عندما قرر المكون العسكري في الحكومة السودانية إزاحة المكون المدني منها، ووضع رئيس الوزراء السوداني تحت الإقامة الجبرية، في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، تفاوتت مواقف القوى الإقليمية من وصف ما حدث بالانقلاب.
جاء هذا التفاوت بسبب وجود قوى إقليمية مهتمة بدعم الطرف العسكري في المعادلة السودانية، في مقابل قوى إقليمية أخرى ترفض انفراد هذا المكون بالحكم في السودان، وتعد القوى الخليجية ساحة مناسبة للتعرف على هذا الموقف، نظراً لأنه يحتوي على وجهتي النظر، فلا يمكن الحديث عن موقف موحد للدول الخليجية من السودان، ذلك أن هناك تفاوتاً كبيراً بينها، فهناك قوى خليجية تدعم الأنظمة العسكرية في مصر وفي تونس وفي ليبيا وحديثاً في السودان، في حين أن دولاً خليجية أخرى ترى أن انتشار الديمقراطية في الوطن العربي لن يضيرها، وترى أن المنطقة تجاوزت مرحلة الانقلابات العسكرية، ويجب ألا تعود إليها مجدداً، كما أنها تعمل على أن تكون مؤثرة على المستوى الإقليمي والدولي بالأدوار التي يمكن أن تقوم بها، الأمر الذي يدفعها لاتخاذ موقف معين يسمح لها بذلك، ويمكن رصد أبرز المواقف الخليجية من هذه الأزمة على النحو التالى:
التطورات السودانية:
رغم أن ما حدث في السودان لا ينطبق عليه أي توصيف آخر، سوى أنه انقلاب عسكري وانفراد من جانب القوات المسلحة بالهيمنة على السلطة وإزاحة المكون المدني من السلطة، واعتقال الوزراء وفصل السفراء وفرض الإقامة الجبرية على رئيس الوزراء، فإن الفريق أول عبد الفتاح البرهان يرى أن هذه الإجراءات بما فيها تعديله لمجموعة من المواد الدستورية خطوة لتصحيح المسار الانتقالي، ويأمل في دعم إقليمي ودولي لإحكام قبضته على السودان، ومن ثم يبقى استتباب الأمر للانقلاب في السودان معلقاً في ظل زيادة التصعيد الدولي ضده، سواء بنجاح بريطانيا في تمرير قرار في مجلس الأمن يصف ما حدث بأنه استيلاء عسكري على السلطة، ويدعو الجيش لإعادة القيادة المدنية إلى ما كانت عليه، وكذلك إدانة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا والعديد من الدول للخطوة، بالإضافة لقرار البنك الدولي بتعليق مساعداته للسودان، وتجميد الولايات المتحدة الأمريكية لمساعدات بقيمة 700 مليون دولار، وأيضاً إدانة الاتحاد الإفريقي لما حدث، وقرار مجلس السلم والأمن الإفريقي بتعليق مشاركة السودان في جميع الأنشطة حتى عودة السلطة التي يقودها المدنيون.
من ناحية أخرى، فإن سياسة المكون العسكري السوداني الحالي في التعامل مع المدنيين والمسؤولين (السابقين)، ما بين التوقيف/ الاعتقال، والإفراج، وإعادة التوقيف/الاعتقال، مجدداً يشير إلى أن هناك أطرافاً أخرى في الداخل أو الخارج باتت مؤثرة على قرار البرهان، وتدفعه إلى الاستدراك بشأن القرارات التي يصدرها، الأمر الذي سيكون له تأثيره على مستقبل السودان.
لماذا يعد الموقف الخليجي مهماً؟
يرصد العديد من المراقبين أوجه الشبه بين الانقلاب السوداني ونظيره المصري، الذي وقع عام 2013، ومن ثم يحاول البعض أن يستشرف مستقبل الانقلاب السوداني من خلال إعادة قراءة الحالة المصرية، وخصوصاً موقف القوى الإقليمية التي شاركت بسهم وافر في نجاح الانقلاب المصري آنذاك، بل يمكن القول إنه ما كان للانقلاب المصري أن ينجح بدون الدعم السعودي والإماراتي في المحافل الدولية والإقليمية، ناهيك عن دعمهما الاقتصادي الكبير على المستوى الداخلي، ومن هذا الإطار تأتي أهمية التعرف على الأدوار المختلفة التي تلعبها الدول الخليجية في الانقلاب السوداني، حتى يمكن استشراف مستقبله قياساً على التجربة المصرية.
