بعد أن رفضوا “فخ” التسوية الإسرائيلية.. كيف يمكن إنقاذ أهالي الشيخ جراح من التهجير؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/11/09 الساعة 09:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/09 الساعة 09:22 بتوقيت غرينتش
فلسطيني في حي الشيخ جراح - مواقع التواصل

لا يزال أهالي حي الشيخ جراح في القدس الشرقية يواجهون خطر الطرد من منازلهم لصالح المستوطنين اليهود، وبعد أن رفضوا مقترحاً من محكمة إسرائيلية للتسوية، هل يمكن أن ينقذهم "تضامن شعبي" جديد؟

وتعود قصة تهجير الفلسطينيين في أحياء القدس الشرقية المحتلة، ومنها حي الشيخ جراح، إلى قرار اتخذته إسرائيل عام 2001، بإعطاء جمعية استيطانية تدعى "عطيرت كوهنيم" حق التصرف في الأراضي الفلسطينية في أحياء القدس الشرقية، بهدف هدم بيوت الفلسطينيين وبناء مستوطنات يهودية مكانها.

وتزعم الجمعية اليهودية في القدس المحتلة أن ملكية الأراضي قبل أكثر من قرن ونصف القرن ترجع إلى يهود، أي قبل إعلان إسرائيل دولة عام 1948، ومن ثم جاء قرار حكومة الاحتلال عام 2001 بإعطاء منظمة "عطيرت كوهنيم" الاستيطانية حق إدارة تلك الجمعية اليهودية المزعومة، لتبدأ خطوات تنفيذ التهجير القسري للفلسطينيين وهدم منازلهم.

وكانت خطط الحكومة الإسرائيلية السابقة برئاسة بنيامين نتنياهو لتهجير عائلات فلسطينية من حي الشيخ جراح لصالح مستوطنين، ثم إغلاق منطقة باب العامود والاقتحام المتكرر للمسجد الأقصى، قد أدت إلى تفجير الأوضاع وصولاً إلى حرب غزة التي انتهت بوقف إطلاق النار فجر الجمعة، 21 مايو/أيار الجاري.

ماذا عرضت المحكمة الإسرائيلية؟

رغم إقرار هيئة القضاة في المحكمة الإسرائيلية العليا، بأن إجراءات منظمة "عطيرت كوهنيم" في الاستيلاء على الأرض قد شابتها عيوب، وأثارت أسئلة حول قانونية نقل الأرض إلى المنظمة اليمينية، إلا أن نفس المحكمة سمحت لتلك المنظمة بالاستمرار في إجلاء وتهجير الفلسطينيين من منازلهم في حي الشيخ جراح وحي "بطن الهوى" في سلوان.

والآن تواجه العائلات الفلسطينية الطرد من منازلها في حي الشيخ جراح، وتضع هذه العائلات نصب أعينها خطوتها التالية بعد أن رفضت مقترحاً من محكمة إسرائيلية سيقضي في نهاية المطاف بإجلائهم من منازلهم من أجل المستوطنين اليهود، بحسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني عنوانه "هل يمكن أن ينقذ "تضامن شعبي" جديد أهالي حي الشيخ جراح من عمليات الإخلاء؟".

وتتعقد القضية أكثر يوماً بعد يوم في ظل مواصلة مطالبة المستوطنين الإسرائيليين بملكية عقار مساحته حوالي 4.5 فدان يؤوي 500 لاجئ فلسطيني مُنحوا وحدات سكنية في حيّ كرْم الجاعوني، عن طريق الحكومة الأردنية ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا).

حي الشيخ جراح فصل عنصري إسرائيل
قوات إسرائيلية تقمع متظاهرين حاولوا دخول حيّ الشيخ جراح للتضامن مع سكانه ضد الإغلاق غير القانوني/ الأناضول

وفي 2 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أعلن سكان حي كرم الجاعوني في الشيخ جراح بالإجماع رفض التسوية التي اقترحتها المحكمة الإسرائيلية العليا، التي تصنّف أهالي الحي "مستأجرين محميين" عند الجمعية الاستيطانية نحلات شمعون، التي تُمهد لمصادرة حق الأهالي في أراضيهم بشكل تدريجي.

