تبادل السياسيون العراقيون الاتهامات بشأن "محاولة اغتيال" رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في المنطقة الأكثر تحصيناً في بغداد بمسيرات مفخخة، ففي الوقت الذي قال فيه الكاظمي إن "ميليشات تابعة لإيران وراء المحاولة"، نفى قادة شيعة هذه الاتهامات، بل قالوا إن رئيس الوزراء هو من يقف وراء هذه الواقعة من أجل "التخلص" من الفصائل المسلحة.
والإثنين 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 قال مسؤولون أمنيون ومصادر مقربة من الجماعات المسلحة إن الهجوم بطائرة مسيرة على مقر إقامة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الأحد نفذته جماعة مسلحة مدعومة من إيران.
وقالت المصادر لرويترز مشترطة عدم الكشف عن هويتها، إن الطائرات المسيرة والمتفجرات المستخدمة في الهجوم إيرانية الصنع.
وأحجم متحدث باسم جماعة مسلحة مدعومة من إيران عن التعليق على الهجوم والجهة التي نفذته. ولم يتسنَّ الوصول بعد إلى جماعات أخرى مدعومة من إيران للحصول على تعليق كما لم يصدر تعليق بعد من حكومة طهران.
ولكن بعيداً عمن يقف وراء هذا الهجوم فإن الحادث يشكِّل تصعيداً غير مسبوق بين قادة البلاد والجماعات المسلحة المدعومة من إيران والتي حاولت الانقلاب على نتيجة الانتخابات الشهر الماضي.
ينظر مسؤولون عراقيون إلى الهجوم الذي وقع مساء السبت 6 نوفمبر/تشرين الثاني على أنه محاولة اغتيال، وهي المحاولة الأولى من نوعها منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة لاحتلال العراق وإزاحة صدام حسين قبل ما يقرب من 19 عاماً.
ونقلت صحيفة The Guardian البريطانية عن مصادر استخباراتية إقليمية قولها إن الهجوم شنته على الأرجح جماعات مرتبطة بإيران، بعد أن خسرت ثلثي مقاعدها البرلمانية في الانتخابات الوطنية وحاولت يوم الجمعة 5 نوفمبر/تشرين الثاني اقتحام المنطقة الخضراء قبل أن تتصدى لها قوات الأمن.
هل الهجوم بفعل فاعل أم قرار داخلي؟
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن الهجوم، وإن لم يتضح بعد ما إذا كان قد وقع بالفعل بأوامر من إيران أم لا، إلا أن الهيمنة السياسية في بغداد بين المصالح الوطنية للبلاد والكتل المتحالفة مع إيران عادت لتصبح بؤرة نزاع شرسة في أجواء يُستعصى التنبؤ بمآلاتها.
وقال مسؤول عراقي للصحيفة: "نحن نقول إن الميليشيات هي التي فعلت ذلك. وربما كان الإيرانيون يعرفون بالهجوم قبل وقوعه، لكن لسنا متأكدين".
مع ذلك، يشير بعض المراقبين إلى أن غياب القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني، الذي كان له نفوذ قوي على الميليشيات المرتبطة بإيران حتى اغتياله في يناير/كانون الثاني 2020، بات يُبهم حتى على المسؤولين العراقيين تبيُّن ما إذا كانت أفعال وكلاء إيران بمحض إرادتهم أم بأوامر من راعيهم.
وفي هذا السياق، قال المسؤول العراقي: "نعتقد أن هذا لم يكن ليحدث لو كان قاسم سليماني على قيد الحياة. والواقع أن الميليشيات لم تعد تحت السيطرة كما كانت في ظل قيادته. وهذا يعني أن الارتباط بالنفوذ الإيراني في طهران لم يعد [قوياً] كما كان".
لكن من جهة أخرى، فإن الجماعات المرتبطة بإيران أبانت عن عنف متزايد بعد الانتخابات، التي أوهنت عضلاتها السياسية وضاعفت نفوذ الزعيم الديني العراقي مقتدى الصدر، الذي يُتوقع أن يكون له دور بارز في الأشهر المقبلة في التفاوض على تحديد التركيبة الحكومية ومن يقودها.
