تبادلت إيران والولايات المتحدة الاتهامات حول حقيقة حادث ناقلة نفط كانت ترفع علم فيتنام وتمت مصادرتها قبل نحو أسبوع في بحر عمان من الحرس الثوري. فبينما قالت طهران إن قواتها أحبطت محاولة أمريكية لمصادرة الناقلة المحملة بنفط إيراني، وصفت وزارة الدفاع الأمريكية الرواية الإيرانية بأنها "غير دقيقة وكاذبة"، وقال المتحدث باسم البنتاغون إن البحرية الأمريكية رصدت قوات إيرانية تصعد بشكل غير قانوني على متن السفينة لكنها لم تتدخل، مضيفاً: "لقد تصرَّفنا وفقاً للقانون".
قدمت الولايات المتحدة وإيران، الأربعاء 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، روايتين متناقضتين حول واقعة سُجلت مؤخراً في بحر عمان، صادرت خلالها وحدات من الحرس الثوري ناقلة نفط ترفع علم فيتنام.
فقد أعلن الحرس الثوري الإيراني أن قواته أحبطت قبل نحو أسبوع، محاولة أمريكية لمصادرة ناقلة نفط محملة بنفط إيراني، في أوج التوتر بين البلدين اللذين يتبادلان باستمرارٍ الاتهامات "باستفزازات" في مياه منطقة الخليج. وصدر الإعلان، الأربعاء، عن الحرس الثوري والتلفزيون الرسمي الذي ذكر أن "الولايات المتحدة صادرت ناقلة تحمل نفطاً إيرانياً مُعدّاً للتصدير ونقلت حمولتها إلى ناقلة أخرى، وقادتها إلى جهة مجهولة"، مضيفاً: "قامت بَحرية الحرس الثوري بإنزال جوي على متن الناقلة وصادرتها"، مشيراً إلى أن "القوات الأمريكية حاولت مُجدداً إعاقة مسار الناقلة باستخدام مروحيات وسفينة حربية، لكنها فشلت مجدداً".
وبعد ظهر الأربعاء، أورد الحرس تفاصيل مماثلة، وذلك في بيان نُشر على موقعه الإلكتروني "سباه نيوز". لكن البيان أشار إلى أن الناقلة التي حاولت البحرية الأمريكية اعتراضها مجدداً، كانت تلك "التي تحمل النفط المسروق"، لكنها "فشلت" في ذلك. وأوضح أن تلك الناقلة المذكورة دخلت المياه الإقليمية الإيرانية، ورست "عند الساعة الثامنة (04:30 ت غ) صباح الثالث من آبان (الموافق 25 أكتوبر/تشرين الأول) في ميناء بندر عباس" الواقع في جنوب الجمهورية الإسلامية، والمطل على مضيق هرمز.
الرواية الأمريكية للحادث
في المقابل، وصف البنتاغون الرواية الإيرانية بأنها "غير دقيقة وكاذبة". وفي هذا الشأن، صرح المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي للصحافيين "لقد رأيت التأكيدات الإيرانية وهي غير صحيحة على الإطلاق". مضيفا "لم تبذل السفن الأمريكية أي جهد للاستيلاء على أي شيء". موضحا أنه "في 24 أكتوبر/تشرين الأول، رصدت البحرية الأمريكية بالفعل قوات إيرانية تصعد بشكل غير قانوني على متن سفينة أثناء إبحارها وتستولي عليها في المياه الدولية في بحر عمان". وأكد كيربي أن "الأسطول الخامس طلب من سفينتين ومن دعم جوي مراقبة الوضع من كثب. لم تحاول القوات الأمريكية في أي وقت من الأوقات السيطرة على الموقف أو التدخل فيه"، مضيفا "لقد تصرفنا وفقا للقانون".
من جهته كشف مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية أن الواقعة سجلت الأسبوع الماضي. وقال "شاهدنا القوات الإيرانية تحاصر السفينة وتصعد على متنها وتصادرها قبل أن تقودها إلى المياه الإيرانية". وأوضح المسؤول أن البحرية الأمريكية لم تحاول مصادرة ناقلة النفط، وتابع "تلقينا أمرا بمراقبة الأمور عن كثب وبعدم التدخل".
ونشرت وكالة أنباء فارس الإيرانية في حسابها على تويتر مشاهد تظهر هبوط مروحية على متن الناقلة النفطية "سوذيز" التي ترفع علم فيتنام وسيطرة مسلّحين ملثّمين عليها، ليصل بعيد ذلك زورق تابع للحرس الثوري ويصعد عناصره على متنها. كذلك تظهر المشاهد الإيرانية مدمرتين أمريكيتين على مقربة هما "يو.إس.إس. مورفي" و"يو.إس.إس سالفيانز" وعلى متنهما عسكريون أمريكيون يراقبون بواسطة المناظير. ولم تنشر البحرية الأمريكية أي وثائق مرئية لكن المسؤول في البنتاغون أكد أن بارجتين أمريكيتين راقبتا عملية مصادرة الناقلة النفطية التي جرت بإسناد جوي بواسطة مروحيات.
