تتمتع الهند بتاريخ في التشجيع على التسامح بالنظر إلى أنها مركز الثقل التقليدي في منطقة جنوب آسيا، ولكن دور الهند مهدَّد بالتراجع جراء سياسات رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي تجاه المسلمين.
فلقد قد نصَّب مودي نفسه أيضاً على أنه بطل الهندوس في مواجهة تاريخ من لعب دور الضحية، ولكن تدهور حقوق الإنسان في الهند أضعف مكانتها الأخلاقية العالية في منطقة تتفاقم فيها التوترات العرقية والطائفية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
وسبق أن تساءلت مجلة Time الأمريكية، في تقرير لها هل تتجه الهند نحو إبادة جماعية ضد المسلمين؟.
ففي مواجهة الأزمات الاقتصادية للبلاد والتعثر في معالجة أزمة جائحة كورونا فإن إحدى الوسائل لنيل الشعبية هي تحريض الهندوس ضد المسلمين، وبالفعل يحشد رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي وحزبه الحاكم "بهاراتيا جاناتا" قاعدتهما القومية الهندوسية بأنشطة تضع أكثر من 200 مليون مسلم بالبلاد في دائرة الاضطهاد والتمييز، لدرجة أن ممارسة العنف والتمييز ضد المسلمين أصبحت عملية منهجية يمارسها الحزب الحاكم في الهند.
ولكن تأثير ممارسات الهند تجاه المسلمين لا يقتصر على البلاد بل يمتد إلى كل أنحاء جنوب آسيا، كما أنه يؤدي إلى تآكل نفوذ نيودلهي التاريخي في هذه المنطقة.
إذ بدأت الهند تفقد نفوذها في جنوب آسيا في ظل سعي حكومتها لإعادة تشكيل البلاد لتصبح دولة هندوسية. وقد أضعفت حكومة مودي، بتهميشها للأقلية المسلمة في الداخل، دورها القيادي التقليدي في تشجيع الانسجام في منطقة تكثر بها الصراعات.
سريلانكا.. موجة من الاضطهاد البوذي ضد المسلمين والهندوس معاً
في سريلانكا، الدولة ذات الأغلبية البوذية، تتخذ الحكومة موقفاً أكثر تشدداً من شعب التاميل، وهم أقلية هندوسية أدت مظالمهم إلى حرب أهلية استمرت ثلاثة عقود، وكذلك من العدد المحدود من سكانها المسلمين.
فقد عين الرئيس غوتابايا راجاباكسا مؤخراً راهباً بوذياً متشدداً لقيادة إصلاح شامل للنظام القانوني، رغم اتهامه بإثارة الكراهية للمسلمين وحبسه بتهمة ترهيب زوجة صحفي مختفٍ.
وتضم اللجنة المشرفة على جهود الإصلاح باحثين مسلمين لكنها لا تضم ممثلين عن التاميل الذين ينتمي أغلبهم للديانة الهندوسية.
باكستان.. أحداث عنف رغم إدانات رئيس الوزراء
وفي باكستان ذات الأغلبية المسلمة، التي يُهمَّش بها البشتون والبلوش منذ فترة طويلة، أدى التطرف الإسلامي المتزايد إلى حوادث اقتصاص شعبية من الأقلية الهندوسية، التي تشكل 2% فقط من السكان، حيث يتعرضون لحوادث عنف متكررة وتخريب لمعابدهم واحتلال لأراضيهم وهناك مزاعم بأن فتياتهن يجبرن على التحول عن دينهن عنوة، وفقاً للجنة حقوق الإنسان الباكستانية. وقد أدان رئيس الوزراء عمران خان هذه الانتهاكات، ولكن دون تأثير يذكر.
وغالباً ما يصبح العنف الطائفي في بلد ما حافزاً لتنامي القومية في بلد آخر. فقد حمّل خان مودي مسؤولية "إطلاق العنان لعهد من الخوف والعنف بحق المسلمين في الهند الذين يبلغ عددهم 200 مليون نسمة". وكثيراً ما ينشر أنصار مودي مقاطع فيديو للعنف بحق الهندوس في باكستان وأماكن أخرى في المنطقة لتبرير سياسات يُنظر إليها على أنها تمييزية بحق المسلمين.
على أن هذا العنف والإساءة للأقليات ليس بالأمر الجديد في جنوب آسيا، وهي منطقة تضم ربع سكان العالم ومعروفة بخلافاتها العرقية والدينية العميقة.
إذ خلّف الانفصال المؤلم بين الهند وباكستان عام 1947، وانفصال بنغلاديش عن باكستان في وقت لاحق بعد حرب 1971، أقليات عرقية ودينية كبيرة في كل بلد من البلدان الثلاثة. والسياسات المحلية في أحدها تؤثر دون شك على سكان الأخرى.
ولكن الجديد هي طريقة الهند في معالجة خلافاتها الطائفية والإثنية.
وعادة ما تكون الطريقة التي تدير بها الهند- أكبر هذه الدول وأكثرها تنوعاً- شؤونها هي التي تحدد المسار لبقية الدول في جنوب آسيا. وحتى حين اندلع العنف الطائفي داخل حدودها، ظلت الهند الشقيقة الكبرى المميزة بإرثها في إنهاء قرون من الحكم الاستعماري دون عنف، وبقادتها المؤثرين مثل غاندي.
