حوَّل التجسس الإسرائيلي حياة الفلسطينيين إلى جحيم، لم يكن هذا تقييماً من قبل مجموعة فلسطينية أو جماعة من اليساريين الأوروبيين المتعاطفين من القضية الفلسطينية، بل من قبل مجموعة من الجنود الإسرائيليين الذين عملوا في مجال التجسس الإلكتروني على الفلسطينيين.
فهناك فئتان من الناس لن تُفاجئهما التقارير التي كشفت عن تعرض الفلسطينيين المدافعين عن حقوق الإنسان للاختراق بواسطة برنامج تجسس بيغاسوس من شركة NSO: الفلسطينيون أنفسهم، وعملاء الأمن السيبراني في الجيش والمخابرات الإسرائيلية- الذين يتجسسون على الفلسطينيين منذ سنوات، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
ففي عام 2014، تحدّث عددٌ من العسكريين الإسرائيليين "الرافضين لممارسات الجيش" إلى صحيفة The Guardian البريطانية وعدد من المؤسسات الإعلامية الأخرى عن حجم المراقبة المفروضة على الفلسطينيين.
وكشف الجنود الرافضون لممارسات التجسس الإسرائيلية على الفلسطينيين أن أكبر أجهزة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي "الوحدة 8200" اعترضت الاتصالات الإلكترونية، بما فيها رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات وحسابات الشبكات الاجتماعية، بالإضافة إلى استهداف حركة مرور البيانات العسكرية والدبلوماسية.
التجسس الإسرائيلي على الفلسطينيين يعمد لابتزازهم بكل الوسائل
وزعم المبلغون عن المخالفات أنّ المعلومات الاستخباراتية "الشاملة" التي جمعتها الوحدة- وغالبيتها تتعلّق بالأبرياء- قد استُخدِمَت لتقسيم الشعب الفلسطيني. حسب وصف جنود الاحتياط طبيعة عمل الوحدة في خطابهم الرافض لمواصلة عمليات الاعتراض، التي كانت غير مبررة، على حد قولهم.
وكتبوا أنّ "الشعب الفلسطيني تحت الحكم العسكري معرضٌ بالكامل للتجسس والمراقبة على يد المخابرات الإسرائيلية. ويجري استخدام المعلومات في الاضطهاد السياسي، وشق صف المجتمع الفلسطيني بتجنيد متعاونين، وتأليب قطاعات المجتمع الفلسطيني ضد بعضها البعض. وفي كثيرٍ من الأحيان، تحول المخابرات دون حصول المتهمين على محاكمةٍ عادلة أمام المحاكم العسكرية، لأنها لا تكشف عن الأدلة التي تحوزها وقد تغير مسار محاكمتهم".
كما قال جنود الاحتياط إنّ التعليمات الموجهة للعسكريين نصّت على الاحتفاظ بأي تفاصيل مؤذية تُصادفهم عن حياة الفلسطينيين، بما في ذلك الميول الجنسية والخيانة والمشكلات المالية وأمراض العائلة، من أجل "استخدامها في ابتزاز الشخص أو الضغط عليه وتحويله إلى متعاون".
والأخطر من ذلك من وجهة نظر إسرائيلية أن بعض أعضاء الوحدة السابقين زعموا أنّ بعض المعلومات الاستخباراتية كان يجري جمعها لخدمة "أجندات" ساسة إسرائيليين بعينهم بدلاً من خدمة مصلحة الدولة الإسرائيلية.
وفي ذلك الحين، شكّك جيش الاحتلال في تلك المزاعم قائلاً إنّه لا يمتلك "سجلاً يُؤكد حدوث الانتهاكات المنصوص عليها في الخطاب بشأن ممارسات التجسس الإسرائيلي".
وها هي إسرائيل تستخدم هذه التكنولوجيا لتجريم المنظمات الفلسطينية الإنسانية
تقول صحيفة The Guardian البريطانية "إنه رغم أننا لا نعرف الكثير عن قضية الفلسطينيين المدافعين عن حقوق الإنسان لنُحدّد بشكلٍ قاطع هوية المسؤول عن الاختراق، لكن بعض النقاط تظل واضحةً للعيان".
إذ تعرّضت المنظمات المعنية- مثل الحق والضمير والحركة العالمية للدفاع عن الأطفال واتحاد لجان المرأة الفلسطينية واتحاد لجان العمل الزراعي- للاستهداف بواسطة الحكومة الإسرائيلية من أجل جمع معلومات استخباراتية حول عملها وارتباطاتها؛ وهو الأمر الذي أسفر عن اتهامات إسرائيلية بأنّ لها ارتباطات "إرهابية". لكن المنظمات نفت تلك الاتهامات.
والحكومة الإسرائيلية هي المسؤولة عن ترخيص بيع واستخدام برامج تجسس شركة NSO، حسبما أكده مسؤولون في الشركة والحكومة الإسرائيلية مراراً. ويجري التحقيق حالياً في المزاعم المتعلقة بإساءة استخدام عملاء الحكومة لبرامج التجسس.
وكل هذه الأمور تُشير إلى أنّ الحكومة الإسرائيلية لا بد أن تكون على دراية تامة بهوية من يستخدم البرنامج ولأي غرض، خاصةً أنّه استُخدِمَ لاستهداف منظمات وأفراد يبدو أن لهم أهميةً أساسية لدى الدولة الإسرائيلية.
فيسبوك سري للفلسطينيين
سياق التجسّس الإسرائيلي على الفلسطينيين، وفقاً لتقارير صحيفة Washington Post ووسائل الإعلام الإسرائيلية، هو سياق تدخل روتيني يتصاعد في الحجم والتعقيد التقني.
وبحسب التقارير، فقد أطلقت إسرائيل خلال العامين الماضيين مبادرة مراقبة جديدة تتضمن تكنولوجيا هواتف ذكية تُدعى "الذئب الأزرق Blue Wolf"، وهو تطبيق يلتقط صوراً لوجوه الفلسطينيين من أجل مطابقتها مع قاعدة بيانات صور ضخمة لدرجة أنّ أحد الجنود الإسرائيليين السابقين وصفها بأنّها أشبه بـ"فيسبوك سرّي للفلسطينيين" يمتلكه الجيش. حيث يُومض التطبيق لتنبيه الجنود إذا كان يجب احتجاز الشخص، أو اعتقاله، أو تركه يذهب في سلام.
تقول صحيفة The Guardian البريطانية: "جميع تلك الأمور تُثير تساؤلات خطيرة في مجال حقوق الإنسان حول نظام دولة المراقبة غير المنضبطة الظاهر داخل منطقة خاضعة للاحتلال العسكري، وهو نظام يعرِّضنا للخطر بتقديم أدواته وأساليبه كخدمات للدول الأخرى".