تعتبر مسيرة يوم الجمعة الاحتجاجية على نتائج الانتخابات هي المرة الثانية هذا العام التي تحاول فيها الميليشيات اقتحام مقر السلطة في المنطقة الخضراء. ففي يونيو/حزيران الماضي، أمر قادة الجماعات أعضاءها بالاستيلاء على إحدى نقاط التفتيش الرئيسية المشرفة على نهر دجلة. أدت هذه الخطوة إلى مفاوضات مطولة مع قادة الجماعات المسلحة وأضعفت سلطة الكاظمي، لدرجة أنه فكر جدياً في عدم الترشح لولاية ثانية.
معضلة رحيل قاسم سليماني
لكن رحلة لاحقة إلى واشنطن، نجح فيها الكاظمي في التفاوض على انسحاب القوات الأمريكية المتبقية من العراق، لقيت استقبالاً حسناً في إيران. ومع ذلك، يقول مسؤول عراقي ثانٍ: "إن ذلك لا يعني أنهم لم يكونوا يريدون هذا [الهجوم عليه] أيضاً. فالأمر معقد معهم دائماً".
ومع ذلك، تعيد تلك الأحداث إبراز معضلة أخرى، وهي الضعف النسبي لقبضة إيران بعد اغتيال قاسم سليماني، وتولي خليفته إسماعيل قاآني، الذي أُلقيت على عاتقه مهمة ثقيلة في غياب سلفه.
ويقول المسؤول العراقي الأول: "إنهم [الميليشيات المدعومة من إيران] لا يصغون إلى توجيهاته كما كانوا مع قاسم. واقع الأمر أنهم في بعض الأحيان، لا يصغون إليه على الإطلاق. ويعني ذلك أن هناك عديداً من الاتجاهات المتضاربة التي تُنسب إلى إيران. فتلك الهيمنة التي اعتدناها قد انهارت".
وفي حين أن الكاظمي لم يعلن ما إذا كان سيترشح لولاية ثانية أم لا، فإن حلفاءه وخصومه على حد سواء يتوقعون أنه سيفعل ذلك، لا سيما أن معظم المراقبين الدوليين قد رفضوا مزاعم وقوع مخالفات في الانتخابات، التي اجتذبت إقبالاً ضعيفاً لكنها أعطت دفعة قوية لمقتدى الصدر، الذي سيكون دعمه أساسياً إذا اتُّفق على عودة الكاظمي.
الخطوة تفتح باب عدم الاستقرار
في نفس السياق سلطت صحيفة The New York Times الأمريكية الضوء على تفاقم المخاوف من تفشي عدم الاستقرار في العراق بعد الهجوم على رئيس الوزراء.
واستدلت الصحيفة الأمريكية بتغريدة الرئيس العراقي، برهم صالح، التي وصف فيها "الاعتداء" بأنه مقدمة لانقلاب، قائلاً: "لا يمكن أن نقبل بجرِّ العراق إلى الفوضى والانقلاب على نظامه الدستوري".
كما نقلت استنكار المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، للهجوم، وتصريحه بأنه "عمل إرهابي صريح" موجه إلى قلب الدولة العراقية.
أشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن الهجوم على منزل الكاظمي عدَّه معظم المحللين رسالة تحذير إلى الكاظمي وحلفائه وليس محاولة اغتيال. فرئيس الوزراء بقي في السلطة بموازنة العلاقات العراقية بين إيران والولايات المتحدة، وهو يسعى لولاية أخرى.
يذهب إلى هذا الرأي ريناد منصور، باحث الشؤون العراقية في مركز أبحاث "تشاتام هاوس"، قائلاً: "جرت العادة على استخدام العنف، لكن ليس بالضرورة للاغتيال، أحياناً للتهديد، وهو الوضع في هذه الواقعة. أعتقد أن هذا تحذير ربما أخطأ هدفه، لأن رئيس الوزراء ربما يكتسب مزيداً من الشعبية والتعاطف بعد أن بات رئيس وزراء نجا من محاولة اغتيال".
ومع ذلك، فإن الهجوم يعقّد بدرجة كبيرة جهود تشكيل الحكومة، والتي تعتمد على إقامة تحالفات بين أحزاب، بعضها تتبعه أجنحة مسلحة، لتشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان.