يمثل استئناف الحوار الاستراتيجي الأمريكي المصري الذي انطلق أمس الإثنين في واشنطن دليلاً على الأهمية البالغة للقاهرة التي جعلت من الصعب على إدارة بايدن تجاهلها رغم الخلافات بين البلدين في مجالات عدة، وهي الخلافات التي تعد محوراً لهذا الحوار.
وانطلق الحوار الاستراتيجي بين مصر وأمريكا أمس الإثنين 8 نوفمبر/تشرين الثاني، وتستمر جلساته حتى الثلاثاء 9 نوفمبر/تشرين الثاني، برئاسة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ونظيره المصري سامح شكري، نتوقف قليلاً عند قصة ذلك الحوار منذ بدايتها.
وقد تم تأكيد إقامة الحوار الاستراتيجي الأمريكي المصري في نسخته الجديدة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. عقب اجتماع وزيري خارجية البلدين على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة. بعد ذلك، التقى شكري مع المبعوث الأمريكي الخاص إلى إيران، روبرت مالي.
ويعد الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ومصر من أقدم الحوارات الاستراتيجية في المنطقة، فقد تأسس في ظل إدارة بيل كلينتون في عام 1998 وعقد بشكل دوري منذ ذلك الحين.
وتوقفت جولات الحوار الاستراتيجي بين واشنطن والقاهرة حتى عام 2015، حيث تم عقده في العاصمة المصرية للمرة الأولى والأخيرة، ولم يتحقق الكثير خلال تلك الجولة من الحوار بين الجانبين، وبعد ذلك توترت العلاقة بين الجانبين إثر عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي.
ترامب والسيسي علاقة شخصية أغضبت بايدن
خلال فترة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، توثقت العلاقة الشخصية بين الرئيس الأمريكي ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي، ولكن ظلت ذات طابع شخصي مرتبط بأجندة ترامب أكثر منها بثوابت السياسة الأمريكية، ولاقت علاقة ترامب الوثيقة بالسيسي انتقادات حادة في واشنطن.
وخلال حملته الانتخابية توعد الرئيس الأمريكي جو بايدن بالتوقف عما سماه تدليل الطغاة العرب، كما يفعل ترامب، وتغيير السياسة الأمريكية تجاه المنطقة لتصبح حقوق الإنسان في قلبها.
وتوعد بايدن خلال الحملة الانتخابية بـ"عدم تقديم المزيد من الشيكات على بياض" للسيسي ، وفي مارس/آذار 2021، انضمت إدارة بايدن إلى دول غربية أخرى في انتقاد علني نادر لانتهاكات الحقوق في مصر.
وبالفعل بدا أن إدارة بايدن كانت في مراحلها الأولى تدير ظهرها للقاهرة. فعلى الرغم من أن بلينكن اتصل بشكري في غضون شهر بعد إقرار تعيينه، إلّا أن الرئيس بايدن لم يتحدث مع الرئيس عبد الفتاح السيسي إلا بعد مرور خمسة أشهر على توليه منصبه- وهي فترة طويلة بالنظر إلى أن الرئيس أوباما اتصل بالرئيس المصري الراحل حسني مبارك في اليوم الأول من ولايته الأولى.
غير أن مصر أدت في أيار/مايو الماضي دوراً مهماً جداً في التفاوض بشأن وقف إطلاق النار في غزة، وبعد ذلك زاد تكرار عمليات التواصل الأمريكية الرفيعة المستوى. وفي أيلول/سبتمبر، التقى مستشار الأمن القومي جيك سوليفان بالسيسي في القاهرة بعد الإعلان عن حجب الولايات المتحدة مبلغ 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية.
القاهرة شبت عن الطوق.. الحوار الاستراتيجي الأمريكي المصري يُجرى في ظروف مختلفة
من الواضح أن حرب غزة أثبتت لإدارة بايدن أن القاهرة أكبر من أن يتم تجاهلها، وأنها مضطرة للدخول في حوار عميق معها، ولكن يمكن القول إن هذا الحوار يأتي في ظروف مختلفة عن الجولات السابقة.
