة دوقة ساسكس، وهو أمر ينطوي على نوع من المفارقة [باعتبار أنها وزوجها قد تخليا عن ألقابهما الملكية البريطانية ويعيشان في الولايات المتحدة]، وربما تخيب آمال محبي العائلة الملكية بعض الشيء إذا عرفوا أنها أبدت اهتماماً أكبر بما يقوله سكان ولاية ماين من آراء العائلة الملكية البريطانية عنها".
ثم ظهرت ميغان في ندوة نظمتها صحيفة The New York Times الأمريكية لدعم القضية نفسها، وقالت: "هذه إحدى القضايا التي لا تتعلق بالانتماء ولا يهم فيها ما إذا كنت من الحزب الجمهوري أم من الحزب الديمقراطي"، مشيرة إلى رسالة سابقة لها لدعم الإجازات المدفوعة الأجر شددت فيه على أنها "ليست مسؤولة منتخبة، ولا سياسية"، وكتبت فيها أنها "مواطنة مهمومة بالأمر وأم".
وتوجهت ميغان برسالتها إلى نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب والشخصية البارزة في الحزب الديمقراطي، بالإضافة إلى زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر. كما تواصلت مع عضوة مجلس الشيوخ الديمقراطية عن ولاية نيويورك، السيناتور كيرستن غيليبراند، لتعرض عليها مساعدتها في تنظيم حملات لدعم الإجازات المدفوعة الأجر.
هاري أيضاً يدخل على خط السياسة الأمريكية
وعلى نفس المنوال، كشف هاري عن دوره الاجتماعي، فقد أخبر الحضور في أحد المنتديات التقنية الأسبوع الماضي أنه حذَّر الرئيس التنفيذي لشركة تويتر، جاك دارسي، من أن "منصته كانت تسمح عياناً بتدبير انقلاب" قبل يوم من هجوم حشدٍ من أنصار ترامب على مبنى الكابيتول الأمريكي.
وبحلول منتصف الأسبوع، عاد الزوجان إلى إحدى القضايا المألوفة لهما، وهي الإشادة بالقوات المسلحة الأمريكية في يوم المحاربين القدامى ودعم الحملات الرامية إلى زيادة الوعي باحتياجات الرعاية الصحية العقلية والنفسية للمحاربين القدامى والعسكريين العائدين من القتال في الخارج.
وفي هذا السياق، يرى بعض المراقبين أن نشاط عائلة ساسكس ليس إلا محاولة للاشتغال -جزئياً على الأقل- بسياسات الدولة التي اتخذوها وطناً لهم، لكن بالنظر إلى الطبيعة المنقسمة للسياسة الأمريكية، فإن هذا الطريق ليس طريقاً سهلاً للسير فيها.
أريان تشيرنوك، أستاذة التاريخ في جامعة بوسطن، قالت للغارديان: "إنهم يحاولون إعادة تقديم أنفسهم في صورة جديدة دون التخلي عن اللقب الملكي تخلياً تاماً. ومع أن ميغان تصر على أن اهتمامها منصب على قضية حقوقية يحق لها كأي مواطن أمريكي التحدث فيها، فإنه على خلاف ما تعتبره هي قضية غير سياسية، فإن القضية المشار إليها محل نزاع حزبي شديد في السياق الأمريكي".
من جانب آخر، فإن عملية الانفصال عن الملكية مع الاستمرار في الاستفادة من المزايا الداخلية التي تمنحها هي حبل مشدود دقيق. لكن افتتان أمريكا بميغان "يغذيه تبنيها الصريح لهويتها الأمريكية ومحاولتها لربط بتلك الهوية بهموم المواطنين العاملين متعددي الأعراق والثقافات"، بحسب ما تقول أستاذة التاريخ أريان تشيرنوك.
تأثير مقابلة أوبرا كان مدروساً
وبعد المقابلة التي أجراها الدوق والدوقة مع أوبرا وحديثهما عن العنصرية التي وُوجهوا بها في بعض الأوساط الملكية، كشف استطلاع رأي أجرته صحيفة The Economist بالتعاون مع شركة YouGov لاستطلاعات الرأي أن نحو 40% من البالغين الأمريكيين عموماً يشعرون بالتعاطف الشخصي مع الزوجين، وبلغت نسبة التعاطف مع الزوجين ضعف نظيرتها من التعاطف مع العائلة الملكية البريطانية.