الموقف الإقليمي:
هناك تباين شديد في الموقف الإقليمي من أحداث السودان، بين من يرى أنه انقلاب تم بدعم إقليمي ملحوظ، حيث ألمحت بعض وكالات الأنباء أن هناك دعماً إقليمياً مستتراً للمكون العسكري، ليستحوذ على السلطة في السودان، خصوصاً في ظل العلاقات الوثيقة التي تربط عبد الفتاح البرهان بكل من مصر والسعودية والإمارات، والدور الذي يقوم به الجيش السوداني في كل من اليمن وليبيا، ويفسر ذلك حالة الارتياح البادية في بيانات الدول الثلاث من الوضع، في حين أن بعض التقارير الأخرى ترى أن الحالة المصرية هي فتور، وليس ارتياحاً، وأن الانقلاب السوداني تم بدون تنسيق مع مصر؛ حيث أكد دبلوماسي غربي كبير لصحيفة الواشنطن بوست ـرفض الكشف عن اسمهـ أن المسؤولين المصريين على الأقل فوجئوا بخطوة البرهان، مشيراً إلى أنه "بدا أن المصريين فوجئوا بتهور الجيش، مثل عدد من الحكومات الغربية".
ورغم ذلك يمكن القول إن التماهي المصري مع الانقلاب السوداني أمر مفهوم في ضوء العلاقات الوثيقة التي تربط النظام المصري بالمكون العسكري السوداني، كما أن غياب الديمقراطية في السودان يحقق هدفاً استراتيجياً لمصر، كذلك فإن إسرائيل يبدو أنها تؤيد الانقلاب السوداني، في ظل العلاقات الرسمية التي باتت تربطها بالبرهان منذ أكتوبر/تشرين الأول 2020، فهي تعتبر أن مثل هذه الأنظمة أيسر في التعامل معها من الحكومات المدنية والديمقراطية، وعلى الرغم من أن هذا التحليل يركز بالأساس على الموقف الخليجي، فإن الإشارة العابرة للموقف المصري والإسرائيلي تُعد إشارة مهمة لفهم جوانب الموقف الخليجي، الذي بات يرتبط بموقف الدولتين بدرجات وبصور مختلفة لا يمكن تجاهلها.
الموقف السعودي
فيما يبدو أن الموقف السعودي من الانقلاب السوداني موقف مركب ومعقد، فالعلاقات السعودية مع المكون العسكري السوداني علاقات وثيقة ومهمة، وللجيش السوداني مساهمات في التحالف العربي في اليمن الذي تقوده السعودية، كما أن السعودية لديها تجربة ناجحة في دعم الانقلاب المصري، وقد يكون الانقلاب السوداني (مناسبة/ محاولة) لتأكيد نفوذها الإقليمي والدولي أو على أقل تقدير بمثابة محاولة لاختبار مدى صمود هذا النفوذ، في ظل ما حدث من تغييرات سواء في السعودية نفسها أو العديد من الدول الأخرى، وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية.
فلا شك أن اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي حدّ كثيراً من فاعلية الرياض على المستوى الدولي، وسقوط ترامب في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، ووصول بايدن الذي لديه موقف سلبي معلن من قيادة السعودية، وخصوصاً من ولي العهد، ومن ثم تظهر السعودية وكأن موقفها معقد أو مرتبك، فمرة تتساهل مع الانقلاب، وأخرى تتواءم مع الولايات المتحدة الأمريكية في رفضها له، وثالثة تلتقي بقائد الانقلاب في السودان، وصنف هذا اللقاء بأنه أول لقاء دبلوماسي دولي مع البرهان عقب قراره حل مجلسي السيادة والوزراء، وإعلان حالة الطوارئ في البلاد.
فقد جاءت التحركات السعودية معبرة عن هذه الصورة، فقد التقى السفير السعودي في السودان مع عبد الفتاح البرهان، بتاريخ 27 أكتوبر/تشرين الأول، وبحث معه تطورات الموقف، وجاء ذلك عقب الاتصال الهاتفي الذي أجراه وزير الخارجية السعودي بتاريخ 26/10/2021 مع وزير الخارجية الأمريكي، والذي أظهر ـبحسب ما نشرته وزارة الخارجية الأمريكيةـ أن السعودية قد تبنت موقفاً مغايراً لما كان عند اندلاع الأزمة، فقد "تحدث وزير الخارجية أنتوني بلينكن مع وزير خارجية المملكة العربية السعودية، وأدان الوزيران الاستيلاء العسكري على السلطة في السودان، بتاريخ 25 تشرين الأول/أكتوبر، وتأثيره على استقرار السودان والمنطقة، وناقش الوزيران أيضاً أهمية التزام كافة الأطراف بالإطار المحدد في الإعلان الدستوري واتفاق جوبا للسلام، وأشارا إلى أن عدم الالتزام يعرض الدعم الدولي للسودان للخطر.
ويلاحظ التواصل المكثف الذي تقوم به المملكة في هذه الأزمة على خلاف العديد من القوى الإقليمية الأخرى، حيث أجرى الوزير السعودي اتصالاً هاتفياً مع وزير الخارجية البريطاني، وتلقى بتاريخ 25 أكتوبر/تشرين الأول اتصالاً هاتفياً من وزير خارجية إريتريا، كما استقبل وزير الدولة السعودي لشؤون الدول الإفريقية سفير الاتحاد الأوروبي لدى السعودية، وبحث معه تطورات الأزمة السودانية.
كل ذلك يختلف مع الموقف المبدئي الذي اتخذته السعودية عقب الانقلاب مباشرة، وما تضمنه بيان وزارة خارجيتها الصادر بتاريخ 25 أكتوبر/تشرين الأول، من مفردات عامة بشأن انقلاب السودان، وجاء فيه أنها تتابع بقلق واهتمام بالغ الأحداث الجارية في جمهورية السودان، وتدعو إلى ضبط النفس والتهدئة، وعدم التصعيد، والحفاظ على كل ما تحقق من مكتسبات سياسية واقتصادية، وكل ما يهدف إلى وحدة الصف بين جميع المكونات السياسية في السودان، وهو ما يتضح منه عدم معارضتها الحادة للانقلاب العسكري السوداني.
من ثم فإن التحرك السعودي يبدو واضحاً للعيان، فهي كانت أول من يلتقي البرهان رسمياً عقب الانقلاب، كما أنه فيما يبدو أن لديها وجهة نظر تحاول أن تطرحها على الدول الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، ورغم عدم تأثيرها على موقف هذه الدول، فإن ما حدث هو العكس وهو أمر طبيعي في العلاقات بينهم، فالسعودية تعيش في حالة من الاعتبارات المتناقضة في السياسة الخارجية؛ فهي تريد أن يكون لها سمت خاص بها وفي الوقت نفسه لا تقدر على معارضة الولايات المتحدة الأمريكية لاعتبارات كثيرة سبقت الإشارة إلى جانب منها.
وماذا عن الموقف الإماراتي؟
أصدرت وزارة الخارجية الإماراتية بياناً بتاريخ 25 أكتوبر/تشرين الأول أكدت فيه أن دولة الإمارات تتابع عن كثب التطورات الأخيرة في جمهورية السودان، داعية إلى التهدئة وتفادي التصعيد وحرصها على الاستقرار وبأسرع وقت ممكن، وبما يحقق مصلحة وطموحات شعبه في التنمية والازدهار، وأكدت وزارة الخارجية والتعاون الدولي على ضرورة الحفاظ على ما تحقق من مكتسبات سياسية واقتصادية، وكل ما يهدف إلى حماية سيادة ووحدة السودان، ومؤكدة وقوفها إلى جانب الشعب السوداني الشقيق، ولم يصدر عن الإمارات أي ردود أفعال أخرى معلنة بشأن السودان.
ويعكس هذا البيان موقف الإمارات من ترحيبها بالانقلاب العسكري السوداني، وهي في ذلك تتواءم مع الموقف المصري والموقف السعودي، والموقف الإسرائيلي، ويتسق الموقف الإماراتي مع عمق العلاقات بين الإمارات والمكون العسكري السوداني ممثلاً في عبد الفتاح البرهان والتي يمكن وصفها بالوثيقة، فقد رصدت وسائل الإعلام زياراته المتكررة إلى الإمارات والتي تزيد عن أربع مرات منذ عزل الرئيس السابق عمر البشير ما بين زيارات علنية وسرية، ناهيك عن عدد كبير من الاتصالات الهاتفية بينهما.