فمصر أصبحت أقل اعتماداً من الناحية الاقتصادية على أمريكا، بعد تحسن المالية العامة للبلاد جراء عملية إصلاح صارمة ومرهقة ودعم دول الخليج وصندوق النقد.
ومن الناحية السياسية والعسكرية، عززت القاهرة علاقتها بمنافسي واشنطن الصين وروسيا، وأصبحت أقل اعتماداً على أمريكا في مصادر التسليح، خاصة مع ظهور فرنسا كأكبر مورد للسلاح للقاهرة.
وبصفة عامة تباعدت المواقف بين القاهرة وواشنطن مقارنة بالظروف التي جرت فيها الجولات السابقة، ومع تراجع الدور الأمريكي في المنطقة فإن حلفاء واشنطن المهمين في الشرق الأوسط مثل تركيا والسعودية والإمارات وقطر ومصر، انتهج كل منهم سياسته الخاصة التي قد تكون مختلفة عن السياسة الأمريكية وهي سياسات تعارضت مع بعضها البعض أغلب الأوقات، مما جعل الصراعات بين حلفاء أمريكا في المنطقة سمة مميزة للمرحلة الماضية خاصة في عهد ترامب.
ومن هنا فإن الحوار الاستراتيجي الأمريكي المصري يعقد وهناك ملفات خلافية بين الجانبين أكثر من أي وقت مضى جرى فيه هذا الحوار، ويمكن القول إن لكل طرف ملفات بمثابة أوراق ضغط في يديه على الطرف الآخر.
ومع أنه لم يُذكر أي شيء عن الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ومصر سوى لأنه "لتبادل الرؤى حول الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط". وفق ما ذكر المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية، في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، إلا أنه يمكن استنتاج الملفات الرئيسية التي ستكون محور النقاش في هذا الحوار الاستراتيجي.
الملفات التي تمثل أوراق ضغط في يد أمريكا أمام مصر
المساعدات الأمريكية وحقوق الإنسان
يمكن القول إن المساعدات الأمريكية لمصر وملف القاهرة الحقوقي بمثابة ملفين مرتبطين ببعضهما البعض، أو هناك عملية مقايضة تجرى بشأنهما.
وإجمالاً، توفّر واشنطن 1.3 مليار دولار سنوياً من "التمويل العسكري الأجنبي" لمصر، يخضع 300 مليون دولار منها لشروط معينة في الكونغرس. وفي 13 أيلول/سبتمبر، أشارت إدارة بايدن إلى أنها ستحجب مبلغ 130 مليون دولار من القيمة المشروطة البالغة 300 مليون دولار بناءً على بعض الهواجس المتعلقة بحقوق الإنسان (بينما تُركت الـ170 مليون دولار المتبقية متاحة للمشتريات المتعلقة بمكافحة الإرهاب).
ووفقاً لبعض التقارير، لن يتم الإفراج عن الأموال المحجوبة إلى حين تُظهر مصر تقدماً في عدة قضايا مرتبطة بحقوق الإنسان، مثل إسقاط التهم الموجهة إلى ستة عشر شخصاً لم يُكشَف عن هويتهم، وأصبح وضعهم موضوع نقاش ساخن في مختلف التقارير الإعلامية وجلسات الاستماع في الكونغرس الأمريكي، حسبما ورد في تقرير لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.
وبعد فترة وجيزة من إعلان واشنطن عن تجميد التمويل اتخذت القاهرة خطوة في الاتجاه الصحيح، حيث أسقطت التهم ضد أربع منظمات غير حكومية كانت تواجه قيوداً حكومية مختلفة منذ عام 2011 بسبب قبولها تمويلاً أجنبياً. وفي غضون ذلك، أطلقت القاهرة "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان" المؤلفة من 700 صفحة، والتي عززت ظاهرياً نهجاً جديداً على هذه الجبهة. وفي أواخر تشرين الأول/أكتوبر، رفع السيسي حالة الطوارئ التي كانت سارية منذ عام 2017.
