هل تفتح زيارة عبدالله بن زايد للأسد باب التحوُّلات في المنطقة؟، نعم وهذا ما يريده الأطراف من سوريا

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/11/12 الساعة 09:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/12 الساعة 09:35 بتوقيت غرينتش
وزير الخارجية الإماراتي ورئيس النظام السوري /رويترز

أثار لقاء وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد مع رئيس النظام السوري بشَّار الأسد، في دمشق هذا الأسبوع، دهشةً في جميع أنحاء المنطقة وفي واشنطن. كانت الزيارة رمزيةً ومهمة، وقد تمثِّل تحوُّلاً في المنطقة. 

قدَّمَت الإمارات ودولٌ أخرى مبادراتٍ هادئة لدمشق منذ سنوات، وهناك إجماعٌ ناشئٌ بين الإمارات والأردن ومصر والمملكة السعودية وشركائها على أن الوقت قد حان لإخراج سوريا ونظامها من حالة الجمود في العلاقات. 

وأشارت وكالة France 24 إلى أن "الزيارة يُنظَر لها على نطاقٍ واسعٍ على أنها علامة على جهودٍ إقليمية لإنهاء العزلة الدبلوماسية للأسد، في الوقت الذي تكافح فيه سوريا أزمةً اقتصادية متصاعدة ناجمة عن سنواتٍ من الصراع، وقد تفاقمت بسبب العقوبات الغربية". 

ويتمثَّل الموقف الرسمي الإماراتي في دعم جهود إنهاء "الأزمة" في سوريا، في إشارة إلى الصراع الذي يمتدُّ إلى أكثر من عقدٍ من الزمان في البلاد، بحسب تقرير لصحيفة Jerusalem Post الإسرائيلية. 

التحوّلات السياسية في المنطقة

سوريا منقسمةٌ اليوم، وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة على شرق سوريا، فيما تسيطر تركيا على أجزاءٍ من شمال غرب وشمال البلاد، ويسيطر النظام على باقي الأنحاء. وتضطلع روسيا بدورٍ في دمشق واللاذقية وتساعد النظام، بينما تقوم إيران بدورٍ في البوكمال وقاعدة التياس الجوية العسكرية وبالقرب من الجولان، حيث يهدِّد وكلاؤها، مثل حزب الله اللبناني، إسرائيل. 

وكانت وسائل إعلام إماراتية قد أفادت بأن الإمارات تريد أن "ترسِّخ سوريا الاستقرار في البلاد وتلبي تطلُّعات الشعب السوري الشقيق". 

ليست الولايات المتحدة منزعجةً من ذلك، في حين أنها حاولت من قبل عزل النظام السوري. وحتى عام 2013، كان هناك اعتقادٌ بأن واشنطن قد تتدخَّل لصالح المعارضين السوريين، الذين أصبحوا أكثر انقساماً بمرور الوقت، وكذلك أكثر تطرُّفاً. ومع سيطرة داعش على جزءٍ من سوريا وارتكاب جرائم إبادة جماعية في العام 2014، تغيَّرَت سياسة الولايات المتحدة. 

جنود من القوات الأمريكية في سوريا، أرشيفية/ رويترز

وفي ظلِّ الاتفاق الإيراني، تحرَّكَت الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم داعش في إطار تحالفٍ دولي، وانتهت الجهود المبذولة لخلع الأسد. وفي ظلِّ إدارة ترامب، تحوَّلَت الولايات المتحدة إلى شراكةٍ أوثق مع إسرائيل بسبب مخاوف بشأن ترسيخ إيران في سوريا. ومع ذلك، استُبعِدَت الولايات المتحدة أيضاً من المناقشات في أستانا التي دعمتها روسيا، فيما سعت روسيا وتركيا وإيران إلى إدارة سوريا. 