أيضاً حرصت الإمارات على دعم المجلس العسكري بالاشتراك مع السعودية وقدما حزمة اقتصادية مشتركة بلغت ما يقرب من 3 مليارات دولار، في المقابل لم يبخل المكون العسكري بتقديم السودانيين لخدمة الإمارات في ليبيا، وقد خرج الشعب السوداني في مظاهرات للتنديد بذلك، وقد يكون إقصاء وزير الإعلام السوداني فيصل محمد صالح في التعديل الوزاري الذي جرى في 18 فبراير/شباط 2021 ثمناً للمؤتمر الصحفي الذي عقده قبل الإقالة بأقل من شهر 29/1/2021م والذي أعلن فيه عقب المظاهرات الشعبية أن بلاده طالبت الإمارات بإعادة مواطنيها المرسلين إلى ليبيا، بعد قيام أبو ظبي بإرسال مواطنين للقتال في ليبيا، بدل العمل في خدمات أمنية داخل الإمارات، حسب عقود مبرمة معهم من قبل شركة إماراتية.
ماذا عن الموقف القطري؟
أصدرت وزارة الخارجية القطرية بياناً بتاريخ 25 أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت من خلاله أنها تتابع بقلق التطورات الحالية في السودان، وتدعو كافة الأطراف إلى عدم التصعيد، واحتواء الموقف وتغليب صوت الحكمة، والعمل بما يخدم مصلحة الشعب السوداني نحو الاستقرار والعدالة والسلام، وتتطلع دولة قطر إلى عودة العملية السياسية تحقيقاً لتطلعات الشعب السوداني.
ويعد البيان القطري هو الوحيد الذي تحدث عما أسماه "عودة العملية السياسية"، مما يعني رفضه للانقلاب العسكري في السودان، ورغم أن قطر لم تذكر في بيانها وصف "انقلاب" بشكل صريح إلا أن البيان أشار إلى أن ما حدث هو خروج عن الطور السياسي الطبيعي وأنه ضد تطلعات الشعب السوداني، من ناحية أخرى تأكد هذا التوجه القطري في تغطية قناة الجزيرة التي حرصت على وصف ما حدث بأنه انقلاب مكتمل الأركان.
التفاوت بين دول الخليج من انقلاب السودان
يلاحظ من البيانات والتحركات السياسية؛ أن الدول الثلاث تتخذ موقفاً حذراً من انقلاب السودان، وأن الموقف السعودي هو الأبرز في هذا السياق، ويبدو أنها تحاول أن تلعب دوراً دولياً لصالح هذا الانقلاب، وقد تكون هذه التحركات بصورة فردية أو بتنسيق مع الإمارات التي لن تتوانى عن دعم البرهان.
ومن المتوقع أن تشهد الأيام القليلة القادمة الإعلان عن تقديم دعم مالي للحكم العسكري السوداني في ظل ما يربطها مع البرهان وحميدتي من علاقات وثيقة وتفاعل مباشر بينهم، في حين أن الموقف القطري واضح من البداية؛ فالقنوات الرسمية للدولة لم تستخدم كلمة انقلاب ولكنها لا تقبل ما حدث، ومن ثم فإن ذلك يجعلها مقبولة من جميع الأطراف السودانية الأمر الذي يعني أن قطر يمكن أن تقوم بأدوار سياسية بين القوى السودانية مستقبلاً.
فسياسة قطر الخارجية تعتمد على التأثير في القضايا الإقليمية والدولية وقد نجحت في ترسيخ هذه المكانة في السنوات الأخيرة وباتت تعتبرها ركيزة أساسية في أمنها القومي، كما أن نجاحها في العديد من الملفات الشائكة أكسبها خبرات وقبولاً دولياً لدى العديد من الأطراف للقيام بمثل هذا الدور، ومن ثم فإن الموقف القطري متسق مع سياسة قطر الخارجية وسعيها لأن يكون لها دور في الإقليم وأن تلعب أدوار الوساطة في المستقبل، وهو دور يختلف عن الأدوار التي تسعى لها الأطراف الإقليمية الأخرى.
