يبدو مستقبل قطاع الطاقة في مصر واعداً، في ظل اكتشاف شركة إيني الجديد للنفط والغاز في غرب الدولة، ولكن خطة البلاد للتحول إلى مصدر رئيسي للطاقة تواجه تحديات كبيرة.
بعد تحقيق أرقام قياسية للإنتاج في سبتمبر/أيلول للمرة الأولى منذ عام 1957، للشركة العامة للبترول المملوكة للحكومة وصل إلى 74 ألف برميل مكافئ يومياً يومياً، بالإضافة إلى خطط إنشاء مصافٍ جديدة ومستويات عالية من إنتاج الغاز الطبيعي المسال، يبدو أنَّ مصر مستعدة ليس فقط لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة، بل أيضاً لتصبح مُصدِّراً رئيساً، حسبما ورد في تقرير لموقع oilprice البريطاني.
وأعلنت شركة إيني الإيطالية العملاقة للنفط، هذا الأسبوع، أنها حققت ثلاثة اكتشافات نفطية وغازية جديدة في منطقة مليحة بغرب مصر، باحتياطيات نفطية تقدر بنحو 50 مليون برميل من الخام، أي ما يعادل 6000 برميل يومياً من المكافئ النفطي. وتمتلك إيني حصة قدرها 38% في مليحة، تتقاسمها مع شركة "لوك أويل" التي تمتلك 21%، والهيئة المصرية العامة للبترول بنسبة 50%.
وبعد الاكتشاف، أصدرت شركة النفط العملاقة بياناً صحفياً قالت فيه: "تواصل إيني متابعة استراتيجيتها الناجحة للتنقيب عن الحقول القريبة والبنية التحتية في الصحراء الغربية المصرية من خلال مشروع عجيبة المشترك بين إيني والهيئة المصرية العامة للبترول؛ مما يتيح زيادة قيمة هذه الموارد الجديدة سريعاً".
مصر قد تكتفي ذاتياً من النفط عام 2023
ويضيف الاكتشاف الجديد إلى إعلان مصر الأخير أنها تتوقع أن تصبح مكتفية ذاتياً من النفط بحلول عام 2023. وعملت مصر باطراد على زيادة إنتاجها النفطي لتعزيز أمن الطاقة في السنوات الأخيرة.
وتواصل الهيئة العامة للبترول والعديد من شركات النفط العالمية متابعة عمليات التنقيب والإنتاج في جميع أنحاء البلاد، مع مشاركة شركة أباتشي الأمريكية وشركة إيني الإيطالية وشركة دراغون أويل الإماراتية وشركة داتش شل الهولندية في صناعة النفط المصرية.
وتعتبر اكتشافات إيني هي الأحدث بين العديد من اكتشافات النفط والغاز المهمة على مدار العقد الماضي. وقد شهدت السنوات الست الماضية 295 اكتشافاً بترولياً، و197 اكتشافاً للنفط الخام، و98 اكتشافاً للغاز، بإجمالي ما يقرب من 372 مليون برميل من النفط والمكثفات و38 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، في أكبر منطقة منتجة للنفط في مصر، وهي المنطقة الغربية، وكذلك في الصحراء الشرقية والبحر المتوسط وسيناء والدلتا وخليج السويس.
كما أنها تتوسع في بناء المصافي، وتخطط لتصبح من كبار مصدري الغاز لأوروبا
ووضعت مصر خططاً وطنية لتحديث مصافيها الحالية وكذلك بناء 7 مصافٍ جديدة في جميع أنحاء البلاد، مع تخصيص 7 مليارات دولار للمشروع. ويقدر المسؤولون أنه بمجرد اكتمال المصافي، ستكون قادرة على إنتاج 6.2 مليون طن من المنتجات النفطية، بما في ذلك البنزين والديزل، كل عام. وهذا جزء من خطة وزارة البترول والثروة المعدنية للتركيز على إنتاج المنتجات المكررة، بدلاً من الاعتماد على كمية النفط التي تنتجها مصر؛ لتجنب الاعتماد على الواردات المكررة.
وتأمل مصر أيضاً أن تصبح من كبار مُصدِّري الغاز إلى أوروبا، وقد استأنفت عملياتها في محطتين للغاز الطبيعي المسال في إدكو ودمياط لأول مرة منذ ثماني سنوات. وتتمتع البلاد بالفعل بالاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي بفضل اكتشاف حقل ظُهر في البحر المتوسط في عام 2015. وتأمل الوزارة الآن في إنشاء أسواق تصدير رئيسية بما في ذلك في الصين واليابان والهند، للشحن عبر أوروبا.
ويتوقع محللون أن تعود أزمة ارتفاع أسعار الغاز بأوروبا بالنفع على مصر بارتفاع حصيلة تصدير الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، حسبما ورد في تقرير لموقع "مصراوي".
وقال محمد أبو باشا، كبير محللي الاقتصاد الكلي في بنك الاستثمار هيرميس، إن هذه الأزمة من الممكن أن تفيد مصر في زيادة حصيلة التصدير لأن مصر حالياً تبيع شحناتها في سوق- Spot market المعاملات الفورية- وليس عن طريق العقود الآجلة.
يقول خبراء إنه، بالنسبة لأوروبا التي تعاني تبعات الاحتكار الروسي للغاز فإنه بالإضافة إلى الغاز الطبيعي المسال في قطر، سيكون البديل الآخر هو الاكتشافات الضخمة للغاز في شرق البحر المتوسط، لكن المنطقة، رغم قربها من القارة الأوروبية، تعجُّ بالصراعات والمنافسة والنزاعات التاريخية، وتضم دولاً مثل مصر وإسرائيل ولبنان وتركيا.