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إن تحسين سجل مصر في مجال حقوق الإنسان "ضروري لتقوية" العلاقات مع الولايات المتحدة.
ورحب بلينكن يوم الإثنين بالاستراتيجية الوطنية المصرية لحقوق الإنسان ، وهي خطة طويلة الأجل أطلقتها الحكومة المصرية في وقت سابق من هذا العام، والتي لاقت شكوكاً من قبل العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان.
لكن بعد أيام قليلة من إطلاق مصر لاستراتيجية حقوق الإنسان، تبددت الآمال في إجراء إصلاح جوهري عندما أعلنت الحكومة المصرية عن تغييرات منحت السيسي والقوات العسكرية بشكل أساسي المجموعة نفسها من الصلاحيات القاسية للأمن القومي. ومن ثم، في حين سيوفر الحوار الاستراتيجي فرصاً مفيدة لمناقشة هذه المواضيع، إلّا أن احتمال أن ترفع الإدارة الأمريكية تعليق التمويل لا يشكل "نتيجة" واقعية لهذه الاجتماعات.
وقال مسؤولون أمريكيون إن تعميق العلاقات الثنائية سيتطلب من مصر إظهار استجابتها لانتقادات إدارة بايدن لقضايا حقوق الإنسان المنهجية في مصر.
يرى مراقبون أن الحوار الاستراتيجي الأمريكي المصري سيُتيح لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن فرصة إثارة عدة قضايا، وصفها بـ"المُلِّحة" بشكل شخصي مع وزير الخارجية المصري، حسبما ورد في ورقة عمل أعدها المجلس الأطلسي " Atlantic Council".
مع ذلك، يُشير ديفيد شينكر، زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن، إلى أن ملفات الأمن القومي الرئيسية في مصر لا يديرها شكري. بل رئيس جهاز المخابرات عباس كامل، ورئيس أركان حرب القوات المسلحة الفريق أسامة عسكر.
لكنه يلفت إلى أن فريق بلينكن يُمكنه إجراء محادثات مثمرة مع شكري حول مستقبل المساعدات الأمريكية. وسياسة مصر تجاه مختلف النقاط الساخنة في المنطقة.
واستبعد الرجل الذي شغل سابقاً منصب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى خلال إدارة ترامب احتمال أن ترفع الإدارة الأمريكية تعليق التمويل نتيجة لاجتماعات الحوار الاستراتيجي الأمريكي المصري.
وترى الورقة البحثية التي أعدها باحثو المجلس الأطلسي أن الضغط هو الوسيلة الوحيدة لتقديم مصر خطوات أكبر في ملف حقوق الإنسان.
في المقابل، يرى مراقبون أنه رغم قرار حجب جزء من المساعدات العسكرية، لكن لا يمكن الضغط بهذه الطريقة بشكل أكبر. بسبب أهمية التنسيق المستمر بشأن مكافحة الإرهاب. بما في ذلك أنشطة تنظيم داعش في سيناء.
من ناحية أخرى، يرى الباحثون أنه من المرجح أن تلعب مناقشة السياسة الاقتصادية دوراً داعماً خلال الحوار. حيث تتوافق دوافع مصر لتنمية الاستثمار الأجنبي المباشر مع اهتمام الولايات المتحدة برؤية اقتصاد مصري مستقر ومتنامٍ.
سد النهضة.. الأزمة التي لن تحل إلا بيد أمريكا
تمثل أزمة سد النهضة واحدة من أهم القضايا التي تحتاج فيها مصر إلى دور أمريكي، وسبق أن عرض السفير المصري لدى الولايات المتحدة، معتز زهران، موقف مصر في مقال رأي في بعنوان: "وحدها واشنطن يمكنها إنقاذ مفاوضات سد النهضة الآن".
