قيس سعيد.. كيف جعل أستاذ القانون الدستوري القانون سلاحاً لتصفية حساباته مع الخصوم؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/11/06 الساعة 08:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/06 الساعة 10:34 بتوقيت غرينتش
الرئيس التونسي قيس سعيد والأسبق المنصف المرزوقي/ AA

أثار إصدار القضاء التونسي مذكرة توقيف دولية بحق الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، موجة من الجدل والانتقادات لحكومة الرئيس قيس سعيد، في حين شبهها البعض بأنها أعادت للأذهان ما كان يفعله نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي مع خصومه ومعارضيه.

ويقول خبراء في القانون التونسي، إن قرار المحكمة بتوقيف المرزوقي يعد "خطوة سياسية وليست قانونية"، حيث جاء قرار المحكمة بعد توجيه المرزوقي انتقادات شديدة ومتكررة لقيس سعيد على خلفية "الإجراءات الاستثنائية" التي قام بها، والتي عطّل بموجبها عمل البرلمان في يوليو/تموز الماضي، والتي اعتبرتها معظم الأحزاب "انقلاباً على الدستور".

والخميس 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أصدرت محكمة تونسية، مذكرة اعتقال دولية بحق المرزوقي الموجود خارج البلاد، على خلفية تصريحات له حول "إفشال عقد القمة الفرنكوفونية في تونس".

وكان المرزوقي قد أعلن الشهر الماضي في تصريحات لقناة فرانس 24، أنه سعى "لإفشال" عقد القمة الفرنكوفونية التي كان مقرراً عقدها في بلاده بنوفمبر/تشرين الثاني، وتم تأجيلها لمدة عام، باعتبار أن تنظيمها في بلد "يشهد انقلاباً هو تأييد للديكتاتورية"، وفق تعبيره.

"قيس سعيد يُكرر ما كان يفعله زين العابدين بخصومه"

في السياق، يقول أستاذ القانون الدّستوري جوهر بن مبارك، في حديثه لوكالة الأناضول، إن "مسألة ملاحقة المرزوقي جلية، ولا تتعلق بقراءة قانونية قدر ما هي سياسية، بعد إبداء رأيه في علاقة الوضع ببلده وسير العملية الديمقراطية في تونس نحو الانهيار وعودة دولة البوليس ودولة القمع".

وأضاف: "التّهمة الموجهة له (المرزوقي)، سياسية بالأساس، باستعمال (الرئيس قيس) سعيّد القانون والقضاء لتصفية خصومه بتهم فضفاضة تتعلق بالأمن القومي وتشويه صورة تونس بالخارج والتعامل مع جهات أجنبية، وهي تهم استُعملت في نظام زين العابدين بن علي سابقاً وحتى ضدّ المرزوقي في مرات عديدة".

وقال بن مبارك: "قانونياً تعد بطاقة الجلب الدّولية لا قيمة لها على المستوى الدّولي، لأن الدّول الدّيمقراطية تدرك أن التّهمة الموجهة سياسية ضدّ معارض".

وأوضح الخبير الدستوري التونسي: "الأمثلة عديدة في هذا الصدد بينها رئيس حزب الاتحاد الوطني الحرّ سابقاً سليم الرياحي، الذي رفضت اليونان تسليمه، لأن تونس اليوم لا تتوفر فيها ضمانات وشروط المحاكمة العادلة، عملاً بالمواثيق الدّولية التي ترفض تسليم المطلوبين لدى دول لا تُحترم فيها شروط الدّيمقراطية واستقلال القضاء".

وفي 14 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال الرئيس سعيد، خلال اجتماع لحكومة البلاد، إنه "سيتم سحب جواز السفر الدبلوماسي من كل من ذهب إلى الخارج يستجديه لضرب المصالح التونسية"، من دون أن يشير صراحة إلى شخصية بعينها.

وشدد سعيد على أنه لن يقبل بأن "توضع سيادة تونس على طاولة المفاوضات"، معتبراً أن "السيادة للشعب وحده".

وغداة تصريحات سعيد، أعلنت محكمة تونسية فتح تحقيق في سعي المرزوقي لإفشال انعقاد القمة الفرنكوفونية، التي كان مقرراً لها الشهر الجاري.

"رسالة تهديد لكل التونسيين"

من جهته اعتبر وحيد الفرشيشي، أستاذ القانون العام ورئيس الجمعية التونسية للدفاع على الحريات الفردية (أهلية)، أن "التُّهم المُوجّهة إلى المرزوقي تتعلق بحريّة التعبير وإصدار بطاقة جلب ضدّه مسألة مشينة".