واتهم الفلسطينيون المحكمة بالتهرب من مسؤوليتها بالوصول إلى حكم باتّ، بل وإكراههم على الاختيار بين الإجلاء من منازلهم أو الخضوع لاتفاق خبيث، إذ يرى الفلسطينيون أن هذا امتداد للسياسات الاستعمارية التي تستهدف تعطيل التضامن الاجتماعي، منذ مايو/أيار، خلال حراك الاحتجاجات الشعبية الأخيرة.

وينظر الفلسطينيون أيضاً إلى هذا المسار القانوني بوصفه محاولة لإخفاء ما يقولون إنه يرتقي إلى "التطهير العرقي" عن طريق إسرائيل ومستوطنيها. وعلم موقع Middle East Eye، من صالح دياب، أحد سكان حي الشيخ جراح الذي تلقى تهديداً بالإجلاء، أن الرفض الفلسطيني للتسوية المُقدمة من المحكمة كان قراراً ملائماً نظراً إلى أن المستوطنين أنفسهم رفضوه كذلك.

رفض الوقوع في "الفخ"

يسعى المستوطنون وراء الحصول على حكم بات من المحكمة يأمر بالإجلاء الفوري للسكان الفلسطينيين، ويقر بحق المستوطنين في تملك عقارات الحي. ووصف دياب الحكم المقترح من أعلى سلطة قضائية في إسرائيل بأنه "فخ"، لكنه يقول إن السكان ينبغي لهم أن يشعروا بالراحة، لأن بقية الشعب الفلسطيني يقف متضامناً معهم.

وأوضح دياب: "تعهدت المقاومة الفلسطينية كذلك باستعدادها لشن حرب جديدة في حال مضى الاحتلال الإسرائيلي قدماً في جريمته بإخلاء الحي". ومع أن دياب لا يعتقد أن أياً من العائلات سوف تُطرد قريباً، فإنه يتنبأ بأن القيود والمضايقات التي يتعرض لها السكان سوف تزداد في أعقاب رفض تسوية المحكمة.

اعتداء مستوطنون إسرائيليون على موائد إفطار رمضانية في حيّ
اعتداء مستوطنون إسرائيليون على الفلسطينيين في حيّ "الشيخ جراح"- الاناضول

وقال إن المضايقات قد بدأت بالفعل في واقع الأمر، مع اتخاذ بلدية القدس قراراً يقضي ببناء حضانة للأطفال اليهود، يضاف إلى هذا عدد كبير من القرارات التعسفية لمصادرة الممتلكات وتسليم أوامر الإجلاء إلى السكان في الجزء الغربي من الحي.

يحمّل السكان الفلسطينيون المسؤولية للحكومة الإسرائيلية في مصادرة منازلهم، لكنهم يحملون نفس هذه المسؤولية للسلطة الفلسطينية والأونروا والأردن، التي شيدت الوحدات السكنية في حي الشيخ جراح، بوصفها منازل سكنية في عام 1956، ومنحت السكان حقوق تملك العقارات.

ملكية الفلسطينيين ثابتة، ولكن!

صارت محنة العائلات قضية اجتذبت الانتباه في العالم، وصيحة استنفار للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر، والقدس، وإسرائيل، وخارجها. وقال هاشم سلامة، الذي يعيش هو الآخر في حي الشيخ جراح، خلال حديثه مع موقع Middle East Eye، إن رفض قرار المحكمة كان القرار الصائب. وأضاف: "إننا نتوجه نحو المجهول، لكننا نؤمن إيماناً قوياً بعدالة قضيتنا".

وتابع قائلاً: "لم نتراجع عن قرارنا لأن لدينا دليلاً من تركيا والأردن والأونروا يؤكد على ملكيتنا التي لا نزاع عليها للعقارات، لكن المستوطنين لجأوا إلى الخبث والتزوير، والمحاكم الإسرائيلية وقفت بجانبهم".