وبالفعل سبق أن طلبت القاهرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الوساطة وقام الرجل بتدخل شخصي نادر في المفاوضات التي أثمرت عن مشروع اتفاق لم يوقع عليه الجانب الإثيوبي، وانتهت الوساطة الأمريكية بفرض إدارة ترامب عقوبات على إثيوبيا، بل حديث ترامب عن أن مصر في نهاية الأمر ستفجر السد.
ولكن واحداً من أول القرارات التي اتخذتها إدارة بايدن كانت رفع العقوبات التي فرضها ترامب على إثيوبيا بسبب أزمة سد النهضة، وبدا استعداد الإدارة الأمريكية للوساطة أقل حماساً من إدارة ترامب، وتداخل ذلك مع خوفها من انفجار الوضع في إثيوبيا لو استمر الضغط على رئيس وزرائها آبي أحمد.
ولكن تدريجياً، بدأت إدارة بايدن تتبنى مقاربة أكثر حدة مع إثيوبيا مع استمرار توارد الأنباء عن انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في تيغراي، وتراجع الملف الحقوقي والديمقراطي في مجمل إثيوبيا، فضلاً عن قلق واشنطن من علاقة أديس أبابا بالصين.
ومع تدهور الوضع في إثيوبيا إثر تقدم جبهة تحرير تيغراي نحو أديس أبابا يتوقع أن يتداخل ملفا الأزمة الإثيوبية مع الخلاف حول سد النهضة في الحوار الاستراتيجي الأمريكي المصري.
فإثيوبيا منشغلة حالياً بحرب أهلية، والنزاع في تلك البلاد يوشك أن يصبح مصدر إزعاج آخر للقاهرة.
وقد يأمل المسؤولون المصريون أيضاً في تعطيل أي تدابير يمكن أن تقوّي رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الذي يواجه صعوبات جمّة، حسبما ورد في تقرير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.
ويبدو أن القاهرة طلبت من واشنطن المساعدة في وقف صفقة الطائرات التركية المسيرة لإثيوبيا، على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كانت إدارة بايدن مستعدة للتدخل في هذا الشأن أو حتى قادرة على ذلك.
كان نهج إدارة بايدن هو تجنب التورط في الوساطة بشكل مباشر. في حين أن المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الإفريقي، جيفري فيلتمان، كان لديه بعض الانخراط في هذه القضية، ولكن الآن، الوضع معقد بسبب اتساع الصراع الأهلي الإثيوبي، والانقلاب العسكري في السودان، وكلاهما يمثل مخاوف على المدى القريب بشأن الاستقرار الإقليمي ويمكن أن يعرقل أي أمل في إشراك هذه الأطراف في محادثات جديدة بشأن سد النهضة في أي وقت قريب.
ويرى تقرير المجلس الأطلسي "أن إظهار الولايات المتحدة استعدادها لبذل المزيد بشأن قضية سد النهضة- عندما يسمح الوضع بذلك- يمكن أن يكون نتيجة إيجابية ملموسة من الحوار الاستراتيجي الأمريكي المصري".
ويرى باحثو المجلس أن أفضل ما يمكن للولايات المتحدة أن تحصل عليه من مصر في الحوار هو الاتفاق على استمرار القاهرة في حجب الدعم الصريح للجيش السوداني، على الأقل في المدى القريب. ويمكن أن يحفز ذلك في المقابل، استعداد الولايات المتحدة للمشاركة بنشاط في مفاوضات سد النهضة.
ليبيا.. أمريكا قلقة من علاقة روسيا بحفتر وتفضل الدور التركي
بينما دعمت الولايات المتحدة العملية التي تقودها الأمم المتحدة في ليبيا و"حكومة الوفاق الوطني" المعترف بها دولياً في طرابلس، اتخذت مصر الاتجاه المعاكس ودعمت ما يسمى بـ"الجيش الوطني الليبي" بقيادة الجنرال خليفة حفتر خلال الحرب الأهلية عامَيْ 2019 و2020- وهي شراكة أدت إلى تقارب مصر بقوة مع روسيا.