تدخل تركيا عسكريا في سوريا عام 2016، وسيطرة على المنطقة الشمالية فيما ساعدت روسيا نظام الأسد على استعادة حلب في العام نفسه. وساعدت الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية على هزيمة داعش. وفي العام 2019، خانت إدارة ترامب شركاءها في قوات سوريا الديمقراطية، واستفادت تركيا من ذلك بسبب العداء التاريخي مع الفصائل الكردية الانفصالية المسلحة مثل تنظيم "حزب العمال الكردستاني" الذي تصنفه كل من أنقرة وواشنطن بأنه منظمة إرهابية، لكنها تراجَعَت بعد ذلك عن الانسحاب من سوريا. والآن، يبدو الوضع وكأنه صراعٌ مُجمَّد. 

ومع ذلك، تبدو الصور خادعةً. في العام 2018، استعاد النظام المناطق القريبة من الجولان. وقد سعى إلى إعادة فتح العلاقات مع الأردن، وربما حتى استيراد الوقود من مصر لمساعدة لبنان على تلبية احتياجاته من الطاقة. وفي غضون ذلك، تفرض الولايات المتحدة عقوباتٍ على النظام. ومثل إيران، المتحالفة مع الأسد، يريد النظام السوري التواصل مع الصين. 

ماذا تعني زيارة عبدالله بن زايد للأسد؟

أما الزيارة الإماراتية، فهي مهمةٌ لأن الإمارات شريكٌ رئيسي للولايات المتحدة، وأيضاً لأنها يجمعها اتفاقُ سلامٍ مع إسرائيل، بحسب الصحيفة العبرية.

قال المتحدِّث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، للصحفيين هذا الأسبوع: "هذه الإدارة لن تعبِّر عن أيِّ دعمٍ لجهود تطبيع أو إعادة تأهيل علاقات بشَّار الأسد، فهو ديكتاتورٌ وحشي". 

الأسد وعبدالله بن زايد
وزير الخارجية الإماراتي ورئيس النظام السوري /رويترز

وينتاب القلق الولايات المتحدة بالفعل بشأن شركائها في المنطقة. وواشنطن بعيدةٌ عن كلٍّ من القاهرة والرياض في القضايا الرئيسية. علاوة على أن الولايات المتحدة غاضبةٌ من الانقلاب الأخير في السودان، ويبدو أن الأرض تنزلق من تحت أقدام الولايات المتحدة في المنطقة. وهذا يعني أن لديها مشكلاتٍ مع معظم حلفائها وأصدقائها التقليديين. في الوقت نفسه الذي تتوتر علاقات بايدن مع أنقرة الحليف الأهم للولايات المتحدة في مواجهة روسيا.

حتى يوجد نظامُ تحالفٍ مؤيِّد للولايات المتحدة، وهو النظام المُكوَّن من إسرائيل واليونان وقبرص والإمارات ومصر والمملكة السعودية والبحرين والأردن. ويمكن اعتبار عُمان وتونس والمغرب والكويت دولاً مهمة ومستقرة أيضاً. لكن حتى هناك، أرسل الإيرانيون وفداً هذا الأسبوع، وهدَّدَت تركيا باجتياحٍ جديد للإقليم الكردي في سوريا وقصف مناطق كردية أسبوعياً. 

ماذا تريد الولايات المتحدة من سوريا؟

تُطرَح الآن تساؤلاتٌ حول سياسة الولايات المتحدة إزاء سوريا. ومن ناحيةٍ أخرى، بدا أن الولايات المتحدة تشير إلى أن الأردن ومصر قد يمدان لبنان بالطاقة عبر دمشق. وقد تعيد الولايات المتحدة النظر في دورها في شرق سوريا. وقد يعارض ذلك بريت ماكغورك، مهندس السياسة الأمريكية مع قوات سوريا الديمقراطية والمسؤول الأمريكي الرئيسي هناك اليوم. 

هناك بعض الأشخاص في إدارة بايدن مِمَّن يريدون أن يخفِّفوا حِدَّة التعامل مع إيران، فيما يريد آخرون أن يكونوا أكثر صرامةً. وقد فرضت الولايات المتحدة عقوباتٍ جديدة على برنامج الطائرات المسيَّرة الإيراني. لكن طهران تتاجر أيضاً بالنفط مع بكين، حتى وقت الحادث الأخير الذي أوقفت فيه إيران ناقلة نفطٍ عادت من الصين. 

