“انتخابات الأمر الواقع”.. كيف يهدد مؤتمر باريس استقرار الوضع الليبي ومَن سيخدم من المرشحين؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/11/11 الساعة 10:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/11 الساعة 06:16 بتوقيت غرينتش
خليفة حفتر وإيمانويل ماكرون في باريس، أرشيفية/ تويتر

يحاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، رمي كامل ثقله خلف قمة دولية تُعقد الجمعة 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، في باريس، حول الوضع في ليبيا، بحضور نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، بهدف فرض "انتخابات الأمر الواقع"، التي هندس قوانينها عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، دون توافق مع "شركائه" في المنطقة الغربية.

كيف سينعكس مؤتمر باريس على مستقبل ليبيا؟

ويقول تحليل نشرته الأناضول إن ماكرون يسعى إلى حشد أكبر تحالف دولي ممكن داعم للانتخابات الليبية، حتى ولو بدون قاعدة دستورية ولا قوانين انتخابات توافقية أو حتى وفق نصوص الإعلان الدستوري والنظام الداخلي للبرلمان والاتفاق السياسي.

ويهدف أيضاً لعزل وربما معاقبة الأطراف الليبية التي تصرّ على إجراء الانتخابات في موعدها، لكن وفق قاعدة دستورية وقوانين انتخابات متوافق عليها، على غرار المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري)، عشرات النواب، ورؤساء بلديات وقادة عسكريون وأعيان المنطقة الغربية.

وهؤلاء من أشارت إليهم الرئاسة الفرنسية في معرض تقديمها لمؤتمر ليبيا، الثلاثاء، قائلة "لكن المعطلين، هؤلاء الذين يريدون تعطيل الديناميكية الحالية، يتربصون بها (الانتخابات)، يحاولون إخراج العملية عن مسارها"، على حد قول قصر الإليزيه.

وأكثر من ذلك يريد الرئيس الفرنسي تحصين نتائج الانتخابات، المزمع عقدها في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، من أي طعن لدى الدائرة الدستورية في المحكمة العليا، وهو ما لجأ إليه المجلس الأعلى للدولة، لكن دون أي استجابة من القضاء حتى الآن، إذ دعا الإليزيه إلى "جعل العملية الانتخابية غير قابلة للطعن، ولا العودة عنها، وضمان احترام نتيجة الانتخابات".

قمة باريس تسعى لتوفير غطاء دولي لانتخابات على مقاس حفتر

قمة باريس، التي تعد نسخة معدلة من مؤتمر برلين، أشرك فيها ماكرون كلاً من إيطاليا وألمانيا، لتفادي التنافس بين الدول الثلاث المعنية بالملف الليبي، رغم اختلاف وجهات النظر بينهم حول بعض النقاط.

إذ تحدّثت وسائل إعلام غربية عن خلاف بين باريس وروما حول مضمون البيان الختامي، فالإيطاليون يصرّون على أن يتضمن البيان مادة تسمح للجميع بالترشح للانتخابات، فيما يتمسك الفرنسيون بالشروط التي نصّ عليها قانون الترشح الصادر عن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، الذي يشترط توقف المرشح عن ممارسة وظيفته بشكل نهائي، قبل ثلاثة أشهر على الأقل من تاريخ الانتخابات.

فهذه المادة تمنع رئيس الحكومة الليبية الحالي من الترشح للرئاسيات المقبلة، وبينما تدعم إيطاليا الأخير من أجل الترشح، تقف فرنسا إلى جانب خليفة حفتر، لمنع منافسيه الحقيقيين من تهديد حظوظه بالفوز بالرئاسة.

كما أنها تأتي بعد أسابيع من انعقاد "مؤتمر استقرار ليبيا" بالعاصمة طرابلس، الذي شهد مشاركة دول جوار ليبيا الجنوبية (السودان، والنيجر وتشاد) لأول مرة، بعدما غيبهم مؤتمر برلين الأول والثاني، فيما وجه ماكرون الدعوة لأكبر عدد من الزعماء المعنيين بالوضع في هذا البلد الجريح.

دعوة إسرائيل وقبرص واليونان لمؤتمر باريس حول ليبيا يثير الجدل

ومن شأن دعوة باريس قادة كل من إسرائيل واليونان وقبرص اليونانية، لقمة باريس، أن يثير استياء العديد من الدول، أبرزهم تركيا وليبيا والجزائر، كما يحاول فرض تل أبيب كطرف في الأزمات الداخلية للدول العربية.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد لا يشارك في هذا المؤتمر، بحسب ما نقلته عنه وسائل إعلام عقب عودته من قمة العشرين، حيث صرح أنه أبلغ ماكرون أن "هناك دعوات لدول مثل اليونان وإسرائيل وإدارة قبرص الرومية، فنحن لا نشارك في مؤتمر تشارك فيه تلك الأطراف".

ومن المتوقع أن تعترض ليبيا هي الأخرى على حضور إسرائيل، إذ نقل موقع "عين ليبيا"، عن مصدر مقرب من رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، أن الأخير أبلغ ماكرون خلال لقائه على هامش قمة المناح باسكتلندا، رفض بلاده مشاركة إسرائيل واليونان وقبرص الرومية.