وبالفعل، ذهبت مصر وفقاً لبعض التقارير إلى حد تقديم الدعم القاعدي واللوجستي لمرتزقة "فاغنر" الروسية عندما انتشرت في الجوار. ومؤخراً، مع اتجاه ليبيا نحو وقف مؤقت لإطلاق النار وإقامة حكومة وحدة مؤقتة، يبدو أن مصر خففت من ميلها لحفتر. وتزامنَ هذا التحول مع تقارب متزايد بين القاهرة وأنقرة، التي كانت شريكة "حكومة الوفاق الوطني" خلال الحرب.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الوطنية الليبية في 24 ديسمبر/كانون الأول، من المهم بالنسبة للولايات المتحدة بشكل متزايد أن تلعب مصر دوراً مثمراً، لا سيما في دعم نزاهة العملية الانتخابية.
ويقول المراقبون الأمريكيون "إنه لا شك في أن روسيا ومرتزقتها سيحاولون تخريب العملية في الأسابيع المقبلة من خلال دعم حلفائهم المحليين، الذين سيحمون بدورهم مصالح موسكو إذا انتُخبوا". ويرون أنه يجب على مصر أن تقاوم الاندفاع إلى دعم مَن تفضّلهم، ومن بينهم حفتر، أو حليفه المتمركز في طبرق عقيلة صالح، أو سيف الإسلام نجل معمر القذافي.
وقد وقّعت القاهرة وطرابلس مجموعة كبيرة من الاتفاقات التجارية واتفاقات إعادة الإعمار في الأشهر الأخيرة، وتتوقع مصر بفارغ الصبر عودة الظروف التي كانت سائدة قبل عام 2011، حين كان ما يقرب من مليون نسمة من مواطنيها يعملون في ليبيا. إلا أن ذلك سيتطلب المزيد من الاستقرار في الجوار. وإذا اعتقد الليبيون أن انتخاباتهم تفتقر إلى المصداقية، أو إذا لم يحترم الخاسرون النتائج، فقد تندلع أعمال العنف مجدداً. لذلك على إدارة بايدن استخدام اجتماعاتها القادمة من أجل توضيح كيف يمكن لسلوك مصر وتأثيرها على المرشحين في ليبيا أن يؤثر على الاستقرار.
في المقابل، يتوقع أن ترغب مصر في موقف أمريكي أقرب لها في الأزمة الليبية وأبعد عن وجهة نظر تركيا، ولكن تظل واشنطن أقرب لموقف أنقرة التي يساهم دورها في تقليل نفوذ روسيا في ليبيا عبر دعمها لقوات الغرب الليبي والحكومة المعترف بها دولياً أمام حفتر والمرتزقة الروس.
لبنان وسوريا: القاهرة تريد دعم واشنطن لمواجهة ضغوط الخليج
هددت الأزمة الأخيرة في العلاقات الخليجية مع لبنان خطط مصر المدعومة من واشنطن لتصدير الغاز الطبيعي إلى ذلك البلد عبر الأردن وسوريا. (عملياً، سيشمل الترتيب قيام الأردن بإرسال الغاز الإسرائيلي المستورد إلى لبنان).
وبينما يحرص القادة في السعودية والإمارات والكويت والبحرين على معاقبة بيروت بسبب هيمنة حزب الله على السياسة اللبنانية، فقد يحاولون الضغط على القاهرة لتعليق فكرة التصدير، علماً بأن القاهرة تتجنب التورط في مواجهة مع حزب الله، وتحتفظ بخطوط اتصال مع حليفيه الرئيس ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري.
والموقف الأمريكي سيكون حاسماً في دعم صفقة الغاز المصرية في مواجهة أي ضغوط خليجية.