تصوِّر التعليقات الأمريكية الزيارة الإماراتية على أنها إشكالية. وهذا يعني أنه من المُحتَمَل ألَّا يكون الأمر بالوناً تجريبياً لإدارة بايدن. تجدر الإشارة هنا إلى أن الإمارات كانت تقدِّم مبادراتٍ مع الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2018. وكان رئيس الاستخبارات السورية، علي مملوك، يلتقي مع المصريين منذ عام 2016، وكانت هناك زيارةٌ مهمة في ديسمبر/كانون الأول 2018، في الوقت الذي أشارت فيه الإمارات إلى انفتاحٍ جديد على دمشق. 

الأكراد يسيطرون على شمال شرق سوريا/رويترز

واستضاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسد في سبتمبر/أيلول 2021، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ووافقت مصر والأردن وسوريا على خطةٍ للطاقة في سبتمبر/أيلول الماضي. وتلقَّى ملك الأردن مكالمةً هاتفية من الأسد في 3 أكتوبر/تشرين الأول، وكانت هذه هي المرة الأولى منذ عقدٍ من الزمان يتحدَّث فيها الاثنان رسمياً. 

أرسلت سوريا أحد وزرائها لزيارة المملكة السعودية في مايو/أيَّار الماضي، وهي زيارةٌ أولى أخرى منذ عقدٍ مضى. ويُعتَقَد أن دول الخليج منفتحةٌ الآن على استثماراتٍ جديدة في سوريا. إنهم يسيرون بخفَّةٍ ويتحرَّكون ببطءٍ وبصورةٍ عملية. 

لعلَّ حساب الاتِّجاه الجديد واضح. تريد الإمارات والمملكة السعودية "الاستقرار" في المنطقة، وهما يعارضان الإخوان المسلمين وتركيا، بقيادة حزب العدالة والتنمية، الذي له جذور إسلامية هو الآخر.

وبحسب الصحيفة الإسرائيلية فإن التنافس الإقليمي في هذا السياق هو التنافس الذي ترى فيه الرياض وأبوظبي والقاهرة الأسد على أنه يُحتَمَل أن يعود إلى جامعة الدول العربية، وأن يكون حصناً ضد المسلحين في إدلب، فضلاً عن احتمال إبعاده عن إيران. لكن نظام الأسد فقيرٌ وضعيف ويجب أن يعتمد على إيران. ويُعتَقَد أنه مع القليل من الدعم قد يعدِّل النظام موقفه بشكلٍ طفيف. 

أما موقف إسرائيل هنا، فهو مُعقَّد. حسَّنَت الدولة اليهودية علاقاتها مع الأردن ومصر والإمارات والبحرين، وهي الدول الرئيسية المشاركة في مبادرة سوريا. وكانت تربطها علاقاتٌ جيِّدة مع الجماعات المعارضة المعتدلة بالقرب من الجولان، حتى هزمها نظام الأسد عام 2018. ومنذ ذلك الحين، عملت إسرائيل على منع ترسيخ إيران في سوريا. لكن لإسرائيل أيضاً علاقاتٍ جيِّدة مع موسكو، وقد أجرت محادثاتٍ مع روسيا بشأن سوريا. 

يُنظَر في الغرب إلى هذه الخطوة من قِبَلِ الإمارات على أنها مثيرةٌ للجدل، لأن الولايات المتحدة على وجه الخصوص تنظر إلى الأسد باعتباره تجسيداً للشر، ويُنظَر إليه في بعض الأحيان على أنه أسوأ من إيران؛ إذ ارتكب انتهاكاتٍ مشينة على مرِّ السنين. وفي حين أن هناك أصواتاً في واشنطن تريد نهجاً ناعماً إزاء إيران، هناك إجماع على أن الأسد لاعبٌ سيئ. 

تحميل المزيد