غطت الصحف العالمية تهجير أهالي
قوات الأمن الإسرائيلية في حي الشيخ جراح – رويترز

ليس لدى سلامة تفاؤل حول عدالة وإنصاف أي حكم تُصدره المحكمة الإسرائيلية العليا في المستقبل. فقد قال: "كيف يمكن لمحكمة مشيدة على أرض مسروقة أن تحكم بإنصاف أو حتى أن توصف بأنها محكمة عليا؟ إننا لا نثق في النظام القضائي للاحتلال". وتجدر الإشارة إلى أنه يقصد أراضي قرية لفتا التي هُجر سكانها، والتي توجد فيها المحكمة العليا لإسرائيل.

ويجادل سلامة بأن إسرائيل سوف تواصل السعي وراء جميع سبل الإجلاء القسري ونزع الملكية من سكان حي الشيخ جراح من أجل المشروعات الاستيطانية الاستعمارية التي تخدم روايتها التوراتية في القدس.

ماذا يمكن أن يحدث الآن؟

أخبر المحامي خالد زبارقة موقع Middle East Eye بأن هناك أربعة مسالك قانونية أمام المحكمة العليا خلال الأيام القادمة، بعد أن أعلن سكان حي الشيخ جراح رفضهم للتسوية المقترحة من نفس المحكمة.

يكمن الخيار الأول في ترتيب موعد لجلسة جديدة للاستماع إلى دفاع الطرفين. أما الخيار الثاني فيتمثل في اقتراح تسوية جديدة معدلة، ويتعلق الخيار الثالث بطلب ملخص للدفوع السابقة.

فيما يتمثل الخيار الرابع في إصدار حكم استناداً إلى الدفوع القانونية المتاحة أمام المحكمة من مجلد طلب الاستئناف الذي تقدمت به عائلات الشيخ جراح ضد حكمي إخلاء أصدرتهما محكمة الصلح والمحكمة المركزية.

يقول زبارقة إن المساحة المتاحة أمام المحكمة العليا محدودة بدرجة ما عندما يتعلق الأمر بقبول الاستئناف الذي تقدم به السكان الفلسطينيون، وإلغاء أوامر الإخلاء؛ نظراً إلى أنها يمكن أن تتعارض مع الأحكام السابقة الصادرة عن طريق محاكم أخرى.

وأضاف زبارقة أن اعتبارات المحكمة ليست قانونية بحتة، بل إنها تضع في حسبانها كذلك طريقة استجابة اليهود إذا أصدرت حكماً لصالح العرب. كذلك تحاذر المحكمة من عواقب رفض الاستئناف ومنح حقوق ملكية العقارات إلى المستوطنين، في السياق الأوسع إقليمياً ودولياً.

ونتيجة لهذا، وجدت السلطة القضائية في إسرائيل أنها في موقف صعب، فقد تمنت أن يوافق الطرفان على التسوية المقترحة، ما قد يتيح لها تجنب موقف مثير للجدل السياسي.

قال زياد ابحيص، الباحث في شؤون القدس، إن إسرائيل كانت تأمل أن يوافق سكان حي الشيخ جراح على مقترح المحكمة، ومن ثم "يمكن التخلص من قضية الشيخ جراح من بين الموضوعات الرئيسية في الصراع على مدى عدة سنوات قادمة".

إسرائيل سلوان القدس فلسطين
حي الشيخ جراح بتعرض للتهجير – الأناضول

تفاجأت إسرائيل بالرفض الجماعي من جانب الفلسطينيين. قال ابحيص: "لقد حُرم الاحتلال من فرصة إعلان نصر شامل في حالة وافق السكان على التسوية". واستناداً إلى الموقف الجماعي الذي اتخذه الفلسطينيون، يتوقع ابحيص "تصعيداً ثأرياً وانتقامياً" من جانب إسرائيل.

ويعتقد ابحيص أنه حان الوقت لتجديد التضامن الشعبي حول أهالي الشيخ جراح، ويقول: "من الأهمية القصوى بمكان الاعتراف بأن قضية حي كرم الجاعوني -وكذلك قضايا الأحياء الأخرى التي تواجه خطر التشريد- ليست مجرد قضية عقارات يدافع عنها ملاكها ومحاموهم، بل إنها قضية سياسية وجودية".

تحميل المزيد