على أن سياسات حزب مودي قوضت هذه المكانة، مثلما قوضت إدارة ترامب مكانة الولايات المتحدة العالمية في حقوق الإنسان. فقد تبنى حزبه بهاراتيا جاناتا أجندة "الهندوس أولاً" التي غالباً ما تسيء للمسلمين في البلاد. وامتنع الحزب أيضاً عن كبح جماح العناصر المتشددة داخل صفوفه، التي تثير أعمال عنف في بعض الأحيان.
بنغلاديش.. سياسات مودي تؤجج الوضع
وقد أشارت شيخة حسينة، رئيسة وزراء بنغلاديش، وآخرون إلى أن المواقف المتشددة مع المسلمين في الهند ساهمت في العنف الذي يُمارس بحق الهندوس في بنغلاديش.
يقول محمد تنظيم الدين خان، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة دكا: "أحداث العنف التي شهدتها بنغلاديش تعزز سياسات الهندوتفا (الأيديولوجية القومية الهندوسية لحزب بهاراتيا جاناتا)، وهم يحاولون استغلالها. وفي الوقت نفسه، تعزز سياسة الهندوتفا في الهند السياسات الشبيهة بسياسات حزب بهاراتيا جاناتا في بنغلاديش".
وأعمال العنف التي اندلعت في بنغلاديش الشهر الماضي كانت نتيجة انتشار شائعات بالإساءة إلى القرآن في معبد هندوسي. وقالت الشرطة إن سبعة أشخاص قتلوا.
عنف في ولاية حدودية بين البلدين، ومودي يلوذ بالصمت
وزاد هذا العنف من حدة التوتر الطائفي في الهند. فخلال الأسابيع الأخيرة، نظمت مجموعة هندوسية يمينية احتجاجات ضخمة في ولاية ترايبورا الهندية، على الحدود مع بنغلاديش، اعتراضاً على العنف الذي يمارس بحق الهندوس هناك. واضطرت الشرطة إلى فرض إجراءات أمنية مشددة لحماية المساجد بعد أن خرَّب أعضاء في هذه المجموعة مسجداً واحداً على الأقل وأحرقوا متاجر. ووجدت مجموعة من المحامين والنشطاء الذين ذهبوا إلى ترايبورا لتوثيق الأضرار نفسها متهمة بانتهاك قانون صارم لمكافحة الإرهاب.
وفي حين انتقد بعض مسؤولي حزب بهاراتيا جاناتا العنف في بنغلاديش، التزم مودي نفسه الصمت إلى حد كبير. فعلى عكس باكستان، التي تتحول توتراتها مع الهند أحياناً إلى صراع علني، أقام مودي علاقات جيدة مع بنغلاديش، وأي لهجة حادة قد تؤدي إلى إفساد العلاقات الدبلوماسية بين نيودلهي ودكا.
والصين تستغل الفرصة لنشر نفوذها
ولدى جيران الهند فرصة للعثور على أصدقاء في مكان آخر، حيث تعد الصين، الغنية بمشاريع التنمية والقروض، بديلاً مربحاً قوياً. ففضلاً عن تعزيزها العلاقات الاقتصادية مع باكستان، استغلت بكين أيضاً لقاحات كوفيد-19 وغيرها من المساعدات لتحسين علاقاتها مع نيبال وسريلانكا وبنغلاديش.
تقول أبارنا باندي، مديرة مبادرة الهند في معهد هدسون، إن الأيديولوجية القومية الهندوسية للحزب الحاكم جعلت الهند أكثر انغلاقاً. ففي السابق، حرص نموذج حكمها التعددي على تحاشي تأجيج التوترات، وتعامل في بعض الأحيان مع جيرانه من منظور أبوي. أما الآن، على حد قولها، فتبدو سياسة "الجوار أولاً" التي يتبناها مودي متعارضة مع ردود الفعل العنيفة التي سببتها الرؤية القومية الهندوسية في الداخل.
تقول الدكتورة أبارنا: "إذا كنت تروج لخطاب قومي، فمن الصعب أن تطلب من جيرانك ألا يفعلوا الشيء نفسه. سترى بعد ذلك أن كل دولة في جنوب آسيا تصبح أكثر قومية، وهذا، بعيداً عن أي شيء آخر، يخلق تحدياً استراتيجياً للهند".
يقول ياشوانت سينها، الذي كان وزير خارجية الهند حين كان حزب مودي، بهاراتيا جاناتا، في السلطة آخر مرة في أوائل الألفينات، إن صمت مودي اليوم "يعطي الانطباع بأننا فقدنا السيطرة على الوضع أو أن الدولة تشجع على العنف بحق الأقليات".
وسينها، الذي استقال من حزب بهاراتيا جاناتا، وانضم إلى حزب معارض، شغل منصب وزير الخارجية مباشرة بعد وقوع بعض أعمال العنف الطائفي الأشد دموية في الهند عام 2002 في ولاية غوجارات، التي كان مودي رئيساً لوزرائها. وقال إن مثل هذا العنف لم يؤثر على مكانة الهند لأن رئيس وزراء البلاد حينذاك، أتال بيهاري فاجبايي، أوضح أن هذه الحوادث غير مقبولة وفردية.
ويقول سينها إنه في هذه الأيام: "قد يلتفت إليك الطرف الآخر ويقول: (لماذا لا تطبق في وطنك ما تعظنا به)؟".