وتحدّثت وسائل إعلام فرنسية عن إرسال باريس دعوتين إلى كل من رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، والدبيبة، في ظل خلاف حول الصلاحيات المتعلقة بالسياسة الخارجية، أدت إلى قرار المجلس الرئاسي تعليق مهام وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، وإحالتها إلى التحقيق، وهو ما اعترضت عليه حكومة الوحدة.

ومن المتوقع أن تعترض كل من الجزائر وتونس على مشاركة إسرائيل في مؤتمر باريس، رغم أن وزيري خارجية البلدين رفقة نظيرتهم الليبية نجلاء المنقوش، لمحوا إلى مشاركة بلدانهم في هذا المؤتمر، في بيان مشترك، دعوا فيه إلى دور رئيسي للسلطات الليبية خلال المؤتمر.

بينما تأكد غياب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن مؤتمر باريس، في ظل أزمة مع فرنسا خلفتها تصريحات ماكرون، التي نفى فيها وجود أمة جزائرية، قبل أن يتراجع ويعبر أنه يحترم كثيراً الأمة الجزائرية وتاريخها وسيادتها.

وتمنّى ماكرون حضور تبون مؤتمر باريس، لكن تراجعه عن تصريحاته لم يكن كافياً لتهدئة العلاقات بين البلدين، إذ إن مشاركة تبون في مؤتمر باريس كان من شأنه تعزيز موقف ماكرون في المؤتمر، واللعب بهذه الورقة أيضاً في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، من خلال الحصول على دعم الناخبين من أصول جزائرية.

قواعد لعبة على مقاس حفتر

ووفق هذا المنطق، يكون عقيلة صالح قد نجح في وضع قواعد اللعبة الانتخابية، على مقاس مرشح واحد رئيسي هو خليفة حفتر، الذي تسيطر ميليشياته على المنطقتين الشرقية والجنوبية، والذي يرفض الخضوع لأي سلطة مدنية، لكنه يسعى للفوز بكرسي الرئاسة عبر المناورة السياسية بعد فشله في الحصول عليه عبر القوة العسكرية.

وهذا هو الهدف الذي يريد أن يصل إليه ماكرون، من خلال تمهيد الطريق لحفتر لتسلم السلطة تحت غطاء دولي، ولو بانتخابات غير شفافة ولا نزيهة، وتفتقد للأسس القانونية والدستورية، ما يجعلها هشة أمام أي طعن لدى القضاء.

لذلك تحاول باريس والقوى الداعمة لحفتر تحصين هذه الانتخابات من أي طعون، والضغط على القوى الليبية الرافضة للقوانين التي أصدرها رئيس مجلس النواب.

إذ أوضح ملتقى جمع نواباً وأعضاء من المجلس الأعلى للدولة، أن "من يرفض الانتخابات الرئاسية والتشريعية هو الطرف الذي أصدر القوانين التي تعرقلها".

واللافت أن النائب جلال الشويهدي، تحدث عن قانون انتخابات الرئيس الذي صدر حسبه من رئيس مجلس النواب، وليس من المجلس، دون تصويت وبطريقة غير قانونية، ومفصل على مقاس شخصيات معينة، تحاول أن تقصي شخصيات أخرى عن دخول الانتخابات.

والأهم من ذلك أنه كشف عن توجههم (نواب وأعضاء مجلس الدولة) إلى القضاء للطعن في قانون الانتخابات، ولكن إلى اليوم لم يُنظر إليه، مشيراً إلى أن الدائرة الدستورية (في المحكمة العليا) غير مُفعلة.

حتى المقاطعة ستمهد الطريق لحفتر للفوز بالرئاسة

ويعتبر تصريح الشويهدي إقراراً غير رسمي باستحالة اللجوء إلى القضاء، في ظلّ عدم تفعيل الدائرة الدستورية للمحكمة العليا.

بينما دعا خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، إلى مقاطعة الانتخابات، وتنظيم وقفات احتجاجية أمام مقر مفوضية الانتخابات، وأيضاً أمام مقر البعثة الأممية في طرابلس، معتبراً أن "السماح للمجرمين بالترشح يماثل السماح للنازية بالعمل في ألمانيا"، حسب تعبيره.

لكن المقاطعة ستُمهّد الطريق لحفتر للفوز بالرئاسة، بعد إزاحة أبرز منافسيه، ولا تهم بعدها نسبة المشاركة، ما يرجح استمرار الانقسام حتى ولو جرت الانتخابات.

فسيناريو وصول حفتر إلى الرئاسة، عبر قوانين انتخابات على المقاس، يُعدها رئيس مجلس النواب، ويتبناها رئيس مفوضية الانتخابات، وتدعمها الدول الغربية الكبرى، ويتجاهلها القضاء، وتصمت عنها البعثة الأممية، كل ذلك أصبح جاهزاً، ولم يبقَ سوى إجراء الانتخابات، والتلويح بالعقوبات الدولية، عبر مؤتمر باريس، ضد من يعترض على عدم نزاهتها.

تحميل المزيد