وأضاف الفرشيشي، في تصريح إذاعي محلي، أن "حرية التعبير مكفولة للجميع بالدستور التونسي والاتفاقيات الدولية".

واعتبر أن "إصدار قرارات قانونية وقضائية ضد الحريات لا يستقيم قانوناً، ولا يليق لأنه لا يمكن مواجهة الكلمة بالأحكام القضائية والدعوات، إلا إذا ترتب عن الأقوال والأفعال ما يؤدي إلى التحريض والعنف".‎

وكان قاضي التحقيق المسؤول عن قضية المرزوقي، في مذكرة التوقيف، اتهم في تصريح صحفي المرزوقي بـ"التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي".

وتعقيباً على مذكرة الاعتقال، قال المرزوقي في تصريحات نقلها موقع شبكة "الجزيرة"، إنه لا يستغرب هذا القرار من السلطات التونسية، وإنها كانت "خطوة متوقعة"، مضيفاً أن مذكرة الاعتقال بحقه "رسالة تهديد لكل التونسيين".

مخاوف حول استقلال القضاء التونسي

ونهاية الشهر الماضي، أعلن قيس سعيّد، عن إعداد مشروع قانون يتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء، ما أثار مخاوف جدية حول استقلال القضاء التونسي وعدم تسويغه بما يخدم مصالح الرئيس على حساب الخصوم.

وبحسب بيان للرئاسة التونسية، فقد "حثّ سعيّد القضاة الشرفاء على عدم التردّد في تطبيق القانون على الجميع من دون استثناء، وعلى قدم المساواة، كما دعا المواطنين الصادقين إلى تطهير البلاد من كل من عبث بمقدّرات الدولة والشعب".

وتكررت، في الفترة الأخيرة، دعوات سعيّد القضاء لأن يتحمل "مسؤوليته التاريخية"، موجهاً اتهامات عديدة للقضاة، ومنتقدا "تباطؤ القضاء في إصدار أحكام سريعة لا تتطلب وقتا طويلا، ومعاملة المتقاضين بغير العدل، وتفضيل النافذين على المواطنين العاديين".

وجاء طلب قانون المجلس الأعلى للقضاء ليفجر مفاجأة كبيرة، ويسلط ضغطا جديدا على القضاة، ويزيد من المخاوف على استقلال السلطة القضائية. حيث أصدر المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين، الخميس، بياناً شدد فيه على تمسكه بـ"استقلال السلطة القضائية بأصنافها، العدلي والإداري والمالي، وبهياكلها من هيئات حكمية ونيابة عمومية طبق الضمانات والمكتسبات الدستورية الواردة بالباب الخامس من الدستور".

وأكد البيان أيضا على "التمسك بالمكسب الديمقراطي للمجلس الأعلى للقضاء كمؤسسة مستقلة لنظام الفصل بين السلطات والتوازن بينها، بما يضمن حسن سير القضاء واستقلاله، ويسهر على حماية الهيئات القضائية من الوقوع تحت أي ضغوطات أو تدخل في المسارات المهنية للقضاة، أو يضعف ويقوّض دورهم في مسؤولية حراسة الحقوق والحريات ودولة القانون، بالنزاهة والاستقلالية المستوجبة".

مشدداً على أن "مسار الإصلاح القضائي هو مشروع ممتد في الزمن، ولا يمكن أن يتحقق بإلغاء المكتسبات الدستورية لاستقلال القضاء، وإنما بالبناء عليها واستكمال نواقصها، وتقويم ما اعتراها من أوجه الخلل".

وأوضح البيان أنه "باعتبار السلطة القضائية مكونا من مكونات النظام السياسي الجمهوري والديمقراطي، الذي يقوم على التفريق بين السلطات طبق الدستور، فإنه لا يمكن المساس بموقعه والتراجع عن مكتسبات استقلاله عن بقية السلطات التي خلصته من موقع الجهاز التابع للسلطة التنفيذية".

ومنذ 25 يوليو/تموز الماضي، تعاني تونس أزمة سياسية حادة، حيث بدأ سعيّد سلسلة قرارات استثنائية، منها تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه.

كما ألغى سعيد هيئة مراقبة دستورية القوانين، وأصدر تشريعات بمراسيم رئاسية، وأقال رئيس الحكومة هشام المشيشي.

وترفض غالبية القوى السياسية في تونس قرارات سعيّد، وتعتبرها "انقلاباً على الدستور"، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها "تصحيحاً لمسار ثورة 2011″، التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.

تحميل المزيد