ومن خلال مناقشة مسألة لبنان مع فريق شكري، بإمكان المسؤولين الأمريكيين أيضاً خلق فرصة مفيدة لإجراء مقايضة حول سوريا. فمصر تدافع بحماس عن عودة سوريا إلى "الصف العربي"، بما في ذلك إلغاء تجميد عضويتها في "جامعة الدول العربية" وإعادة إشراكها في المنطقة سياسياً واقتصادياً. ولا تعارض إدارة بايدن عملية إعادة الدمج هذه بشكل فعال، لكن عليها على الأقل التنسيق مع مصر وشركاء عرب آخرين لضمان انتزاع بعض التنازلات من نظام الأسد مقابل ذلك- بدءاً من أهداف قابلة للتحقيق مثل حماية المدنيين، وإلى أهداف أكثر طموحاً مثل الحد من قواعد الصواريخ الباليستية الإيرانية على الأراضي السورية.
الملفات التي تمثل أوراق ضغط في يد مصر أمام أمريكا
انقلاب السودان: موقف مصري غامض
جلب الانقلاب العسكري السوداني في أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي وما تلاه من استخدام القوة ضد المتظاهرين موضوعاً خلافياً إلى طاولة الحوار الاستراتيجي الأمريكي المصري، حيث لا تتوافق مصالح مصر والولايات المتحدة بشكل واضح حول هذه الأزمة.
فلقد أدانت الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إطاحة العسكريين بحكومة عبد الله حمدوك، وأصدر الرئيس بايدن بياناً دعا فيه الجيش إلى السماح للشعب السوداني بالاحتجاج السلمي وعودة الحكومة الانتقالية التي يقودها المدنيون.
في المقابل، من غير الواضح دور مصر في الانقلاب العسكري الذي جرى في السودان، ولكن وفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، اجتمع الجنرال السوداني عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري الحاكم بالمبعوث الأمريكي للقرن الإفريقي جيفري فيلتمان قبل الانقلاب العسكري بيومين، وأكد له أنه لا ينوي إزاحة الحكومة المدنية الانتقالية- لكن البرهان سافر بعد ذلك إلى القاهرة مباشرة للحصول على الدعم المصري للقيام بذلك على وجه التحديد. ووفقاً للصحيفة المذكورة، كان رئيس "جهاز المخابرات العامة" المصرية عباس كامل قد زار الخرطوم سابقاً وأبلغ البرهان بأن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك "يجب أن يرحل".
ودعت مصر إلى "ضبط النفس والمسؤولية" في السودان "وإعطاء الأولوية للتوافق الوطني"، لكنها لم تدِن الانقلاب أو تدعو إلى استعادة الحكم الانتقالي المدني.
وعززت مصر من موقفها الذي يبدو أقرب لتأييد العسكريين بعدم انضمامها إلى الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة في بيان صدر في 3 نوفمبر/تشرين الثاني يدعو إلى "الاستعادة الكاملة والفورية" للحكومة المدنية الانتقالية.
ومع ذلك، قال بلينكن أمس الإثنين إن الولايات المتحدة ومصر لديهما "مصلحة مشتركة" في استعادة الانتقال الديمقراطي في السودان.
شرق المتوسط.. دعم أمريكي حذر
من المرجح أن تنظر أمريكا بإيجابية إلى تحركات مصر لتعزيز التعاون مع جيرانها في شرق البحر المتوسط ، اليونان، إسرائيل، وقبرص بالإضافة إلى دور مصر في إقامة منتدى غاز شرق المتوسط في عام 2020، وهي خطوة حظيت بثناء غربي كبير، حسب تقرير المجلس الأطلسي.
ولكن واشنطن ستتعامل بحذر مع هذا الملف لمراعاة مصالح حليفتها تركيا، في ظل العلاقة المركبة بين واشنطن وأنقرة.