لكن هذه العواطف ليست تلقائية تماماً، ومساعي الفرع المنشق عن العائلة الملكية البريطانية لتأسيس حياتهما الجديدة في الولايات المتحدة هي مساع مدروسة ومخطط لها جيداً. وهو ما دفع بعض المراقبين إلى التساؤل عما ستبلغه الحملات الأخيرة في المجال السياسي للولايات المتحدة، بحسب تقرير الغارديان.
حتى الآن، ارتكزت العلاقات بين الولايات المتحدة الجمهورية والملوك الأجانب إلى خطوط واضحة نسبياً على النحو المنصوص عليه في الدستور الأمريكي منعاً لقيام أي مجتمعٍ مشابه لمجتمعات النبلاء في الولايات المتحدة.
ويقول أستاذ التاريخ ديفيد هاكيت فيشر: "يستخدم كثير من الناس في أمريكا ألقابهم طوال الوقت، لكن ذلك لا يعني أنهم سيحققون من ورائها شيئاً فعلياً. ويثير الأشخاص الحاملون للألقاب الملكية نوعاً من الفضول لدى أناس كثيرين، لكن معظم الأمريكيين لا يرون أي مصلحة على الإطلاق في وجود طبقة أرستقراطية أو ملكية، ولا يؤمنون بأي مكانة مخصوصة لها".
ومع ذلك، يستدرك فيشر بأن التعامل مع الشهرة في السياق الأمريكي أمر مختلف، "فالأمريكيون لا ينظرون إلى المشاهير على أنهم طبقة، ويحتفون بالأشخاص المشهورين، سواء كانوا نجوماً سينمائيين أو رياضيين أو أياً كانوا، وأحياناً لمجرد كونهم أثرياء. ومن ثم فهم يهتمون بدوق ساسكس وزوجته لأنهما مشاهير تنقل الصحف الشعبية أخبارهم".
بيد أن القبول النسبي داخل بعض الدوائر الديمقراطية لآراء ميغان السياسية يشير إلى أكثر من مجرد الاهتمام بقضايا مشتركة في لحظة سياسية متوترة. ويقول بروس فريد، من "مركز المساءلة السياسية": "سواء أكانت محقة في مساعيها أم مخطئة، فالثابت أنها يمكنها أن تفعل أشياء لا يستطيع المواطن العادي القيام بها. إنها قوة الشهرة".
يشير كل ذلك إلى أن الزوجين يحاولان تكوين هوية جديدة لعلامتهما التجارية، ولكن من نواح عديدة، فإن محاولة الدوق والدوقة لوضع نشاطهما في إطار إنساني تتماشى مع السلوك المعتاد تاريخياً لأفراد العائلة المالكة الذين جعلوا المساعي الإنسانية ودعمها وجهةً حاكمة لعلاقاتهم منذ القرن الثامن عشر.
ولا يمنع هذا التوجه الإنساني بالطبع من وجود سلسلة ممتدة تاريخياً من الفضائح التي شكلت فصولاً بارزة في تاريخ العائلة الملكية الأقدم على الإطلاق. فتاريخ الأسرة الملكية في بريطانيا يعود لأكثر من ألف عام، شهد البلاط الملكي خلالها قصصاً وفضائح ومؤامرات تعج بها كتب التاريخ والتراث البريطاني، وفي العصر الحديث يرى البعض أنَّ تخلِّي الملك إدوارد الثامن عن العرش عام 1936، الفضيحة الأكبر بقصر باكنغهام في العصر الحديث.
كما أثارت تلك المقابلة مع أوبرا تساؤلات كثيرة بشأن طبيعة العائلة الملكية البريطانية، وهل هي مؤسسة أم شركة أم أسرة؟ وكيف سيكون تعامل هاري وميغان بعد التخلي طواعية عن دورهما في إطار العائلة الملكية؟
وترى أريان تشيرنوك، أستاذة التاريخ/ أن ما تقوم به ميغان وزوجها الأمير هاري في الولايات المتحدة يأتي في إطار كونه "إحدى السبل التي يلجأون إليها باستمرار لإثبات دورٍ ما لهم، كما أنها إحدى الطرق التي يستخدمونها لتبرير نفوذهم والامتيازات الممنوحة لهم".