وتصدير النفط من المجالات المشمولة بالعقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على الجمهورية الإسلامية، لاسيما تلك التي أعادت واشنطن فرضها بعد انسحابها الأحادي من الاتفاق النووي الإيراني في 2018. وأفقدت العقوبات إيران غالبية مستوردي نفطها الذي كان يشكل مصدرا أساسيا لعائداتها المالية. وفي ظل العقوبات، لا تكشف طهران رسميا عما إذا كانت تواصل عمليات التصدير.
وتتهم الولايات المتحدة إيران بالتحايل على العقوبات المفروضة على قطاع النفط، من خلال تصدير الخام إلى دول مثل الصين وفنزويلا وسوريا، وهي أعلنت أكثر من مرة، توقيف ناقلات تحمل نفطا إيرانيا متجهة نحو دول أخرى. وغالبا ما اتهمت واشنطن طهران بممارسة أنشطة "استفزازية"، خصوصا في مضيق هرمز. في المقابل، تؤكد طهران المكانة المحورية لهذه المنطقة، بما يشمل مياه الخليج ومضيق هرمز وبحر عمان، لأمنها القومي.
والعلاقات الدبلوماسية مقطوعة بين إيران والولايات المتحدة منذ 1980. وأتى الاعلان عن إحباط محاولة مصادرة الناقلة، عشية إحياء إيران الذكرى الثانية والأربعين لاقتحام السفارة الأمريكية في طهران واحتجاز رهائن أمريكيين من قبل طلاب مؤيدين للثورة الإسلامية.
لعبة إيران الخطيرة في خليج عمان
ليست هذه المرة هي الأولى التي تقع فيها مثل هذه الحوادث ففي فقد صادرت الولايات المتحدة من قبل أربع ناقلات وقود في أغسطس/آب 2020. وصودِرَ أكثر من مليون برميل من النفط الإيراني وبيعَ في الواقعة التي تضمَّنَت السفن الإيرانية الأربع.
وفي العام 2019، اعترض مشاة البحرية الملكية البريطانية الناقلة الإيرانية غريس-1، لكنها أُطلِقَت لاحقاً من مضيق جبل طارق. أُعيدَ تسمية الناقلة لتحمل اسم أدريان داريا، وأوقفت خصائص التتبُّع الخاصة بها وذهبت إلى سوريا بعد الواقعة. وفي غضون ذلك، حاولت إيران اعتراض الناقلة البريطانية هيريتدج، ثم احتجزت الناقلة البريطانية أيضاً ستينا إمبيرو في خريف 2019، وأطلقتها في نهاية المطاف في سبتمبر/أيلول 2019.
تحاول إيران بصورةٍ متكرِّرة إرسال الوقود إلى سوريا، والآن إلى لبنان. وقد أدَّى ذلك إلى توتُّراتٍ إضافية. وذكرت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية في مارس/آذار الماضي أن إسرائيل هاجَمَت ناقلاتٍ إيرانية مُتَّجهة إلى سوريا. وتعرَّضَت "السفينة الأم" المزعومة للحرس الثوري الإيراني، والتي تحمل اسم "سافيز"، للهجوم في أبريل/نيسان الماضي في البحر الأحمر، وفقاً لتقارير خبرية. وهوجِمَت سفينة MV Helios Ray في فبراير/شباط، وقيل إنها مملوكة لإسرائيليين. وتبع ذلك حوادث أخرى، إذ تعرَّضَت السفينة Lory للهجوم في مارس/آذار، والسفينة Tendall في يوليو/تموز، والسفينة MV Hyperion Ray في أبريل/نيسان.
يتمثَّل الخطر في هذه المواقف في أن الأمور قد تسوء بالنسبة لأيٍّ من البلدين خلال هذه المحاولات من قِبَلِ إيران لاستعادة سفينة أو التحرُّش بالسفن الأخرى. وقتلت إيران بالفعل اثنين من أفراد الطاقم في الهجوم في يوليو/تموز. وهي تنظر إلى هذه المياه باعتباره فناءً خلفياً لها، وتحب أن تتباهى بقدرتها على مضايقة الولايات المتحدة وغيرها.
في مايو/أيَّار ويونيو/حزيران 2019، على سبيل المثال، أزالت الألغام قبالة سواحل الإمارات، وقالت في أكتوبر/تشرين الأول إنها اعترضت سفينةً تابعةً للبحرية الأمريكية. وفي أبريل/نيسان، أطلقت البحرية الأمريكية طلقاتٍ تحذيرية بعد أن تحرَّشَت إيران بسفينةٍ أمريكية.
تسعى إيران إلى تعزيز قدراتها البحرية، وتستخدم طائراتٍ مسيَّرة وقوارب سريعة، وقد أبحرت اثنتان من سفنها مؤخَّراً إلى روسيا، بحسب تقرير لصحيفة Jerusalem Post الإسرائيلية.
وتعني التوتُّرات بين إيران والولايات المتحدة أن أحد هذه الحوادث قد يخرج عن السيطرة.
تريد طهران اختبار إصرار الولايات المتحدة، ومن غير الواضح كيف سترد الولايات المتحدة على الحادث الأخير. قد يصبح الحادث مجرد قصة أخرى عن استيلاء إيران على سفينةٍ غير تابعةٍ لها، مثل قصة سفينة غلف سكاي، التي اختفت عام 2020 ثم عادت إلى الظهور في إيران -أو قد يصبح قصةً أسوأ بكثير.