الصين وروسيا.. محاولة لوقف تغلغل موسكو عسكرياً وبكين تكنولوجياً
رغم أنه يمكن القول إن أنشطة الصين في مصر متواضعة بالمقارنة بالخليج ودول أخرى في المنطقة. إلا أن المنافسة الاستراتيجية الأمريكية مع الصين ستحوز جزءاً لا بأس به في الحوار الاستراتيجي الأمريكي المصري حسب المجلس الأطلسي.
ويشير مراقبون إلى المخاوف الأمريكية من زيادة التعاون العسكري بين بكين والقاهرة. وهي خطوة قد لا تتأخر طويلاً في ظل استراتيجية الجيش المصري في تنويع مصادر التسليح، واستمرار المناورات مع الدول الصديقة والحليفة.
ومما يزيد مخاوف أمريكا كون الصين مستثمراً نشطاً وشريكاً في بناء العاصمة الإدارية الجديدة.
ولفت الباحثون في المجلس الأطلسي إلى المخاوف بشأن مشاركة بكين في البنية التحتية للتكنولوجيا والاتصالات في مصر، والتي استرعت انتباه إدارة بايدن.
المخاوف نفسها بشأن تنويع التسليح هي ما دفعت واشنطن لإبداء تخوفات بشأن عزم مصر شراء طائرات مقاتلة روسية من طراز Su-35. وهي قضية أشار باحثو أتلانتيك إلى احتمالية فرض العقوبات الأمريكية بموجب قانون مكافحة أعداء أمريكا بسببها، خاصة بعد تسلم مصر لأعداد من هذه الطائرات بالفعل.
ولفتت ورقة المجلس الأطلسي إلى أن بلينكن أثار القضية في محادثات سابقة مع نظيره المصري. مشيرة إلى أنه قد يكون التحذير الأمريكي الإضافي بخصوص التعاون المصري مع روسيا قد يستغرق جزءاً لا بأس به من هذا الحوار.
في المقابل ينتظر أن تحاول مصر إرضاء أمريكا مع احتفاظها بالروابط المتنامية مع بكين وموسكو، وأن تطلب مقابلاً للحد من هذه الروابط.
القضية الفلسطينية.. ورقة مصر الرابحة
من المرجح أن تسلط مصر الضوء على دورها كوسيط رئيسي في القضايا الإسرائيلية الفلسطينية، لا سيما فيما يتعلق بجهودها لتحقيق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية في مايو/أيار 2021. سيكون هذا بمثابة نقطة تركيز للتأكيد على القيمة التي تجلبها مصر كشريك إقليمي لواشنطن.
ليس من قبيل المصادفة أن مصر استضافت العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في سبتمبر/أيلول لإحياء المناقشات حول حل الدولتين، ورحبت برئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت في أول رحلة رسمية يقوم بها زعيم إسرائيلي إلى مصر منذ أكثر من عشر سنوات، وأجريت محادثات مع حماس حول تبادل الأسرى وبناء هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل، من بين قضايا أخرى.
منذ حرب غزة الأخيرة، عادت القضية الفلسطينية ولا سيما الوساطة بين إسرائيل وحماس، كإحدى أوراق القوة الرئيسية في يد مصر التي تجعل الولايات المتحدة تعتبرها شريكاً لا غنى عنه.
تزداد أهمية الملف لأن إدارة بايدن فعلياً تتجاهل إحياء المفاوضات في القضية الفلسطينية ولكنها لا تريد عودة الحرب، أو عمليات طرد الفلسطينيين المستفزة، لأنها باتت تثير انتقادات حادة من قبل اليسار الأمريكي وتثير خلافات داخلية أمريكية وصمت الإدارة بجعلها تلوث الصورة الحقوقية المزعومة التي تحاول بناءها، بينما انتقادها لإسرائيل يستفز اللوبي اليهودي في أوساط الديمقراطيين التقليديين والجمهوريين.