مصر تريد أن تصبح مركزاً للغاز المسال ولا تراهن على خط شرق المتوسط
عكس الشائع، فإن مصر غير مستفيدة وغير متحمسة على الأغلب من خط غاز شرق المتوسط الذي يظل مشروعاً بعيد الاحتمال تواجهه عوائق كثيرة.
فرغم الاكتشافات الغازية المصرية الأخيرة، فإنها تظل أقل كثيراً على الأرجح، مما اكتُشف لدى إسرائيل ودول أخرى بالمنطقة.
وبالتالي فإن احتمالات التصدير على نطاق واسع ليست عالية بالنسبة لمصر.
فمشروع غاز شرق المتوسط مشروع إسرائيلي قبرصي يوناني، ولم يُطرح اسم مصر بشكل أساسي فيه.
بل العكس فإن مصر تطرح مشروعاً منافساً يقوم بالأساس على تصدير الغاز المسال عن طريق المنشآت المصرية، لتصبح مصر مركزاً لتصدير وتسويق الغاز بالمنطقة مع التركيز على الغاز المسال.
وبالتالي فإن عدم إنشاء الخط سيعزز وضع مصر كمركز لتسييل الغاز، خاصةً الإسرائيلي وقد يكون القبرصي وحتى اليوناني في مرحلة لاحقة.
وسبق أن علَّق وزير البترول والثروة المعدنية، طارق الملا، على خط أنابيب الغاز المُقتَرح بين قبرص واليونان وإسرائيل وإيطاليا (خط غاز شرق المتوسط)، قائلاً إنَّ عملية إعداد دراسة جدوى للمشروع قد تستغرق ما يصل إلى عامين، "وهذه بحدّ ذاتها رفاهية لم تعد تتحمّلها المنطقة".
وأضاف أنَّ مصر هي الخيار الأقل تكلفة لتصدير الغاز الطبيعي الموجود في المنطقة. ففي حين لا يوجد خط أنابيب لإعادة تصدير الغاز من مصر، تملك البلاد محطتين لتسييل الغاز من شأنهما تمكينها من البدء في إعادة التصدير دون الحاجة لاستثمارات، وباستثمارات قليلة، في البنية التحتية.
لماذا تفر الشركات الأوروبية من بلادها إلى قطاع الطاقة في مصر؟
قطاع الطاقة في مصر، لكي يحقق الاكتفاء الذاتي، سيتعين على القاهرة أن تبدأ في التحول إلى الطاقة المتجددة؛ مما يقلل من استهلاكها للمنتجات النفطية. حيث تستورد القاهرة حالياً ما بين 35 و40% من مشتقاتها النفطية، وما لم تبدأ المرحلة الانتقالية الآن، فقد يرتفع هذا الرقم جنباً إلى جنب مع النمو السكاني على الرغم من زيادة الناتج القومي، حسب تقرير قطاع الطاقة في مصر.
وبالإضافة إلى اكتشافات النفط وزيادة الاستثمار الوطني في قطاع الطاقة، تجتذب مصر أيضاً المزيد من شركات النفط والغاز الأوروبية مع تشديد لوائح ضبط الإنتاج في بحر الشمال والشكوك المتعلقة بمستقبل التنقيب عن النفط الأوروبي وإنتاجه. واتخذت شركة كيرن للطاقة البريطانية هذه الخطوة بالفعل، إذ باعت حصتها في حقلين نفطيين في بحر الشمال، مقابل 455 مليون دولار، وركزت على عملياتها في شمال إفريقيا.
وفي مارس/آذار من هذا العام، اشترت شركة كيرن للطاقة حصة قدرها 50% في إنتاج زيت شل في الصحراء الغربية، حيث تبدو التوقعات أكثر تأكيداً، ولم يحدث التحول إلى الطاقة النظيفة بعد وسيستمر المعروض من النفط بينما يظل الطلب مرتفعاً.
ومع ذلك، الطريق ليس مفروشاً بالورود، فقد انخفض الاستثمار في قطاع النفط المصري بنسبة 26% في عام 2020-2021 مقارنة بعام 2019-2020، بانخفاض قدره 5.4 مليار دولار من 7.3 مليار دولار، وفقاً لوزير البترول والثروة المعدنية. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى حالة عدم اليقين التي سادت خلال العام الأول لوباء "كوفيد-19" عندما انخفض الطلب على النفط وأسعاره.
ومع ذلك، كان الاقتصاد المصري مرناً للغاية في أعقاب وباء "كوفيد-19″، حيث حقق نمواً إجمالياً حقيقياً بنسبة 3.6% في عام 2020؛ مما يعني أنه من المرجح أن يأتي التعافي سريعاً، لا سيما مع تحويل عمالقة النفط الدوليين عملياتهم نحو إفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي. إنَّ اهتمام الحكومة بتطوير صناعة النفط القوية بالفعل في البلاد يجذب بالفعل اهتماماً دولياً أكبر في المنطقة، وهو اتجاه من المرجح أن يستمر إذا ظل الطلب على النفط وأسعاره مرتفعين.
وعلى الرغم من انخفاض الاستثمار العام الماضي، يبدو أنَّ مصر تعمل سريعاً على تطوير قطاع الطاقة، والاستجابة لطلب السوق وضمان أمن الطاقة في السنوات القادمة. مع تحول المستثمرين الدوليين بعيداً عن عمليات أوروبا نحو المنطقة الإفريقية، من المقرر أن تزدهر صناعة النفط والغاز في مصر.