إعادة تموضع للسياسة الأمريكية في المنطقة
لا يمكن فهم الموقف الخليجي من الانقلاب السوداني بعيداً عن السياسة الأمريكية في المنطقة التي باتت حريصة على أن تخفض حدة الصراع، وتتفرغ لمواجهة الصين وروسيا، ولعل الاجتماع الذي عقد مؤخراً في العراق برعايتها تحت عنوان قمة بغداد للتعاون والشراكة في أغسطس الماضي يؤكد على أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع من يريد أن يعزف لحناً مختلفاً عنها، وذلك بأساليب ليست عسكرية، ومن ثم فهي لن تسمح بمثل هذا الانقلاب في السودان على غير رغبتها، ومن ثم فإن الانقلاب السوداني الحالي طالما على غير رغبة الولايات المتحدة الأمريكية فلن تستطيع أي قوة إقليمية أن تسير به إلى منتهاه، وأقصى ما يمكن لهذه القوى أن تقوم عليه هو التوفيق بين الرغبة الأمريكية والإمكانات الإقليمية في الضغط لإخراج المشهد بما فيه مصالح للجميع، ومن ثم قد نرى نموذجاً سودانياً قد يكون ملهماً للمنطقة لاحقاً، يحافظ على المكون المدني دون إقصاء للمكون العسكري مع قبول إمكانية الاستعانة بأشخاص مدنيين آخرين يحظون أيضا بالقبول الدولي، وإن كانت العودة للاستعانة بشخصيات ذات توجه إسلامي سوداني أمراً مستبعداً من قبل القوى الإقليمية التي لن تسمح للبرهان بذلك.
احتمالات حول مستقبل الانقلاب السوداني:
فيما يبدو أن الوضع في السودان سيدخل في مرحلة طويلة من عدم الاستقرار، فالموقف الدولي الواضح من رفض الانقلاب السوداني من المتوقع أن يكون له تأثيره، خصوصا أن المكون المدني في المعادلة السودانية لا يتبنى أطروحات ضد التعهدات الدولية والسياقات السياسية التي اشتركت فيها السودان مؤخراً ومنها التطبيع مع إسرائيل، مما يعني أن الرهان الغربي على المكون المدني معروف أبعاده وحدوده وليس مجهولا لهم، وبالتالي فإن رفضهم للانقلاب قد يستمر لأبعد مما يتوقع البرهان ومؤيدوه في الداخل وفي الإقليم.
كما أن الإدارة الأمريكية الحالية لديها موقف واضح من الانقلابات العسكرية ومن ملف حقوق الإنسان وستعتبر أن الأزمة السودانية هي بمثابة مقياس لمدى نجاحها وتأثيرها في الإقليم، ولذا فهناك حرص أمريكي على التواصل مع العديد من الفواعل الإقليمية المؤثرة في المنطقة للسيطرة على الموقف ومحاصرته، وذلك في إطار سياستها في خفض التصعيد في المنطقة.
التباين الخليجي من الانقلاب السوداني هو أمر طبيعي ويتسق مع سياسات كل من دول الخليج، فالسعودية والإمارات لديهما سوابق في دعم الانقلابات وإفشال الديمقراطيات، في حين أن قطر تعمل على أن تقوم بأدوار مستقبلية في مثل هذه الصراعات، ومن ثم فهي تحتفظ لنفسها بمسافة على المستوى الرسمي، وعلى المستوى الإعلامي، وقناة الجزيرة تعبر عن موقفها من رفض الاستيلاء العسكري، لأنها ترى أن ذلك يشجع أي عسكري في أي دولة من دول المنطقة أن يراوده حلم الانقلاب العسكري.
أيضاً قطع بيان مجلس الأمن الرافض للاستيلاء العسكري على السلطة في السودان، والمطالب بإعادة القيادة المدنية للحكومة السودانية، الطريق أمام أي دولة في أن تعلن تأييدها له، وبات من الواجب عدم الخروج عن الشرعية الدولية في رفض الانقلاب العسكري في السودان.
هذه السياقات جميعاً تؤكد أن الوضع في السودان معقد، ويحتاج لتكاتف القوى الدولية والإقليمية للخروج بالسودان من منزلقات العنف أو التفكك والانقسامات الداخلية، خصوصا أن الأوان لم يفت، ولم ترتكب المجازر- حتى الآن- مثلما حدث في انقلابات أخرى.
قد تسفر السياسة الدولية والإقليمية بشأن السودان عن طرح بديل مدني آخر تتفق عليه الأطراف الداخلية والخارجية بعيداً عن عبد الله حمدوك ويقوم بتشكيل حكومة جديدة، ويتم ترتيب الشراكة مع المكون العسكري بصورة جديدة، وقد يراعى فيه أن تكون إقصائيته للمكونات السودانية الأخرى أخف من حمدوك، وإن كانت الأطراف الإقليمية لن تسمح بوصول إحدى شخصيات المكون الإسلامي السوداني، وبالتأكيد لن تكون الولايات المتحدة الأمريكية معترضة على ذلك.